قال اللّه تعالى : (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ). فأضاف الخلق إلى نفسه و علله بالعبادة ونصب لبيانه الرسول المعصوم . وعند خروج الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)من بين الخلق كيف يتصور أن يقال : انه أهمل الخلق من غير راع والشرع بأحكامه معطلا، مع أن ذلك التعليل باق، والخلق جائز الخطاء وتحريف الشرع ممكن بالنظر إلى جواز الخطاء منهم .
وقال لنبيه (صلی الله عليه وآله وسلم): (ولو تقول علينا بعض الاقاويل لا خذنامنه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من احد عنه حاجزين ). و اذا خوطب النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) هكذا فما حال من وضع مذهبا وأبدع دينا آخر؟ والعبادة انما تكون مختلفة باختلاف الاشخاص ذكورا.
واناثا، مسافرا، ومقيما، حرا، وعبدا، صغيرا، وكبيرا، عالما، وجاهلا، كل واحدة منها مختص بوقت وكيفية متفاوتة، كاختلاف الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد.
فلابد من الخالق، لعبادته، أن ينصب من يقوم بما هو غرضه فيه على ذلك الوجه الذي أمره به، لايقول فيه غيره، لازيادة ولانقصان . ولايوجد بهذه الصفة الا المعصوم الذي أذنه اللّه ، كما في قوله تعالى : (اللّه اذن لكم أم على اللّه تفترون ). ووجدنا في كتبنا وكتبهم واتفاق الخلائق : أن أميرالمؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام) كان دائما مسؤولا عنه في كل معضلة وقعت عليهم ولم يرو أحد في الدنيا اجماعا، أنه (عليه افضل الصلاة والسلام) سأل منهم مسألة أومعضلة قط. (1)
قال اللّه تعالى : (ولكل قوم هاد) . فعلمنا أنه هادي الخلق لعلمه وعصمته، لا من تقدمه .
فضل اسلام علي ـ (عليه افضل الصلاة والسلام)
مسألة : جاء في كتاب (شرف النبوة ) أن أبابكر رأى في منامه أن الشمس انفصلت من السماء ووقعت على سطح الكعبة وتناثرت أجزاؤها و تفرقت، وسقطت قطعة منها في بيته، فسأل بحيراء الراهب عن تعبيره، فقال : سيظهر نبى آخرالزمان في مكة ويدعي النبوة ويحصل لك منه حظ أوفر بعده، لاتتأخر عن قبول دعوته .فلما دعاه إلى الاسلام، قال : بأى حجة يقبل قولك ؟ قال (عليه افضل الصلاة والسلام): بتعبير بحيراء الراهب منامك .
فأسلم عند هذا. (2)
فعلى هذا يمكن أن يكون اسلامه للجاه، لاللّه [تعالى ].
وأما على (عليه افضل الصلاة والسلام) فشهداللّه تعالى له بحسن اعتقاده حيث قال : (انما نطعمكم لوجه اللّه لا نريدمنكم جزاء ولا شكورا).
حديث الوصية
مسألة : في صحيح البخاري أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) قال في مرضه الذي توفي فيه بمحضر الصحابة : ايتوني بدواة وكتف أكتب لكم شيئا لا تختلفون بعدي .ووقع عليه (صلی الله عليه وآله وسلم) غشية، فقصد القوم باحضار ملتمس الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)، فقال عمر: (الرجل يهذي )، وروي (يهجر).
فلما أفاق النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) قالوا: يا رسول اللّه نحضر ملتمسك ؟ فقال : أبعد الذي قلتم ما قلتم ؟ ومات غضبان عليه، مما سمع منه من قوله : (الرجل يهدي ). (3)
فمن اعتقد أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) هاذ، فكيف يليق بأن يقوم مقامه ؟ فعلى هذا يمكن أن يكون مناقبه التي يرويها المخالف كلها من هذا القسم .
أما على (عليه افضل الصلاة والسلام) فلم يرد أبدا على اللّه وعلى رسوله لعصمته . فعند التنازع، التمسك بعلى (عليه افضل الصلاة والسلام) أولى، لأنه أتقى وأزكى .
أقرب الامة بسيرة الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)
مسألة : اعلم أن امة محمد(صلی الله عليه وآله وسلم) عبارة عن تابعيه فعلا، وقولا بنص (واتبعوه لعلكم تهتدون )، ونص (لقد كان لكم في رسول اللّه اسوة حسنة )، فيجب على التابع أن يحزن بحزنه ويفرح بفرحه .
فعلى هذا لاشك أن محمدا(صلی الله عليه وآله وسلم) يحزن يوم عاشوراء، قتل فيه عسكر اللعين يزيداحدى وسبعين نفسا زكية من أصحابه، منهم ثمانية عشر من ذريته . (4)
وقال :(صلی الله عليه وآله وسلم)في الحسين (عليه افضل الصلاة والسلام): من بكى على الحسين أوتباكى وجبت له الجنة . (5) فالمخالفون يفرحون في ذلك اليوم ويلبسون أحسن ثيابهم المتلونة ويخضبون الايدي والارجل ويشتغلون بأنواع الملاهي والدفوف والرقص . (6)
وسنوا من يوم قتلهم أن يقرأوا اسورة (انا فتحنا لك فتحا مبينا) فرحا بأن فتح الامروالدولة ليزيد بقتله عترة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وأصحابه، ولا شك أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) لوكان حياوحاضرا لكان من جانب الحسين وعسكره ومن جملة ناصريه .
وقال : في حق الحسن والحسين : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة . (7)
وقال :(صلی الله عليه وآله وسلم): الحسن والحسين امامان قاما أوقعدا، وأبوهماخير منهما. (8)
وقال اللّه تعالى : (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما). فكيف يفرح المسلم بقتل المؤمن، ويحب من له العذاب والغضب واللعنة بنص القرآن .
وبالض رورة كان قتلهم ايذاء اللّه ورسوله . وقال اللّه تعالى : (ان الذين يؤذون اللّه ورسوله لعنهم اللّه في الدنيا والا خرة وأعد لهم عذابا مهينا). فثبت من هذه النصوص أن لعن يزيد ومن تبعه في قتل الحسين (عليه افضل الصلاة والسلام) والمؤمنين واجب .
وجاء في الخبر: من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة وله صراخ عند العرش يقول :يارب فيم قتلني من غير منفعة . ولعن اللّه من يقول في قتل الحسين (عليه افضل الصلاة والسلام) نفع يزيد وأصحابه .
ولما وقع التشاجر بين الامة في صحة المذهب رأيت أن طريقة الامامية المتشيعة أنسب إلى النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وأوفق بمتابعته وأقرب إلى شريعته وأحفظ في الايمان . فتمسكت بها وتركت مناوئيها، بناء على قوله (صلی الله عليه وآله وسلم): (دع ما يربك إلى ما لا يريبك ).
المراد بالمتقين في الكتاب والسنة
مسألة : قال اللّه تعالى : (اذ تبراء الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب وقال الذين اتبعوا لو ان لنا كرة فنتبراء منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار). فقلت : لا يخلو هذا العامل الذي أرى عمله حسرة عليه، اما الشيعة و اما أهل السنة ؟ووجدنا في القرآن أن اللّه تعالى قال : (انما يتقبل اللّه من المتقين )، (وينجي اللّه الذين اتقوا)، وقال :(ان المتقين في جنات ونهر في مقعدصدق ). وورد في كتاب (نكت الفصول في علم الاصول ) للشيخ نجيب الدين أبي الفتح العجلي الاصفهاني نقلا عن صحيح مسلم وغيره : أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) قال : أوحى اللّه تعالى إلى في على ثلاثا: أنه سيد المسلمين و امام المتقين وقائدالغرالمحجلين . وقال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) في على اجماعا من الامة الا من الخوارج : يا على لا يحبك الا مؤمن تقى ، ولا يبغضك الا منافق شقى . فالبناء على القرآن والخبر انحصر التقوى في الشيعة، وهم المتقون . وأعمالهم مقبولة .وعلى امامهم اجماعا. فصح من هذا أن هذا الذي أراهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم غير الشيعة .
فاقتضت الحال والاحتياط أن يقتدى بعد النبي بعلى وأولاده ليقبل العمل، ويدخل الجنة بغير عتاب و عقاب وأن لايكون في الاخرة أعماله حسرات عليه، بناء على قوله (صلی الله عليه وآله وسلم): دع ما يريبك إلى ما يريبك .
أولو الارحام في كتاب اللّه
مسألة: نظرنا في الأمة ووجدنا بينهم الخبط الكثير وكان يكفر بعضهم بعضاويفسق، ويدعى كل منهم : أنا على الحق وغيري على الباطل، (9)بناء على قوله تعالى : (كل حزب بما لديهم فرحون ). و يقول شاعر فيه :
وتشعبوا شعبا فكل جزيرة *** فيها أميرالمؤمنين ومنبر
حتى ظهر فيهم سبع مائة مذهب . ووجدت اللّه تعالى يقول : (فان تنازعتم في شي فردوه إلى اللّه والرسول ان كنتم تؤمنظون باللّه ) فاستقرأت القرآن حتى انتهى الامر إلى قوله : (واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه من المؤمنين والمهاجرين ). ذكر اللّه تعالى و نص : أن الرجل اذا مات ينبغي أن يقوم الرحم مقامه، لا الصاحب والخادم .
وعلى (عليه افضل الصلاة والسلام) كان مهاجرا، ورحما ومؤمنا بالاجماع .
وأما العباس وان كان رحما لكنه لم يكن مهاجرا، لأنه من طلقاء بدر، أسروه وفدى نفسه بفدية . (10)
وقال اللّه تعالى : (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شى ء). والشيخان لم يكونا رحما وان هاجرا وأسلما. فوجدت عليا(عليه افضل الصلاة والسلام) أولى بالخلافة من غيره، فتبعته دون غيره .
سيرة الانبياء في الوصاية
مسألة : وجدنا الامة على قولين : بالقرابة، والصحبة . ثم راجعنا إلى كتاب اللّه واجماع المحدثين والمورخين ونصوص القرآن، ووجدنا فيها أن الخلافة وضعتها في الذرية لا في أصحاب الصحبة .أما القرآن فقوله تعالى : (ذرية بعضها من بعض ) وقوله : (ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بنى ان اللّه اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وانتم مسلمون، أم كنتم شهدء اذ حضر يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ) فجميع الانبياء(عليه افضل الصلاة والسلام) اذا ماتوا، ماقام مقامهم الا أولادهم أوبعض أقربائهم، كما قام شيث مقام آدم (عليه افضل الصلاة والسلام)،
وسام مقام نوح (عليه افضل الصلاة والسلام)، واسماعيل واسحاق مقام ابراهيم (عليه افضل الصلاة والسلام)، ويوسف مقام يعقوب (عليه افضل الصلاة والسلام)،
ويوشع بن نون مقام موسى (عليه افضل الصلاة والسلام) ابن عمه، وسليمان مقام داود(عليه افضل الصلاة والسلام)ويحيى مقام عيسى (عليه افضل الصلاة والسلام) ابن خالته . وقال اللّه تعالى : (ولا تجد لسنتناتحويلا)، أو (تبديلا).
وقال : (قل ما كنت بدعا من الرسل ). وما وجدنا أحدا منهم استخلف صحابيا. واجمعت الشيعة بكثرتها وتفرقها شرقا وغربا على أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وصى عليالقيامه مقامه بعده جليا وخفيا، (11) فحصل الاجماع والتواتر على هذا: فعلى هذاتكون الخلافة له دون غيره .
قال اللّه تعالى : (فلا وربك لايومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). فتمسكنا بالمقطوع وتركنا المظنون . ويؤيد ذلك قوله تعالى بعد ذكر الانبياء خطابالمحمد (صلی الله عليه وآله وسلم): (اولئك الذين هدى اللّه فبهديهم اقتده ). (12)
والاقتداء بهم اقتضى استخلافه عليا(عليه افضل الصلاة والسلام) مقامه .
المصادر :
1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 18, فرائد السمطين 1: 349ـ351.
2- شرف النبي للخركوشي : 489, كامل بهائي 1: 242, وأشار اليه السيوطي في تاريخ الخلفاء: 41.
3- صحيح البخاري 1: 37, انظر أيضا: مسند أحمد 1: 222.
4- الكامل في التاريخ 2: 518, اعلام الورى : 250, وهناك قول آخر باء ن المقتولين من ذريته (عليه افضل الصلاة والسلام) كانوا سبعة عشرنفرا. انظر: الارشاد للمفيد: 233.
5- النقض : 373 و591, ثواب الاعمال وعقاب الاعمال : 108ـ 109.
6- عـلـل الشرايع : 226, وقريب منه ماورد في بحار الأنوار 45: 95, نقلا عن الامالي للطوسي : 667. ومثله ماجاء في ,الفروع من الكافي 4: 146.
7- مـسـنـد أحمد 3:3 و62,82 , سـنن الترمذي 5: 326, حلية الاولياء 4: 139ـ140, وأيضا 5: 58 و71.
8- اعلام الورى : 214.
9- مسند أحمد 6: 292, سنن الترمذي 5: 299, ترجمة الامام علي ابن أبي طالب 2: 208ـ209, الارشاد للمفيد:18, فضائل الخمسة من الصحاح الستة 2: 205.
10- الفرق بين الفرق : 93ـ219.
11- الكامل في التاريخ 1: 537, الاربعين في أصول الدين : 447.
12- الارشاد للمفيد 1: 4, الشافي في الإمامة 2: 65, اعلام الورى : 162ـ172, كشف المراد:289, اللوامع الالهية : 261.