بعد نشر جدلیة هیغل، قام دعاة العولمة بخلق قوتین عدوتین، الغرب "الدیمقراطی المتحرر" فی مواجهة الإرهاب أو "الإسلام السیاسى"، - حسب تعبیرهم - بهدف إجبارنا على قبول خیارهم البدیل فی نهایة المطاف، أی نظام عالمی جدید.
لطالما کانت العلاقة بین الغرب والإسلام یحکمها نوع من التوافق لمدة طویلة من الزمن، لکن هذه الحقیقة التاریخیة تم طمسها بهدف نشر خرافة "صراع الحضارات". بهدف تغذیة حقد الغرب ضد الإسلام تم تحویل وترکیز أنظارنا إلى التطرف الوهابى، وبالأخص على أکثر عناصره سوءا، أسامة بن لادن.
من ناحیة أخرى، کما یوضح بیتر غودمن فی مقالته الواقعیة (دعاة العولمة والإسلامیین)، کان لدعاة العولمة ید فی تشکیل وتمویل المنظمات الإرهابیة فی القرن العشرین، لکن تاریخ الخداع الذی یمارسه دعاة العولمة یعود لما قبل ذلک، إلى القرن الثامن عشر عندما قامت الماسونیة البریطانیة بإنشاء المذهب الوهابی للعربیة السعودیة بهدف دعم وتوسیع أهدافها الاستعماریة.
أنیط بجاسوس اسمه هیمفر تأسیس تعالیم الوهابیة المتطرفة حسبما هو مذکور فی مخطوطة "مرآة الحرمین" لأیوب صبری باشا بین 1933- 1938. اتسمت السیاسة البریطانیة فی المستعمرات بشکل عام بخلق مذاهب مارقة بهدف تنفیذ مبدأ "فرق تسد" ومنها أیضا المذهب الأحمدی فی الهند فی القرن التاسع عشر.
تفاصیل هذه المؤامرة مذکورة فی مخطوطة غیر معروفة اسمها (مذکرات السید هیمفر) وقامت مجلة شبیغل الألمانیة بنشرها فی حلقات ومن بعدها فی صحیفة فرنسیة مرموقة. قام طبیب لبنانی بترجمة الوثیقة إلى اللغة العربیة ولاحقا تمت ترجمتها إلى الإنجلیزیة ولغات أخرى.
تروی الوثیقة مذکرات هیمفر الشخصیة عن المهمة التی کلفته بها الحکومة البریطانیة عبر إرساله إلى الشرق الأوسط لاستکشاف وسائل لزعزعة الامبراطوریة العثمانیة. من ضمن أهداف الحکومة البریطانیة أیضا نشر العنصریة والفرقة، الکحول، القمار، الفجور، وإغراء المسلمات على السفور.
لکن الاستراتیجیة الأهم کانت "زرع البدع فی التعالیم الإسلامیة ومن ثم انتقاد الإسلام لأنه دین إرهاب". لتحقیق هذا الهدف، تقرّب هیمفر من رجل اسمه محمد بن عبد الوهاب.
لفهم نوع التطرف الذی یجسده المذهب الوهابى، من الضروری أن نعرف أولا أن الدین الإسلامی یعتبر کافة المسلمین، بغض النظر عن العرق والجنسیة، أخوة فی الدین، ویشدد على عدم قتل أی مسلم.
أمل البریطانیون من خلال تطبیق استراتیجیة "فرق تسد" فی قلب المسلمین العرب ضد أخوانهم الأتراک، والطریقة الوحیدة لتحقیق ذلک هی عبر خلق ثغرة فی الشریعة الإسلامیة تجعل العرب یعتبرون الأتراک أعداء لهم.
کان بن عبد الوهاب هو الوسیلة التی تمکنت بریطانیة عبرها من غرس هذه الفکرة الشریرة فی عقول مسلمی شبه الجزیرة العربیة. طلع بن عبد الوهاب بفکرة اعتبر فیها أن الأتراک یطبق علیهم حکم المرتد لأنهم یوجهون الدعاء للأولیاء والصالحین، وهو أمر کان شائعا، أی أن الأخوة الأتراک ارتدوا عن الإسلام، وبالتالی أفتى بجواز قتل کل من یرفض الانصیاع لفتواه وسبی وأسر نسائهم وأولادهم. لکن تلک الفتوى شملت العالم الإسلامی بالکامل، باستثناء طبعا المجموعة الصغیرة من مریدیه الذین غرر بهم.
لکن المذهب الوهابی کان غیر ذی شأن بدون دعم وانضمام آل سعود إلیه، تلک العائلة التى، بالرغم من کل الادعاءات التی تنفی ذلک، تنحدر من عائلة من التجار الیهود العراقیین. علماء الشریعة فی ذلک العصر اعتبروا الوهابیة زنادقة وقاموا بإدانة التعصب وعدم التسامح الذی یتسم به المذهب الوهابى. لم یمنع ذلک أتباع المذهب الوهابی من إظهار عدم التزامهم بالدین الذی یدعون الإیمان به وقاموا بذبح المسلمین وغیر المسلمین على حد سواء، ومن ثم قاموا بتدمیر کافة الأضرحة المقدسة والمدافن، وقاموا بسرقة خزینة النبی صلى الله علیه وسلم وکانت تضم کتبا مقدسة، أعمالا فنیة، وهدایا عدیدة لا تقدر بثمن تم إرسالها إلى المدینة على مدى الألفیة الماضیة.
تمکن السلطان العثمانی من إخماد التمرد الوهابی الأول عام 1818، لکن المذهب ازدهر من جدید فی فترة حکم فیصل الأول إلى أن تم تدمیره مرة أخرى فی نهایة القرن التاسع عشر.
بعد الحرب العالمیة الأولى، تم تقسیم أجزاء الامبراطوریة العثمانیة السابقة إلى بلدان صوریة تخضع للسیطرة الخارجیة، وتمت مکافأة ابن سعود على دوره فی المساعدة على تقویض السلطة العثمانیة فی المنطقة بإنشاء مملکة آل سعود فی شبه الجزیرة العربیة عام 1932. بعد عام واحد، أی فی 1933، قام آل سعود بمنح امتیاز التنقیب عن النفط لشرکة کالیفورنیا أربیان ستاندرد أویل کومبانی التابعة لشرکة ستاندرد أویل أوف کالیفورنیا ( اسمها الیوم شرکة شیفرون) التی یرأسها عمیل لعائلة روتشیلد، ومن زعماء عائلات التنویر الأمریکیة، روکفلر. منذ ذلک الحین أصبحت المملکة السعودیة أهم حلیف للغرب فی الشرق الأوسط، لیس فقط عبر منحه حق الوصول المباشر لاحتیاطی النفط الهائل، بل أیضا عبر التلاعب بالعداء العربی لإسرائیل ومحاولة إخماده.
نظرا للطبیعة المنافقة لنظام آل سعود، کان من الضروری قمع أی شکل من أشکال المعارضة بشکل وحشى.
کتب ستیفن شوارتز فی (وجهّی الإسلام): "رغباتهم قادتهم إلى الحانات ودور القمار والرذیلة... اشتروا أساطیل من السیارات، الطائرات الخاصة، ویخوت بحجم سفن حربیة. استثمروا فی أعمال فنیة غربیة باهظة الثمن لا یفهمون فیها شیء أو حتى تعجبهم بشیء وغالبا ما تصیب شیوخ الوهابیة بالغضب. انفقوا بدون حساب، وأصبحوا رعاة التجارة الدولیة للرقیق الأبیض واستغلال الأطفال".
فی النتیجة، کی یتمکن من الظهور بمظهر المدافع عن الدین، قام النظام السعودی وشیوخه بابتکار نسخة عن الإسلام ترکز على التفاصیل الشکلیة للدین على حساب القدرة على فهم الحقائق السیاسیة الأوسع. بالتالى، تصرفات آل سعود شجعت التفسیر الأحادی للشریعة مما سمح لأشکال بن لادن بالظهور واستغلال القرآن الکریم لتبریر قتل الأبریاء.
المحصلة النهائیة، مع تدفق الدولارات النفطیة إلى خزائن آل سعود بالتعاون مع روتشیلد، تمکنت العائلة السعودیة من الترویج لنسختها المشوهة من الإسلام فی أنحاء أخرى من العالم، وخاصة فی أمریکا حیث یمول آل سعود حوالی 80% من الجوامع هناک، نسخة عن الإسلام تستبدل فیها الوعی السیاسی بالتطرف المذهبی المبنی على التعصب.
الملک فهد حضر مؤتمر بیلدربیرغ عام 1999 الذی ناقش تفعیل مصالح الحکومة العالمیة، وکان من ضمن الحضور أعضاء آخرین منهم یاسر عرفات وبابا الفاتیکان. من الواضح أن آل سعود هم جزء من شبکة أحابیل المتنورین، وتخمتهم البترو – دولاریة مکنتهم من الاضطلاع بدور تمویل الإرهاب العالمی بدءا من أفغانستان مرورا بالبوسنة وغیرها فقط لمجرد خلق عداء عالمی للإسلام.
المصدر: قناة العالم الاخباریة
/ج
