مرقد الإمام الحسین (علیه السلام)

إن محور المراقد المقدسة للهاشمیین هو مرقد الإمام أبی عبد الله الحسین (علیه السلام) حیث أنه یقع فی قلب العالم الإسلامی، ولقد أصبح بعد الحرمین الشریفین والغری مرکزاً دینیاً جدیداً جاثیاً ما بین ضفة الفرات وحافة الصحراء على مفترق
Thursday, November 7, 2013
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
مرقد الإمام الحسین (علیه السلام)
إن محور المراقد المقدسة للهاشمیین هو مرقد الإمام أبی عبد الله الحسین (علیه السلام) حیث أنه یقع فی قلب العالم الإسلامی، ولقد أصبح بعد الحرمین الشریفین والغری مرکزاً دینیاً جدیداً جاثیاً ما بین ضفة الفرات وحافة الصحراء على مفترق الطرق من العالم القدیم لیمد أنوار النبوة المشعة من المدینة المنورة إلى بقیة أقطار العالم الإسلامی من بلاد الشام وبلاد الرافدین وإیران وقفقازیا وترکستان والصین وغیرها وجعلت کربلاء المقدسة وبیت الله الحرام فی مصاف واحد یدرکها من لم یستطع إدراک حرم الله الأقدس.
ولقد تعرض مرقد الإمام الحسین (علیه السلام) محاولات هدم وإخفاء للمعالم على مر التاریخ، فخطئ الحائر بعد تلک المحن خطوة أوسع من ذی قبل فی الاتجاه نحو أقطار الشرق الأقصى، فجثا حرم الإمام الرضا (علیه السلام) على أبواب الهند فی خراسان لیبعث بهذا النور فی الاتجاهات المختلفة الأخرى من مصدره فی المدینة المنورة والنجف الأشرف وکربلاء المقدسة فضربت هاشم قبابها الشامخة المشعة فی أنحاء المعمورة فی الحجاز وعلى ضفة الفرات ودجلة والنیل والبحر المتوسط وعلى ضفاف بردى فی الشام وفی خراسان والهند والصین وغیرها وبقیت آثار أمیة الطاغیة مطمورة مخذولة وملعونة ومنکودة کما عرفت وعهدت.
 مرقد الإمام الحسین (علیه السلام)

فما اهتمام الناس بمرقد الإمام الحسین (علیه السلام) إلا من حیث کونه یحتضن بین جنباته جسد إمام عظیم شهید، کما هو الحال لباقی الأئمة (علیهم السلام) من أهل البیت النبوی والأصحاب الصالحین، ومن هذا المنطلق نشأت واستمرت ولا زالت حتى یومنا أهمیة زیارة هذه المراقد والأضرحة للتبرک بالراقدین بها والتوسل إلى الله عز وجل تحت قبابهم لما لهم من منزلة ومکانة عند الله جل شأنه.

تطور مرقد الإمام الحسین (علیه السلام):
إن مرقد الإمام الحسین (علیه السلام) ظل منذ أن احتضنته أرض کربلاء قبله لملایین الأباة والأحرار، ومهوى لجمیع المؤمنین والموالین باختلاف ألسنتهم وقومیاتهم على مر العصور، ورغم محاولات الطغاة لطمسه إلا انه بقی مرکز إشعاع للعالم حیث مکروا ومکر الله والله خیر الماکرین. لقد أصبح المرقد الحسینی الشریف حربة ذا حدین یستخدمها السلاطین والأمراء، والرؤساء والوزراء کأداة داعمة من جهة، ووسیلة دامغة من جهة أخرى، وعلى أثره صنع تاریخ مرقده الشریف، الذی نحاول إلقاء الضوء علیه واستعراض ما یمکن استعراضه بشکل موجز وسریع جداً.

1- القرن الأول الهجری:

أول من أقام رسما لقبر الإمام أبی عبد الله الحسین (علیه السلام) هو الإمام السجاد علی بن الحسین زین العابدین (علیه السلام) مع بنی أسد، حین دفنوا الإمام الحسین (علیه السلام) وأجساد الشهداء من أهله وأنصاره وذلک یوم الثالث عشر من شهر محرم الحرام عام 61ه‍ الموافق لـ (15/10/680م. وذلک تطبیقاً لما روته السیدة زینب الکبرى (علیها السلام) فی حدیثها إلى الإمام السجاد (علیه السلام) حیث قالت: (لقد أخذ الله میثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة وهم معروفون من أهل السماوات أنهم یجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فیوارونها وهذه الجسوم المضرجة، وینصبون لهذا الطف علماً لقبر أبیک سید الشهداء لا یدرس أثره ولا یعفى رسمه، على مرور اللیالی والأیام... ثم یبعث الله قوماً من أمتک لا یعرفهم الکفار، لم یشارکوا فی تلک الدماء بقول ولا فعل ولا نیة فیوارون أجسامهم ویقیمون رسما لقبر سید الشهداء بتلک البطحاء یکون علماً لأهل الحق وسبباً للمؤمنین إلى الفوز) (1).
ولعل القبر الشریف کان فی بدایة الأمر مرتفعاً وبارزاً قلیلاً عن الأرض، کما یظهر من کلام جابر الأنصاری حین زار القبر الشریف فی الأربعین الأول حیث قال: (ألمسونی القبر) (2)، بل یؤید ذلک ما یروى من أن السیدة سکینة (علیها السلام) ضمت قبر أبیها الحسین (علیه السلام) عند رجوعها من الشام، وقیل إن بنی أسد حددوا له مسجداً وبنوا على قبره الشریف سقیفة وقیل إنهم وضعوا على القبور الرسوم التی لا تبلى (3) وما بین عامی 61 - 63ه‍ یذکر محمد باقر بن عبد الحسین مدرس: (أنهم بنوا فی العهد الأموی مسجداً عند رأس الحسین (علیه السلام)... ثم شیِّد القبر من قبل الموالین) (4) وأما عن عام 64ه‍ یقول الرحالة الهندی محمد هارون: (أول من بنى صندوق الضریح بهیئة حسنة وشکل ملیح بنو نضیر وبنو قینقاع) (5). ویظهر أن التوابین عندما قصدوا زیارة قبر الإمام الحسین (علیه السلام) فی ربیع الأول من عام 65ه‍ قبل رحیلهم إلى عین الوردة طافوا حول هذا الصندوق وکان عددهم یقارب أربعة آلاف رجل.. (6).
وفی سنة 66ه‍ وعندما استولى المختار بن أبی عبیدة الثقفی على الکوفة عمّر على مرقده الشریف قبة من الجص والآجر، وقد تولى ذلک محمد بن إبراهیم بن مالک الأشتر، واتخذ قریة من حوله، وکان للمرقد بابان شرقی وغربی وبقی على ما قیل حتى عهد هارون العباسی (7) وإلى هذا یشیر السماوی فی أرجوزته:

وجاء بعد ذلک المختار حین دعاه والجنود الثار
وعمر المسجد فوق الجدث فهو إذاً أول شیء محدث
وبقی المسجد حول المرقد إن کان قد أسس للتعبد
ولم یزل یزار فی جناح حتى أتى الملک إلى السفاح (8)

ویذکر المؤرخ السید عبد الجواد الکلیدار تفصیل حول مرقد الإمام الحسین (علیه السلام) ومقاساته وشکله وموقعه ومن جملة کلامه (...فیلمع للناظر عن بعید کبیضة نعامة فی وسط الصحراء، وفوق هذا البناء الجمیل البسیط تستقر سقیفة تعلوها قبة هی أول قبة من قباب الإسلام الخالدة التی خیمت لأول مرة فی الجانب الشرقی من الجزیرة العربیة بین ضفة الفرات وحافة الصحراء فی الاتجاه الشمالی...الخ) (9).
 مرقد الإمام الحسین (علیه السلام)

2- القرن الثانی الهجری:

یبدو أن القبة التی شُیّدت فی عهد المختار ظلت قائمة لحین زیارة الإمام الصادق (علیه السلام) لقبر جده الإمام الحسین (علیه السلام) حوالی عام 132ه‍ حیث روی عن الإمام الصادق (علیه السلام): (إذا أردت قبر الحسین (علیه السلام) فی کربلاء قف خارج القبة وارم بطرفک نحو القبر، ثم ادخل الروضة وقم بحذائها من حیث یلی الرأس، ثم اخرج من الباب الذی عند رجلی علی بن الحسین (علیه السلام) ثم توجه إلى الشهداء، ثم امش حتى تأتی مشهد أبی الفضل العباس فقف على باب السقیفة وسلم) (10) ویقول الکرباسی: إن مجموع السقیفة والمسجد کان یشکل مساحة ذات أربعة أضلاع حول مرقد الإمام الحسین (علیه السلام) وابنه علی الأکبر (علیهما السلام) وکان للمرقد بابان أحدهما من جهة المشرق عند قدمی علی الأکبر (علیه السلام) وکانت مراقد الشهداء (علیهم السلام) خارجة عن إطار هذه المساحة، والآخر من جهة الجنوب (القبلة) (کما هو لحد الیوم) (11) ویتبین أن مساحة الحائر کانت حوالی (25×25) ذراعاً من الخارج کما یفهم من روایة الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (امسح من موضع قبره الیوم، فامسح خمسة وعشرون ذراعاً من رجلیه وخمسة وعشرین ذراعاً مما یلی وجهه وخمسة وعشرین ذراعاً من خلفه وخمسة وعشرین ذراعاً من ناحیة رأسه) (12).
وتؤکد بعض المصادر بأنه کانت هناک شجرة سدرة أیام الحکم الأموی یستظل بفیئها ویستدل بها على قبر الإمام الحسین (علیه السلام) ولذلک سمی الباب الواقع فی الشمال الغربی من الصحن - فیما بعد بباب السدرة (13) وامتد عمر هذا البناء المؤلف من المسجد والمرقد ذی القبة طوال العهد الأموی فلم یتعرض للهدم رغم العداء السافر تجاه أهل البیت (علیهم السلام) مع أنهم وضعوا المسالح لمنع زیارة قبره (علیه السلام)، إلا أن ضعف الدولة الأمویة فی أواخر عهدها کسر حاجز الخوف فتدفقت الأفواج إلى زیارته ولم یتمکنوا من منعهم بل أدرکوا أن التعرض للمرقد أو المساس به بقصد تخریبه یشکل سابقة خطیرة ومشکلة هم فی غنى عنها.
ولکن المنصور العباسی الذی حکم ما بین 136 - 158ه‍ صب جام غضبه على العلویین وآثارهم وتطاول على القبر المطهر فهدم السقیفة فی عام 146ه‍. وفی حدود عام 158ه‍ وذلک فی عهد المهدی العباسی أعید تشیید السقیفة (14).
ولما کانت سنة 193ه‍ ضیق هارون العباسی الخناق على زائری القبر وقطع شجرة السدرة التی کانت عنده وکرب موضع القبر وهدم الأبنیة التی کانت تحیط بتلک الأضرحة المقدسة وزرعها، وذلک عبر والیه على الکوفة موسى بن عیسى بن موسى الهاشمی (15). وفی عام 198ه‍ عندما استتب الأمر للمأمون وهو سابع حکام العباسیین، اقتضت سیاسته لتنفیذ غرائزه وأطماعه مراعاة شعور الموالین لأهل البیت (علیهم السلام) لامتصاص النقمة المتزایدة علیه والمنافسة السیاسیة لحربه مع أخیه الأمین وقتله إیاه، ففسح المجال لزیارة قبر الإمام الحسین (علیه السلام) وتعمیره، فبنى علیه قبة شامخة وحرم فخم وبدأ الناس یسکنونه من جدید. ثم إن المأمون أراد التقرب إلى العلویین وأهل البیت (علیهم السلام) لاستحکام ملکه فأصدر قراره بولایة العهد للإمام الرضا (علیه السلام) فی السابع من شهر رمضان عام 201ه‍ وبتعمیر مرقد الإمام الحسین (علیه السلام) فأمر بتشیید قبة عظیمة وروضة فخمة أحسن من ذی قبل، و بذلک یکون قد عُمّر المرقد فی عهد المأمون مرتین کما قام المأمون بتوسیع الحیر (الحائر) (16).

3- القرن الثالث الهجری:

یقول سلمان آل طعمة: (إن الشائع على ألسنة الباحثین والمؤرخین أن کربلاء کانت فی القرن الثالث مملوءة بالأکواخ وبیوت الشعر التی کان یشیدها المسلمون الذین یفدون إلى قبر الحسین (علیه السلام) (17) إلى جانب بیوت المجاورین له. هذا ولم یتعرض مرقد الإمام الحسین (علیه السلام) فی عهد المعتصم العباسی والواثق العباسی إلى الهدم والتخریب، کما لم یتعرض الموالون لأهل البیت (علیهم السلام) للاضطهاد بسبب اضطراب الوضع السیاسی (18).
ولما کانت سنة 232ه‍ تولى الحکم المتوکل العباسی وکان شدید البغض للإمام أمیر المؤمنین علی (علیه الصلاة والسلام) ولذلک عمد إلى هدم قبر الإمام أبی عبد الله الحسین (علیه السلام) أربعة مرات (19).
أ) المرة الأولى: عام 233ه‍ وذلک إثر ذهاب إحدى جواریه المغنیات إلى زیارة شعبان فی کربلاء (موسوعة العتبات المقدسة قسم کربلاء: جعفر الخلیلی: 258)، فأنفذ عمر بن فرج الرخجی لهدم ما عمره المأمون العباسی وأمر بتخریب قبر الحسین (علیه السلام) وحرثه، فلما صار إلى الناحیة أمر بالقبر فمر بها على القبور کلها فلما بلغت قبر الحسین (علیه السلام) لم تمر علیه ثم إن الموالین لأهل البیت (علیهم السلام) رغم الاضطهاد والتنکیل عمدوا إلى تعمیر مرقده الشریف وإنشاء البیوت من حوله (20)
ب) المرة الثانیة: سنة 236ه‍ حیث عمد المتوکل أیضاً إلى هدم الضریح المطهّر وملحقاته وزرعه بعد تسویة أرضه، کما أمر بهدم ما حوله من المنازل والدور ثم منع زیارة المکان وغیره من البقاع الشیعیة المقدسة (تاریخ کربلاء وحائر الحسین: عبد الجواد بن علی الکلیدار: 205) وهدد الزوار بفرض عقوبات صارمة علیهم، فنادى بالناس: من وجدنا عند قبره بعد ثلاثة حبسناه فی المطبق. (21)
وأوعز مهمة الهدم لرجل یهودی اسمه إبراهیم الدیزج فبعثه المتوکل إلى کربلاء لتغییر قبر الإمام الحسین (علیه السلام) وإن الدیزج حسب أمر المتوکل لم یکتف بهدم القبر وإنما ضرب ما حوله فهدم مدینة کربلاء کلها وأنه أوکل فی أطرافها المسالح لمنع الزائرین من الزیارة بالعنوة وبعقاب القتل وجعل المتوکل عقوبة على زائری الإمام الحسین (علیه السلام) وهی قطع یده للمرة الأولى، ورجله للمرة الثانیة (دراسات حول کربلاء ودورها الحضاری: 628).
والتقى أبو علی العماری بإبراهیم الدیزجٍ وسأله عن صورة الأمر، فقال له: أتیت فی خاصة غلمانی فقط، وأنی نبشت فوجدت باریة جدیدة علیها بدن الحسین بن علی، ووجدت منه رائحة المسک فترکت الباریة على حالها وبدن الحسین على الباریة، وأمرت بطرح التراب علیه وأطلقت علیه الماء، وأمرت بالبقر لتمخره وتحرثه فلم تطأه البقر، وکانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه، فحلفت لغلمانی بالله وبالإیمان المغلظة لئن ذکر أحد هذا لأقتلنه ویصف السماوی الحادثة کلها ومنها یقول:

ثم حرثنا الأرض لکن البقر تأتی إلى ذاک المقام وتذر
وکلما تضرب للکراب تقهقرت تمشی على الأعقاب
ثم مخرنا الماء فوق القبر فحار عنه واقفاً لا یجری (22)

ویبدو أن محبی أهل البیت (علیهم السلام)، لم یترکوا قبر إمامهم على حاله بل عمروه بما یتناسب على رغم تضییق السلطات علیهم.
ج) الثالث: عام 237ه‍ حین بلغ المتوکل أن أهل السواد یجتمعون بأرض نینوى لزیارة قبر الإمام الحسین (علیه السلام) فیصیر إلى قبره منهم خلق کثیر فأنفذ قائداً من قواده واسمه هارون المعری وضم الوزیر معه وغیرهم إضافة إلى إبراهیم الدیزج لینفذ الهدم والحرث إضافة إلى الجند، لیشعِّث قبر الحسین (علیه السلام) ویمنع الناس من زیارته والاجتماع إلى قبره، ففعلوا ما أمروا به ویعلق عبد الجواد الکلیدار (إن الطاغیة لم یوفق فی هذه المرة إلى مثل ما ارتکبته یداه فی المرات السابقة وذلک تأثیر الرأی العام من جهة ومن جهة أخرى تجاه المقاومة الفعلیة الشدیدة التی لاقاها جنوده من قبل الأهلین) ولم یزل زواره (علیه السلام) یقصدونه ویصلحون قبره الشریف عن الهدم المتکرر. (23)
وفی سنة 240ه‍ توجه الأشنانی وهو من محبی أهل البیت (علیهم السلام) إلى زیارة قبر الإمام الحسین (علیه السلام) سراً برفقة أحد العطّارین فلما وصلا القبر الشریف جعلا یتحریان جهة القبر حتى عثرا علیه وذلک لکثرة ما کان قد مخر وحرث حوله فشاهداه وقد قلع الصندوق الذی کان حوالیه واحرق، وأجری علیه الماء فانخسف موضع اللبن وصار کالخندق حول القبر ولما أتما مراسیم الزیارة نصبا حول القبر علامات شاخصة فی عدة مواضع من القبر ویصف الأشنانی الوضع الأمنی آنذاک بقوله: (... فخرجنا زائرین نکمن النهار ونسیر اللیل حتى أتینا نواحی الغاضریة، وخرجنا منها نصف اللیل فسرنا بین مسلحتین وقد ناموا حتى أتینا القبر فخفی علینا فجعلنا نشمه...الخ) (24).
د) الرابع: سنة 247ه‍ کان قد بلغ المتوکل مرة أخرى مسیر الناس من أهل السواد والکوفة إلى کربلاء لزیارة قبر الإمام الحسین (علیه السلام) وانه قد کثر جمعهم لذلک، وصار لهم سوق کبیر فأنفذ قائداً فی جمع کثیر من الجند وأمر منادیاً ینادی ببراءة الذمة ممن زار قبره، ونبش وحرث أرضه وانقطع الناس عن الزیارة، وعمل على تتبع آل أبی طالب والشیعة فقتل منهم جمعاً کثیراً وإن هدم المتوکل لقبر الإمام الحسین (علیه السلام) فی المرة الرابعة صادف فی النصف من شعبان حیث کان الناس یتوافدون بکثرة على زیارة کربلاء فی مثل هذا الوقت (25)
وقد تولى الهدم فی هذه المرة إبراهیم الدیزج أیضاً حیث یقول: إن المتوکل امرنی بالخروج إلى نینوى إلى قبر الحسین فأمرنا أن نکربه ونطمس أثر القبر، فوافیت الناحیة مساءً ومعنا الفعلة ومعهم المساحی والمرود، فتقدمت إلى غلمانی وأصحابی أن یأخذوا الفعلة بخراب القبر وحرث أرضه فطرحت نفسی لما نالنی من تعب السفر ونمت فذهب بی النوم، فإذا ضوضاء شدیدة وأصوات عالیة، وجعل الغلمان ینبهونی، فقمت وأنا ذعر فقلت للغلمان: ما شأنکم؟ قالوا: أعجب شأن؟! قلت: وما ذاک؟ قالوا: إن بموضع القبر قوماً قد حالوا بیننا وبین القبر وهم یرموننا مع ذلک بالنشاب، فقمت معهم لأتبین الأمر، فوجدته کما وصفوا، وکان ذلک فی أول اللیل من لیالی البیض، فقلت: ارموهم، فرموا فعادت سهامنا إلینا فما سقط سهم منا إلا فی صاحبه الذی رمى به فقتله، فاستوحشت لذلک وجزعت وأخذتنی الحمّى والقشعریرة ورحلت عن القبر لوقتی، ووطنت نفسی على أن یقتلنی المتوکل لما لم أبلغ فی القبر جمیع ما تقدم إلی به (26).
وانتشر ظلم المتوکل وذاع خبر هدمه قبر سبط الرسول (صلى الله علیه وآله) بین الناس فتألم المسلمون لذلک وکتب أهل بغداد شتمه على الحیطان، وهجاء الشعراء. ولقد وضع المتوکل یده على أوقاف الحائر وصادر أموال خزینة الحسین (علیه السلام) ووزعها على جنوده قائلاً: (إن القبر لیس بحاجة إلى الأموال والخزائن) وروی لما أجری الماء على قبر الحسین نضب بعد أربعین یوماً وانمحى اثر القبر فجاء أعرابی من بنی أسد فجعل یأخذه قبضة قبضة ویشمه حتى وقع على قبر الحسین (علیه السلام) وبکى، وقال بأبی أنت وأمی ما کان أطیبک وأطیب تربتک میتاً ثم بکى وانشأ یقول:
 مرقد الإمام الحسین (علیه السلام)
أرادوا لیخفوا قبره عن ولیه*** فطیب تراب القبر دل على القبر
ولقد أراد المتوکل محو ذکر الإمام الحسین (علیه السلام) ولکنه قُتِلَ عام 247ه‍ وعلى فراشه وذلک من قواده الأتراک بإشارة من ابنه المنتصر ولم یتم له ما قدره .
ولما استقر الحکم للمنتصر فی نفس السنة وبلغ مسامع الأشنانی توجه من ساعته إلى کربلاء ومعه جماعة من الطالبیین والشیعة - وذکر أنه کان برفقة إبراهیم بن محمد العابد ابن الإمام الکاظم (علیه السلام) المعروف بسید إبراهیم المجاب (علیه السلام) فلما وصلوا کربلاء أعادوا للقبر معالمه القدیمة (تاریخ الحرکة العلمیة فی کربلاء: نور الدین بن محمد الشاهرودی: 15).
وعند ذاک أی عام 248ه‍ أمر المنتصر العباسی ببناء مرقد الإمام الحسین (علیه السلام) وإعادته إلى ما کان علیه (العراق قدیماً وحدیثاً: عبد الرزاق الحسینی: 129) ونصب على قبره الشریف علماً طویلاً لیستهدی الناس إلیه ودعا إلى زیارته (علیه السلام) وعطف على آل أبی طالب وأحسن إلیهم وفرق فیهم الأموال وارجع إلیهم الأوقاف الخاصة بهم کما أرجع فدکاً إلیهم وذلک ما اقتضته سیاسته لتنفیذ أطماعه، فهب الشیعة إلى زیارته باطمئنان وراحة بال وجاوروه، وفی ذلک یقول السماوی فی أرجوزة: حتى إذا ما انتصر المنتصر وآمن الناس أعید الأثر
وعادت السکان والدیار وشید المقام والمزار
ولعل أقدم شخصیة علویة سکنت کربلاء وهو السید إبراهیم المجاب (علیه السلام) وابنه محمد الحائری وقبل عام 271 ه‍ زار الحائر الشریف الداعی الکبیر الحسن العلوی ملک طبرستان ودیلم فباشر بتشیید الحضرة الحسینیة واتخذ حولها مسجداً ولم یکن الزمن کفیلاً بإنجازه حیث توفی عام 271ه‍، وتولى بعده أخوه الملقب بالداعی الصغیر محمد العلوی الذی ملک طبرستان ودیلم وخراسان وفی سنة 273ه‍ تهدمت بنایة المنتصر ومات جمع کثیر من الزائرین لازدحام الروضة بالزوار لأنه صادف سقوطه فی یوم عرفه أو العید من ذی الحجة وقیل إن الموفق کان وراء ذلک فقام على اثر ذلک الداعی الصغیر محمد بن زید أمیر حرجان بزیارة الحائر وأمر بعمارة المرقد الشریف فانتهى من بنائه عام 280ه‍ فوضع قبة شامخة على المرقد وبابین وبنى للمرقد إیوانین کما بنى سوراً حول الحائر ومنازل للزائرین والمجاورین (27).
وفی سنة 282ه‍ أرسل محمد بن زید مبلغ اثنین وثلاثین ألف دینار ذهبی لمساعدة العلویین والأشراف عبر والیه محمد بن ورد القطان بل وجعلها علیهم سنویة فاجتمعت الشیعة من جدید وبنت دوراً حول مرقد الإمام الحسین (علیه السلام)، ویذکر أن الداعی بالغ فی فخامة البناء وحسن الزیارة ودقة الصنعة فی عمارة الحائر (تاریخ کربلاء وحائر الحسین: عبد الجواد بن علی الکلیدار: 169).

4- القرن الرابع الهجری:

فی سنة 313ه‍ زار الحائر الزعیم القرمطی أبا طاهر الجنابی (من البحرین) وطاف حول القبر مع اتباعه وآمن أهل الحائر ولم یمسهم بمکروه وفی عام 352ه‍ أمر معز الدولة البویهی بإقامة العزاء على الإمام الحسین (علیه السلام) فی بغداد وذلک فی یوم عاشوراء وکان لهذا الأمر آثاره الإیجابیة فی تطویر وإعمار مرقد الإمام الحسین (علیه السلام) وإنعاش مواسم الزیارة، بل وساهم فی عمارة المرقد ولما کانت سنة 366ه‍ زار عز الدولة البویهی المرقد الشریف للإمام الحسین (علیه السلام) مما دعم حرکة الهجرة للحائر الحسینی وعمرانه.
وفی سنة 367ه‍ استولى عضد الدولة البویهی على بغداد فعرج منها على کربلاء لزیارة مرقد الإمام الحسین (علیه السلام) ثم أنه جعل زیارته للمرقد الشریف عادة سنویة (28).
وفی ظل اضطراب الأوضاع السیاسیة فی العراق وتدهورها تمکن عمران بن شاهین - بعد حادثة طویلة - أن یوفی بنذره، فبنى المسجد عند مرقد الإمام الحسین (علیه السلام) المعروف باسمه إلى الآن والذی یقع إلى جهة الشمال من الروضة وقد ضم فیما بعد إلى الحرم، أما الرواق الذی شیده فیقع إلى جهة الغرب من قبر الإمام الحسین (علیه السلام) وهو أول من ربط حزام الحائر بالرواق والظاهر إن ذلک کان فی عام 368ه‍ ، (تراث کربلاء: سلمان بن هادی آل طعمة: 39) (بحار الأنوار: 42/ 320) وفی عام 369ه‍ أغار ضبة الأسدی على مدینة کربلاء وقتل أهلها ونهب أموالهم وسرق ما فی خزانة الحرم المطهر من نفائس وذخائر وتحف وهدایا، وهدم ما أمکنه هدمه وذلک بمؤازرة بعض العشائر، ثم قفل عائداً إلى البادیة فلما بلغ أمره إلى عضد الدولة أرسل فی تلک السنة سریة إلى عین التمر وبها ضبة الأسدی فلم یشعر إلا والعساکر معه فترک أهله وماله ونجا بنفسه فریداً، وأخذ ماله وأهله ومُلّکت عین التمر عقاباً لنهبه مرقد الإمام الحسین (علیه السلام).
وفی العام نفسه 369ه‍ وعندما قام عضد الدولة بزیارته التقلیدیة للمرقد المطهر للإمام الحسین (علیه السلام) أمر بتجدید بناء القبة الحسینیة وروضتها المبارکة وشید ضریح الإمام الحسین (علیه السلام) بالعاج وزینة بالحلل والدیباج وبنى الأروقة حوالی مرقده المقدس وعمّر المدینة، واهتم بإیصال الماء لسکان المدینة والضیاء للحائر المقدس وعصمها بالأسوار العالیة التی بلغ محیطها حوالی 2400 خطوة وقطره حوالی 2400 قدم، فأوصل المدینة بترعة فأحیاها وأوقف أراضی لاستثمارها لصالح إنارة الحرمین الشریفین أبی عبد الله الحسین (علیه السلام) وأخیه أبی الفضل العباس (علیه السلام) وبالغ فی تشیید الأبنیة والأسواق حوله وأجزل العطاء لمن جاوره من العلماء والعلویین کما أمر ببناء المدرسة العضدیة الأولى، کما بنى بجنبها مسجد رأس الحسین (علیه السلام) وعلى أثر ذلک تضاعف عدد المجاورین لمرقده المقدس ولما کانت سنة 371ه‍ واصل عضد الدولة زیارته التقلیدیة السنویة للحائر المقدس، ویبدو لنا أنه أشرف فی هذه السنة على مراسیم الانتهاء من إعمار وبناء المرقد الحسینی المطهر وذکر الکلیدار تفصیلات کثیرة جداً ضمن کتابه تاریخ کربلاء وحائر الحسین.
وفی أوائل القرن الخامس الهجری عام 407ه‍ أصاب الحریق حرم الإمام الحسین (علیه السلام) حیث کان مزیناً بخشب الساج وذلک على اثر سقوط شمعتین کبیرتین فی الحرم. وجدد البناء على عهد البویهیین غب ذلک الحریق، حیث قام الحسن بن الفضل وزیر الدولة البوییة بإعادة البناء نفسه مع تشیید السور، .
واستمرت القرون التی بعد القرن الخامس الهجری إلى توسیع وتحسین عمارة وبناء مرقد الإمام الحسین (علیه السلام) توسیع وتطویر مدینة کربلاء وإدخال علیها المشاریع الکفیلة بتحسین الوضع لمصلحة المراقد الشریفة الموجودة فی المدینة ولأجل ساکنی ارض کربلاء من أهالی مدینتها.

5- القرون الأخیرة:

أما فی العصور القریبة فقد تعرض المرقد الحسینی الشریف لهجمات وحشیة ثلاثة:
أ) حملة الوهابیین: فی سنة 1216هـ (1801م)‍ أصاب الخراب مبانی مدینة کربلاء وذلک عندما دخلوا الوهابیون المدینة فهدموا المساجد والأسواق، والکثیر من البیوت التراثیة المحیطة بالمرقدین وعبثوا بالمراقد المقدسة وهدموا سور المدینة وکان ذلک یوم 18 ذی الحجة (یوم عید الغدیر) أیام علی باشا، وکان حاکم کربلاء عمر آغا، حیث قتلوا کل من کان لائذاً بالحرم الشریف ودامت هذه الحملة ست ساعات.
وبعد هذه الحادثة تبرع أحد ملوک الهند بإعادة بناء ما خربه الوهابیون، فأخذ المرجع الکبیر السید علی الطباطبائی على عاتقه مسؤولیة إعادة بناء وترمیم المراقد المقدسة والأسواق والبیوت وشید المدینة سوراً حصیناً وجعل لهذا السور ستة أبواب (دراسات حول کربلاء ودورها الحضاری: 607 - 629).
ب) حملة نجیب باشا: وکان یوم عید الأضحى سنة 1258ه‍ حیث استباح هذا الوالی مدینة کربلاء استباحة کاملة ولمدة ثلاثة أیام قتلاً وسلباً ونهباً حتى وصل عدد القتلى اکثر من عشرین ألفاً من رجل وامرأة وصبی وکان یوضع فی القبر (وذلک بعد الحادثة) الأربعة والخمسة إلى العشرة، فیهال علیهم التراب بلا غسل ولا کفن، ووجِدَ بالسرداب الذی تحت رواق مقام أبی الفضل العباس (علیه السلام) اکثر من ثلاثمائة من القتلى.
وتم بعد فترة من الزمن بجهود من المؤمنین الموالین بإعادة إعمار المدینة (وتوسیعها وتم إضافة طرف أو محلة العباسیة التی قسمت بدورها إلى قسمین یعرفان بالعباسیة الشرقیة والعباسیة الغربیة ویفصل...الخ) ویفصل بینهما شارع العباس. (دراسات حول کربلاء ودورها الحضاری: 182 - 607- 629).
ج) حملة النظام الصدامی الحاقد: یوم النصف من شعبان سنة 1411ه‍، حیث کانت العملیة بقیادة حسین کامل مع الآلاف من الجیش المدعوم بالدبابات، فقام حسین کامل بنفسه بتوجیه فوهة الدبابة الأولى إلى مرقد الإمام الحسین (علیه السلام) صارخاً فیمن حوله: (أنا حسین وهذا حسین ولنر من سینتصر فی النهایة) وهذا یمثل نداء الطواغیت على وجه الأرض، حیث أدى هذا الهجوم إلى تخریب کبیر حدث فی الحرمین المطهرین إلى تهدیم حدث فی رأس أحد المنارتین لمقام الإمام الحسین (علیه السلام) وتهدیم السوق الذی کان بین الحرمین وتحویل المنطقة المحیطة بالحرمین إلى خراب کامل لا یرى فیها سوى الحجارة والنار والدبابات وجثث القتلى من رجال ونساء وأطفال وشیوخ وهذا الهجوم السافر أدى إلى قتل الآلاف الذین بقوا على ارض کربلاء لمدة أیام لا یستطیع أحد التقرب منها لدفنها.
أما حسین کامل فقد لاقى حتفه على ید النظام الصدامی وذلک صدقاً للنبوة الکریمة (من أعان ظالماً سلطه الله علیه).
وتم تعمیر المرقدین والمدینة وإحداث شوارع جدیدة وذلک بعدما ألغت شوارع کانت منذ القدیم.
ونلاحظ الحکام الطواغیت تستغل أیام المناسبات والأعیاد الدینیة للقیام بمثل هذه الأعمال الجائرة، وذلک لتجمع الزوار وتوافدها لزیارة المراقد الشریفة.

مرقد الإمام الحسین (علیه السلام)

المصادر :
1- کامل الزیارات: لابن قولویه 262- 265
2- مدینة الحسین: لمحمد حسن بن مصطفى الکلیدار: 1/ 19
3- تاریخچة کربلاء: محمد بن أبی تراب کرباسی حائری: 56
4- شهر حسین: 160
5- مجلة الموسم الهولندیة: عدد 14، ص329
6- مدینة الحسین: محمد حسن بن مصطفى الکلیدار 1/ 20
7- تاریخ کربلاء وحائر الحسین: عبد الجواد بن علی الکلیدار 160
8- مجالی اللطف: 2/ 18.
9- تاریخ کربلاء وحائر الحسین: 81
10- بحار الأنوار: المجلس: 98/ 259
11- تاریخچة کربلاء: محمد بن أبی تراب کرباسی حائری: 56
12- کامل الزیارات: لابن قولویه: 272/ ح:4
13- تراث کربلاء: سلمان بن هادی آل طعمة: 34
14- ومضات من تاریخ کربلاء: سلمان بن هادی آل طعمة: 18
15- تراث کربلاء: سلمان بن هادی آل طعمة: 34
16- تاریخچة کربلاء: محمد بن أبی تراب کرباسی حائری: 59
17- تراث کربلاء: 231
18- شهر حسین: محمد باقر بن عبد الحسین مدرسی:202
19- تاریخ کربلاء وحائر الحسین: عبد الجواد بن علی الکلیدار: 19
20- بحار الأنوار: للمجلسی 45/ 398: ح8
21- مروج الذهب للمسعودی: 4/ 51
22- بحار الأنوار للمجلسی: 45/ 394: ح2
23- بحار الأنوار: للمجلسی 45/397 ح5- 45/395/ح3
24- مقاتل الطالبیین: علی بن الحسین الأصفهانی: 479
25- (بحار الأنوار: للمجلسی: 45/ 397 ح5)
26- بحار الأنوار: للمجلسی: 45/ 395/ ح4
27- تراث کربلاء: سلمان بن هادی آل طعمة: 36 – 38
28- أعیان الشیعة: 1/ 628 عن تسلیة المجالس




ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
المقالات ذات صلة