نفتح صحيح البخاري ونقرأ : عن عقبة رضياللهعنه أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج يوماً فصلّىٰ علىٰ أهل أُحد صلاته علىٰ الميّت ثم انصرف علىٰ المنبر فقال : « إنّي فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإنّي والله لأنظر إلىٰ حوضي الآن ، وإنّي أُعطيتُ مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض ، وإنّي والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها » (١).
وجاء هذا الحديث بألفاظ أُخرىٰ منها هذا الحديث التالي : عن أبي هريرة عن النبي قال : « بينا أنا قائم إذا زمرة حتّىٰ إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلمّ ، فقلت : أين ؟ قال : إلىٰ النار والله ، قلت وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدّوا بعدك علىٰ أدبارهم القهقرى ، ثم إذا زمرة حتّىٰ إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمّ ، قلت : أين ؟ قال : إلىٰ النار والله ، قلت ما شأنهم ؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك علىٰ أدبارهم القهقرىٰ ، فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل هَمَلِ النَّعم » (٢).
فإذا نظرت إلىٰ الحديث الاوّل ترىٰ أنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « وأنا شهيد عليكم » أي علىٰ أفعال أصحابه ، وهذا يذكرنا بقول عيسىٰ بن مريم عليهالسلام حيث قال : ( ... وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ) (3).
فالرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس مسؤولاً عن أفعال أصحابه بعد حياته.
ثم انظر إلىٰ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ».
نعم هكذا كان ، حيث صار الصحابة بعد فتح البلدان من أغنىٰ الناس كطلحة والزبير وغيرهما ، ولهذا حاربوا علىٰ بن أبي طالب عليهالسلام لأنّه كان أشد الناس في الحق بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وتأمّل هذه المفردة في الحديث ( حتّىٰ إذا عرفتهم ) وهذا يعني أنهم عاشوا مع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وليسوا أفراداً من أُمّته متأخرين أو المنافقين كما يدّعىٰ البعض.
ثم تأمّل هذه المفردة ( إنهم ارتدوا بعدك علىٰ أدبارهم القهقرىٰ ).
نعم هكذا كان ، وانظروا كتب التواريخ وما فعله كثير من الصحابة من كنز الأموال وقتل النفوس وتعطيل حدود الله وتغيير سنّة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لترىٰ عجباً !!
مخالفات الصحابة للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
إنّ الباحث المتجرّد سيكتشف أنّ الصحابة هم أوّل من خالف الله ورسوله ولم يكونوا جميعاً مطيعين متهالكين في طاعته صلىاللهعليهوآلهوسلم كما يدّعي البعض ، وإليك غيض من فيض من هذه المخالفات :
عن البراء بن عازب رضياللهعنه قال : « جعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم علىٰ الرجّالة يوم أُحد ـ وكانوا خمسين رجلاً ـ عبدالله بن جبير فقال : إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتّىٰ أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا هَزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتّىٰ أرسل إليكم ، فهزموهم ( هزيمة المشركين ) ، قال فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهنّ وأسوُقُهنّ رافعات ثيابهنّ ، فقال أصحاب عبدالله بن جبير : الغنيمة أيْ قوم الغنيمة ، ظَهرَ أصحابكم فماتنتظرون ، فقال عبدالله بن جبير : أنسيتم ماقال لكم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ قالوا : والله لنأتينّ الناس فلنصيبنّ من الغنيمة ، فلمّا أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين ، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أُخراهم ، فلم يبق مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم غير اثني عشر رجلاً فأصابوا منّا سبعين » (4).
أُنظر إلىٰ هؤلاء الصحابة يخالفون أوامر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم علانية حتّىٰ تسببوا في هزيمة المسلمين وشهادة خيار الصحابة كمصعب بن عمير وحمزة وغيرهما ، ولو لم ينزلوا من الجبل لكانت معركة أُحد الضربة القاضية للمشركين ، ولما تجّرأوا بعدها علىٰ خوض حروب أُخرىٰ ضد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كغزوة الخندق وغيرها.
ويا ليته كان فرارهم الاوّل بعد هزيمتهم ، لكن أعادوا نفس الفعلة في غزوة حنين.
وإليك حادثة أُخرىٰ وقعت قبل أربعة أيام من وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهي المعروفة برزيّة يوم الخميس :
عن ابن عباس قال : « يومُ الخميس وما يوم الخميس ، ثم بكىٰ حتّىٰ خضب دمعه الحَصْبَاء ، فقال : اشتدّ برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وجعه يوم الخميس فقال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبدا ، فتنازعوا ـ ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ـ فقالوا : هَجَر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : دعوني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه ، وأوصىٰ عند موته بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة » (5).
مرحىٰ لهؤلاء الصحابة يأمرهم الرسول فيقولون إنّ النبيّ يهجر ( يخرّف ) !! ولا يطيعونه حتّىٰ يُعرض عنهم.
ويا حسرة علىٰ ذلك الكتاب الذي لم يُكتَب والذي قال عنه الرسول ( لَنْ تضلّوا بعده ) ولو فعل الصحابه ما أُمروا به لما اختلف مسلمان إلىٰ يوم القيامة ، فانظر إلىٰ ما جناه علينا الصحابة من الضلال وما حرمونا منه.
حديث آخر فخذه :
« عن علىٰ رضياللهعنه قال : بعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سريّة وأمّر عليهم رجلاً من الأنصار وأمرهم أن يُطيعوه ، فغضب عليهم وقال : أليس قد أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن تطيعوني ؟ قالوا : بلىٰ ، قال : عزمتُ عليكم لما جمعتم حطباً وأوقدتم ناراً ثم دخلتم فيها ، فجمعوا حطباً فأوقدوا ، فلمّا همّوا بالدخول نظر بعضهم إلىٰ بعض قال بعضهم : إنمّا تبعنا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فراراً من النار أفندخلها ؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه ، فذكر للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً إنّما الطاعة في المعروف » (6).
انظر إلىٰ هذا الأمير المتلاعب كيف يأمر الصحابة بالهلاك وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة ، وانظر استنكار الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لذلك الفعل وما قاله.
والأعجب من هذا كلّه أنك تجد في كتب وصحاح أهل السنّة أحاديث في الطاعة ما أنزل الله بها من سلطان ، بل مخالفة لصريح القرآن والفطرة الانسانيّة مثل هذا الحديث الآتي :
عن أنس بن مالك رضياللهعنه قال : « قال رسول الله : اسمعوا وأطيعوا وإن أستُعمِل عليكم عبد حبشي كأنّ رأسه زبيبة » (7).
نقول : أوّلاً : حاشىٰ لرسول الله أن تصدر منه هكذا أوصاف في حقّ عباد الله ، وهو الذي وصفه الله تعالىٰ بالخُلق العظيم ولا يعيّر الرسول أحداً من الخلق ولا يقول رأس فلان ككذا ولا غيرها.
وثانياً : أليس الله تعالىٰ يقول : ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ... ) (8).
فالله ينهي عن طاعة الظالمين فكيف يأمر بها نبيّه ؟!
نعم ، إن معاوية وملوك بني أُمية وبني العباس وضعوا هذه الأحاديث حتّىٰ لا يخرج عليهم أحد ولا ينهاهم مسلم ، وهل يريد الحكّام الظالمون أكثر من ذلك ؟!
وتعالَ إلىٰ حديث آخر شبيه بالسابق :
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من رأىٰ من أميره شيئاً فكرهه فليصبر ، فإنّه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلاّ مات ميتة جاهليّة » (9).
إنّ هذا الحديث كذب صريح ، وإلاّ لو كان صحيحاً فلماذا خالفه الصحابة أنفسهم ، أليس قد فارق علي بن أبي طالب جماعة المسلمين ولم يبايع أبا بكر إلاّ بعد ستة أشهر ؟ أليس قد خالفت عائشة هذا الحديث وخرجت علىٰ عليّ في حرب الجمل مع طلحة والزبير ؟! أليس قد فارق عبدالله بن عمر الجماعة ولم يبايع عليّاً طيلة خلافته ثم بايع بعد ذلك يزيد وعبد الملك بن مروان ؟!
وهناك حديث آخر يعارض هذه الأحاديث ، يقول : عن عبدالله عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « السمع والطاعة علىٰ المرء المسلم فيما أحبّ أو كره مالم يُؤمَر بمعصية ، فإن أُمر بعصية فلا سمع ولا طاعة » (10).
وإليك فعلة شنيعة أُخرىٰ اقترفها صحابي ابن صحابي :
عن أسامة بن زيد بن حارثة قال : « بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلىٰ الحُرقة ( قبيلة ) من جُهينة ، قال فصبّحنا القوم فهزمناهم ، قال ولحقتُ أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ، قال : فلمّا غشيناه قال لا إله إلاّ الله ، قال : فكفّ عنه الأنصاري فطعنتُهُ برمحي حتّىٰ قتلتُه ، قال : فلمّا قدمنا بلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : فقال لي : يا أُسامة أقتلْتَهُ بعدما قال لا إلٰه إلا الله ، قال : قلتُ : يا رسول الله إنّما كان متعوّذاً ( أي قالها خوفاً من القتل لا إيماناً ) قال : أقتلته بعد أن قال لا إلٰه إلا الله ؟ قال : فما زال يكرّرها عليّ حتّىٰ تمنّيتُ أني لم أكن أسلمتُ قبل ذلك اليوم » (11).
والواقع أنّ الإنسان لا يجد ما يعلق عليه في هذه الحادثة ، لذا نتركها للقارئ.
وإليك حادثة أُخرىٰ :
عن أبي هريرة قال : « شهدنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال لرجل ممّن يدّعي الإسلام : هذا من أهل النار ، فلمّا حضر القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراحة ، فقيل : يا رسول الله الذي قلت إنّه من أهل النار فإنّه قد قاتل اليوم قتالاً شديداً وقد مات ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إلىٰ النار ، قال : فكاد بعض الناس أن يرتاب ، فبينما هم علىٰ ذلك إذ قيل : إنّه لم يمت ولكن به جراحاً
شديداً ، فلمّا كان من اللّيل لم يصبر علىٰ الجراح فقَتل نفسه ، فأخبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك فقال : الله أكبر إني عبد الله ورسوله ، ثم أمر بلالاً فنادىٰ بالناس ... » (12).
هذا رجل مسلم ، صحب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وغزا معه ، والله أعلم كم غزوة شارك فيها ، ولم يكفر بالله ولم يرتدّ لكنّه من أهل النار لأنّه انتحر ولم يصبر علىٰ الجراح ، فكيف يقال : إنّ جميع الصحابة عدول ؟!
نكتفي بهذا القدر اليسير من مخالفات الصحابة لله ولرسوله وننتقل إلىٰ بحث آخر وهو : رأي الصحابة في بعضهم البعض.
رأي الصحابة في بعضهم البعض :
إنّ الذي يمنعنا اليوم من مجرّد ذكر حقائق وأفعال بعض الصحابة ـ التي أثبتها الله ورسوله ويدّعي أنّ ذلك طعن بالصحابة ويتهمنا بسب وشتم جميع الصحابة ـ لا يدري أنّ الصحابة أنفسهم شتم بعضهم بعضاً ولعن بعضهم بعضاً وقاتل بعضهم بعضاً ، فهل « حلال عليهم ، حرام علينا ؟! »
وإليك بعض الأمثلة علىٰ ذلك :
عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال : « أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب ؟! فقال : أمّا ما ذكرتُ ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلن أسبّه لان تكون لي واحدة منهنّ أَحبّ إليّ من حُمر النِّعم. سمعتُ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه فقال له عليّ : يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أما ترضىٰ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسىٰ إلاّ أنه لا نبوّة بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطينّ الراية رجلاً يُحبّ اللهَ ورسولَه ويحبّه اللهُ ورسولُه ، قال فتطاولنا لها فقال : ادعوا لي عليّاً ، فأُتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ، ولمّا نزلت هذه الآية : ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) (13) دعا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللّهم هؤلاء أهلي » (14).
ونحن نستخلص من شهادة سعد بن أبي وقاص هذه أشياء :
أولاً : لو كان سبّ الصحابي كفراً فما بال معاوية بن هند يأمر الصحابة ومن ضمنهم سعداً بسبّ علي بن أبي طالب ؟! وما بال بني أُميّة اتخذوا سبّ علي بن أبي طالب سنّة ، حتّىٰ كانوا يلعنونه علىٰ المنابر طيلة سبعين سنة.
ثانياً : ثبت عن الصحابة أنّ المقصود من أهل البيت النبويّ ليس زوجات الرسول بل هم : علي وفاطمة وحسن وحسين وفيهم نزلت آية التطهير حيث يقول تعالىٰ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (15)
فالقرآن نزل بين الصحابة وما كانت لتخفىٰ عليهم مقاصد هذه الآية.
وثالثاً : يتبيّن كذب أحاديث قيلت علىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومنها هذا الحديث التالي :
عن محمد بن إسحاق عن يونس بن محمد عن إبراهيم بن سعد عن عبيدة بن أبي رائطة عن عبد الرحمان عن عبد الله بن مغفّل قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذىٰ الله ومن آذىٰ الله فيوشك أن يأخذه » (16).
فإذا صحّ الحديث فمعاوية ـ وهو صحابي درجة مائة ـ كان يسبّ عليّاً وما أدراك ما علي ويأمر بسبّه ; وعليّ عليهالسلام قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق » (17).
وإليك مثال آخر علىٰ رأي الصحابة في بعضهم البعض :
عن جابر قال : « صلّىٰ معاذ بن جبل الأنصاري بأصحابه صلاة العشاء فطوّل عليهم ، فانصرف رجل منّا ، فصلّىٰ ، فأُخبر معاذ عنه فقال : إنّه منافق ، فلمّا بلغ ذلك الرجل دخل علىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبره ما قال معاذ ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم « أتريد أن تكون فتّاناً يا معاذ ؟ إذا صلّيت بالناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبّح اسم ربّك الأعلىٰ واللّيل إذا يغشىٰ واقرأ باسم ربّك » (18)
وتعليقاً علىٰ الحديث نقول : انظر إلىٰ معاذ وهو يرمي أحد المسلمين بالنفاق لانه لم يُطق تطويله وتأمّل لوم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لمعاذ.
كذلك أمر عمر بن الخطاب رجال السقيفة بأن يقتلوا سعد بن عبادة لأنّه خالف ما اتفقوا عليه ، وهكذا الأمثال عديدة ، فمن شاء فليحقّق في الصحاح وكتب السيرة.
ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « من قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما » (19).
وإليك مثالاً آخر :
« عن جابر رضياللهعنه قال : غزونا مع النبىّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتّىٰ كثروا ، وكان من المهاجرين رجل لعّاب فكسع أنصاريّاً فغضب الأنصاري غضباً شديداً حتّىٰ تداعوا ، وقال الأنصاري : ياللأنصار ، وقال المهاجرىّ : يا للمهاجرين ، فخرج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : ما بال دعوىٰ أهل الجاهليّة ، ثم قال : ماشأنهم ؟ فأُخبر بكسعة المهاجريّ الأنصاري ، قال فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : دعوها فإنّها خبيثة.
وقال عبد الله بن أُبي بن سلول : قد تداعوا علينا لئن رجعنا إلىٰ المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ، فقال عمر : ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث لعبدالله ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يتحدّث الناس أنّه كان يقتل أصحابه » (20).
فهاهم المهاجرون والأنصار يختلفون ويكادون يتقاتلون ، حتّىٰ وصل الأمر أن يستغلّ هذه الفرصة رأس المنافقين فيقول ما قال.
ولنتصور مدىٰ تألّم قلب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يرىٰ أصحابه يرفعون شعارات قبليّة ، أليست هذه إذاية للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟!
ثم تأمّل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث قال : « لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه » ، فنفهم منه أنّ المنافقين بعكس ما يقول علماء أهل السنّة كانوا داخلين في دائرة الصحابة وما كان أكثرهم حتّىٰ أن الله تعالىٰ أنزل سورة كامة باسمهم (المنافقون) وقال تعالىٰ فيهم في سورة التوبة : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ... ) (21) فمن هم يا ترىٰ أولئك المنافقون الذين لا يعلمهم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟! سنعرفهم يوم القيامة إن شاء الله تعالىٰ.
كذلك تسابّ خالد بن الوليد وعبدالرحمن بن عوف أمام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأفحش خالد بن الوليد لعمّار بن ياسر (22) وما أدراك ما عمّار الطيب بن الطيب (23) كما وصفه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
1- صحيح البخاري ٨ : ١٥١ ، صحيح مسلم باب الفضائل.
2- صحيح البخاري ٨ : ١٥١.
3- سورة المائدة : ١١٧.
4- صحيح البخاري ٤ : ٧٩.
5- صحيح البخاري ٤ : ٨٥ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٢٥٧ كتاب الوصية ، ومسند أحمد ١ : ٢٢٢.
6- صحيح البخاري ٩ : ١١٣ ، ما جاء في السمع والطاعة.
7- صحيح البخاري ٩ : ١١٣.
8- سورة هود : ١١٣.
9- تجد الحديث قريب منه في لفظه في مسند أحمد ٤ : ٩٦.
10- صحيح البخاري ٩ : ١١٣.
11- صحيح البخاري ٩ : ٥ ، مسند أحمد ٥ : ٢٠٠.
12- صحيح البخاري ٤ : ٨٨.
13- سورة آل عمران : ٦١.
14- صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ ، كتاب فضائل الصحابة.
15- سورة الأحزاب : ٣٣.
16- مسند أحمد بن حنبل ٩ : ٨٢ ، وقريب من هذا الحديث حديث « أحسنوا إلى أصحابي » مسند أحمد بن حنبل : ٤٥ حديث رقم ١٧٨.
17- أنظر سنن ابن ماجة ١ : ٤٢ ، فضائل عليّ.
18- سنن ابن ماجه ١ : ٣١٥ ، باب من أمّ قوماً فليُخفّف.
19- موطّأ الإمام مالك : ٦٥٢ ، حديث رقم ١٨٤٤.
20- صحيح البخاري ٤ : ٢٢٣ ، وكذلك في مسند أحمد ٣ : ٣٣٨.
21- سورة التوبة : ١٠١.
22- مسند أحمد ٤ : ٨٩.
23- سنن ابن ماجه ١ : ٥٢ ، فضائل عمّار.