كرامات أم البنين عليهاالسلام

قال آية الله الحاج السيد طيب الجزائري ـ حفظه الله ـ ضمن رسالة بعث بها إلى «انتشارات مكتب الحسين عليهالسلام» :
كنت أسكن في النجف الأشرف في سنة (١٩٦٢ م) ، وكنت أسافر في كلّ سنة أيام محرم الحرام إلى الپاكستان للتبليغ ، وفي سنة من السنين التقيت في مشهد المقدسة بأحد العلماء الپاكستانيين فسألته عن وجهته بعد زيارة المشهد الرضوي عليهالسلام فقال : أرجع إلى الپاكستان فقلت له : سماحة السيّد أليس من الخسارة أن تقطع كلّ هذه المسافة فتأتي مشهد المقدسة ثم ترجع من هنا ولا تزور كربلاء والنجف الأشرف؟! في حين أنّ المسافة الباقية هي نصف المسافة إذا احتسبت من مشهد.
فأثر فيه كلامي وعزم على أن يأتي إلى كربلاء ، فاتفقنا وتوجهنا معاً إلى طهران ، ومن هناك إلى السفارة العراقية للحصول على التأشيرة «الفيزا».
فلمّا وصلنا إلى هناك وجدنا أبواب السفارة مغلقة والزوّار مزدحمين على باب السفارة في وضع يرثى له حيث كان الكثير منهم قد فرش فراشه وجلس هناك في الانتظار ، وقد تداخلت صفوفهم وتشابكت بسطهم ، فسألنا فإذا منهم من قد قضى هناك ليلتين ، ومنهم من قضى ثلاث ليالي ، وأقل من ذلك وأكثر يبيتون على الرصيف ، وباب السفارة لا يفتح إلّا نادراً ، فالتفت إلى صاحبي وقلت له : هل أنت عازم على السفر إلى كربلاء؟
فقال : عجباً!! ولماذا إذن جئت من مشهد إلى هنا؟!
فقلت له : كيف تريد الذهاب إلى كربلاء ووضع التأشيرة كما ترى؟!
قال : لا أعلم.
قلت : أنا أعرف الحلّ!
قال : وما هو؟
قلت له : تنذر ألف صلوات (أي تقول ألف مرة : اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد) لأُم البنين وأنا أيضاً أفعل ذلك وستحصل التأشيرة إن شاء الله.
فنذرنا معاً ألف صلوات على النبي وآله هدية لأُم البنين عليهاالسلام ، ثم وقفنا قليلاً مقابل باب السفارة فلم نر أي طارق يتحرك ذهاباً أو إياباً ، دخولاً أو خروجاً ، فليس من والج ولا من خارج وكأنّ بناية السفارة على ضخامتها مهجورة وليس فيها ديار.
بصيص أمل :
وفجأة قال صديقي : تذكرت الآن أنّي أحمل رسالة إلى سكرتير السفير الپاكستاني ، فلنذهب إليه ونسلمها إياه ما دمنا قد وصلنا إلى هنا ومن ثُمّ نعود إلى هنا لننظر ماذا يكون.
اكترينا سيارة وتوجهنا إلى سفارة الپاكستان ، وبالفعل فقد وجدنا الشخص المطلوب وسلمناه الرسالة ، وكان استقباله لنا حاراً وقد أحاطنا بالحفاوة والتكريم وسألنا : أين ستذهبون بعد طهران؟
قلنا : لقد عزمنا على الذهاب إلى العراق فيما لو حصلنا على التأشيرة.
فقال : من حسن الحظ أنّي ـ أيضاً ـ أريد أن أذهب إلى العراق فاصبروا هنا قليلاً حتى أهيئ وثائقي ونذهب جميعاً إلى السفارة فآخذ لكم تأشيرة معي.
قال ذلك ودخل غرفته واشتغل بطبع الوثائق.
تبدد الأمل مرة أُخرى :
وبعد فترة خرج من الغرفة وقال : تعطلت آلة الطابعة فأرجو أن تصبروا قليلاً حتى استطيع طباعة الوثيقة ثم أصطحبكما إلى السفارة ، قال ذلك ثم دخل الغرفة مرة أُخرى يحاول الاستمرار في الكتابة على آلة الطابعة ....
وبعد حين امتلكني القلق على التأشيرة لأن الوقت المعلن لمنح التأشيرات الذي كتبته السفارة العراقية في لوحة إعلاناتها هي الساعة الواحدة بعد الظهر فيما كانت الساعة الحادية عشر ونحن في السفارة الپاكستانية وصاحبنا غائب لا نعلم أين ذهب وماذا حلّ به وبوثائقه ، والوقت يمضى بسرعة تحطم الأعصاب ، ولكن سرعان ما خرج صاحبنا من الغرفة وهو يحمل رسالة وقال : آسف لا أدري أي مصلحة وراء الأمر فان آلة الطابعة تعطلت تماماً فلم استطع من كتابة الوثيقة الخاصة بي إلّا أنّها عملت بمقدار ما كتبت فيه كتاباً للقنصل العراقي بطلب التأشيرة لكما وأرجو أن توفقا لذلك.
أخذت الرسالة منه فوراً وخرجنا من السفارة واكترينا سيارة وتوجهنا إلى السفارة العراقية ، فنظرت إلى ساعتي فإذا هي الثانية عشرة تماماً.
كانت السيارة تسير بسرعة وتلتهم الطريق التهاماً نحو السفارة ، وأنا أحدّث نفسي وأقول : إنّ الموانع أمامنا ليست باليسيرة ولا بالقليلة ، فكم من مانع يعترضنا :
فأولاً : إنّنا لا ندري أنّ هذه الرسالة موجهة لأي شخص في السفارة ، فلا ندري لمن ينبغي تسليمها سيما وأنّ باب السفارة لا تفتح لأحد من الناس.
وثانياً : إنّهم لن يسمحوا لنا بلقاء القنصل بأي حال.
وثالثاً : هب أننا عرفنا الشخص ووصلنا إلى القنصل ، ولكن من قال أنّ هذه الرسالة ستؤثر لأننا لسنا من العاملين في السفارة الپاكستانية وإنما نحن أفراد عاديين.
وحينئذ توجهت لسيدتي أُم البنين عليهاالسلام وخاطبتها قائلاً : يا سيدتي يا أُم البنين عليهاالسلام إنّي أريد تأشيرة إلى كربلاء وأريدها اليوم بالذات وليس غداً ؛ وذلك لأني لو حصلت عليها في الغد فهو أمر عادي ، وأنا أريد أن أحصل عليها بشكل خارق للعادة ؛ لأنني أعلم أنّ الحصول على التأشيرة اليوم وفي هذا الوقت الضيق والحرج قضية مستحيلة فإذا حصلت على التأشيرة اليوم فاني سأتيقن بما لا يعتريه الشك أن ذلك من ألطافكم.
وأخيراً توقفت السيارة أمام مبنى السفارة العراقية ، وما أن وصلنا إلى الباب حتى رأينا باب السفارة تفتح وخرج منها رجل انجليزي ، فدخلنا أنا وصاحبي فوراً فسألنا البواب : لماذا دخلتم؟ فلم نجبه وإنّما قدمنا له الرسالة المذكورة فأخذها البواب وأغلق الباب وقال : قفا مكانكما حتى أعود ، قال ذلك وذهب مسرعاً إلى الداخل. فقمنا هناك وقوفاً على أقدامنا والهواجس تعصف في قلوبنا ، فحدثت نفسي : إنّ هذا البواب سيعود ويجيبنا بالرد ، وعلى فرض أنّه لم يردنا فانه سوف يؤجلنا إلى غد أو بعد غد ؛ لأنّ هذا هو الاحتمال الوحيد الذي يمكن تصوره فيما لو لم يردنا إلّا أن تحدث معجزة ، وفي هذه الاثناء جاء البواب يحمل معه إستمارتين وسألنا : هل معكما صور فتوغرافية قلنا : نعم. قال : إذن املأوا هذه الاستمارات.
فكّرنا أنّ علينا أن نملأ الاستمارات بدقة لئلا نخطأ في الجواب على الأسئلة الكثيرة والمعقدة التي فيها ، فمن المحتمل أن يرد طلبنا إذا كانت ثمة إشباهات أو إرتباكات في الأجوبة ، ولهذا كنا نحتاج إلى وقت أكثر لملأ الاستمارات ، بيد أنّ
البواب استعجلنا ولم يمهلنا وقال : تعجلوا ولا تتأخروا فانّ القنصل على وشك الخروج من السفارة. فاضطربنا وملأنا الاستمارات كيف ما اتفق وبحط ردئ لا يكاد يسلم منه حرف ، فكتبنا مكان اسم الأب اسم الأُم ، ومكان اسم الأُم اسم الأب ، وهكذا قدمنا الاستمارات والصور والجوازات ، فأخذها البواب وقال : اذهبوا الآن وانتظروا في الخارج إلى الساعة الواحدة وستسمعون الجواب من البوابة الصغيرة التي نسلّم منها الوثائق.
خرجنا إلى الشارع فنظرت إلى ساعتي فوجدت أنّ علينا أن ننتظر عشرين دقيقة أُخرى حتى تكون الساعة الواحدة ، فتوجهنا إلى البوابة الصغيرة (النافذة) وقلوبنا تخفق ولها وجيب ؛ لأننا لا ندري ماذا ستكون النتيجة؟
وفي تمام الساعة الواحدة انفتحت النافذة وأخذوا ينادون بالأسماء الواحد تلو الآخر ، وكان الاسم الأول هو اسمي ومن بعده اسم صاحبي ، فدفعوا إلينا الجوازات فأخذتها وقلبي يخفق لأني لم أكن بعد مصدّقاً ، ففتحت الجواز متوجساً مترقباً قلقاً مضطرباً ، فوجدت فيه تأشيرة لثلاثة أشهر ، فغمرتني الفرحة وامتلكني البكاء ، فتحادرت دموع الفرح من عيني.
أخذنا الجوازات وتوجهنا من هناك فوراً إلى حرم السيد عبد العظيم الحسني عليهالسلام في ري وبعد الزيارة والصلاة أدى كل واحد منا ألفي صلوات بدل الألف التي نذرها ، وأهديناها لأُم البنين عليهاالسلام.
نرجو من الله أن يقضي حوائج جميع المؤمنين ببركة أُم باب الحوائج قمر بني هاشم أبي الفضل العباس عليهالسلام. آمين.
شملتنا رحمة الله
حدثني الشيخ علي مير خلف زاده عن أحد المؤمنين قال : اشتريت بيتاً سنة (١٩٨٦ ـ ١٩٨٧ م) وكان قديماً متهاوياً على أثر الأمطار وإهمال الورثة ، وكان مهجوراً ولا تزيد مساحته على ثلاثين متراً مربعاً ، فعزمت على بناء مرافق صحية له ، فلمّا باشرنا العمل كانت ضربة المعول الأُولى كافية لانهيار سقف الغرفة بالكمال والتمام ، بيد أنّ رحمة الله الرؤوف الرحيم شملتنا فلم نصب بأذى ، والحمد لله ، ولكن مصيبتي صارت مصائب عديدة لأني لا أمتلك ما يساعدني على إعادة بناء الغرفة ، ولا ترميم البيت المتداعي على أثر الخراب الذي لحقه فوق ما فيه.وبعد مرور عدة شهور شملتنا عناية المولى صاحب الأمر والزمان ـ عجل الله تعالى فرجه ـ فاستطعت من إعادة بناء البيت ، فاضطررت هذه المرة ـ طبق القانون ـ إلى استأذان «البلدية» ، ولمّا دخل المسؤولون إلى البيت أخذوا يمطرونا بالاشكالات التي تذكرك ببني إسرائيل وتدقيقاتهم ، ويضعوا الموانع تلو الموانع ، ويؤجلونا كلّ يوم إلى بعده ، فرأيت أنّ الأمر إذا دام كذلك فانه يلزم أن تستمر القضية إلى شهور عديدة ، فنذرت مائة صلوات لأُم البنين عليهاالسلام اقرؤها بقصد طلب السلامة للامام صاحب الزمان ـ عجل الله تعالى فرجه ـ فلعل الله أن يرحمني وينجز عملي بسرعة.
وما أن شرعت بها حتى ناداني المهندس المسؤول وقال : لا تقلق فليس في عملك أي إشكال وسأنجز لك ما تحتاجه من قضايا قانونية بنفسي.
وبالفعل فقد تمّ ما كان ينبغي أن يتم في عدة شهور خلال يومين فقط ببركة ذلك النذر وببركة «اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم» (١).
لماذا رفضت زيارة أُمي؟
حدّث المرحوم الحاج عبد الرسول علي الصغار ، التاجر المعروف ، ورئيس غرفة تجارة بغداد حينذاك قال :في الخمسينات تشرفت بحج بيت الله الحرام وزيارة النبي وأهل بيته العظام ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ وكان زملائي في السفرة كلّ من السيد هادي مگوطر ، من السادة المحترمين ومن رؤساء عشائر الفرات من رجال ثورة العشرين ضدّ المستعمر الانجليزي ، والشيخ عبد العباس آل فرعون ، رئيس عشائر آل فتلة ، وهي أعرق وأكبر عشائر الفرات الأوسط في العراق.
ولمّا وصلنا المدينة المنوّرة للتشرف بزيارة المرقد الطاهر للرسول الأعظم ومراقد أهل بيته الطاهرين ـ صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ـ ، وفي عصر أحد الأيام قصدنا كالعادة زيارة مراقد الأئمة الطاهرين عليهمالسلام في «بقيع الغرقد» وبعد الانتهاء من مراسيم الزيارة قصدنا زيارة قبور المنتسبين إلى أهل البيت عليهمالسلام وبعض الصحابة الكرام حتى انتهينا إلى قبر السيدة فاطمة بنت حزام الكلابية «أُم البنين» أُم العباس عليهالسلام.
فقلت لعبد العباس آل فرعون : تعال نزور قبر «أُم البنين».
فأجابنا بتعاليه وغطرسته المعهودتين : دعنا من هذا ، أتريدنا نزور النساء هذه المرة ونحن رجال.
وتركنا وخرج من البقيع ، ذهبت أنا والسيد هادي المگوطر لزيارتها.
وفي فجر اليوم التالي استيقظت من نومي وتفقدت عبد العباس فلم أجده في فراشه ، وكنا في غرفة واحدة ، فانتظرته قليلاً وقلت في نفسي : ربما ذهب إلى الحمام ، ولكن طال انتظاري ولم يعد ، فقلقت عليه ، وأيقظت زميلي الآخر السيد هادي المگوطر وقلت له : أين ذهب يا ترى؟ فهذه بعض ملابسه ، كما أنّ هميانه لا يزال تحت وسادته ، فاشتد قلقنا عليه أكثر فأكثر. ولما طالت مدة غيابه بدأنا نفكر إلى أين نذهب؟ وكيف نبحث عنه؟ ومن نسأل؟ وممن نستفسر؟
وبعد فترة قصيرة فتح باب الغرفة ودخل علينا وهو في حالة مثيرة من شدة تأثره ، وعيناه حمراوان كعلقة الدم من شدة البكاء ، فقمنا بوجهه وقلنا له : خيراً إن شاء الله ، أين كنت ، وما هذه الحالة التي نراك عليها؟ قال : دعوني استريح حتى أحدثكم : وبعد أن استقرّ به المقام واستراح قال : تذكرون حادثة عصر يوم أمس عندما رفضت زيارة قبر اُم البنين عليهاالسلام وخرجت من البقيع؟
قلنا : نعم نتذكرها جيداً.
فقال : قبل الفجر رأيت فيما يرى النائم كأني في صحن أبي الفضل العباس عليهالسلام في كربلاء ، ورأيت الناس يدخلون إلى الحرم الشريف زرافات زرافات لزيارة أبي الفضل العباس ، وعندما هممت بدخول الحرم الشريف مع الداخلين منعت من الدخول فاستغربت وسألت : من الذي منعني؟ لماذا لم يأذن لي بالدخول؟
قال الحارس : إنّ سيدي أبا الفضل قد أمرني بذلك.
فقلت للحارس : لماذا؟
قال : لا أعلم.
وكلما حاولت أن أعرف السبب لم أعرفه ، وهممت بالدخول مراراً فمنعت أشد المنع ، وحيل بيني وبين دخول الحرم حتى وصل بي الأمر إلى التوسل والبكاء على رغم عزة دمعتي وندرتها ـ كما تعلمون ـ حتى أضناني التعب والاجهاد ، ولما لم أجد نتيجة توسلت هذه المرة بالحارس ورجوته أن يذهب إلى سيدي أبي الفضل ويسأله عن سبب منعي من الدخول إلى حرمه؟!
ذهب الحارس برهة ثم رجع وقال : يقول لك سيدي أبو الفضل : لماذا رفضت زيارة قبر أُمي وتعاليت عليها؟ فاني لا آذن لك بالدخول حتى تقصدها وتزورها.
فاستيقظت لهول الرؤيا فزعاً وذهبت إلى البقيع مسرعاً وبدون شعور لزيارة قبر السيدة الطاهرة أُم البنين ، والاعتذار إليها عما صدر مني من التقصير تجاهها ، والتوسل إليها لتشفع لي عند ولدها ليعفو عني ويقبلني ، وها أنا قد رجعت من عندها تواً كما ترون. سلام الله عليهم أجمعين (2).
إنبهار لجنة الأطباء
بعث الحاج السيد جواد الموسوي الزنجاني إمام جمعة «شهرك قدس» برسالة إلى «انتشارات مكتب الحسين عليهالسلام» ضمنها الكرامة التالية لأُم البنين عليهاالسلام. قال : رجعت ابنتي من المدرسة إلى البيت قبيل الغروب ، بيد أنها لم تكن كعادتها بشوش منطلقة ؛ بل كانت منكمشة تشكو صداعاً شديداً وآلاماً مبرحة في رأسها ، وكانت تأنّ وتتضور وتتقيأ بين الفنية والأُخرى ، فلما رأيتها بتلك الحالة داخلني حزن شديد واضطراب وقلق ، فسارعت بها إلى الدكتور «شمس» ففحصها الطبيب ولم يستطيع من تشخيص المرض وقال : إنّه زكام ، وكتب لها وصفة طويلة عريضة تراكمت فيها الأدوية ثم قال : خذها إلى البيت واعطها الأدوية فان حسنت فالحمد لله وإلّا فيمكنك الاتصال بي وأنا اليوم طبيب خفر في مستشفى «سينا».أخذتها إلى البيت وأعطيتها الأدوية فلم تتحسن ، فاتصلت بالطبيب الخفر وقلت له : إنّ المريض لم تتحسن حالته على أثر الدواء بل ازدادت سوءاً ، وهي الآن يغمى عليها ساعة بعد ساعة.
فقال : انقلها فوراً إلى مستشفى «مهر».
فنقلناها فوراً إلى هناك ، فلما فحصها الطبيب المتخصص قال : إنّها مصابة بـ «منزيت» حاد قد سرى إلى تمام أرجاء المخ ولم يبق فيه منطقة سالمة ، وهذا النوع من الالتهاب الحاد لا يمكن معالجته بعد أن يصل إلى هذا الحد ، لقد فات الأوان لأن الجراحة استوعبت كل مكان.
فلما سمعنا كلام الطبيب أسقط ما في أيدينا ، واهتز أرحامي ومن معي للخبر ، حتى أخذ بعضهم يصرخ صراخاً جنونياً في ردهات المستشفى ، وسقط بعض إلى الأرض.
وأخيراً تشكلت لجنة طبية من أطباء المستشفى ومن خارج المستشفى ، ووقف الجميع على سرير المريض ، واتصل وزير الصحة يومذاك وأوصى المسؤولين والأطباء باجراء اللازم والاهتمام الفائق ، فبذلوا ما في وسعهم وحالة ابنتي من سيء إلى أسوء ، ولا زالت في حالة الاغماء الكامل. وبقيت هكذا إلى ليلة التاسع من المحرم وكنت في حالة عسيرة جداً حيث أنظر إلى ابنتي المريضة فأجدها قد تقطعت بها الأسباب الظاهرية ، وقد يأس الأطباء من علاجها يأساً مطلقاً ، ومن جهة ثانية أرى البيت يغرق في الصراخ والعويل والندبة رجالاً ونساءً ، فأحسست بالاضطرار ، ودخلت غرفتي فصليت ركعتين ، وبعد الفراغ منهما صلّيت على محمد وآل محمد مائة مرة وأهديتها لأم قمر بني هاشم أبي الفضل العباس سيدتي ومولاتي أم البنين عليهاالسلام ، وتوجهت اليها بالخطاب فقلت لها : سيدتي إنّ كل ولد صالح يطيع أمه وأنا أرجوك وأتوسل اليك يا سيدتي العظيمة وزوجة أمير المؤمنين الوفية أن تطلبي من ولدك باب الحوائج أبي الفضل العباس أن يطلب شفاء ابنتي من الله ـ عزّ وجل ـ.
وانتظرت حتى وقت السحر فاتصل بي مرافق المريض من المستشفى قبل الفجر وقال : البشرى لقد خرجت المريضة من الاغماء وهي الآن في وعي كامل.
فخرجت مسرعاً أسابق رجلاي ، واقتحمت المستشفى اقتحاماً ، فوجدتها في حالة عادية تتكلم وترى ، في حين كان الأطباء المتخصصون قد أخبرونا أن احتمال شفاء المريض أقل من واحد بالألف ، وعلى هذا الفرض فلابد أن تفقد بصرها أو سمعها أو تصاب بشلل ، ولا يمكن بحال أن تنجو من كل هذه الحالات أو من واحدة منها ، إلّا أن بركة أم البنين عليهاالسلام وولدها أبي الفضل العباس شفتها شفاءً كاملاً دون أي نقص ، وكانت يومها مخطوبة ، وهي الآن تعيش مع زوجها وقد رزقها الله طفلين سالمين.
والجدير بالذكر : أنّ في نفس تلك الليلة التي شوفيت ابنتي ببركة أبي الفضل العباس أخبرتني إمرأة صالحة من جيراننا أنها رأت أبا الفضل العباس في الرؤيا وقال لها : إنّ الموسوي طلب مني شفاء ابنته وقد أعطاني الله شفاءها ؛ أوصيه أن يهتم بالمآتم التي تقام لي وبمن يقيمون عزائي ، وأنا ـ امتثالاً لأمر المولى ـ استقبل سنوياً في يوم تاسوعاء المواكب في بيتي حيث يقصدونه لطماً على الصدور وضرباً بالسلاسل وأنا أقدم لهم خروفين في كلّ عام.
دخيلك يا أم البنين عليهاالسلام
في شهر ذي الحجة من عام (١٤١٥ هـ) كان عبد الحسين وعائلته يعودون من سفرة لهم إلى العاصمة بغداد ، وفي الطريق تعطلت السيارة فجاءة ، وكلما حاول عبد الحسين أن يكتشف العطل ليصلحه ويعاود المسير لم يفلح أبداً ، وبقي وسط الطريق حائراً لا يدري ماذا يفعل ، وبدأ الخوف يتسرّب إلى قلبه وقلب مرافقيه وخصوصاً زوجته ، فقد أقبل عليهم الليل وأخذ الظلام يداهمهم رويداً رويداً ، والأرض مقفرة ولا من مستطرق يمر في الشارع ، فالوحدة والغربة والظلام والصحراء والحيوانات واحتمال المداهمة من أي قاطع طريق أو حيوان مفترس أو لص ، وهنا توجهت زوجة عبد الحسين إلى الله سامع الدعوات وقالت : رباه نجنا مما نحن فيه بحرمة أم البنين عليهاالسلام التي يتحدث الركبان بكراماتها يسرّ لنا أمرنا ، وفجاءة لاح لهم قادم من بعيد ، فظن عبد الحسين أنّه يعرف تعمير السيارة ، فقصده وسأله أن يعينه ، فاستجاب الرجل وجاء يتفحص السيارة فلم يكن بأنفع من عبد الحسين نفسه ، وسرعان ما أعلن عن عجزه وتقدم لعبد الحسين باقتراح أن يبحث عن سيارة تجره إلى المدينة!! ثم انصرف إلى حيث يريد ، وزوجة عبد الحسين لا زالت تكرر بصوت متحشرج ولهجة خاضعة خاشعة متوسلة «دخيلك يا أم البنين عليهاالسلام».فعاد عبد الحسين إلى سيارته وحاول تشغيلها من جديد فما أن دار المفتاح حتى علا صوت الماكنة وانطلقت السيارة على أحسن ما يرام وأخذت تلتهم الطريق وتسابق الريح حتى وصلت بهم إلى باب الدار ببركة أم البنين عليهاالسلام ، وزوجة عبد الحسين ما فتر لسانها عن تكرار «دخيلك يا أم البنين عليهاالسلام» (3).
شكراً لك يا أم البنين عليهاالسلام
توفيق أفندي موظف حكومي من أهل الموصل ، وكان يسكن كربلاء بحكم وظيفته.وفي أوائل الشهر السابع من سنة (١٩٦١ م) أحس فجأة بآلام مروعة في مثانته ، فراجع الطبيب المتخصص في العاصمة (بغداد) فأجريت له فحوصات وتحليلات أثبتت أنّه يحمل «حصاة» كبيرة جداً وذات شعب بحيث لا يمكن استخراجها إلا بعملية جراحية.
وما أصعب العملية الجراحية يومها إلّا أنّه استسلم للأمر الواقع واتفق مع الطبيب على تاريخ إجراء العملية ثم عزم راجعاً إلى كربلاء بانتظار اليوم الموعود.
فلما وصل إلى كربلاء عرج إلى زيارة الحسين عليهالسلام وأخيه أبي الفضل العباس قبل أن يدخل بيته ، وفي حرم أبي الفضل رأى توفيق أفندي شاباً واقفاً وبيده كيس صغير فيه «آبنبات» (نوع من الحلوى تصنع من السكر والزعفران) فقدم لتوفيق أفندي وقال له : خذ منه واحدة وانذر لله أن يشفيك فتشتري من هذا كيلو وتوزعه باسم أم البنين عليهاالسلام ، فنذر توفيق أفندي لله واستشفع بأم البنين عليهاالسلام ورجع إلى بيته ، وبات ليلته ، وفي صباح اليوم التالي استيقظ وقد استولى عليه الألم وأخذ منه كلّ مأخذ ، فانتبه إلى أن «الحصاة» قد سدّت عليه سبيل البول وبعد عصرة شديدة من الألم الذي هجم عليه رأى «الحصاة» تخرج منه وكانت بشكل مذهل ، فأصابه الذعر ، وبعد لحظة غمره الفرح ، فخرج إلى الشارع وهو يصرخ : الحمد لله .. الله أكبر .. شكراً لك يا أم البنين عليهاالسلام .. وتوجه من هناك إلى حرم أبي الفضل العباس وأدى نذره (4).
عائلة سنية من الأتراك
حادثة وقعت قبل ثلاثين سنة سأرويها لمن يبحثون عن الشفاء وقد اعيتهم الحيل وعجز عن علاجهم الطب ...أجل ؛ إنّي سأروي لكم أفضل علاج مهما كان المرض ، بيد أنّ ثمة شرط واحدد في تأثيره ، وهو أن تكون معتقداً تماماً وعارفاً تماماً بأهل بيت العصمة والطهارة ، ومرتبطاً ارتباطاً وثيقاً فكرياً ومعنوياً بالمنبر الحسيني ، فتتوسل حينئذٍ بسيدة نساء العرب أم البنين عليهاالسلام وأولادها الشهداء إلى الله وتدعوه للشفاء ...
إيه يا عراق .. ويا مدينتي الحبيبة الكوت .. ويا حيّنا الذي كان تملأه صراخات الطفولة الوديعة .. ويا تلك البيوت المتراصة التي تحمل لنا الذكريات الحلوة .. ويا تلك الدموع التي كانت تسيل في المآتم وتلك المسوح التي تغشى أبدان الناس في أيام المحرم.
.. أيتها الكوت .. لقد عادت اليّ ذكرياتك وقد غمرتني ضلال الشيخوخة ، وبانت على تجاعيد وجهي آلام الصراع الممض مع الغربة والتشريد .. لقد تصرمت أيامنا الحلوة الوادعة التي قضيناها على تربك الطاهر ....
هل لا زلت تتذكرين فلاناً وفلاناً وفلاناً ..؟
هل لا زلت تحملين ذكريات الشهر الكريم «شهر رمضان» حينما كان يغير كل معالمك ، ويقلب ليلك نهاراً ونهارك ليلاً ، فيقشع النور الظلام في كلّ أرجاءك ...
أتتذكرين كيف كان الناس يجتمعون أقرباء وغرباء ، جيران وغيرهم ؛ ليزوروا حاجاً عاد تواً من زيارة بيت الله الحرام ، ويجتمعون في منزل الحاجة أم عبد الأمير حيث يقام هناك مجلس العزاء في العشرة الثانية من شهر المحرم الحرام ، فيخشع الجميع وتدمع عيونهم ويختم المجلس بذكر مصاب أم البنين عليهاالسلام ، ثم ترتفع الأصوات بالدعاء والأيدي بالابتهال وينفض المجلس ....
أيتها الكوت .. يا مدينتي الحبيبة .. هل لا زلت تتذكرين تلك العائلة التركية السنية التي كانت تتقزز من الشعائر الحسينية وتكرهها أشدّ الكراهية؟!
وكان فيهم فتاة اسمها «وزيره» كانت قد تزوجت منذ عشرة سنين ولم يرزقها الله ولداً ، وكانت عقيماً ، فالتف حولها نساء من البلد وقالوا لها : وزيرة لماذا لا تتوسلين بأم البنين عليهاالسلام ، فأجابت وزيرة : لا فائدة في ذلك أنا أعلم ؛ لأن علم الطب عجز عن علاجي والأمر مستحيل ، وقد استعملت الأعشاب الطبية ، وراجعت علماء الطب القديم ، وصمت صوم زكريا ، ولا من فائدة.
فقالوا لها : لا تيأسي من روح الله فانّ كلّ من أكل من زاد أم البنين عليهاالسلام وتوسل بها إلى الله فان الله يجيب دعوته ، وما يضرك أن تفعلي أنت ذلك ، فلعل الله يرزقك ببركتها بنتاً فتسميها «فاطمة» تيمناً بها ، فماذا تقولين؟!
وظلت وزيرة شابحة البصر تحدّق فيها والسكوت يخيم عليها ، وفجاءة مزق لسانها الصمت وقالت بصوت متحشرج مرتعش : أجل ولكن بشرط أن يبقى الأمر بيننا ولا يطلع عليه أحد من أهلي وذوي زوجي ، بل وحتى زوجي أيضاً.
فقالوا : لا بأس عليك إذهبي الآن واحضري في يوم غد أو بعد غد في بيت الحاجة وستسمعين الخطيب وسيختم المجلس بذكر أم البنين عليهاالسلام.
فودعتهم وزيره ودرجت عائدة إلى البيت ، وهي تفكر في أمرها وماذا ستفعل؟! فدلفت إلى البيت وجبال الهموم تتراكم عليها والعبرات تتكسر في صدرها ، وأنفاسها المتلاحقة تعدو أمامها ، وقلبها الخافق يكاد يمزق شغافه ، فانتبه أهل البيت من نومهم وتعجبوا من أمرها فسألوها : ما الخبر يا وزيرة؟ ماذا حدث لك؟ فأجابت : لا شيء .. لا شيء ، ثم سارعت إلى تسلق السلّم لربما سترت الغرفة على ما يجيش في خلدها ، ولكنها أحست بالاختناق ، فراحت تفتح النافذة لتبدد وحشتها وفزعها وفرحها وحزنها بين سقسقة العصافير وحفيف سعف غابات النخيل ، فتستنشق نسيم دجلة الفواح وينعشها أريجه.
وزيرة تسمع الخطيب :
خرجت وزيرة من بيتها والخوف يحاصرها والرعب يلاحقها ، وقد تقنعت بقناع وغطت وجهها لئلا يعرفها أحد ، واتجهت إلى بيت الحاجة أم عبد الأمير وهي تتصبب عرقاً من الحياء والخوف والاضطراب ، وكلما اقتربت من البيت تتضح نبرات صوت الخطيب وتتسرب إلى مسامعها لتنقذها من كابوس العقم وصراع النفس ، وتبعث فيها الأمل في الحياة.ودخلت وزيرة والخطيب في بدايات المصيبة ، فلمّا علا صوت النساء بالعويل والبكاء أحست بالهم يداخلها والحزن يستولي عليها إلّا أنّ عينها لا زالت هامدة ؛ لأن الخطيب كان قد قطع كلامه ، وبعد لحظة عاد ليقول : إنّا لله وإنا اليه راجعون ، وأخذ يتكلّم عن شخصية أم البنين وآبائها وأجداها وفضائلهم وفضائلها ثم قال : قال الشاعر الشيخ أحمد الدجيلي : وأخذ يتلو أبياتاً بأشجى لحن وصوت حزين :
أم البنين وما اسمى مزاياك / خلّدت بالعبر والايمان ذكراك
أبناءك الغرّ في يوم الطفوف قضوا / وضمنوا في ثراها بالدم الزاكي
لما أتى بشر ينعاهم ويندبهم / اليك لم تنفجر بالدمع عيناك
وقلت قولتك العظمى التي خلدت / إلى القيامة باقٍ عطرها الزاكي
أفدي بروحي وأبنائي الحسين إذا / عاش الحسين قرير العين مولاك
وقال السيد محمد كاظم الكفائي :
أم على أشبالها أربع / جاءت لبشر وبه تستعين
وتحمل الطفل على كتفها / تستهدي فيه خبر القادمين
ملهوفة مما بها من أسى / ترى بذاك الجمع شيئاً دفين
فقال يا أم ارجعي للخبا / وابكي بنيك قتلوا أجمعين
فما انثنت وما بكت أمهم / وخاب منه ظنه باليقين
كأنّها الطود وما زلزلت / وحق أن تجري لهم دمع عين
فقال يا أم البنين اعلمي / بأن عباساً قتيلاً طعين
قالت طعنت القلب مني فقل / النفس والدنيا وكل البنين
نمضي جميعاً كلنا للفنا / نكون قرباناً فدىً للحسين
وال الشيخ محمد علي اليعقوبي :
وإن أنسى لا أنسى أم البنين / وقد فقدت ولدها أجمعا
تنوح عليهم بوادي البقيع / فيذرى الطريد لها الأدمعا(5)
ولم تسل من فقدت واحداً / فما حال من فقدت أربعا
اغرورقت عين وزيرة بالدموع ، ومن ثم هملت وأجهشت بالبكاء ، وانتهى الخطيب من نياحته ودعا للحاضرين والغائبين وللمرضى وغيرهم كالعادة ، وفرشت «سفرة أم البنين عليهاالسلام» وتقدّمت النساء ـ وكان فيهن من ذوات الثراء ـ يتبركن بزاد السيدة ، وكانت النساء بشكل حلقات حول الطعام يتناولن ويطلبن المراد ، والشفاء تتمتم بالدعاء للمرضى وذوي الحاجات ، والقلوب مفعمة بالرجاء وواثقة بالاستجابة ، وامتدت يد «وزيرة» مرتعشة ترتجف كالسعف إذا اشتدّ به الريح ، وتناولت شيئاً من الطعام المصفوف على «السفرة» وخبأته تحت عباءتها وخرجت مسرعة ، ولا زال الدمع يغسل وجهها ، وذهبت إلى البيت وانتظرت حتى إذا غطى الظلام كلّ شيء أخرجت الطعام ودعت اليه زوجها فأكلا معاً.
وبعد شهر واحد :
بعد شهر واحد من دموع وزيرة على أم البنين عليهاالسلام ورجاءها الواثق وتوسّلها أخذ الشحوب يطلي وجهها ويصفر لونها ، والدوار يثقل رأسها ، وبدأت تشعر بشيء من الألم في صدرها ، وعزفت عن الطعام ، وصارت تحاول الابتعاد من زوجها ، وصار النوم لا يكحل عينها إلّا قليلاً ، وصارت تفرّ من التجمعات ، وتهرب من أي مكان فيه لغوب وصخب ، وكلّما أنيطت بها مهمة وكلّفت بعمل تتثاقل ولا تنجزه إلّا بمشقة ، وأخذت تعاني من القي الذي يفاجئها المرة تلو الأخرى.
وبقي زوجها حيران لا يدري ما يفعل ، فسألها والقلق يحطم أعصابه : وزيرة ماذا دهاك يا وزيرة؟ هل أنت مريضة؟
وتجيب وزيرة : لا أدري.
فقام بها زوجها إلى الطبيب ، ودخل إلى المطب وصارح الطبيب بكلّ ما تعانيه زوجته «وزيرة» ، ففحصها الطبيب بدقة ثم تبسم وقال : لا بأس عليك .. لا شيء يخشى منه إنّما هي علامات الحمل .. إنّها حامل ، ولكي تطمئن يمكنك أن تأخذها غداً إلى المختبر لتعرف هناك الخبر اليقين.
فسحت دموع الفرح من عيون الزوج والزوجة على الرغم منها ، وقال الزوج متلجلجاً يحاول تمرير الكلمات بين الدموع والعبرات : هل أنّك مطمئن سيادة الدكتور؟
فأجابه الطبيب ببرود الواثق : نعم.
وخيم الظلام مرة أخرى ، فأثقل العيون وأغمض الجفون ، وغطّ الناس كلّهم في نوم عميق إلّا وزيرة وزوجها ، فقد قلقل السهادة أحشاءهم وهم يتطايرون من غصن إلى غصن ، ويبنون لأنفسهم في كلّ لحظة ألف عش ، ويصغون إلى زغاريد الصغير الذي سيملأ حياتهم حباً ونشاطاً وفاعلية ، ويبعث فيهم الحياة من جديد ، يستعجلون عقارب الساعة لينفلق الفجر فيفرحون ، ويحاولون جرجرت قطع الليل لئلا ينتهي فتموت آمالهم في صدورهم ، وباغتهم الفلق ، فانتبهوا على ضجيج الناس وهم ينتشرون في الشوارع ، فسارعوا إلى المختبر والآمال تسبقهم ، ودخلوا المستشفى وقدّموا طلبهم وانتظروا فترة ، ما كان أطولها في عمرهم ، فنادت الممرضة باسم «وزيرة» فحبست الأنفاس في صدورهم ، وخانتهم السيقان فلم تقوى على حملهم ، فتحامل زوجها وتقدم نحو الممرضة ، ووزيرة قعدت مكانها وتسمّرت إلى الأرض ، فقال الزوج : نعم ما هي النتيجة؟ فنظرت الممرضة في الورقة وتبسمت وقالت : آسفة إنّها حاملة ...
ليت الكلمات تستطيع أن تعبّر ... طار من الفرح وهو يحاول أن يعيد قلبه النشوان إلى صدره ، فصرخ وصرخ معه كلّ وجوده ، وصرخت معه جميع خلايا جسمه : الحمد لله. الحمد لله. الحمد لله واحتضن وزيرة وهو يقول : لا أصدق يا وزيرة ... لا أصدق. فارتسمت على شفتي وزيرة ابتسامة أمل نشوى ، وأحست بأن كلّ معاناتها قد ذابت وصارت ذكريات.
وعاد الزوجان إلى البيت وسجدا شكراً لله ، وذاع الخبر بين الناس ، وسمع الأقرباء والجيران ، ووزيرة تكتم نذرها لأم البنين مع الجنين وتحبسه في صدرها لئلا يكتشفه الأقربين.
وصارت تعدّ أيام الحمل فتتخيل الشهور التسعة تمرّ بخطى شيخ متهاود تجاوز التسعين ، ولكنها تعيش لذة انتظار الجنين ، وتتضايق من نصائح النساء ووصفاتهن بين الحين والحين ، وبدأ القلق يساورها لمستقبل الطفل ووضع الحمل.
وفي الشهر الثالث من الحمل :
أحست بالآلام في بطنها وظهرها ، فغرقت في الهموم مرة أخرى ، ونقلت إلى المستشفى هذه المرة تحفّها نساء الأقرباء والجيران ، وألقى الزوج بنفسه على يد الطبيب يقبلها ويتوسل اليه أن يصنع أي شيء ليحفظ الجنين ويحول دون سقوطه ، ويجيب الطبيب : إنّ الأمر بيد الله أولاً وآخراً ، وليس باليد حيلة ، ولا دواء ناجع ولا طبيب نافع ، ولكن عليها أن تستريح استراحة مطلقة وتبقى في المستشفى لمدة ثلاثة أيام.
فلمّا سمعت «وزيرة» أنّ الأسباب تقطّعت بها التجأت بحرقة وقلب مكسور إلى أم البنين وتوسّلت بها أن تعينها ....
فأخذ الألم يتضاءل ، وكأنّه نار تخمد أو ثلج يذوب ، وعادت الابتسامة لترتسم على شفتي الزوج من جديد ، وعادت الآمال والأمنيات ، وارتفع الكابوس القاتل المقيت ، حيث رجعت «وزيرة» إلى بيتها لتكمل شوط الحمل ....
وانقضت الشهور التسعة ، وتصرّمت بأيامها وليالها ، وساعاتها وثوانيها ، وأطل الربيع بنداوة الحياة ، أصاب «وزيرة» ألم الطلق عند الفجر حينما كان المؤذن يرفع الأذان ، فلمّا نادى المؤذن «أشهد أنّ علياً ولي الله» صرخت «وزيرة» : يا علي ... ووضعت حملها سالماً سوياً ، وكانت أنثى تحمل معها كلّ أمنيات الوالدين وأقرباءهم.
فقالت وزيرة : سموها «فاطمة» تيمناً بأم البنين عليهاالسلام.
وخالفها أقرباء زوجها أشدّ المخالفة وقالوا : لابد أن تسمى «عائشة».
ووقع الخلاف بينهما ، فتدخل الوسطاء وأقترحوا حلّاً وسطاً ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
فقالوا : سموها «بشرى» فاضطرت «وزيرة» إلى أن تكفر عن نذرها الذي حنثت به (6).
أبو الفضل العباس عليهالسلام يشفي مبتلاة باليرقان المزمن
بعث الحاج الشيخ محمد علي برهان رسالة ضمنها الكرامة التالية :قال : أصيبت زوجتي «معصوم برهاني» في سنة (١٩٦٦ م) بمرض اليرقان من النوع الحاد والمزمن ، وقعد بها المرض سبعة شهور كاملة ، ولم نترك طبيباً يذكر لنا في الطب القديم أو الحديث إلّا وراجعناه ، ولم تنفع علاجاتهم ، بل كانت الحالة تشتد يوماً بعد يوم ، وتتحول من سيء إلى أسوء.
وفي ذات ليلة اعتزلت الجميع وكتبت عريضة إلى قمر بني هاشم أبي الفضل العباس ، توسلت فيها اليه أن يشفي زوجتي ، والقيتها في «عين» الماء التي كانت في حرم أحد أولاد الأئمة في منطقتنا «فريدون» ، ولم أخبر بذلك أحداً ، حتى زوجتي ، وكنت يومها قلق عليها وعلى طفليّ الصغيرين أشدّ القلق ، وكانت زوجتي طيلة فترة مرضها تكرر هذه العبارة : أغثني يا أبا الفضل العباس وشافني من مرضي.
وفي صباح إحدى الأيام استيقظت لصلاة الصبح فرأيت زوجتي تغطّ في نوم عميق ، لا ضجيج ولا تأوه ولا أنين ، ولا أي شيء مما كان في كلّ ليلة.
فلمّا انتهيت من صلاتي استيقظت زوجتي وهي تصلّي على محمد وآل محمد المرة تلو الأخرى وتقول : فداءً لك يا أبا الفضل العباس لقد شفيتني.
وبالفعل فقد بدأت آثار اليرقان تمحى ، وسرعان ما استعادت عافيتها بالكمال والتمام وعادت تزاول عملها في المنزل ، وتحنو على أطفالها وتقوم بواجب الأمومة لهم ، وصارت تتناول الطعام بشهية مفتوحة.
فسألتها عما جرى وكيف شوفيت؟
فقالت : نمت البارحة وأنا في أشدّ الاضطراب ، وأنا استغيث بأبي الفضل وأصرخ باسمه حتى غلبني النوم ، فرأيت فيما يرى النائم فلاة واسعة شاسعة تنتهي إلى ضفاف دجلة ، وكان دجلة نهر عريض طويل تحفه غابات النخيل ، وكان هناك قصراً فخماً ، رفيع البنيان ، عالي الأركان ، مؤلف من طابقين وعدة غرف وأروقة ، ورأيت الناس زرافات زرافات يتوجهون إلى القصر ويصرخون : يا أبا الفضل العباس.
فسألتهم : من أنتم؟ وأين تذهبون؟ ومن صاحب هذا القصر؟
فأجابوا كلمة واحدة : نحن جميعاً مرضى وذووا حاجات ، وهذا القصر الفخم هو مشفى أبي الفضل العباس ، وسيأتي الآن أبو الفضل إلى القصر فندخل عليه ، ونتوسل به ، ونطلب منه حاجاتنا.
فاتبعت الناس حتى وصلت إلى رواق القصر حائرة متعبة ، قد أنهكني المرض ، فقلت في نفسي : أين الآن سيدي أبو الفضل؟ هل هو في الطابق العلوي أم في الطابق الأرضي؟ فأخذت أكرر : سيدي مولاي يا أبا الفضل انظر لي نظرة وتوجه إليّ لحظة فأنا لا أدري أين أنت؟ وفي أي من غرف هذه البناية الضخمة؟
فجلست على الدرج أستريح ، فأطلّ عليّ من الطابق العلوي رجل معمم بعمامة خضراء ، يشع منه النور الباهر ، فانحنى ينظر إلى الطابق السفلي وقال :
أنا أبو الفضل اصعدي من هذا الدرج ، وادخلي في الغرفة الأولى من جهة اليمين ستجدين امرأة هناك ، اجلسي بين يديها حتى آتييك وأطلب شفاءك من الله.
فصعدت إلى الطابق العلوي ، ودخلت الغرفة التي أمرني بها ، فرأيت فيها إمرأة جالسة يسربلها الوقار ، ويشع منها النور ، فبادرتني قائلة : ادخلي واجلسي في الغرفة ، فسلّمت عليها ، وجلست حيث أمرتني ، وقلت لها : سيدتي من تكونين؟
فقالت : أنا أم البنين ، أم أبي الفضل العباس ، منذ أيام وأنا لم أر ولدي ؛ لكثر ما راجعه من المرضى وذوي الحاجات ، وأنت لا تغتمي فالآن يأتي ولدي ويشفيك باذن الله.
لم يمض شيء من الوقت حتى دخل علينا ذلك السيد العظيم ـ أعني أبا الفضل العباس عليهالسلام ـ فسلّم على أمه ، وأخذ يعتذر اليها ويقول : أماه منذ أيام وأنا لا أأتي عندك ؛ لكثرة المراجعين عندي من شيعتنا ، وأنا بدوري أدعو جدّي رسول الله ، وأبي أمير المؤمنين ، وأمي فاطمة الزهراء ، وأخي الحسن ، وأخي الحسين عليهمالسلام ، فنجلس وندعو لشيعتنا ، فيفرج الله عنهم ، ويكشف كربهم ، ويشفي مرضاهم ، ويقضي حوائجهم.
ثم التفت إليّ وقال : وأنت أيتها السيدة ، فقد دعي لك في اجتماع اليوم ، وقد منحك الله السلامة وشافاك ، فلا تقلقي.
فرأيت تلك المرأة الوقور ـ أم البنين ـ تدور حول ولدها كالفراشة ، وتبدي الفرح والسرور والابتهاج بلقاء ولدها ، وتقول : أجل ؛ إنّ الله يشفي كلّ مريض يتوسل إلى ولدي بنية خالصة.
وفي هذه اللحظة غاب عن نظري كلّ شيء ، واستيقظت من نومتي ، فوجدت نفسي سالمة مشافاة معافاة ببركة أبي الفضل العباس عليهالسلام (7).
أطلبي ولدك من أبي الفضل عليهالسلام
حدّث الشيخ أحمد صابري الهمداني عن المرحوم آية الله الحاج الشيخ ملّا علي معصومي الهمداني (المعروف بالآخوند) أنّه قال :كانت في إحدى قرى همدان إمرأة محرومة من نعمة الولد لعدّة سنين بعد زواجها ، فالتقت بها ـ يوماً ما ـ إحدى جاراتها وقالت لها : انذري أن يرزقك الله ولداً فتسميه «أبو الفضل».
وبعد فترة شملها ربّ العزة والعطاء بعنايته ، فرزقها ولداً سمته «أبو الفضل».
فلما بلغ الولد سن الرابعة عشرة ابتلي بمرض عضال أعيى كلّ الحيل ، فيأس منه أهله.
وفي ذات يوم جاءت نفس تلك الجارة التي نصحتها بالنذر فقالت لها : أنصحك أن تتوسلي بخلوص وثقة وجدية بأبي الفضل العباس وتطلبي منه ولدك.
فجلست أم الولد الشاب تلك الليلة ، وتوسلت بأبي الفضل من أعماق قلبها بكلّ جدّ وثقة واخلاص ، وقضت ليلتها بتلك الحالة.
فلما انبلج عمود الصبح سمعت طارقاً يطرق الباب ، فسارعت لفتحها ، فرأت جارتها التي نصحتها أن تتوسل بأبي الفضل ، فتعجبت من زيارتها في هذا الوقت المبكر ، فبادرتها جارتها قائلة : لا تحزني فقد شفا الله ولدك.
قالت : كيف؟ ومن أين عرفت ذلك؟
قالت : لأني رأيت الليلة في الرؤيا ؛ أنّ لمة من النساء توجهن إلى بيتكم ، وكانت تتوسطهن السيدة «أم البنين عليهاالسلام» فقالت عليهاالسلام : إني ذاهبة لشفاء هذا الصبي.
وبالفعل فقد استيقظ الصبي لا كباقي الأيام ، حيث كان يرفل بالشفاء والعافية ببركة أبي الفضل العباس عليهالسلام (8).
أهديت سورة الفاتحة لروح أم البنين عليهاالسلام
قال المؤلف : زرت يوماً الخطيب المعروف خادم أهل البيت عليهمالسلام الحاج السيد أحمد الحكيم ـ حفظه الله ـ فحدثني بهذه الكرامة التي حصلت له شخصياً :قال : دعيت سنة (١٤١٦ هـ) من قبل جملة من اللبنانيين المقيمين في غرب أفريقيا ، فتوكلت على الله وأخذت بطاقة طهران ـ جدة ومن جدة إلى غرب أفريقيا.
وكانت عندي ستة ساعات ترانزيت في مطار جدة ، فبقيت تلك الفترة هناك ، وقبل الاقلاع بربع ساعة فاجأني المسؤول السعودي ؛ أني لا أستطيع السفر على متن تلك الرحلة ؛ لأني لم أحصل على تأشيرة مراكش.
فتعجبت من ذلك لأني أريد العبور من مراكش إلى غرب أفريقيا ، وقد حصلت على تأشيرة للبلد الأخير الذي أنوي السفر اليه.
فقلت للمسؤول السعودي : إذن خذني إلى مسؤول الرحلة المراكشي كي أتحدّث معه.
فأخذني ، فقلت له : لماذا لا تسمح لي بالسفر على هذه الرحلة؟
قال : لأنّك لم تحصل على تأشيرة مراكش.
فقلت له : إنّ توقفي في مراكش سيكون لوقت محدود جداً ، وإني أريد العبور من مطارها إلى مقصدي ، وإنّي لا أريد الخروج من صالة الترانزيت ، ولا أقصد دخول البلد.
فقال : القانون لا يسمح بذلك.
فقلت له : إنّي قد أخذت نفس هذه الرحلة في شهر رمضان ولم أحتج إلى تاشيرة ترانزيت ، كما تقول ، وقد دخلت مطار الدار البيضاء بدون تأشيرة.
فقال : أجل ؛ لم يكن دخولك قانوني ، فالقانون لا يسمح بذلك.
قلت : طيب لم يبق الآن إلى محرم الحرم إلّا يومين ، وإنّي على موعد هناك.
فقال : أجل ؛ هذه مشكلتك ولا تعنيني بحال.
ولا يخفى فانّ هذا المسؤول كان معانداً .. متعصباً .. جافاً .. بحيث آيست تماماً من المحاولة معه ، ولكن في هذه اللحظة أدركتني الرحمة ، فألهمت أن أقرأ سورة الفاتحة وأهديها إلى روح أم البنين عليهاالسلام ؛ لأنّ تلك السيدة العظمى من أبواب الله ، فشرعت في قراءة الفاتحة ، والناس يصعدون إلى الطائرة ، فلما وصلت إلى قوله تعالى ( ولا الضّالّين ) إلتفت إليّ المسؤول ، وكان جالساً إلى جنبي وقال : أين أمتعتك؟
فقلت : إنّها في الطائرة ؛ لأني حولتها من طهران إلى غرب أفريقيا.
فلما سمع أن أمتعتي في الطائرة ترك عناده وإنحل لجاجه قال :
اذن تفضل واصعد إلى الطائرة.
فذهبت أرتدي ملابسي ، وأعدّ هو بطاقة الصعود إلى الطائرة ، وكانت بطاقتى على الدرجة السياحية (العادية) ، فوجدت أنّ بطاقة الصعود كانت لمقعد في الدرجة الأولى.
نعم ؛ هكذا هي نتيجة التوسل بأم البنين عليهاالسلام.
الامام الصادق عليهالسلام يقيم المآتم على جدّه الحسين عليهالسلام
كان الخطيب القدير الحاج السيد أحمد الحكيم يرتقي المنبر في الحسينية النجفية في قم المقدسة في شهر صفر الخير سنة (١٤١٩ هـ) من قبل هيئة أبو الفضل العباس عليهالسلام ولأن المجلس كان باسم أبي الفضل العباس فقد عرج الخطيب على باب الحوائج قمر بني هاشم في ليلة الجمعة الأخيرة من أيام المجلس.وبعد أن أتّم المجلس ونزل عن المنبر أصرّ عليه بعض أصحاب الهيئة أن يستريح قليلاً ، ويشرب الشاي قبل انصرافه.
فجلس يستريح ساعة ، وإذا بشاب يتقدّم ، وأخذ يناقش السيد بلحن المعاند ، ولهجة المشكك الجاحد.
(ووما يؤسف له فانّ هذا الخط من التشكيك والجحود بدأ يستشري بين الشيعة حتى في قم وغيرها من الحواضر ، ولكل سوق روّاد).
فقال الشاب : قرأت مصيبة الكفين وكيف يمكن ذلك؟ إنّك كنت في العراق وتتذكر أين كان مشهد الجسد ، وأين كان مشهد الكفين ، فكيف جاء الحسين وقبلهما؟!
واستمر في سؤال آخر قبل أن يسمع الجواب : هل كانت ليلى حاضرة في الطف أو لا؟
فأجابه السيد جواباً كافياً شافياً.
إلّا أنّ الشاب أخذ يسأل وكأنه لا يهمه الجواب : هل كانت أم البنين حاضرة في الطف أو لا؟!
هل كانت أم البنين عليهاالسلام على قيد الحياة حينما عاد ركب السبايا إلى المدينة أو لا؟
وهنا ـ يقول السيد أحمد الحكيم ـ : فلت مني زمام أعصابي وقلت له مغضباً : هل أنّك محامي عن أعداء أهل البيت؟ أو أنك الناطق الرسمي باسم المشككين؟
فسكت وانفض المجلس ، والكلّ يأكله الغضب.
قال السيد أحمد الحكيم : وكان من بين الحاضرين شاب من خدام أهل البيت ، والمتربين في مجالسهم ، وتحت منابرهم ، وكان يحبني ويحضر مجالسي ، فجاءني وقال لي : لماذا ينثر هؤلاء بذرور الشكّ في قلوب الناس؟!
المهم ؛ ذهبنا كلّ إلى بيته ، وفي يوم غد جاءني هذا الشاب ـ الآنف الذكر ـ المحبّ لأهل البيت عليهمالسلام وقال :
إني ذهبت البارحة إلى البيت ، وبعد أن أديت وردي ، وتنفلت بنافلتي ، وقضيت ما اعتدت عليه من أذكاري ، استسلمت لسلطان النوم ، فرأيت فيما يرى النائم :
كأنّ أهل قم خرجوا من بيوتهم إلى الشارع ، ولم يبق منهم أحد إلّا وقد انثال لا يدري إلى أين يأوي ، وكنت أنا بينهم ، ولا أدري لماذا انقلب وضع المدينة إلى هذه الحالة ، وكأنّ الناس كلّهم إلى عرصات القيامة يحشرون.
فسألت واحداً كان إلى جانبي يمشي : ماذا حدث لهذه المدينة وأهلها؟
فقال : لقد شرّف الامام الصادق هذا البلد ، وجاء إلى مدينة قم ليتفقد الحوزات.
فسألته : وأين يمكنني زيارة سيدي الصادق؟
فقال : لا أدري ، وقد خرجنا جميعاً نقصد زيارة المولى.
وهنا رأيت فجأة كأنّ لوحة مكتوب عليها بخط واضح جلي ، وبلون أخضر رائع :
إنّ الامام الصادق يقيم المأتم على جدّه الحسين عليهالسلام.
فرأيت نفسي كأني في ذلك المأتم ، وكأنّ وجود الامام الصادق عليهالسلام فيه نوراً يبهر الأبصار ، لا أرى منه إلّا قطعة النور تلك ، وكأنّ إلى يمينه المرجع آية الله السيد حسين الطباطبائي البروجردي ، وإلى يساره المرجع آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم.
فالتفت إلى الخطيب وإذا به السيد أحمد الحكيم بنفسه ، وكان يتحدّث عن شفاعة أهل البيت عليهمالسلام ، وفي أثناء حديثه رأيت الامام الصادق عليهالسلام قام قائماً (إنّي رأيت النور ينبسط ففهمت أنّ الامام عليهالسلام قد قام) وقال مخاطباً الخطيب المذكور :
«قل : ليس منا من شكّ فينا».
فلما ارتقى السيد أحمد الحكيم المنبر في اليوم التالي نقل الرؤيا بحذافيرها فانفجر المجلس بالبكاء والعويل.
هكذا هو دأب خصوم أهل البيت عليهمالسلام يتخذون شتى الأساليب في سبيل زلزلة عقائد الناس وتضعيف عرى الايمان ... هداهم الله. المصادر:
1- عن كتاب «داستانهايى از صلوات بر محمد وآل محمد» : ٩٩ ـ ١٠٠.
2- ذكرياتي للشاكري ٢ / ١١٧.
3- عن كتاب أم البنين : ٤٨ ، للسيد سلمان هادي طعمة.
4- عن أم البنين : ٤٣ ، لسلمان هادي طعمة.
5- يقصد مروان لعنه الله.
6- مختصراً (بتصرف) عن أم البنين مناهل للثكالى والمفجوعين.
7- عن كتاب چهره درخشان قمر بني هاشم أبو الفضل العباس ١ / ٣٧٢.
8- عن كتاب چهره درخشان قمر بني هاشم ابو الفضل العباس ١ / ٤١٤