النظام في الدولة الإسلاميـّة وغيرالاسلامية

في أيّامنا هذه يوجد كما يقال ديمقراطيّات عريقة في العالم، ومن هذه الديمقراطيّات مثلاً بريطانيا، لكنّ بريطانيا ومن أجل مصالح إسرائيل مستعدّة أن تغيّر نظامها القضائيّ. والولايات المتّحدة الأميركيّة أيضاً تدَّعي أنّها حاملة شعار الحرّيات في العالم
Sunday, November 2, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
النظام في الدولة الإسلاميـّة وغيرالاسلامية

 

النظام في الدولة الإسلاميـّة  وغيرالاسلامية

 






 

في أيّامنا هذه يوجد كما يقال ديمقراطيّات عريقة في العالم، ومن هذه الديمقراطيّات مثلاً بريطانيا، لكنّ بريطانيا ومن أجل مصالح إسرائيل مستعدّة أن تغيّر نظامها القضائيّ. والولايات المتّحدة الأميركيّة أيضاً تدَّعي أنّها حاملة شعار الحرّيات في العالم والديمقراطيّة وحقّ التعبير عن الرأي، ومع ذلك لا يجد الكونغرس الأميركيّ حرجاً من أن يأخذ قراراً ليُعاقب أصحاب الأقمار الصناعيّة التي تؤجِّر لبعض الفضائيّات العربيّة، لأنّ هذه الفضائيّات العربيّة تقول الحقيقة لشعوبها، حقيقة الاحتلال، والعدوان، حقيقة المشروع الأميركيّ، إنّهم يلعبون بالقانون ويبدّلون فيه على هواهم وأمزجتهم.
بعد ما ثُبِّت المبدأ بالدرجة الأولى جاء الإسلام ليقول بالدرجة الثانية إنّ النظام، والقانون، والشريعة، والسلطة التي تستطيع أن تحقّق الآمال والأهداف التي يُريدها الله للناس، إنَّما هي الحكومة - أو الدولة - التي تحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى. وهذا ما حصل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنوّرة عندما أقام دولة إسلاميّة، ثمّ اتسعت إلى مكّة وإلى شبه الجزيرة العربيّة.
لقد حكم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بدولة القانون، وليس بما ينسجم مع هواه ومشاعره وعواطفه.
أمّا القانون الإلهيّ فهو وحيٌ يوحى، ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾(1)، حتى لا يدخل إليه هوى ولا مزاج.
فإذا وجد المسلمون في بلد نظامه إسلاميّ عندها سيعيشون في ظل دولة إسلاميّة شرعيّة، يحضرون فيها ويتعاونون معها ويلتزمون بأنظمتها وقوانينها وأحكامها وإجراءاتها إلى آخره، فلا يعانون حينها مشكلةَ الإنضواء تحت حكم غير إسلامي.
أمّا إذا كان المسلمون تحت حكم غير إسلامي فيمكن فرض ثلاثة أنواع من الدول:
أ - بعض هذه البلدان بلدان إسلاميّة بالكامل، شعبها شعب مسلم، قد يكون هناك أقليّات دينيّة من غير المسلمين، لكنّ الطابع العامّ لهذا البلد هو إسلاميّ،وبالتالي يُمكن أن تقوم فيه دولة إسلاميّة.
ب - في بلد آخر قد يكون الطابع العامّ للبلد هو لغير المسلمين، والمسلمون فيه أقليّة أو جالية كما هو الحال في أميركا، وفرنسا وألمانيا وروسيا والبرازيل وغيرها...
ج - في بلد ثالث يكون هناك تواجد مختلط بين المسلمين والمسيحيّين وغيرهم، واتجاهات مختلفة وفيه خصوصيّة نتيجة التعدديّة والتنوّع، ولكن غير متاح فيه إقامة دولة إسلاميّة، وبالتالي تقوم فيه دولة غير إسلاميّة.

كيف يتصرّف المسلمون في هكذا دولة ؟

سواء في النوع الأوّل أم الثاني أم الثالث، حيث تكون الدولة موجودة والحكومة موجودة والأنظمة موجودة والقوانين موجودة إلّا أنّ القوانين والأنظمة غير إسلاميّة، قد تكون هذه الدولة مؤمنة بالله وتحترم قانون الأحوال الشخصيّة وتحترم الأديان والطوائف، وقد تكون الدولة ملحدة، تُنكر وجود الله في دستورها، لكن على المستوى القانونيّ هي تحكم بما تراه مناسباً، وهذه القوانين التي تضعها أحياناً قد تكون متطابقة مع الأحكام الإسلاميّة وأحياناً قد لا تكون متطابقة، وقد تكون متعارضة مع الأحكام الإسلاميّة. هذا من ابتلاءات العصر في الزمن الحاضر.
نحن كمسلمين إذا كنّا مهتمّين بحكم الإسلام والحكم الشرعيّ، وإذا كنّا معنيّين كمسلمين بتكليفنا الشرعيّ، وبموقف الإسلام وبأنّ ما نقوم به من عمل أو ترك، من انسجام وتعاون أو رفض وتمرّد، يجب أن يكون منسجماً مع الموقف الإسلاميّ، وبطبيعة الحال لدينا أسئلة تحتاج إلى إجابات، وبالفعل هذا من أهمّ التحدّيات المطروحة أمام الأحزاب الإسلاميّة، والحركات الإسلاميّة، والمسلمين في العالم العربيّ الإسلاميّ وحيث يتواجدون في كلّ أنحاء العالم.

أسئلة مهمـّة

أولاً: هل على المسلمين أن يشاركوا في الحكم في هكذا نظام سياسيّ أو لا؟ سواء كانت مشاركة على مستوى المجلس النيابيّ أي الدخول في الانتخابات النيابيّة، أم مشاركة في الحكومة بحيث يكون لهم كحركة إسلاميّة وزراء في حكومة أو بلد يحكمه نظام غير إسلاميّ؟
ثانياً: هل يجوز أن يشارك المسلمون بالوظائف والإدارات أم لا يجوز لهم ذلك؟ فالموظف أو المدير هو تنفيذيّ إجرائيّ، ولا يُعتبر أنّ له مشاركة سياسيّة، يعني أنّ المدراء العامّين، هم موظفون تحت أمر السلطة السياسيّة، فهذا عنوان آخر اسمه المشاركة في الإدارات والوظائف المختلفة لهذه الدولة.
ثالثاً: إنّ هذه الدولة تضع قوانين، سواء أكان القانون قد وضعته حكومة دولة عسكريّة حاكمة للبلد، أم مجلس نيابيّ منتخب. يوجد قوانين تنطبق على هذا البلد في مختلف الشؤون، تبدأ من التجارة، وقانون الدفاع، وقانون التربية والتعليم، وقانون الأمن، وقانون الجمارك، وقانون السير وقانون البناء الخ....
فالمسلم الذي يعيش في بلد تحكمه دولة غير إسلاميّة، كيف يتصرّف مع هذه القوانين المرعيّة الإجراء في إطار هذا البلد؟

المرجع في الشبهات

إنّ من نِعم الله سبحانه وتعالى على المسلمين، والتي يجب ذكرها وشكرها، هو وجود ــ في كلّ عصر وفي كلّ جيل - عدد من الفقهاء الكبار، مراجع الدين أو مراجع التقليد الكبار، وهم رجال أمضوا حياتهم وشبابهم في البحث العلميّ والاجتهاد والجدّ، وطلب العلم لسنوات طويلة، حتّى أصبح لديهم القدرة العلميّة القوّية التي تمكّنهم من اكتشاف أو استنباط أو استخراج الموقف الشرعيّ الإسلاميّ من الكتاب والسنّة، ومن الأدلّة الشرعيّة المعتمدة.
إذاً، لمعرفة موقف الإسلام لا يستطيع المرء أن يذهب إلى مثقف مسلم ليسأل موقف الإسلام بمسألة حسّاسة وجديدة، وتحتاج إلى بحث تخصّصيّ علميّ حقيقيّ. وإلّا يمكن أن يسمع مئة رأي ليس له علاقة بالإسلام، ففي الطبّ مثلاً يرجع الناس للأطباء، وفي الهندسة يرجعون للمهندسين، كذلك في الفقه طبعاً لا بدّ من مراجعة علماء الفقه المتخصّصين، ورد عن مولانا الصادق عليه السلام أنّه قال: "فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه"(2)، فمن واجب الإنسان الحريص على دينه وآخرته، على سلوكه الإيمانيّ والدينيّ والشرعيّ أن يعرف عمّن يأخذ معالم دينه، أي عن أهل الاختصاص، الفقهاء، الأمناء على حلال الله وحرامه، وليس الفقيه الجبان، أو الفقيه المتهوّر، أو الفقيه الذي يصوغ الفتوى على ضوء رغبات السلاطين أو هداياهم. بل عن الفقيه الذي يبحث عن الحقّ في الأدلّة الشرعيّة، هؤلاء هم الفقهاء العدول الأتقياء الأمناء.
الحمد لله أنّ هؤلاء الفقهاء موجودون في كلّ جيل، وفي كلّ زمان وفي كلّ عصر، ويُمكن الرجوع إليهم والسؤال منهم.
التعاطي مع القوانين في نوعٍ من هذه القوانين الإسلام قدّم رؤية واقعيّة متقدّمة جدّاً لم تُعالجها الأيديولوجيّات الأخرى.
الإسلام يعتبر أنّ الهدف والهمّ الحقيقيّ هو أنّ الناس، في أيّ مجتمع كان، يلزمهم حكومة ونظام لأجل حفظ مصالحهم، وأمنهم واستقرارهم، الإسلام يُريد للناس أن يتطوّروا، أن يحلّوا مشاكلهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة، أن لا يتنازعوا وأن لا يتقاتلوا، يُريد لهم أن ينظّموا حياتهم على أكمل وجه، هذا ما يُريده الإسلام يقول تعالى: ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾(3).
إذا توفّر هذا الأمر في دولة إسلاميّة فهذا عظيم، لكن في ظلّ عدم وجود دولة إسلاميّة، حيث يوجد قوانين لدى هذه الدولة غير الإسلاميّة، قوانين ترعى مصالح الناس وتنظّم شؤونهم الحياتيّة، وتؤّمن هذا الهدف بشكلٍ أو بآخر، هنا لا يعتبر الإسلام هذه القوانين غير محترمة، ولا يجب مراعاتها، لأنّ نتيجة هذا الأمر ستكون الفوضى، وهذا يُصبح خلاف الهدف الذي يُريده الإسلام.
إنّ الإسلام - بحسب اجتهاد الفقهاء والمراجع الكبار - قدّم فهماً ورؤيةً وتحدّث عن شيءٍ اسمه حفظ النظام العامّ، والمصالح العامّة للناس وللمجتمع، وعدم جوازالإخلال بالحياة العامّة والنظام العامّ والقوانين العامّة، التي ترعى شؤون الناس وحياتهم ومصالحهم.
وقد ترجم الفقهاء هذه الفكرة العامّة عبر فتاوى لهم، من خلال مخاطبة المؤمنين والمتديّنين الذين يراجعون هؤلاء المراجع ويسألونهم هل يجوز كذا وهل يجوز كذا... وإذا بالجواب هو: كلا، لا يجوز مخالفة النظام العامّ.
القوانين والأنظمة التي ترعى مصالح الناس، وحياتهم وشؤونهم وتُنظّمها وتُحافظ عليها وتُطورها، الموقف العامّ منها هو الاحترام والتعاون والتجاوب، ويصل الأمر في بعض الحالات في الفتوى بوجوب التزام هذا القانون، وبحرمة مخالفته.
هذا يدلّ على تطوّر وعلى فهمٍ راق، والإسلام الذي يستجيب لكلّ أسئلتنا وشؤوننا إلى قيام الساعة، يجمع بين الأصالة والثبات، وبين المرونة التي تراعي مقتضيات الزمان والمكان والظروف والأوضاع المختلفة.
المصادر :
1- النجم:3- 4.
2- الوسائل، ج 18، باب 10 من أبواب صفات القاضي، ح 20.
3- القصص:77.

 



 

 



نظرات کاربران
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.