البيعة والشوری في ولاية الفقيه

اعتنى بنظرية البيعة بعض الذين كتبوا في ولاية الفقيه وجعل البيعة مما تتوقف عليها ولاية ولي الأمر وإن كان معصوماً.
Wednesday, March 25, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
البيعة والشوری في ولاية الفقيه
 البيعة والشوری في ولاية الفقيه

 






 

اعتنى بنظرية البيعة بعض الذين كتبوا في ولاية الفقيه وجعل البيعة مما تتوقف عليها ولاية ولي الأمر وإن كان معصوماً.
وقد عرفت البيعة بأنها العهد على الطاعة.فلنر إلى أي حد تصلح البيعة لإنشاء ولاية في الشريعة الإسلامية.

أدلة القول بالبيعة

الدليل الأول: الإستدلال بسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام، حيث قيل: لو لم يكن لها أثر في تثبيت الإمامة وتحقيقها فلِمَ طلبها رسول الله لله لنفسه ولأمير المؤمنين ؟ ولِمَ كان أمير المؤمنين عليه السلام يصر عليها في بعض الموارد ؟ ولِمَ يُبايع صاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف بعد ظهوره، بالسيف والقوة؟.

ويناقش هذا الاستدلال بما يلي:

أولاً: إن البيعة تتوقف قيمتها على إثبات أن من حق الأمة أن تولي على نفسها من تشاء، فلو ثبت شرعاً أن الأمة لا تملك مثل هذا الحق لانتفت البيعة بمعنى إعطاء ولاية، ولم يصح جعلها واسطة ثبوتية في ثبوت ولاية الولي.
ثانياً: البيعة حسبما نفهمه من موارد استعمالاتها في الكتاب الكريم والسنة، وخاصة إذا لوحظت بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو الأئمة المعصومين عليهم السلام، هي فعل يتصف بصفة الوجوب ويكون محلها متأخرا عن ثبوت حق الطاعة للشخص المراد عقد البيعة له، وإذا كانت البيعة كذلك فلا تكون طريقاً لتعيين الولي، بل لا بد من طريق آخر له وهو بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبوته، وبالنسبة للأئمة عليهم السلام إمامتهم الثابتة بالنصوص والأدلة المذكورة في علم العقيدة، وبعد معرفة الولي يأتي حكم تكليفي على جميع المكلفين بوجوب مبايعة هذا الولي.
أما لماذا طلبها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه، فربما لأنه كان في بداية الدعوة للإسلام وكان على القوم أن يعرفوا ما هو الذي ينتظرهم وهم في بداية الطريق، فكان يريد أن يعرف من الذي سيلتزم معه ومن الذي سوف لا يلتزم، ولم يكن يهدف من البيعة إثبات ولايته عليهم حتى يستفاد من فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن البيعة من مثبتات الولاية.
أما لماذا طلبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام، فلأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أراد من البيعة أن تكون وسيلة لترسيخ فكرة تعيين الإمام عليه السلام ولياً، فإن إقتران اعلان الولاية بالبيعة يجعل الحادثة ملتصقة في الأذهان أكثر، وليس في هذا ما يدل على أنها وسيلة شرعية لإثبات الولاية.
أما إصرار الإمام علي عليه السلام عليها، فهذا لا أدري من أين أتى به القائل، وإنما أصر القوم على إعطائه البيعة لا أنه أصر على طلبها.
الدليل الثاني: الروايات الواردة في البيعة، حيث قد يستدل على مشروعية البيعة بالإضافة إلى ما تقدم، بجملة من الروايات وردت في نهج البلاغة وغيره:
منها: قول أمير المؤمنين عليه السلام لما أرادوا بيعته بعد قتل عثمان: "دعوني والتمسوا غيري... واعلموا إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً"(1).

ويرد على هذا الإستدلال بالرواية:

أولاً: لو كانت البيعة منشأ للولاية، لكانت شروطها هي النافذة، بينما الإمام يصرح بأنه سيسير بطريقة لن يهتم بعدها باعتراضاتهم.
ثانياً: لو افترضنا أنه عليه السلام قال هذا الكلام نقول: إن الأمة عندما أقبلت على الإمام عليه السلام لم تقبل عليه بصفته الأساسية وهي الإمامة المجعولة من قبل الله تعالى، بل أقبلوا عليه وفي نفوس بعضهم أن لهم المنة عليه أن اختاروه لهذا المقام، وفي ظنهم أنه عليه السلام متلهف له مستعجل إليه، والإمام في تلك المرحلة من الزمن لم يعد يكثر من المطالبة بحقه الشرعي الذي هو حق الله على الأمة، عملاً بمقالته التي أطلقها "لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين"، وصار يماشي القوم في ما تبانوا عليه من أن الأمر أمرهم يختارون من يرونه مناسباً لتولي الحكم فيهم، والذي قاله الإمام عليه السلام في هذه الرواية ناشئ من هذه الخلفية وليس من خلفية أنه عليه السلام مقتنع بأن الأمر أمرهم، وكيف يمكن أن يقدم الإمام عليه السلام مثل هذا الإقرار.
ومما يدلك على أن الإمام كان يلزم الناس بما ألزموا به أنفسهم وكان يماشيهم ولم يكن أبداً في صدد إمضاء وإعطاء شرعية للبيعة قوله عليه السلام في نهج البلاغة: "فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فيّ‏َ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر، لكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا".
ومنها: ما في نهج البلاغة أيضا من قوله عليه السلام في كتاب له لمعاوية:
"إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً، كان ذلك لله رضا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى... إلى أن يقول: واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا المشورة"(2).
والجواب على هذا الدليل: إن هذا الكلام، لو فرضنا وروده عنه، إنما أورده الإمام عليه السلام في كتاب له إلى معاوية يحتج له به على انعقاد خلافته وأنه لا يجوز لمعاوية النكوص عنها والخروج عن طاعة الإمام، ومن الواضح أن معاوية لا يؤمن بالنص، فلا سبيل للإحتجاج عليه إلا بما يؤمن به أو بما لا يمكنه الفرار منه، ولذا بدأ الإمام عليه السلام بقوله: "وإنما بايعني الذين بايعوا..." الذي يعني انه ليس لك عذر في التخلف عن حكمي كما ألزمت نفسك بمن سبقني.
ولو لاحظنا نهاية ما أوردناه من كلامه عليه السلام لاتضح المقصود بشكل أفضل، فكأن الإمام عليه السلام يستدل على مقصوده من ردع معاوية عن التخلف وعن التمرد، فيخاطبه بأن الذي بايعني هم من لهم حق الشورى في نظرك أو في الجو السائد وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، وهؤلاء قد بايعوا، أما أنت فلست من الأنصار ولا من المهاجرين، لأنك كنت أسيراً يوم فتح مكة ولا هجرة بعد الفتح، فليس لك إلا أن تطيع.

البيعة في القرآن‏

لقد تحدث القرآن عن البيعة في مواضع كثيرة وكلها تشير إلى المعنى الذي ذكرناه.
منها: قوله تعالى في ما أنزله يوم الحديبية: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾(3).
ومنها: قوله تعالى في نفس المناسبة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾(4).
ومنها قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(5).
إن الذي نفهمه من هذه الآيات أن مورد البيعة الدخول في الإسلام أو الجهاد ونحوه من الموارد التي تتطلب توطين النفس على البلاء، ولا تدل الآيات على أن البيعة هي التي تسبب الإلزام في رقبة المبايع، وإلا فما معنى أن تبايع النساء على ترك الشرك وترك المنكرات والمحرمات، فهل إن الإلزام بترك الشرك يتوقف على البيعة أم أن الإلزام بترك السرقة يتوقف عليها؟
ثم أين أصبح قوله تعالى ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾(6) وقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾(7). وقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾(8).
إننا لا نفهم من آيات البيعة إلا ما جاء في آية اخرى تحدثت عن بيع وشراء بين الله تعالى وعباده المؤمنين: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾(9).

نظرية الشورى‏

قد يطرح بحث الشورى كدليل على أن الولاية تعطى من الأمة، إذ لو لم يكن الأمر كذلك لم يكن هناك وجه للشورى في تعيين الولي واختيار النظام.
لكن لو تأملنا في كل الأدلة التي قد تذكر للشورى فلن نصل إلا إلى النتيجة القائلة: "يستحسن للولي أن يستشير" وإن كان قد تجب الإستشارة على الولي غير المعصوم، لكن ليست الآيات هي الدليل على هذا الوجوب.

أدلة الشورى:

قد يستدل للشورى بآيتين من القرآن وهما:
الآية الأولى: قوله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾(10).
والإستدلال بهذه الآية على لزوم الشورى يتوقف على أن يكون قوله تعالى "وشاورهم" للوجوب.

ولنا حول هذا الإستدلال ثلاث مناقشات:

المناقشة الأولى: أن الآية لا دخل لها بما ذهب إليه صاحب النظرية، فلا ربط لها بقضية أن الوالي يكتسب ولايته من الناس ولا بقضية أن طبيعة النظام وشكل الحكم مأخوذ من الناس، وفي أقصى الأحوال تدل على لزوم الإستشارة على الوالي، ولا ملازمة بين الأمرين، لأن كون الحكم عن شورى، أو كون النظام عن شورى، أو كون الولاية نتيجة الشورى يعني أنه لا يحق لأحد أن يتولى من غير رضا الأمة ولا أن يتفرد بالقرار، وأن يكون القرار لمجموع أعضاء الشورى أو للأكثرية منهم، ولكن الآية أمرت فقط بأن يستشير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولم تشترط في القرار أن يصدر عن هذه الشورى.
المناقشة الثانية: أن في الآية قرينتين لحمل الأمر المذكور على الإستحباب:
القرينة الأولى: سياق الآية، حيث إن سياق الآية يفيدنا أن الحديث عن صفات كمالية في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كمعصوم، وليس عن أمور يجب عليه مراعاتها كحاكم، فهو لله الشخص الرحيم بالعباد اللين القلب ولولا ذلك لانفضوا من حوله، وهذه الصفات الحميدة في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من طبيعتها أن يتفرع عنها فعل العفو عنهم والإستغفار لهم ومشاورتهم، ولذا طلبها تعالى منه لله، فحال هذا الخطاب كقولك لشخص وجدته قد تنازع مع غيره فقلت له: إنك أعقل منه وأكبر منه فانصرف عنه أو فاعطه ما يريد، فهل يفهم أحد من هذا الكلام الوجوب، أو أن ذلك الغير صار صاحب حق.
القرينة الثانية: كون الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن توجيه الخطاب في الآية الكريمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدل على أن الأمر بالمشاورة ليس للوجوب، لأنه اتفقت كلمة المسلمين على أنه لله لا ينطق إلا بالحق، وأنه معصوم وعصمته تغنيه عن الإستشارة وتمكنه من إعطاء الموقف المطلوب بدون استشارة، فيصير الأمر بالمشاورة لا لحاجة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إليها بل إرفاقاً بالمسلمين وإشعاراً لهم بالمشاركة فيما يقرره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
المناقشة الثالثة: إن في الآية قرينة على أن ليس المقصود من الآية إلزامية الشورى على مستوى النتيجة، وهي قوله تعالى في خطابه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: "فإذا عزمت فتوكل على الله". وهذا يعني أن القرار في نهاية الأمر قراره، وأنه وإن كان ملزماً بالإستشارة، لكنه غير ملزم بالعمل بها وبما يشيره المشيرون سواء اتفقوا او اختلفوا، ويكون الداعي لوجوب الإستشارة، لو سلمنا دلالة الآية عليه، هو الإرفاق المذكور.
ويشبه هذا ما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لعبد الله بن العباس وقد أشار عليه في شي‏ء لم يوافق رأيه، أي رأي الإمام عليه السلام ويبدو أن عبد الله قد أصابته حزازة من جراء ذلك فقال له عليه السلام: "عليك أن تشير عليّ‏َ فإذا خالفتك فأطعني".
ونحن لا مشكلة لدينا في إلزام الولي غير المعصوم بالشورى، بمعنى أن يستشير ذوي العقل والرأي والإختصاص، كما أنه لا مشكلة لدينا في كون الشورى في عصر الغيبة وسيلة من وسائل تعيين الولي والتي قد تترجم في المصطلحات العصرية بكلمة الإنتخاب، لكن ليس الدليل عليه هو هذه الآية، كما أن الإنتخاب بالمعنى الذي ذكرناه سابقاً لا ربط له بإعطاء شرعية للوالي.
الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾(11).
وهذه الآية أقوى دلالة للقول بالشورى، بعدما وصفت أمر المسلمين بأنه شورى بينهم، فهي تصلح مبدئيا للإستدلال بها على كون الحكومة في الإسلام مرتبطة بالشورى بين المسلمين، وأنه لا بد من هذه الشورى على مستوى تعيين الحاكم وتحديد طبيعة النظام السياسي والصلاحيات وكل ما يرتبط بأمور المسلمين، وكل ذلك هو تعبير آخر عن ولاية الأمة على نفسها.
مناقشة الإستدلال: ويناقش الاستدلال بهذه الآية: بأن الحديث فيها إما أن يكون عن خصوص مجتمع المسلمين في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو مجتمعهم في كل العصور، وعلى كل تقدير يجب أن يكون عصره صلى الله عليه وآله وسلم مشمولاً للآية لأنها مورد نزولها، ونحن نعلم بالقطع واليقين أن أمر المسلمين لم يكن كذلك في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا على مستوى حكومة الرسول وولايته ولا على مستوى إدارته وحكمه واختياره الشكل المناسب للحكم، بل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحاكم بأمر من الله تعالى، ولم تكن طريقته في الحكم إجراء استفتاء من المسلمين على شكل الحكم أو غير ذلك مما يتعلق بأمور الحكم، بل كانوا ينقادون لأوامر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى وإن كانت مخالفة لآرائهم كلهم أو لأكثريتهم، لأن هذا ما تعنيه للمسلمين جميعاً ولاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولقسم من المسلمين ولاية الأئمة عليهم السلام الآتية من قبل الله تعالى لا من قبل الناس، فلو كانت الآية دالة على ولاية الأمة على نفسها وأن الرسول مجرد رجل من المسلمين، لكان هذا يعني إبطال ولايته لله، ولا يقول بذلك أحد.
فحتى يتم الإستدلال بالآية بالنحو المذكور يجب فرض أن مضمون الآية لا يشمل مجتمع الرسول، وهذا غير ممكن، لأن الآية التي تنزل في مورد لا بد على الأقل أن تشمل موردها، وعليه فيجب تفسير الآية بما يلائم انطباق الآية على ذلك المجتمع، والذي يرومه المستدل مخالف له.
والتفسير الصحيح، أن يقال: إن الآية تحمل دعوة إجمالية لعموم المسلمين تدعوهم إلى التعاضد والتكاتف كمجتمع متجانس يستشير بعضهم بعضاً في أمورهم الشخصية، وأن هذا هو شأنهم الذي ينبغي أن يكونوا عليه، وهذه دعوة في سياق دعوتهم إلى صفات حميدة أخرى. وهي دعوة لم يلحظ فيها الشؤون العامة للمسلمين، ولو فرضنا ملاحظة هذه الشؤون فهي لا تشمل أمر الولاية والحكومة وشؤونها وما يتعلق بها.
ولو فرضنا أنها تشمل بالإطلاق الحكم وشؤونه، فهي تشمله ضمن هذا السياق، وليس ضمن سياق إلزامي يعبر عن نظرية كما أرادها المستدل، لما بيناه سابقاً.
المصادر :
1- نهج البلاغة، ج1، ص281 لمحمد عبده
2- نهج البلاغة ج3، ص8 لمحمد عبده الكتاب السادس
3- الفتح: 18
4- الفتح: 10
5- الممتحنة: 12
6- الأحزاب: 6
7- الأحزاب: 36
8- النساء: 59
9- التوبة: 111
10- آل عمران: 159
11- الشورى: 37 و38



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.