جدير بمن كان يصطفيهم الانبياء ان يكونوا القدوة لكل جيل من الاجيال، يجب على المؤمنين الاقتداء بهم والاسترشاد برشدهم وحقيق بالمؤمنين اتباعهم في الطريق التي يسيرون عليها لانهم لا يدلون الا على خير ولا يرشدون الا الى حق كما ورد في الحديث عن عمار بن ياسر " يا عمار ان سلك الناس كلهم واديا وسلك عليا واديا فاسلك وادي علي وخل عن الناس ان عليا لا يردك عن هدى ولا يدلك على ردى يا عمار طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله " واصحاب محمد صلى الله عليه وآله أو بتعبير اوسع المسلمون وان بلغوا مئات الالوف في عهد صاحب الرسالة (صلی الله عليه وآله وسلم)ولم يكن طريقهم الى الدين طريقا واحدا ولم يكن هدفهم واحدا ولم يصل الدين الى اعماق قلوبهم بنسبة واحدة والذين امتازوا بهديهم واخلاقهم وكمالهم النفسي كانوا افرادا قلائل اولئك النخبة الممتازة ة ومن بين هذه النخبة الممتازة افراد هم الصفوة الصفوة ولباب اللباب هم " اهل بهلة الانبياء " وموضع عناية الله سبحانه وهداة الخلق الى الحق لا يقاس بهم احد ولا يساويهم في المنزلة عند الله احد وهم " سجية الانبياء وصفوتهم " الذين اصطفوهم من بين سائر المؤمنين ولو سئل الله بهم سؤال السائلين
وما كادت تطالع اساقفة نجران ان وجوه اهل بهلة الانبياء حتى ارتدوا على اعقابهم ترتعد فرائصهم بعد لم يثوبوا الى رشدهم من الدهشة التي اخذتهم حينما شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى طالعتهم هذه الوجوه المشعة بالنور الرباني في الساعة الحاسمة فاحتوتهم الدهشة ثانية وطاشت عقولهم فقد رأوا وجوها لو سئل الله ان يزيل بها جبلا لازاله ودنت اللحظة الفاصلة التي كادت ان تفصل بين عهدين، وتحسم بين مبدأين الى النهاية ة التي لا تتصل بحد من الزمن، وقد جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقول الفصل من امره وامرهم، ولا بقاء على الدوام الا للاصلح ولا شك بان المسيحية لم يبق لها شكلها الروحي، والعالم يحتاج المصلح الذي يطهر العقيدة من دنس الرذائل التي عمت اطراف العالم
واسقف نجران ابى وامتنع عن ان يباهل، فان تلمس الحقيقة في الوجوه التي خرجت لتباهله وليس في نجران ولا في غيرها من يدفع لعنة الله الحاطمة والعذاب النازل فيما لو سأل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ربه ان يجعل لعنته على الكاذبين ورفعت تلك الايدي للتأمين على دعاء نبيه، وعرفوا انه لن يخطئهم السهم المراش فيما إذا باهلوه وانهم في نقطة التحول، والعقل لا يتصورفي البراهين اقوى من برهان الوجدان والعيان وهذه سحب البلاء تتدافع في الفضاء وعرفوا ايضا ان النصرانية قد بلغت حدها المحدود برسالة محمد صلى الله عليه وآله وانتهى اجلها الذي اجلت له وانطوى بين تلافيف الزمن كما طويت شرائع من قبل وليلحق آخرها باولها وحاضرها بماضيها واستيقن الاسقف ان يومهم هذا لم يعد موصولا بماضيه، وانما هي شريعة جديدة وعدوا بها على لسان السيد المسيح، وكتاب جديد ورسالة نهجت للناس الطريق الامثل ومضت تشق طريقها الى ارواح الناس لتجلوها من صدء الاجرام الخلقي الذي انغمس في مبائتها العالم باسره وهذا محمد رسول الله بحق يتقدم الى الامم وبيده كتاب الله المجيد ينير البصائر، ويرسم المثل العليا من الفضائل التي تأخذ بيد البشرية الى السعادة الدائمة
اجتاز الركب سكك المدينة على خيولهم المطهمة تفوح منه رائحة المسك وعليهم ثياب صونهم من الحرير اللماع، والحبر الموشى، على سرج مزركشة بالذهب الوهاج، قد اعترضوا الرماح على مناسج خيلهم، وكانوا من اجمل العرب صورا وبعد - لم يكن عجبا إذا افنتن الضعفاء بالوفد النجراني الذي يتمتع بكل المغريات للنفوس الضعيفة وليس عجبا إذا كان هذا الوفد حديث اهل المدينة، فقد دخلها وفود كثيرة في السنة العاشرة وقبلها يقدمون الطاعة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن ليس فيهم مثل وفد نجران في معالمه الفاخرة وزينته اللماعة يقول المحارث ابن كعب: " ما رأينا وفد مثلهم "
كانت صورة الوفد تمر في نفس اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم جميعا، ولكنه مرور عابر في نفوس بعضهم، وهي اهون عليهم من أن تثير شيئا، فان الرسالة السماوية نهجت لهم الطريق الامثل على حين استقرارها في نفوس البعض الاخر مجلوة بترفها المغدق، ونعيمها الباذخ، رهيبة اللمعان، رنانة الجرس، هفت إليها النفوس الضعيفة واستوعبت مشاعرا وقلوبا ما اضاءها النور المنبثق من رسالة السماء، والضوء المنير من مصباح محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان الترف الناعم، والنعيم الباذخ، والعيش اللين الذي يتمتع به وفد نجران حديث جماعة من اهل المدينة في سمرهم ومجالسهم واين المحتاج الذي يستطيع ان يرد طرفه عن حياة ناعمة، ونعيم ترف ودنيا مزهوة ؟ وأي المحرومين لا يفكر في هذا النضار الوهاج المدلى في صدورهم ؟ وقد صنعوا منه مقايض سيوفهم ووشوا به حبرهم، وسرج خيولهم، ثم لا تنكمش نفسه ولا يستهويه الذهب اللماع ولم تكن نفوسهم قد اكتملت بمناهج الدعوة الاسلامية ولم تتصل بارواحهم لينظروا الى زخرف الحياة نظر ازدراء وليجعلوا متعها تحت مواطئ الاقدام، فان الاسلام هدى الى الصراط القويم، والهدى رحمة من الله تجلو النفس، وصفاء يمحو الظلمة، وسعادة تصوغ النفس من جوهر تتضاءل امامه المادة فلا يبقى لها اي ثمن
ليلة مظلمة لا يكاد ملتمس يحس فيها بطريقة لولا قبس ترسله النجوم المتلالئة في صفحة السماء تفتح يدها مرة وتقبضها اخرى تقدمت جيوش الظلام تسدل الستائر - وقد القى النهار سلاحه - على يثرب مدينة الرسول صلی الله عليه وآله وسلم ومصدر النور هو ذا الليل يوغل ايغالا ويلبس القضاء بردته السوداء فتمتد على الكون روعبة السكون، وليس فيه ما يعكر صفحة السماء الا هذه الغيوم التي تدفعها الرياح الى الفناء ليلة مشهودة، لم تتصل بما قبلها ولا بما بعدها، فان اضطرابات فكرية ضربت حصارها على الافكار والعقول فحارت في شأنها، فان يدا قوية تمرست بعواصم من القوة لم تؤثر فيها قوة الحق
ليلة مشهودة، تزخر بالحوادث وتموج بالوان من الافكار والناس لا يعلمون انها تحمل الحادث الخطير، وان له شأنا بين الحوادث الخالدة الذكر وكل ما يعلمون ان الافكار تتدافع كلما اجتمع اثنان أو اكثر كما تتدافع امواج البحر في الريح العاصفة فرغ المسلمون من صلاتهم وما كان ليطيب لاكثرهم العودة الى منازلهم ولكنهم تكتلوا في مسجدهم حيث اقاموا صلاتهم يتحدثون كل وما يعنيه من امر الحياة أو شؤون المسلمين العامة ولقد كان الوفد النجراني سفرا ضخما تجمعت فيه كل الاحاديث وفيه نواح كثيرة للحديث فليس عجبا إذا كان حديث جماعات من المسلمين في هذه اللحظة من الزمن الحالك السواد، فقد كان هذا الاغراق في الترف حريا بان يدفع الناس للحديث عنه، وكان هذا العنت الشديد منه حريا بان يكون موضعا للعجب وللحديث، وان النفوس الفاحصة عن الوقائع اميل الى التوغل في الحديث عن نهاية الطاف في الحادث وانه مشهد يعسر نسيانه وفيه مغريات قد لمست اكثر القلوب بكلتا راحتيها
وفي زاوية المسجد حلقة مستديرة كبيرة فيها الوان الافكار ومختلف الاذواق والميول يتصل حديثها بالوفد مباشرة المحارث بن كعب - أرأيتم وفد نجران في معالمه الفاخرة، وزينته وقد ملات القلوب ؟ والحق اننا " ما رأينا وفد مثلهم " ولكن في حديثهم عن المسيح استحالة لا تصل إليها العقول وما اقر بها الى الوثنية التي كنا ندين بها قبل الاسلام، ولا ادري كيف يتوصل العقل البشري الى انحاد اقانيم ثلاثة في حقيقة واحدة ثم لا يؤثر اطلاق الاب على الابن أو الابن على الاب أو هما على روح القديس، ان هذه لشئ عجاب بشير - ليس الذنب ذنب الاديان، وانما الاديان جميعها غايتها الاندماج في الكمال الروحي، وانها جميعها تربط البشرية في فكرة واحدة - الله - الواحد الاحد، وما تراه من تشعب المذاهب، واختلاف العقائد، ليس هو من طبيعة الاديان التي جاءت بها رسل الله الى خلفه وانما هو من ذنب القائمين عليها من بعد الرسل، والفكرة المسيحية التي قررها الانجيل فكرة ة واحدة لا تختلف عن الاسلام وهي لا تتصل بما نراه اليوم من نزاع حول طبيعة المسيح وامه والاقانيم الثلاثة والمسيحية في حقيقتها دين مقدس بحث عن العلاقة بين الانسان وخالقه وبين الروح ومصدرها والشبهات المرتكزة التي نراهها هي بعيدة عن الناموس الاكبر الذي جاء به عيسى بن مريم
وهذه النصرانية المنتشرة في طول البلاد وعرضها واعتنقها الملوك والامراء واهل الغنى والثراء قد تزحلقت الى ما تراه وهي اقرب الى الوثنية: ونجران اهم موطن للنصرانية في البلاد العربية وهؤلاء القسس قد شاهدوا وثنية العرب تنهزم امام الاسلام، وهم اليوم يحاولون ان لا تنهزم النصرانية كما انهزمت الوثنية، ويحاولون ان لا ينخذلوا امام محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما انخذل زعماء الوثنية واذن ليس عجبا ان يظهروا بهذا المظهر الخلاب، واحسب ان الخاطر الاول لهذا الوفد هو العبث بالمسلمين عن طريق الغني والثراء، فانه المشهد الذي يشق طريقه الى النفوس سريعا، ويعسر على الذاكرة نسيانه طوال الايام ولكن ما اقصر مرمى عيونهم، فان رسالة الاسلام مضت تشق طريقها الى الارواح والقلوب، ونهجت للناس المنهج الامثل وتلقى الناس الاسلام مرتاحين إليه فلا يغري المسلمين الثراء وركام المادة قد داسه المسلمون تحت حوافر خيولهم في ساحات التضحية في سبيل الله
انس - التوحيد دعامة الاسلام الكبرى وطبيعي ان يصطدم بالعقائد التقليدية التي عليها الناس ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يدع الى ذلك قبل ان يدعو الى فك قيود العقل والتأمل في ملكوت السماوات والارض والتوحيد اشرف العقائد واجدرها بالانسان في ارفع حالاته العقلية، غير ان هؤلاء القسس لم يأتوا عن طريق المعقول في دعواهم في عيسى عليه السلام، وليس في حقائبهم من البراهين على الثالوث المتحد الا الخوارق التي جاء بها عيسى من ابراء الاكمه والابرص واحياء الموتى وانه خلق من غير اب وليس هذا بالشئ الجديد في رسالة الرسل والانبياء، ولقد كان لموسى من قبل عيسى امثال هذه المعجزات وقد خلق الله آدم من غير أب ولا أم فخلقه ابلغ من خلق عيسى لقد حاججهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن طريق المنطق والعقل الا انه يلوح انهم ركبوا متن غرورهم وسدروا في الغي جاحدين كل دليل وبرهان، وكأنه كتب على الانسانية ان تبقى على الاعين هذه الحجب والغشاوات التي تصد عن الهدى
أبو سعيد - ان الامر تعدى عن طوره المعقول وقد افسد الديانون القائمون على الشرائع وتنفيذها فكرة التوحيد لاهواء نفسية واغراض شخصية وفكرة الله في الاسلام بلغت غاية المثل الاعلى في صفات الذات الالهية المقدسة وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله يحمل بكلتا راحتيه القرآن يشع بالنور وسحر البيان وقد بالغ في تقرير ما ينبغي الاعتقاد به في الذات الالهية كل ذلك بقياس من العقل والمنطق والبرهان الواضح ولكن القسس واتباعهم عصبوا عيونهم بعصابة من التقليد فلم يبصروا النور ولا تلمسوا الهدى الذي يدعو إليه القرآن، وقد غلبت على عقلوهم فتنة البذخ والترف الذي هم عليه ان هذه المتع الجوفاء التي تحجب عن الابصار الضوء، وعن القلوب النور وهذه المعالم الفاخره تسهل السبل للانسان من ان ينغمس في النعيم الزائل، افلا تنظر إليهم وما من واحد منهم الا ويهمس في اذن الاخر مشيرا الى حالة المسلمين الزاهدة، وكيف يولى بني المسلمين الدنيا ظهره معرضا عنها ؟
ولقد حدثني بعض من ارسله النبي الى نجران ان احد رجال هذا الوفد التفت الى محدثه وقال : " اما رأيت ما فعل بنا هؤلاء القوم ؟ اكرمونا ومولونا ونصبوا لنا كنايسنا واعلوا فيها ذكرنا، فكيف تطيب النفوس بدين يستوى فيه الشريف والوضيع " ابن ارقم - هذه حقيقة واضحة يستطيع كل واحد ان يتلمسها في رجال هذا الوفد وكأنهم يرون الحياة في اثوابهم لا بقلوبهم وقديما، قالوا ان قوة المرء بقلبه ورجال نجران انحرفوا عن جادة المسيح عليه السلام الى اصطناع اساليب تضمن لهم العيش باسم الدين في اللحظة الاخيرة ولم تنفع البراهين ولم يؤمن وفد نجران بحجج الوحي المبين اوحى الله تعالى الى نبيه (صلی الله عليه وآله وسلم)" فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم، فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " وليس وراء برهان المشاهدة برهان آخر طائف - ان الله سبحانه امر نبيه ان يباهل وفد نجران صوت ججل في فضاء المسجد رنان الجرس لم يسمعه احد الا تلفت حواليه وتهللت اساريرر وجهه، وسرى في المدينة كنسمة الصبح العليله تحمل صوت الحق الناعم الى النفوس الخاشعة ويعبق شذاها بالامل الباسم في مرحلة التمييز - تمييز الحق من الباطل - والترجيح في كفتي الميزان العادل البراء بن عازب - لقد انيلج الصبح عن شمسه، واستبان الحق من الباطل، فان كشف الحقيقة عن طريق المشاهدة ة اوقع تجليا باكمل الوجوه واوضحها في النفوس ولهذه المباهلة قيمة تزيد عن قيمة المنطق والاقيسة لانها قيمة الشهود في النفس الحساسة والعقل الواعي وان البراهين والادلة جميعا لا تغني في ساعة الجدل إذا لم يلتمس العقل قيمها المحسوسة، وإذا كانت ادلة المؤمن ارجح من ادلة المنكر وتلمسها المنكر بعقله الواعي فقد اغنى الدليل غناه، والا فليس في البراهين شئ ادل واصلح للاقناع من وضع الحق والباطل في كفتي الميزان قيس - حقا ما تقول فداينع الغرس إذا كان هؤلاء يبصرون بعين أو يسمعون بأذن أو يرجعون الى عقل، واما وهم ليسوا كذلك - وقد فتنهم زخرف الحياة - فان الجدل لا تغني فيه البراهين والادلة، ولا تجلوه الاقيسة والحقائق والعقيدة فأن 1 زائد 1 يساوي 2 هذا في واقع الامر، اما في الجدل الديني والعقيدة فأن 1 زائد 1 يساوي 4 أو 5 أو الفا وكأنه خفى عليكم ان مسألة الثالوث مشكلة ة تطلب الحل ولقد استحال حلها ويستحيل على العقول حلها ولكن النصرانية اليوم قررتهها وان امتنع الحل وهل هذا الا من عمل الرهبان القائمين على تنفيذ شريعة المسيح البراء - ان للانسان وعيا يشعر معه بما في هذا الكون من جمال ونظام، واسرار والغاز، وقد يحتجب ذلك عن انسان فلا يدرك شيئا من هذا الجمال والنظام والاسرار ولكن هذه المباهلة ترجيح بين نوعين من الادلة والبراهين وليس ادل على تهيئ الجو الصالح لانبثاق النور والهدى من ترجيح هذا النوع من البرهان الملموس بالمشاهدة، فأنن لعنة الله الا بدية لابد ان تقع على الكاذب منهما، ولا يسلم الكاذب من العذاب المحيط الشامل
رجل - اترون ان رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)يخرج لمباهلتهم منفردا ام يخرج معه اصحابه واهله ؟ ؟ انس - لاشك بأنه يخرج ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وابو عبيده وجماعة من الانصار
البراء - على هونك ان هذا تراث من عوسج خلقته لنا النوازع النفسية والميول الشخصية التي حاربها الاسلام، وما اجملها لو اننا تحررنا من سيطرة هذه النوازع التي تقلبت على سائر الحدود ولم يقيدها حد، ولقد كانت الميول من قديم الزمن وقد اشغلت المفكرين ورجال الاصلاح لكن بدون جدوى انك لتعلم وكل واحد ان صحب محمد (صلی الله عليه وآله وسلم)ليسو فئة واحدة موحدة الهدف وانما هم فئات واغراضهم شتى واهدافهم مختلفة ولا اريد ان اقول انا نحيط بحكمة الله تعالى لتعلل هذا الاختلاف، ولكن الميزان الذي بأيدينا والذي يحسن ان نزنن به الاشخاص انما هو العمل فقط، واعمال كل شخص هي التي ترجحه في كفة الميزان، واغلب الظن ان رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)إذا اراد ان يصحب احدا انما يصحب معه الرجل المعدوم العثرات الزاهد في الحياة، وإذا كنا لا نحكم النوازع النفسية ولا نميل مع الاغراض، فكل احد يعلم بان في صحب محمد من هم ادنى إليه مجلسا واقرب من ربه مقاما أثمة ايمان اذلوا النفوس، وقهروا الابدان وفنيت قلوبهم ونفوسهم في ذات الله رضوا من الحياة بما دون الكفاف وهم غير من ذكرت غلب على الجالسين وجوم آفتة ضيق افق نفوسهم عن تفهم الصحابة واحدا واحدا وكأنهم رجعوا الى الماضي يفتشونه حادثا فحادثا ليميزوا بين اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهل - حقا انا لا نملك الميزان الصحيح ولكن شيئا واحد لا يجوز ان ننساه ونغفل عنه فان منطق الحوادث التي رأيناها منذ بدء الدعوة الى الاسلام يقضى قضاء لا معدى عنه ان رسول الله سيصحب معه ابن عمه علي ابن ابي طالب فأنه " من اهل البيت لا يقاس به احد مع رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)في درجته " وهو وزيره وكاشف الكرب عن وجهه في المواقف الكثيرة من حروبه وليس في المسلمين من يضاهي عليا بمكانه وزهدهه واخلاصه وعلمه وفضله ومنزلته فقد بلغ الغاية القصوى وارتقى الى اعلى مرتقى ولقد حدثني من سمع رسول الله يقول: " من اراد ان ينظر الى آدم في علمه والى نوح في عزمه والى ابراهيم في حلمه والى موسى في هيبتهه والى عيسى في زهده فلينظر الى علي بن ابي طالب " (1) وهو الرجل الذي لا يخزيه الله ابدا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله (2) وهو من رسول الله بمنزله هارون من موسى ومولى كل مؤمن ومؤمنه
البراء - لم يكن ما حدثتنا به الا حلقة من حلقات فضائل علي ولقد تساندت فضائله بعضها الى بعض وانتشرت انتشار عمود الصبح تجلي ظلمته القلوب وله في قلوب خلص المسلمين حضوة وفي نفوسهم ولاء ان عليا نهج لنفسه الرسالة السماوية مثلا يسير عليه في كل خطوة من خطواته وفي كل حركة من حركاته وعند كل نفس من انفساسه، ومن استوعب حياة هذا الفتى عرف كيف ذهب يشق طريقه الى الله تعالى ولقد تفتحت جوانب قلبه للرسالة المحمدية فوعاها وآمن بها ايمانا لا بشبهة ايمان، ورأيناه في البدء اول من يبادر الى اعتناق الاسلام ثم سار مع الايام يشبع غرائزه من المنهلين العذبين القرآن واخلاق النبي، وصفت نفسه صفاء استوعب لب الاسلام من مصدريه ولقد اصبح الرجل الاول بين المسلمين والمصدر الاول والاخير بعد رسول الله، نضج هذا الفتى نضوجا لم ينضجه احد من صحب محمد (صلی الله عليه وآله وسلم)نضج في تفكيره في هذا الكون ونضج بملازمته لصاحب الرسالة منذ فجر صباه في سن الطفولة فليس ثمة احد يضاهي عليا بما دلف إليه من تعاليم الاسلام واخلاق محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) وفي الحق ان هذا الفتى نبتة غرسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الاسلام، فندفع يسير كما يشاء له النبي ويريد له كتاب الله فبلغ غاية الشأو كما صار ملتقى المنبعين كتاب الله وسنة رسوله وقد قرن النبي حب علي بحبه وبغضه ببغضه
ولكن هذا حدث خطير يحمل في دقائقه معالم الحكمة وفي روحه وتشريعه معالم الانذار بغضب الله، وقد انبأت عنه كلمات الله ولم يسبق له مثيل في الاسلام ولا قبله فلا تسيره مشيخه الاصحاب ولا كثرة الرجال والعدد وان محمدا في كل عمل من اعماله مقيد بمبدأ يسيره ربه عليه في الطريق الا خاذ الى المثل العليا التي اعدت للانسانن الكامل بسائر انواع الكمالات النفسية والسياسية فقد يسمح له ظرفه بأن يصحب عليا وغيره وقد لا يسمح له وقد يكون من السياسة ان يصحبه وقد لا يكون، والامر وراء ذلك كله ينزل من السماء يمر حذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي وابو ذر وعمار يتحدثونن بدعوة رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)وفد نجران الى المباهلة وحذيفة يقول: ان الوحي غشى النبي ونزل عليه " قل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " البراء - صدق الله العظيم هذا ما كان يختلج في نفسي ويعتقده ضميري بشير - اترى يخرج ومعه جميع نسائه ام يقتصر على عائشة وحفصة وام سلمة زيد - ايم الله ان المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع الى ابيها وقومها ونساؤه من حرمت عليهن الصدقة (3) رجل - يلتفت الى البراء بن عازب - الانسان لا يدعو نفسه فمن هي النفس التي هي رسول الله ويدعوها الى المباهلة ؟ ومن هم الابناء الذين تعينهم الاية الكريمة
البراء - لا اعلم ! الى حذيفه وسلمان وعمار وابي ذر فأنهم من خلص اصحاب النبي واعلم بالسر يذهبون الى حلقة مؤلفة من اربعة يتناجون بصوت خافت كأنهم يحفرون قبرا لسر يريدون ان يدفنوه في ضمائرهم بشير - الى حذيفة: يا ابا عبد الله لقد اشار الله سبحانه الى قصة الوفد في كتابه المجيد بابلغ واسمى ما تعرفه البلاغة من السمو وان هذه المباهلة ة قد رسمت المنهج الامثل للمتخاصمين في الله ولكن من هم الابناء الذين يدعوهم رسول الله ؟ ومن هم النساء والانفس ؟ حذيفة - ان الحافز لهذه المباهلة هو الحرص على توطيد دعامة الحق، وواضح ان مقياس الاختيار انما هو فضل الاشخاص الذين يقع عليهم الاختيار وعلى مقدار تمتعهم بالفضيلة والتقوى يقع على الاختيار، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتجه الا حيث يوجهه الله تعالى ويلوح لي ان الذين سيقع عليهم اختياره هم: علي من الانفس وفاطمة من النساء والحسن والحسين من الابناء بريدة - " يلتفت الى حذيفة وهو مضطرب الاعصاب " أيترك عمه العباس وابا بكر وعمر ويختار هذا الشاب الفتى ويجعله كنفسه ؟ ! ثم يترك احب نسائه إليه، واعزهم عليه عائشة ؟ ثم يترك ابناء عمه وعمومته وابناء المهاجرين والانصار ثم يختار طفلين ليباهل بهم هذا الوفد الجبار ؟ ! ليس هذا من المنطق الصحيح في شئ أبو ذر - يلتفت الى بريرة بغضب شديد - لامك الهبل، انها كلمات جوفاء لا تملاء جوفا تملؤه ذرة من هذه الذرات المبعثرة في الفضاء، ولا يجهل احد انك خاضع في حديثك لتيارات جاشت بها نفسك حقدا وحسدا وهما يصتطنعان لك هذه الاساليب أيقال لمثل ابن ابي طالب ذلك ؟ ! قل لي هل وقعت عينك أو عين احد على احد انقى صحيفة من علي صنو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن فاطمة بضعته التي من اغضبها فقد اغضب رسول الله ومن اغضب رسول الله فقد اغضب الله ومن ريحانتيه من الدنيا سيدي شباب اهل الجنة ولا اظن ان احدا من المسلمين لم يسمع رسول الله يقول " ان مثل اهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك (4) وان مثل اهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله غفر له (5)
ولقد رأيته آخذا بيد علي فيقول " يا علي انت اخي ووصي ووزيري واميني مكانك مني مكان هارون من موسى الا انه لانبي بعدي من مات وهو يحبك ختم الله عز وجل له بالامن والايمان ومن مات وهو يبغضك لم يكن له نصيب في الاسلام حذيفة - (الى بريده) ارى الافضل لنا ان نهئ قوانا العقلية لتصل عن طريق الروح والعقل الى الواقع، وان الاهتداء لواقع الامر عن طريق القوى الروحية والعقلية هو اعلى ما تصل إليه افكار المفكرين، وانه العنت كل العنت الوصول الى الحقائق عن طريق الرأي وكم رأينا وسمعنا ان الرأي يخلق المصاعب ويضع العقبات في طريق التفكير وبالاخير لا اراه يصل وان وصل فان يصل وهو محطم القوى وحسبنا جميعا ان نرجع الى كتاب الله، فانه حفظ لنا كثيرا من الايات في فضل هؤلاء النفر ولحظات قصيرة في تلك الايات الكريمة كافية للتدليل على فضل العترة المباركة " ولكن الحسد اهلك الجسد " واخيرا احب ان اطلعك ان الله سبحانه اختار عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ليؤمنوا على دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن الاختيار من رسول الله
يوم المباهلة استيقظت المدينة المنورة من نومها ومسحت عن عينها فترى الكرى وشبحت العيون فإذا صورة ثانية من الزمن غير التي يعرفونها بالامس الماضي الارض واجفة والشمس كاسفة والسحب داكنة اصبحت البلدة الطيبة غيرها بالامس ولم تكن كعهدها بالهدوء الناس في جيئة وذهوبة اصبحوا وفي القلوب خلجات اصبحوا وعلى الشفاه همسات صغت إليها الاذان وارهفت غرب الاذهان لم يبق من لا يتحدث ثم هو لا يستفيض في الحديث والحديث كله عن المباهلة والمباهلة سفر ضخم فيه كل لون وكل حديث انهم ليحزنهم التطيرر المشفي على الجزع ! انهم يشفقون من المستقبل ! مدت الاعناق لترى الساعة الرهيبة وصغت الاذان للرعدة القاصفة انها لقريبة جدا ساعة المباهلة أو ساعة الانذار بلعنة الله على الكاذبين
هذه الشمس تركت خباءها تزحف وشئ مجهول يزحف معها يجلجل صوته كالرعدة القاصفة ها هي المسامع تستك والفرائص ترتعد ساعة من الزمن منتظرة هي الزمن كله انها الساعة الاخيرة على احد المتباهلين أكانت هذه الساعة وليدا جديدا لم يشاهد لها مثيلات من قبل ؟ ! أم هي خلجات القلوب ترقب الحادث الجديد ؟ انها ارتسامات الشعور الهادئ المضطرب معا عيون تنظر من كوة الحياة الى صنفين انها العقل الواعي يقارن بين عهدين: العهد الماضي والعهد الحاضر وبين مبدئين كلمة واحدة وليس بعدها اخرى ثم ترتفع السجف ويتضح الحق مشعا أمل باسم يطفح بالنور وقلوب معتمة حيرى عصف بها الاسى وتكاد تفر من اقفاصها لو فتح لها الباب يوم مشهود يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة (6) تطلع الناس فيه الى بزوغ شمسه كما تطلعوا الى سابقه يوم دخل الوفد ولكل يوم منهما حدوده ومقاييسه فلا تغيب اثارهما يحمل اليوم الاول فتنة البذخ الى نفوس الضعفاء والثاني يحمل الدعوة سافرة اجل انه اليوم الذي يحمل بين تلافيفه المفاجأة الكبرى، والدعوة سافرة لا يسترها شئ، وهي من مقولة الارقام وليست من مقولة الجدل والبرهان يوم ليس كمثله يوم يحمل بين طرفيه الحادث الخطير يجر في اعقابه الف حادث وحادث، يحمل في طياته عدالة السماء وغضب جبار السموات والاررض ليعطي كلا من المتباهلين نصيبه منهما، ويكاد الناس ان يؤمنوا انها النهاية بعد ان ترفع الاكف للابتهال، وتجأر الالسن بالدعاء يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة يوم مشهود مصدر عظمة في سلسلة الايام الاسلامية يوم تألق نوره بين الايام المشعة في الرسالة المحمدية يوم مشهود حقت فيه كلمة الله العليا وتمت الغلبة للاسلام و يوم مشهود عنت قبة رقاب اولئك السادة لشريعة الحق، واعطوا الجزية عن يد يوم مشهود يبسم بالامل الزاهر يطوي صفحة من حياة ويفتح صفحة اخرى، يتلقاها العقل من مصدرها بالبرهان المشاهد ولاشك في انها من المع صفحات تاريخ الاسلام يوم مشهود لا شبيه له ولا مثيل، ولا يقاس به يوم الا كان القياس خطأ لما تبين فيه من الحق، وظهر فيه من فضل آل محمد صلى الله عليه وعليهم وسلم على سائر الناس وآل محمد لا يقاس بهم احد يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة ناصع الحبين مشرق المحيا تتراءى خلاله العظمة باهرة الحلال، تلفت الى حيث شئت فالمك ترى روحية عالية، وقدسية سامية تتصلان باعماق النفس يوم مشهود قف منه حيث شئت فانما تقف على عظمة الرسالة المحمدية تتجلى في نفس واحدة من الانفس الكثيرة وامرأة واحدة من نساء كثيرات وطفلين، طفلين لا غير هم جميعا صفوة الصفوة ولباب اللباب، الذين اختارهم الله لكرامته، واعدهم لهداية امته من بعد نبيه يوم مشهود اختصم فيه خصمان بربهم لقد جاءت الساعة المرتقبة واللحظة المنتظرة لحظة فقط تتفجر فيها براكين الارض وترسل السماء شهب النار لحظة واحدة يهلك فيها الكبير ويفنى الصغير حيث زلزلت الارض زلزالها انطلقت الابصار الى الجهة التي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترقب الثغر الباسم والجبين المشرق والوجه الاغر يالجلال الله هو ذا رسول الله ووجهه يشع بالنور تسبيحه هيبة الله يالعظمة الحق وجلال الايمان هو ذا يحتضن الحسين ويمسك بيمناه الحسن وخلفه بضعته الزهراء مغشاة بملاءة من نور الله، وهذا علي يمشي خلفها باهر الجلال، يرتدي بردة من مهابة الله المباهلة هي القول الفصل في نهاية الجدل وقد اختارها الله لنبيه واختار له الاشخاص الذين يؤمنون على دعائه
وبعد - فالعقل لا يصل الى صورة ارفع من هذه الصورة والى اشخاص في رتبة هؤلاء أو ارفع لئلا يقع من العليم الحكيم الترجيح بدون مرجح في المرحلة الحاسمة ولان العقل لا يساند الاختيار الا إذا وقع على الامثل الامثل من المثل العليا وليس في مكنون علم الله سبحانه امثل من هؤلاء فالله " عالم الغيب والشهادة ولا يعزب عنه مثال ذرة " " امر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشجرتين فقصدنا (اي كسرتا) وكسح (كنس ما بينهما) ما بينهما حتى إذا كان الغد امر بكساء اسود رقيق فنشر على الشجرتين " على هيئة المخيم " وخرج السيد والعاقب بولديهما وعليهما من الحلي واحلل ما يلفت الانظار ومعهم نصارى نجران وفرسانن بني الحرث على خيولهم، وهم على احسن هيئة كأنهم ليوث غاب " واجتمع الناس من اهل المدينة ومن حولها من الاعراب واهل الالوية يرقبون الحادث لا يعرفون ما هو مقبل عليهم، عندهم ثقة تامة ولكن يرتادهم شك، ولهم ايمان راسخ ولكن يراوده قلق، وقد ضرب الاضطراب عليهم نطاقه والقلق مد روافه، فهذه وجوه عليها غبرة ترهقها قترة، وهذه وجوه مسفرة ضاحكة مستبشرة الشمس تسير بافقها مضطربة كاضطراب هذه القلوب هذه الرياح تهب من حول الناس بالوان مختلفة تارة مهيبا واخرى رهيبا الناس جمود يتحركون صامتون يتكلمون آمنون وجلون حيارى وما هم بحيارى، واوشك الناس يتبينوا ان الانقلاب العظيم، فخذلتهم عقولهم وخانهم صلب ايمانهم " وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محتضنا الحسين وبيده الحسن ومن خلفه فاطمة الزهراء ومن خلفها علي فتقدموا الى ان وقفوا تحت ذلك الكساء على الهيئة التي خرج عليها " يقول لهم: " إذا دعوت امنوا - قولوا آمين - وارسل الى السيد والعاقب يدعوهما الى المباهلة جفل الوفد وانكمش على نفسه، فانهم لم يثوبوا الى انفسهم من دهشتهم بالامس حينما اجتمعوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد اخذ عليهم آفاق الارض والسماء حتى احتوتهم الدهشة ثانية من هذه الاوجه الكريمة - لم يأتنا أبو القاسم باهل الكبر والشدة من اتباعه وانما جاءنا بالاعزة والاحبة من اهل التخشع وبهلة الانبياء والصفوة الصفوة المختارة تمر لحظات يتهيب فيها الوفد ويحار لحظات كأنها الدهر الخالد لحظات قاسية لم يعانها احد على نحو ما عاناها القسس، ولم يشق بها احد مثل ما شقي بها هؤلاء انها الساعة الاخيرة وانه ليكاد اليقين يمس قلوبهم بصدق محمد صلى الله عليه وآله وسلم يأس جامح ملك قلوبهم يتقدم السيد والعاقب الى رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)- " يا ابا القاسم بمن تباهلنا ؟ ! - " اباهلكم بخير اهل الارض واكرمهم على الله
هؤلاء واشار الى علي وفاطمة والحسن والحسين " - " فما نراك جئت لتباهلنا بالكبر ولا الكثر ولا اهل الشارة ممن نرى ممن آمن بك واتبعك، وما نرى هنا معك الا هذا الشاب والمرأة والصبيين ابهؤلاء جئتنا نباهلك ؟ ! - اجل: " بهؤلاء وهم خير اهل الارض وافضل الخلق " استكت اسماعهم وارتعدوا كأنما الارض تريدان تسيخ بهم، ساعة خاصمتها الرياح المختلفة في هبوبها والاعاصير الهوجاء، ثم رجعوا الى اسقفهم - ابا حارثة ماذا ترى ؟ - ماذا ارى ؟ " اني لارى وجوها لو سئل الله بها ان يزيل جبلا من مكانه لازاله أفلا ترون محمدا رافعا يديه ينظر الى ما تجيئان به ؟ وحق المسيح ان نطق فوه بكلمة فلا نرجع الى اهل ولا الى مال " أفلا ترون الشمس تغير لونها، والافق تتجمع فيه السحب الداكنة والرياح تهب هائجة سوداء حمراء وهذه الجبال يتصاعد منها الدخان ؟ " لقد اطل العذاب انظروا الى الطير وهي تقئ حواصلها والى الشجر كيف تساقط اوراقها، والى هذه الارض كيف ترجف تحت اقدامنا ؟ ! " " والله لقد عرفتم يا معشر النصارى ان محمدا نبي مرسل، ولقد جاءكم بالامر الفصل من امر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكن وكان الاستئصال وانما عهدكم باخوانكم حديث وقد مسخوا قردة وخنازير "
وبحكم لا تباهلوه " لا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الارض نصراني الى يوم القيامة " - الى يوم القيامة ! - نعم: الى يوم القيامة وذكروا انهم قالوا: " يا ابا القاسم رأينا ان لا نباهلك وان نقرك دينك، وان نثبت على ديننا فإذا ابيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين - لا نسلم ولا نترك دين ابائنا ! - انا جزكم القتال انها الحرب المهلكة لا طاقة لنا بحرب العرب ولكن - ولكن ماذا ؟ ! نصالحك على ان لا تغزونا، ولا تردنا عن ديننا على ان نؤدي اليك في كل عام حلة الفا في صفر والفا في رجب وثلاثين درعا عاديه من حديد يقول اليعقوبي وغيره: فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الفى حلة من حلل الاواقي (كذا) قيمة كل حلة اربعون درهما فما زاد ونقص فعلى حساب ذلك وكتب لهم رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)كتابا بسم الله الرحمن الرحيم " هذا كتاب من محمد رسول الله لنجران وحاشيتها إذ كان له عليهم حكمة في كل بيضاء وصفراء وثمرة ورقيق فما زاد ونقص فعلى هذا الحساب الف حلة في صفر والف في رجب وعليهم ثلاثون دينارا مثواة رسلي فما فوق وعليهم في كل حرب باليمن دروع عارية مضمونة لهم بذلك جوار الله وذمه محمد فمن اكل الربا بعد عامهم هذا فذمتي منه بريئة " فقال العاقب: يا رسول الله انا نخاف ان نأخذ بجناية غيرنا فقال اكتبوا: " ولا يؤخذ احد بجناية غيره " وذكروا ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لاصحابه: " والذي نفسي بيده ان الهلاك تدلى على اهل نجران ولولا عنوا لمسخوا قردة وخنازير ولا ضطرم عليهم الوادي نارا ولاستأصل الله نجران واهله حتى الطير على رؤوس الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا " موقف حساس وهل من سامع لهذا الكلام من رسول الله، ومشاهد لموقف هؤلاء النفر الى جانبه صلى الله عليه وآله وسلم ثم لا يمثل قلبه اجلالا واكبارا ثم لا يعترف بفضل الانفس والنساء والابناء، والمؤمنون العازفون عن الدنيا شعروا بمقامهم وامتلات قلوبهم ايمانا بمنزلتهم السامية، واعترفوا بتقدمهم ولم يشأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان يقف هنا ولم يدع الناس ان يمضوا قبل ان يتحدث إليهم عن ربه في نقاء هؤلاء الاربعة وطهرهم في هذه الساعة التي لا يزال الناس في دهشتهم وروعة الجلال التي ملكتهم يعلن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نقاء آل رسول الله وطهرهم من كل دنس تقول السيدة عائشة: " خرج رسول الله وعليه مرط مرجل من شعر اسود فجاء الحسن فادخله ثم جاء الحسين فادخله ثم فاطمة ثم علي ثم قال: " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت " ماذا بقى بعد هذا ما يحمل القلوب على الالتفاف حول اهل البيت واي شئ بعد الطهر والنقاء من كل رجس يحمل الناس على التهافت الى حضيرتهم السامية ؟
صوت رفيع من فم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انطلق من حاضرة الاسلام مع الريح ثم صار يشق طريقه في الفضاء رنان الجرس يقرع في سمع الاجيال جيلا فجيل حتى اليوم وحتى قيام الساعة صارخا هؤلاء فقط اهل بيت النبوة وموضع الرسالة هؤلاء فقط الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا كلمات طرقت الاذان واستوعبها مشاعر المؤمنين رسالة السماء وكلمات الله تنهج للناس الطريق الامثل الا يلج، انه التنزيل بنصوص آياته وروح معانيه يرسم لنا صورة مثالية لاولياء ارتفعت عن التفكير والتصوير انه صوت الله يفرع الاسماع فأين اين ؟ والى اين ؟ انها الرواسب المادية في نفوس جعلت من المسلمين صنفين
أفضل الخلق يجدر بنا ان نقف عند هذا الحادث الخطير قليلا، فأن لهذه المثالية الساميه التي رسمها كتاب الله لال رسوله حقوق في ذمة المسلمين لا يستطيع الزمن ان يقضى عليها أو يتناولها بتحريف، مهما انتهج من اساليب واصطنع من اعوان، لان النهج الذي نهجه كتاب الله واضح لا يدخله اي تعديل ولا يمكن ان يتناوله التحريف، وان تناوله التأويل، ومن ثمة تشعب الطريق بين المسلمين وذر الخلاف قرنه، ولكن الحق عزيز الجانب قد بث عيونه ونشر جنده ومن المستصوب ان نقف هنا موقف المعقب على هامش المباهلة علنا نخرج مع القاري ولم يفتنا الصواب حينما يسفر البحث عن براهين متنوعة لاثبات مثالية الانفس والنساء والابناء وحينما تكون النتيجة انهم افضل الخلق وهذا صحيح عن وجهة العقل ومن وجهة الواقع من وجهة الاختيار الذي وقع عليهم فأنه واضح جلى ان الاختيار الذي وقع على علي وفاطمة وحسن وحسين له اهميته الكبرى في تقرير مرتبة الفضيلة وانحصارها ولان السبب الذي طوى نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم جميعا وخفرات المجد من عمر العلى وشبيبة الحمد جميعا، واصحابه جميعا، وابناء المسلمين جميعا في زاوية ولم يدع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احد من هؤلاء لم يبق مجالا بأن الذين وقع عليهم الاختيار، لا يقاس بهم احد من الناس الا كان القياس خطأ لان القياس انما يقع في المرحلة التي يصح بها القياس، والذي لا مثيل له لا يقاس عليه والاختيار دلنا على انهم لا مثيل لهم، والبداهة تستلزم ذلك، والعقل يحكم ونحن لانجد صعوبة في الفهم حين نفهم من هذا الاختيار التفضيل المطلق والكمال المطلق في المرحلة الاخيرة ليس على الانسان حساب في فهم التفضيل حينما يعلم ان الله سبحانه اختارهم في ساعة المقايسة والموازنة " والله بكل شئ عليم " وهداية الله سبحانه تأخذ بيد الانسان فتخطو به الى المثالية الرفيعة وليس في العقل ما يمنع من الوصول الى اعلى درجات الكمال، ولكن العقل لا يفهم هذا الا باعتبار الوصول الى فهم الحقيقة الالهية فهما كاملا الى حد الفناء في الله كما وانه ليس لاختيار الله مقاييس اخرى غير مقاييس الفضيلة على اعتبار الوصول إليه تعالى وصولا مقربا منه، وقد فنيت قلوب آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذات الله وكان لهم من الحياة الفضلى والفناء ما يثبت لهم المثالية المطلقة في كل مقاييس الفضل، والكمال النفسي والشخصي، وقد جاء الاختيار منه برهانا ساطعا لا يفسح مجالا الى قيل وقال ولا الى استدلال وبعد - فالعقل لا يتصور مثالية ولا عبقرية ارفع من مثاليتهم وعبقريتهم، فهم الراجحون في مقاييس الفضل والسبق والشرف والايمان اولئك هم كيف واجهتهم، ومن اي النواحي اتيتهم، تجدهم الراجحين في مقاييس الفضل والفضيلة
في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسع نسوة، ولسنا في حاجة ة الى تصوير من فيه منهن الكفاية من ناحية الدين والخلق والكمال فانهن امهات المؤمنين حقا، وفي المدينة من المهاجرين والانصار وبني هاشم جمع غفير تجاوز عشرات المئات الى عشرات الالوف، وفيهم النخبة الصالحة الممتازة من المقيمين على الحق، اعتصموا بحبل الله وحبل الرسول صبروا على الاذى، وجاهدوا في سبيل الله، اولو سابقة في الاسلام، اخلصوا لله في نياتهم، وتوجهوا إليه بقلوبهم واعمالهم، راضوا انفسهم في سبيل كمالها فرضوا من الدنيا بالكفاف، وفي بني هاشم والمسلمين من الابناء ما يزيد عن العد احتفل بهم التاريخ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طوى هؤلاء جميعا، واولئك جميعا وتركهم جانبا، ثم خرج بعلي (عليه السلام)من الانفس وبفاطمة (عليه السلام)من النساء وبالحسن والحسين (عليه السلام)من الابناء ولم يخرج معه احدا غيرهم ولماذا ؟ ؟ حدثونا فيما حدثونا به عن ابي رباح مولى ام سلمة يرفعه الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جواب هذا السؤال انه قال: " لو علم الله تعالى ان في الارض عبادا اكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين لامرني ان اباهل بهم، ولكن امرني بالمباهلة مع هؤلاء وهم افضل الخلق - فغلبت بهم النصارى " بهذا يواجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اصحابه حيث يسأل وبهذه الكلمات الوجيزة يعلن عن قيم اصحاب الكساء واهل آية المباهلة وقدسهم وسموهم وعن مكانتهم من الله عز وعلا حقا ان مثل هذا الخبر له قيمته في تعرف قيم آل رسول الله الذين اختارهم الله ليباهل بهم رسوله قسس نجران ونحن لانجد تصويرا لسمو فضلهم ادق واصدق من هذا التصوير المعلن برفيع مكانهم وكبير قدرهم وسامي منزلتهم وعظيم فضلهم، ويحسبنا ان نستمع إليه يقول " لو علم ان في الارض اكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين لامرني ان اباهل بهم " بخ بخ ليس في علم الله احد افضل منهم، لا في الارض ولا في السماء
وان هذا التعبير ينشئ في نفوسنا صورا شتى من القيم المثالية التي تعبر عن قيمهم الرفيعة في المجتمع الروحاني الاقدس وهذا هو الشرف العظيم الذي تطامن إليه الرقاب نجوعا ولهذا الحديث منشآة عالية في النفوس فهو ينشئ في نفوسنا صورا من قدس النفس وعظيم المنزلة، وينشئ في نفوسنا صورة من الفضل والكرامة عند الله تعالى، وانه ليس احد اكرم عليه منهم، وينشئ في نفوسنا صورة مثالية رفيعة ارتفعت عن كل تفكير، فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باهل بهم وهم افضل الخلق وبهم غلب النصارى، وحسب الناظر في هذا الحديث وغيره من الاحاديث الصحيحة ان يثبت اعلى درجة الكمال، ويحسبه ان يكون رجع الى وعيه، وثاب الى رشده فاثبت ذلك بعقله ونحن اليوم نعيش في عصر المحاكمات وقياس الامور باقيسة الارقام لا باقيسة الثقل
وبعد - فلا احسب ان احدا من المسلمين يستطيع ان يرجع هذا الى مظهر من مظاهر عطف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على اهل بيته، وان وجد فيهم من يعتقد مثل هذا - والعياذ بالله - فقد قصدت نفسه الى نوازع الشيطان التي تحيك في السرائر، وزلقت قدمه فتدحرج الى هوة سحيقة، فخسر الدنيا والاخرة، وذلك هو الخسرانن المبين فان رسول الله " لا ينطق عن الهوى، ان هو الا وحي يوحى علمه شديد القوى انه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من احد عنه حاجزين " وليست آية المباهلة بالاية الاولى والاخيرة التي التقى فيها القرآن المجيد بآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد التقى بهم مرات في كثير من النواحي يقول بن العباس: " نزل في علي اكثر من ثلثمائة آية في مدحه وعن الاعمش عن اصحاب بن عباس قال: ما انزل الله يا أيها الذين آمنوا الا وعلي اميرها وشريفها ولقد عاتب الله اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في غير مكان وما ذكر عليا الا بخير " ولا نريد هنا ان ننقل الى القارئ كل ما نزل فيه وفي اصحاب الكساء، إذ ربما يكون في النقل الكثير شئ من الاطناب، ولكن مع امساكنا عن التبسط في الحديث لا يسعنا الا ان نلفت القارئ الى شئ ميسور فهمه: ذلك ان المفسرين وحملة الحديث لم يتفقوا على شئ من الايات التي يدعى نزولها في بعض الصحابة كما اتفقوا على الايات التي نزلت في اصحاب الكساء في مدحهم والثناء عليهم ونظرة عجلى في ذلك تثبت لنا صحة الدعوة ومثلا واحدا نضعه بين يديك، اقرأ قوله تعالى من سورة الدهر: " ان الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " اقرأ ذلك الى قوله تعالى " ان هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا " اقرأ ذلك لتعلم مقام اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، وقد ورد من طرق عديدة ان هذه الايات نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين (7)
وهل من قارئ لهذه الايات لا يمتلئ قلبه اكبارا واجلالا وتقديسا لهؤلاء الابرار ؟ وهذه ناحية من نواحي عظمتهم المرموقة أجل ان هذه الايات وغيرها من الايات الكثيرة تلقي ضوءا على عبقرية اهل البيت عليهم السلام، ويكاد ان يعتقد كل منصف انه لا يجد في المسلمين من يشاركهم في فضلهم، وبوضوح ترسم لنا الوانا من السمو، وتحتفل بضروب من العظمة، وهي بمجموعها تمثل لنا صورة من المنزلة العالية لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة وفضة - جارية لهما - ان برئا مما بهما ان يصوموا ثلاثة ايام، فشفيا وما معهما شئ، فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة اصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة اقراص على عددهم فوضعوها بين ايديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم اهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين اطعموني اطعمكم الله من موائد الجنة، فاثروه وباتوا لم يذوقوا الا الماء، واصبحوا صياما، فلما امسوا ووضعوا الطعام بين ايديهم وقف عليهم يتيم فأثروه، ووقف عليهم اسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك، فلما اصبحوا اخذ علي (علیه السلام) بيد الحسن والحسين واقبلوا الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما ابصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال ما اشد ما يسوؤني ما ارى بكم، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها، وقد التصق بطنها في ظهرها، وغارت عيناها فساءه ذلك، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام وقال: خذها يا محمد، هناك الله في اهل بيتك فاقرأه السورة " انتهى من الكشاف في تفسير هل اتلى - الدهر
والمقام الرفيع عند الله تعالى، وبالاخير المثالية التي خرجت عن حدود المقاييس والموازين وليس هناك ما يمنعهم من هذه المثالية وقد خرجوا من البيت الذي خرجت منه الدعوة الاسلامية وساروا في الطريق التي يسير فيها القرآن المجيد ويدخلون كل بيت يدخله القرآن ولا يفترقون حتى يردوا على رسول الله يوم القيامة (8) ليس من السهل الهين على الانسان ان ينتزع من نفسه الانسجة
---
التي يحاك منها الخطأ ليشاهد الحقيقة الماثلة امام عينيه واضحة جلية لا يسترها ستر، ولكن من السهل الهين ان يوقظ في نفسه الروح العلمية فتقوده الى دراسة النفسيات والشخصيات عن طريق الحوادث التاريخية وبهذا يستطيع - إذا كان جريئا وكان صافي النفس - ان يكشف الستار عن الحقائق ويجليها من الاصداء المتراكمة عليها طوال السنين ومن السهل عليه اذن ان يكون ضميره اسرع الى اقتباس الحقائق من عينيه ويأمن كل خطأ وايضا يجب ان لا نشك ان لكل جيل ولكل حضارة قيم اجتماعية هي مقياس الفضيلة في الموازين وكذلك لاشك في اختلاف هذه القيم وتفاوت نسبها سموا واعتبارا، وواجب الباحث الفصل بينها بكل الاعتبارات المقومة لهذه القيم والانسان الذي يرجح في كفة الميزان هو الذي تحف بشخصه اعلا القيم وامثلها وذلك بالحصول على امثل الصفات واعلاها التي هي تجعله فريدا وحيدا، وان يتصف بالصفات التي تقربه من الله " تخلقوا باخلاق الله " وكلما كان الانسان قريبا من الله فانيا في ذات الله كانت انسانيته اكمل ومنزلته اعلا وارفع فانه " في كل ناحية من نواحي الانسانية ملتقى بسيرته (9) " وقد " ورث اما علي علي بحكم مولده ومرباه مناقب النبوة ومواهب الرسالة وبلاغة الوحي وصراحة المؤمن " (10)
وقد تجمعت فيه اخلاق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومحمد انسان تجمعت في انسانيته صفات روحية جعلته افضل مخلوق واشرف مخلوق وفوق كل مخلوق وعلي رديف محمد صلى الله عليه وآله وسلم هذا للنبوة وهذا للامامة وهو غرسه قد اخذ عنه امثل الاخلاق واسمى الصفات فكان عنوانا كاملا لاسمي الصفات وامثل الاخلاق والاسلام لم يعرف قط اصدق اسلاما ولا اشد ايمانا منه ولم ينفذ الاسلام الى اعماق قلب مسلم كما نفذ الى اعماق قلبه كان يؤثر الاخرة على الاولى ويعمل لارضاه الله ورسوله لا لارضاء الناس ولقد وصفه ضرار فأجاد الوصف فقال: " كانن والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطف الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن مع تقريبه ايانا وقربه منا لانكاد نكلمه لهيبته ولا نبتدئه لعظمته بعظم اهل الدين ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله، واشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد ارخى الليل سدوله وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين يقول: يا دنيا اليك عني غري غيري، أبي تعرضت أم الي تشوقت ؟ هيهات قد باينتك ثلاثا لا رجعة لي عليك، فعمرك قصير، وخطرك حقير وخطبك يسير آه منن قلة الزاد وبعد السفر "
حقا هذا هو علي عليه السلام، الشديد في محاسبة نفسه، وهذا هو علي حقا في كفة الميزان فهل يرجح عليه احد أو يساويه احد من صحب رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ هذا هو علي (عليه السلام)وتاريخه المجيد من طفولته مفعم بمئات من الادلة والشواهد، وحسب القارئ ان يرجع الى الاحاديث الصحيحة والمشهورة والمتواترة الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فضل علي عليه السلام وقد مر عليك شئ منها ونزيدك هنا بما يرجحه في كفة الميزان إذا نصبت الموازين: رووا انه قد لرسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)طير مشوي فقال: " اللهم آتني باحب خلقك اليك يأكل معي هذا الطير " فجاءه علي (عليه السلام)فأكل معه (11) وعن سعد بن ابي وقاص (12) " امر معاوية بسب علي فامتنعت، فقال: ما منعك ان تسب ابا تراب قال: اما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلن اسبه، ولان تكون لي واحدة منهن احب الى من حمر النعم سمعت رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)يقول له حين خلفه في بعض مغازيه فقال له علي يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبوة بعدي وسمعته يقول يوم خيبر: " لاعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فتطاولنا لها فقال ادعوا عليا فأتي به ارمدا، فبصق في عينيه ودفع الراية له ففتح الله عليه ولما نزلت الاية ندع ابناءنا وابناءكم الاية دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء اهلي ومن رواية ابي بكر " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيم خيمته وهو متكئ على قوس عربية، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال يا معشر المسلمين انا سلم لمن سالم اهل الخيمة، حرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم، لا يحبهم الا سعيد الجد طيب المولد، ولا يبغضهم الا شقى الجد ردئ الولادة " وبحسب علي عليه السلام ان يكون مع القرآن والقرآن معه وأن يكون مع الحق والحق معه يدور معه كيف دار وأن يكون عنوان صحيفة المؤمن حب علي فبحسبها ان تكون مختارة الله ليباهل بها رسول الله من واما الزهراء تسع نسوة هن امهات المؤمنين ومن بين نسوة زكيات المغرس في المنبت الاثيل والشرف الموروث في المجد المؤثل خفرات عمر العلي غرة المجد وعقائل شبية الحمد كام هاني وصفية
ولا يجوز عند العقل ان يكون اختيار ولا تكون افضلية ولا يتأتي الاختيار إذا لم يكن هناك كمال مطلق وافضلية على سائر النساء والا لزم الترجيح بدون مرجح وهذا مستحيل عند العقل لا يجوز على الحكيم ومن اجل هذا الاختيار نفهم التفضيل المطلق بدون مشاركة لان العقل لا يفهم الاختيار مع التساوي في الفضيلة والمشاركة في الكمال فلا بد اذن من افضلية واكملية ليقع الاختيار صحيحا طبق العقل وإذا كانت سلام الله عليها قد اختارها الله مع من اختار فما ذلك الا من سمو القدس وغلبة الروحانية في الانسانية الطاهرة المهذبة وإذا غلبت الروحانية فقد تكاملت المثل العليا في النسوية العالية وعلى قدر نشأة النواميس القدسية في هذا الملاك النسوي الطاهر فقد تهيأت النفس للمثل العليا وخرقت العادة في اطرادها البشري حتى استحيل الى معجزة في كمال الوجود وكمال الفضيلة وهكذا كانت فاطمة بنت محمد عليه وعليها السلام، فقد تجمع في نسويتها نواميس روحية وكمالات نفسية رفعتها في الانسانية الى اسمى الدرجات التي يصح في العقل ان ترتفع إليها امرأة، فهي اذن سيدة نساء العالمين وكتب الحديث مليئة بالشواهد والبراهين على فضلها وعلو مقامها وحسبها انها بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من آذاها آذى رسول الله ومن اغضبها اغضبة
فبحسبهما هذا الاختيار لهما من الله تعالى اما الحسنان هذا الاختيار يجب ان يقطع جميع النوازع التي تحاك في الصدور وقد لا يكون صعوبة في فهم الافضلية حينما نفهم ان الاختيار من الله الحكيم، وقد رأينا من قبل ان الحكيم لا يختار الا الاكمل الافضل والقول بان الله اختارهما امر يقتضيه العقل ويقره البرهان والمنطق السديد والناس يخطئون فهم العقل ويخطئون صواب المنطق ويخطئون النبي حين يفهمون ان هذا الاختيار كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان تفسيرا منه للانفس والنساء والابناء مأخوذا بالعاطفة الانسانية والمباهلة تشريع في المرحلة الحاسمة جاء النص بها من الله سبحانة وكما ترى المسألة الزام الخصم لم ينفع معه البرهان واذن ليس لرسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)ان يختار مأخوذا بالعاطفة إذا جوزنا عليه ذلك تمشيا مع الخصم على انه في عرف اللغة العربية ما يشهد لنننا ببنوة الحسنين عليهما السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واذن فالاية نص صريح
المفسرون توطئه القرآن الكريم هو كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم لهداية البشر، وهو آخر كتاب سماوي منزل على آخر نبي مبعوث من عند اللهه سبحانه مربيا وهاديا ومنميا للاحساس " ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم " وما ارسناك الا رحمة للعالمين " والقرآن هو الكتاب الخالد الذي لاتخلق جدتهه وما زال ولا يزال ولن يزال مظهرا من مظاهر هداية الله طبقا لما في علمه الازلي يسير مع العصور في كل بيئة ولكل جيل حتى النهاية والى قيام الساعة، وهو الكتاب الذي يتسامى عند العقل على كل كتاب انزله الله جل وعلا ومهمتهه هداية الناس الى السعادتين وانه لمن الميسورر جدا فهم القرآن الكريم سواء في ذلك محكمه ومتشابهه لان مرده الى اللغة والى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والراسخين في العلم من بعده حفظته، ومنفذي احكامه، واعرف بحلاله وحرامه وخاصه وعامه ومطلقه ومقيده والقرآن هو المصدر الاول للتشريع الاسلامي، والمخلصون لله وللدين لا يعدمون فيه الدليل على اي تكيلف من التكاليف اصولا وفروعا فان في القرآن تبيان كل شئ يحتاجه المسلمون لمعالم دينهم " لم يغادر صغيرة ولا كبيرة " مما يرجع الى احكام الاسلام واصوله " الا احصاها " القرآن واشار إليها صريحا حينا وتلويحا حينا آخر واما الصراع الذي نشاهده احيانا في التفسير فليس مرجعه عجز القرآن أو قصور لغته، أو عجز النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة من بعده عن تفسيره، وانما مرجع ذلك الصراع الى الخلاف الذي انغمس فيه المسلمون منذ الساعة الاولى، واكبر عناصر هذا الصراع هو الصراع الذي شق المسلمين الى نصفين نصف الى اليمين ونصف الى الشمال والقرآن بينهما ولعل المفسرين انحرفوا مع ميولهم متأثرين بالسياسة من ناحية وبالعقيدة من ناحية اخرى واسدلوا على الواقع ستائر كثيفة مستندين الى احاديث احسن ما توصف به انها من وضع السياسة، ومالوا الى تأويلات تتجافاها اللغة وتأباها الملابسات في البداية والنهاية ولعل السياسة في الصدر الاول شاءت ان تزج آية في غير مكانها لغرض صرف الاية عن المعنى الذي سيقت له كما ترى ذلك في آية " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا " وليس ادل على تأثير العقيدة والسياسة على تفكير المفسرين من ذلك الصراع الحاد في تفسير قوله تعالى " يا آيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " فان هذه الاية الكريمة احيطت بميول ونوازع دفعت المفسرين الى التفسير البعيد الذي لا يتصل بالاية ولا بملابساتها، ولعل تلك الميول ارادت ان تصرف الاية عن معناها الى معنى آخر يكاد ان يكون غريبا عن المعنى الذي يلوح به قوله " فان لم تفعل فما بلغت رسالته " فانه ليس في الشريعة من احكام يخشي اظهارها رسول الله صلى الله عليه وآله وكذلك ليس فيها تكاليف هي موضع العتبي ليعصمه الله من الناس وعند نزول الاية كانت الشريعة تامة كاملة ولا نريد ان ننكر ان في المفسرين من لا قصد له ولكنه انخدع في الظواهر فسار في طريقه ورائده حسن الظن ولكن يجب ان لانشك بان التفسير مع الاخلاص وحسن النية يلزمه البحث في كل مرحلة من مراحل الملابسات والعلل واسباب النزول وبدايتها ونهايتها وموقع الاية من الكلام وما الى ذلك من مراحل ظواهر الايات وسياقها وان تغاضي المفسر عن شئ من ذلك فقد اشطط في القول وصرف الكلام العربي البليغ عن معناه وكذلك نرى العقيدة حكمت على بعض المفسرين بصرف معني الولاية في آية " انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة وهم راكعون " فلقد فرقوا بين الولاية لله ولرسوله والولاية لاولي الامر الذين يعطون الزكاة وهم راكعون ولم يكن من داع لذلك سوى ان ان الذي اعطى الزكاة هو امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وانه لمن المؤسف اشد الاسف ان نجد من المفسرين من جرفته السياسة الخادعة الى اصطناع اساليب بعيدة عن المقصد السامي الذي يحاوله كتاب الله المجيد، ويجترئون على صرف الايات عن مقصدها لغرض اكثر ما يتصل بالسياسة والعقيدة، وهذه الجرأة قد ادت الى القول بالرأي في كتاب الله المجيد ولا نريد ان ننكر ان الميول كانت منذ الزمن الاول، وقد كانت تجد طريقها الى القلوب سهلا، وان لها اثرا كبيرا في النفوس ولكن لم نكن لنظن انها تمد يدها الى كتب الله المرسلة الى هداية البشر، ولكن مع الاسف الشديد فقد مدت يدها مأولة ومفسرة تفسيرا بعيدا عن المقصد، ووجد اولئك الميالون من العقيدة مرتعا خصبا لتأويلاتهم ففسروا كما يشتهون وكما تشتهي السياسة التي وضعت احاديث كثيرة لا تثبت تحت مبضعة المشرحين من اطباء الجرح والتعديل لم يكن حظ آية الانفس والابناء عند بعض المفسرين احسن من غيرها على صراحتها، فقد طواها طياولفها لفا وقد تعوز الفاحص المعاذير عن هذا الطي واللف ولكن لا اراه تعوزه معرفة الدواعي الباعثة ولا اراه يخطئ الدوافع النفسية، وقل ما تجد مفسرا مر على آية المباهلة ولم تنقبض نفسه، ولم تتمرد عليه عقيدته، ولم تطوح به سريرته ووجد في الوسط المسلم اذانا مستعدة للسمع، وقلوبا ساذجة مستعدة للتصديق ويسع المنصف ان يقف من آية المباهلة الموقف الذي تقتضيه دلالة المطابقة، ولكن بعضهم لم يكن منصفا ولا رشيدا وذهب في التفسير مسرعا الى ان الوفد امتنع عن المباهلة وصالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الفي حلة وثلاثين درعا كأن الاية سيقت لهذا فقط، وكأن هذا الصلح هو مدلول الاية المطابقي والالتزامي والعقلي ولم يخرج في تفسيره عن الوهم في الشعور والخطأ في التفكير، لان الاية الكريمة سيقت لاسمي من ذلك وكانت الطريقة المثلى للمفسرين - إذا ارادوا الانتفاع بهذه التفاسير انتفاعا صحيحا - ان يعني المفسرون بالاخبار الصحيحة ملاحظين ما ورد عن اهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومهبط الوحي، وخزانن العلم، فان القرآن لهم، ونزل عليهم في بيتهم، وهم اعلم الناس به خاصا وعاما، ومجملا ومبينا وناسخا ومنسوخا، ومحكما ومتشابها، والقرآن معهم وهم معه لن يفترقا حتى يردا على رسول الله صلى الله عليه وآله الحوض ولكن شاءت السياسة للناس ان يعرضوا عن آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - أئمة العلم، الراسخين في الدين قدما، الثابتين على منهاج رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)البعيدين عن الزلل المطهرين من الرجس - وشاءت لهؤلاء الناس ان يرجعوا الى القدري والجبري والمرجئي والى الوضاعين المتزلفين الى رجال السلطة ولا نريد ان نتبسط في الحديث مع المفسرين فان لهم ما يرتأون من تفسير ولهم ما يشتهون من الطريقة التي يسيرون عليها وكذلك لا نريد ان نتساءل عن المدى الذي اصابوه في ما ذهبوا إليه من تفسير أو تأويل وما استدعى ذلك من تغيير خطير لان البحث في ذلك يستدعي عناية خاصة ليس موضوعها هذا الكتاب ومهما يكن من امر فان الاغراض اتسعت وكان الى جانبها مولود شاب يسير الاغراض في رقعتها الوسيعة، ولكن بالرغم عن ذلك فان في المفسرين من تحلل بعض التحلل فحدثونا عن النجرانيين انهم حينما رأوا ابا القاسم صلى الله عليه وآله ومعه " اهل بهلته " جفلوا وقال قائلهم:
" اني لارى وجوها لو سئل الله ان يزيل جبلا من مكانه لازاله بها " ولابد ان نحفظ لهم هذه المقالة لانها خرجت من طريق ملتوية بالرغم عن المولود الذي يسير الاقلام والى القارئ نقدم نموذجا من التفاسير قال جار الله محمود عمر الزمخشري: " فمن حاجك " من النصارى " فيه " في عيسى " من بعد ما جاءك من العلم " اي من البينات الموجبة للعلم " تعالوا " هلموا والمراد المجئ بالرأي والعزم " ندع ابناءنا وابناءكم " أي يدع كل منا ومنكم ابناءه ونساءه ونفسه الى المباهلة " وروي انهم لما دعاهم الى المباهلة قالوا حتى نرجع وننظر " فلما تخالوا قالوا للعاقب - وكان ذا رأيهم - يا عبد المسيح ما تري ؟ فقال: " والله لقد عرفتم يا معشر النصارى ان محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من امر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا فعاش كبيرهم ونبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكن وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول: إذا دعوت فأمنوا فقال اسقف نجران: يا معشر النصارى اني لارى وجوها لو شاء الله ان يزيل جبلا من مكانه لازاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الارض نصراني الى يوم القيامة وقال: وعن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج وعليه مرط مرجل من شعر اسود، فجاء الحسن فادخله ثم جاء الحسين فادخله ثم فاطمة ثم علي ثم قال: " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت " قال الزمخشري: " وفيه دليل لا شئ اقوى منه على فضل اصحاب الكساء عليهم السلام " وقال نظام الدين الحسن بن محمد النسابوري في تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان " روى انه صلى الله عليه وآله وسلم لما اورد الدلائل على نصارى نجران ثم انهم اصروا على جهلهم قال صلى الله عليه وآله وسلم ان الله امرني ان لم تقبلوا الحجة ان اباهلكم، فقالوا يا ابا القاسم بل نرجع وننظر في امرنا ثم نأتيك، فلما رجعوا قالوا للعاقب - وكان ذا رأيهم - يا عبد المسيح ما ترى ؟ قال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى ان محمدا نبي مرسل، ولقد جاءكم بالكلام الفصل من امر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيا فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لكان الاستئصال، فان ابيتم الا الاصرار على دينكم والاقامة على ما انتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا الى بلادكم، وقد خرج صلى الله عليه وسلم مرط من شعر اسود وكان صلى الله عليه وسلم قد احتضن الحسين واخذ بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه وعلي خلفها وهو يقول: إذا دعوت فأمنوا فقال الاسقف يا معشر النصارى اني لارى وجوها لو دعت الله ان يزيل جبلا من مكانه لازاله فلا تباهلوا فتهلكوا وروي عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وعليه مرط مرجل من شعر اسود فجاء الحسن فادخله ثم جاء الحسين فادخله ثم فاطمة ثم علي ثم قال:
" انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت واما فضل اهل الكساء فلا شك في دلالة الاية على ذلك " وقال المحقق ناصر الدين عبد الله الشيرازي البيضاوي في تفسيره: انوار التنزيل واسرار التأويل " فقل تعالوا " هاموا بالرأي والعزم " ندع ابناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم " اي يدعو كل منا ومنكم نفسه واعز اهله والصقهم بقلبه الى المباهلة " ثم نبتهل " اي تتباهل بان نعلن الكاذب منا فنجعل لعنة الله على الكاذبين روي انه لما دعوا الى المباهلة قالوا حتى تنظر فلما تخالفوا قالوا للعاقب - وكان ذا رأيهم - ما ترى ؟ فقال والله لقد عرفتم نبوته ولقد جاءكم بالفصل في امر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا قط الا هلكوا فان ابيتم الا الف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا فانه رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي رضى الله عنه خلفها وهو يقول إذا دعوت فأمنوا فقال الاسقف يا معشر النصارى اني لارى وجوها لو سألوا الله ان يزيل جبلا من مكانه لازاله فلا تباهلوا فتهلكوا " قال الشيخ محمد نهاوندي في تفسيره " نفحات الرحمن ": " روي انه صلى الله عليه وآله لما اورد الدلائل على النصارى ثم انهم اصروا على جهلهم فقال صلى الله عليه وسلم ان لم تقبلوا الحجة اباهلكم فقالوا يا ابا القاسم بل نرجع وننظر في امرنا ثم نأتيك فلما رجعوا قالوا للعاقب - وكان ذا رأيهم - يا عبد المسيح ما ترى فقال والله لقد عرفتم يا معشر النصارى ان محمدا صلى الله عليه وسلم نبي مرسل ولقد جاءكم بالكلام من امر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولان فعلتم لكنا الاستئصال فان ابيتم الا الاصرار على دينكم والاقامة على ما انتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا الى بلادكم وكان رسول الله خرج وعليه مرط من شعر اسود وكان قد احتضن الحسين واخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول إذا دعوت فأمنوا فقال اسقف نجران يا معشر النصارى اني لارى وجوها لو سألوا الله ان يزيل جبلا من مكانه لازاله، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الارض نصراني " وقال الفخر الرازي في تفسيره الكبير " مفاتيح الغيب ": " ولما اورد الدلائل على نصارى نجران ثم انهم اصروا على جهلهم فقال عليه السلام ان الله امرني ان لم تقبلوا الحجة ان اباهلكم فقالوا يا ابا القاسم بل نرجع فننظر في امرنا ثم نأتيك فلما رجعوا قالوا للعاقب - وكان ذا رأيهم - يا عبد المسيح ما ترى فقال والله لقد عرفتم يا معشر النصارى ان محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالكلام الحق من امر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولانبت صغيرهم ولان فعلتم لكان الاستئصال فان ابيتم الا الاصرار على دينكم والاقامة على ما انتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا الى بلادكم وكان رسول الله خرج وعليه مرط من شعر اسود وكان قد احتضن الحسين واخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول إذا دعوت فأمنوا فقال اسقف نجران يا معشر النصارى اني لاررى وجوها لو سألوا الله ان يزيل جبلا من مكانه لازاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الارض نصراني الى يوم القيامة وروي انه عليه السلام لما خرج في المرط الاسود فجاءه الحسن فادخله ثم جاء الحسين فادخله ثم فاطمة ثم علي ثم قال: " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا " قال الفخر الرازي: " واعلم ان هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين اهل التفسير والحديث " هذا نموذج من التفسير الذي وقفنا عليه نضعه بين يدي القارئ وهو كما ترى لم يختلف تفكيرا ولا تعبيرا، ولم يتفاوت فيه العربي والفارسي ولا اختلف الذوق العربي مع الذوق الفارسي، وهو يشبه بعضه بعضا ومعنى هذا - فيما نرى - ان المفسرين لم يعنوا الحقائق العميقة القائمة في اللفظ والتركيب والحقيقة والمجاز الى آخره ولا يتزودون منها الا باللمحات القصيرة الخاطفة والنظرات العابرة، ولا ندرى لماذا هذا المرور العابر ؟ ! مع ان لكتاب الله المجيد حكمته وخصائصه في اساليبه وميزته في تعبيره عن المعاني المقصودة، وان في القرآن ايات محكمة واضحة المعنى قد يستوي في فهمها الناس، وفيه آيات متشابهة غامضة المعنى لا يستوى في فهمها الناس، وربما يحتاج الى الايضاح من المصدر الاول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والراسخين في العلم، وفيه المفردات التي تعبر عن الحقيقة حينا والمجاز حينا آخر، وعن الاستعارة والكناية الى غير ذلك، هذا مضافا الى ما في القرآن الكريم من " آيات لا يكفي في تفهمها معرفة الفاظ اللغة واساليبها مثل - والعاديات ضبحا والذاريات ذروا الى غيرها من مثيلاتها وبعد - فلا احسب ان يكون القرآن في متناول الجميع على نمط واحد من الفهم، واستجلاء المعاني واكتشاف الدقائق أو بنسبة واحدة، للاختلاف في مقدار الفهم والادراك العقلي، فلابد ان يختلفوا في فهمه وادراك معانيه والوصول الى حقائقه ومجازاته حسب درجات افهامهم ومداركهم العقلية ونحن حينما نقول هذا نكون قد حكمنا الذوق والمقاييس العلمية ونراه واضحا لا يحتاج الى التدليل عليه ولابد اذن - والحالة هذه - ان يكون لهم مدرك واحد في فهم القرآن لا تتصل بالاذواق الفنية التي تطلبها اللغة العربية والمقاييس العلمية، ولا بمعان الالفاظ من حقيقة أو مجاز، واستعارة وكناية الى آخره، ولم تجد فيما رأينا وعنينا به مدركا سوى الرأي والاجتهاد وهما مصدران من مصادر التفسير عند الكثيرين والرأي والاجتهاد يتصلان بمعرفة الالفاظ واسباب النزول حينا وبالعقيدة حينا آخر
المصادر:
1- اخرجه احمد في مسنده والبهقي في صحيحه والتفسير الكبير في تفسير آية المباهلة انه متفق على صحته
2- من حديث سهل الساعدي رواه البخاري ومسلم
3- اخرجه مسلم في صحيحه في باب فضائل علي
4- اخرجه احمد وللبزار - كما في ينابيع المودة - من تركها غرق
5- اخرجه الطبراني في الاوسط وابو يعلى واحمد عن ابي ذر
6- هذا هو المشهور وقيل كانت المباهلة في يوم الواحد والعشرين وقيل الخامس والعشرين وقيل في السابع والعشرين
7- اخرج غير واحد من اعلام اهل السنة عن ابن عباس، ان هذه الايات نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام
8- حديث الثقلين أو حديث التمسك ولفظه عند الترمذي " اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي الثقلين احدهما اعظم من الاخر: كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء الى الارض وعترتي اهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما " وهو من الاخبار المتواترة اجمع المحدثون على رواية اخرجوه من طرق عديدة اخرجه مسلم في صحيحه وصاحب الجمع بين الصحاح الست وصاحب الجمع بين الصحيحين والترمذي والنسائي والحاكم والطبراني والطبري والبيهقي والبزار والملا وابو يعلي الى كثير منهم وقد اجمعوا على صحته
9- عبقرية الامام للعقاد
10- تاريخ الاداب العربية للزيات
11- احمد في مسنده وموفق بن احمد عن ابن عباس وعن انس والترمذي عن انس وابن ابي داود وابن المعازي
12- اخرجه احمد في مسنده ومسلم في صحيحه عن عامر ايضا الا انه قال " اما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلن اسبه، لان تكون لي واحدة منهن خير لي من حمر النعم والترمذي أيضا بعين ما عند مسلم