عشرة شبهات حول المتعة

إنّ جمعاً ممّن لم يقف على حدود المتعة ولا على حقيقتها راحوا ينحتون شبهات واهية حول تحليل المتعة، ونحن نذكر تلكم الشبهات واحدة تلو الأُخرى حتّى يتّضح انّ التشريع الإلهي من أحكم التشريعات وأنصعها فلا يزول بهذه الشبهات التي هي أوهن من بيت العنكبوت.
Saturday, November 29, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
عشرة شبهات حول المتعة
 عشرة شبهات حول المتعة

 






 

إنّ جمعاً ممّن لم يقف على حدود المتعة ولا على حقيقتها راحوا ينحتون شبهات واهية حول تحليل المتعة، ونحن نذكر تلكم الشبهات واحدة تلو الأُخرى حتّى يتّضح انّ التشريع الإلهي من أحكم التشريعات وأنصعها فلا يزول بهذه الشبهات التي هي أوهن من بيت العنكبوت.

الشبهة الأُولى: المتعة وتكوين الأُسرة

الهدف من تشريع النكاح هو تكوين الأُسرة وإيجاد النسل وهو يختص بالنكاح الدائم دون المنقطع الذي لا يترتب عليه سوى استجابة للقوة الشهوية و صب الماء والسفح.
قال الدكتور الدريني: شرع النكاح في الإسلام لمقاصد أساسية قد نصّ عليها القرآن الكريم صراحة ترجع كلّها إلى تكوين الأُسرة الفاضلة التي تشكّل النواة الأُولى للمجتمع الإسلامي بخصائصه الذاتية من العفّة والطهر والولاية والنصرة والتكافل الاجتماعي، ثمّ يقول: إنّ اللّه إذ يربط الزواج بغريزة الجنس لم يكن ليقصد مجرد قضاء الشهوة، بل قصد أن يكون على النحو الذي يحقّق ذلك المقصد بخصائصه من تكوين الأُسرة التي شرع أحكامها التفصيلية في القرآن الكريم.
وعلى هذا فانّ الاستمتاع مجرداً عن الإنجاب وبناء الأُسرة، يحبط مقصد الشارع من كلّ أصل تشريع النكاح.

يلاحظ عليه بوجوه:

الأوّل: أنّ الأُستاذ خلط علّة التشريع ومناطه، بحكمته، فإنّ العلّة عبارة عمّـا يدور الحكم مدارها، يحدث الحكم بوجودها ويرتفع بارتفاعها، وهذا بخلاف الحكمة، فربّما يكون الحكم أوسع منها، وإليك توضيح الأمرين:
إذا قال الشارع اجتنب المسكر، فالسكر علّة وجوب الاجتناب بحجّة تعليق الحكم على ذلك العنوان، فما دام المائع مسكراً، له حكمه، فإذا انقلب إلى الخلّ يرتفع.
وأمّا إذا قال: ( والمُطَلَّقاتُ يَتَربَّصْنَ بأنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء ولا يَحِلُّ لَهُنَّ أن يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أرحامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤمِنَّ بِاللّهِ واليومِ الآخِرِ...).(1)
فالتربّص ـ لأجل تبيّـن وضع الرحم، وإنّها هل تحمل ولداً أو لا؟ حكمة الحكم، لا علّته، ولأجل ذلك نرى أنّ الحكم أوسع منها بشهادة أنّه يجب التربّص على من نعلم بعدم وجود حمل في رحمها.
1. كما إذا كانت عقيماً لا تلد أبداً.
2. إذا كان الرجل عقيماً.
3. إذا غاب عنها الزوج مدة طويلة كستة أشهر فما فوق، ونعلم بعدم وجود حمل في رحمها.
4. إذا تبيّن عن طريق إجراء التجارب الطبّية، خلوُ رحمها عنه.
ومع العلم بعدم وجود الحكمة في هذه الموارد فحكم الآية محكمة وإن لم تكن حكمة الحكم موجودة، وهذا لا ينافي ما توافقنا عليه من تبعية الأحكام للمصالح، فانّ المقصود منه هو وجود الملاكات في أغلب الموارد لا في جميعها.
إذا عرفت الفرق بين الحكمة والعلّة تقف على أنّ الأُستاذ خلط بين العلة والحكمة، فتكوين الأُسرة والإنجاب والتكافل الاجتماعي كلّها من قبيل الحِكَم بشهادة أنّ الشارع حكم بصحّة الزواج في موارد فاقدة لهذه الغاية.
1. يجوز زواج العقيم بالمرأة الولود.
2. يجوز زواج المرأة العقيم بالرجل المنْجِب.
3. يجوز نكاح اليائسة.
4. يجوز نكاح الصغيرة.
5. يجوز نكاح الشاب من الشابة مع العزم على عدم الإنجاب إلى آخر العمر.
أفيصح للأُستاذ أن يشطب على هذه الأنكحة بقلم عريض بحجّة افتقادها لتكوين الأُسرة؟!
على أنّ من الأُمور الواضحة هو أنّ أغلب المتزوّجين في سنّ الشباب بالزواج الدائم لا يقصدون إلاّ قضاء الوطر، واستيفاء اللذة من طريقها المشروع، ولا يخطر ببالهم طلب النسل، وإن كان يحصل لهم قهراً.
الثاني: يجب على الأُستاذ التفصيل بين من يتزوّج متعة لغاية الإنجاب وتشكيل الأُسرة بخصائصها الذاتية من العفّة، والطهر، والولاية، والنصرة، والتكافل الاجتماعي، وبين من يتزوّج لقضاء الوطر، ودفع الشهوة بهذا الطريق، فيُحرّم الثانية دون الأُولى، وأمّا إنّه لماذا يتزوّج زواجاً مؤقتاً للإنجاب وتشكيل الأُسرة؟ فلأجل وجود بعض التسهيلات في المؤقت دون الدائم.
إنّ الأُستاذ كأكثر من كتب عن المتعة من أهل السنّة، يتعامل مع المتمتع بها معاملة الغانيات المفتوحة أبوابهنّ، يدخل عليهنّ في كل يوم رجل ويجتمع معهنّ ذلك اليوم ثم يفارق ويأتي رجل آخر بهذه الخصوصية. فلو كان هذا معنى التمتّع بالمرأة والزواج المؤقت، فالشيعة الإمامية بريئون من هذا التشريع الذي يرادف الزنا إلاّ في التسمية. ولكن المتعة تفارق ذلك مائة بالمائة، فربّما يكون هناك نساء توفّـي عنهنّ أزواجهنّ ولهنّ جمالهنّ وكمالهنّ، وربّما لا يتمكّن الرجل من الزواج الدائم لمشاكل اجتماعية، ومع ذلك يرغب إلى هذه الطبقة من النساء فيتزوّجها طالباً بها رفع العنت أوّلاً وتشكيل الأُسرة بمالها من الخصوصيات ثانياً.
والحق أنّ ما اختمر في ذهن الكاتب وغيره من المتعة أشبه بالنساء المبذولات في بيوت خاصة، ومحلاّت معيّنة فمثل ذلك لا يمكن أن تُضفى عليه المشروعية، غير أنّ المتعة الشرعية غير ذلك، وربّما يتوقّف التزوّج بهنّ على طي عقبات، فيشترط فيها ما يشترط في الدائم، ويفارق الدائم بأُمور أوضحها: الطلاق والنفقة.
وأمّا التوارث فيتوارثان بالاشتراط على الأقوى، ومثل ذلك يلازم الغايات المطلوبة للنكاح غالباً.
والحق أنّ الغاية القصوى في كل مورد رخّص فيه الشارع العلاقة الجنسية بعامّة أقسامها حتى ملك اليمين وتحليل الإماء في بعض المذاهب الفقهيّة هو صيانة النفس عن الوقوع في الزنا والسفاح. وأمّا سائر الغايات من تشكيل الأُسرة، و التكافل الاجتماعي، فإنّما هي غايات ثانوية تحصل بالنتيجة سواء توخّاها الزوجان أم لا.
والغاية القصوى موجودة في الزواج المؤقت، وأنّ الهدف من تشريعه هو صيانة النفس عن الحرام لمن لا يتمكّن من الزواج الدائم، ولأجل ذلك استفاض عن ابن عباس قوله: «يرحم اللّه عمر ما كانت المتعة إلاّ رحمة من اللّه رحم بها أُمّة محمد ولولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلاّ شقيّ». (2) وروي النص باختلاف طفيف عن عليّ ـ عليه السَّلام ـ أيضاً.(3)
إنّ قوله سبحانه: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلهِ...) (4) دليل على أنّ الغاية من تجويز النكاح، والنهي عن الرهبانية هو صيانة النفس عن الفحشاء ودفعها إلى التعفّف، وهذه الغاية كما عرفت موجودة في جميع الأنكحة والعلاقات الجنسية من الزواج الدائم إلى الزواج المؤقّت إلى ملك اليمين إلى تحليل الإماء بشروطها المقرّرة في الفقه.

الشبهة الثانية المتعة خارجة عن الحصر المحلل

انّه سبحانه أمر بحفظ الفروج إلاّ في موردين و قال: (وَالّذينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظُونَ* إِلاّ على أَزواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيرُ مَلُومِين *فَمَنِ ابتغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُون)(5) والمراد من قوله فمن ابتغى هم المتجاوزون عمّا أحله اللّه لهم إلى ما حرمه عليهم، والمرأة المتمتع بها ليست زوجة ليكون لها على الرجل مثل الذي له عليها بالمعروف.(6)
يلاحظ عليه: أنّ المستشكل لم يدرس حقيقة المتعة إلاّ بما دارت على الألسن من تشبيه المتعة بالنساء المبتذلات في بيوت خاصة ومحلات معينة، ومن المعلوم انّ مثل هذه المرأة غير داخلة في قوله : (إِلاّ على أزواجهم).
وأمّا المتمتع بها فهي زوجة حقيقة لا تحل بلا عقد ولا تحرم إلاّ بانقضاء الأجل ويجب عليها الاعتداد بعد الفراق، كما تقدّم عند شرح نبذ من أحكامها إلى غير ذلك من الأحكام المذكورة فمثل ذلك داخل في قوله :( إلاّ على أزواجهم).
نسأل القائل إذا صحّ ما يقوله من أنّها ليست زوجة فكيف أحلّها الذكرالحكيم والرسول الكريم في غير موقف من المواقف؟ فهل يتوهم انّه سبحانه أحلّ الفحشاء أو انّ نبيه دعا أصحابه إليها، وهو القائل سبحانه:(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ)(7) كلّ ذلك يبعث الباحث إلى القول بأنّ المتمتع بها زوجة بلا شك.
نحن نسأل القائل عن الزوجين اللّذين يتزوجان نكاحَ دوام ولكن ينويان الفراق بالطلاق بعد سنة. فهل هذا نكاح صحيح أو لا؟ لا أظن أنّ فقيهاً من فقهاء الإسلام يمنع ذلك إلاّ إذا أفتى بغير دليل ولا برهان، فأي فرق يكون حينئذ بين المتعة وهذا النكاح الدائم سوى أنّ المدّة مذكورة في الأوّل دون الثاني؟
يقول صاحب المنار: إنّ تشديد علماء السلف والخلف في منع المتعة يقتضي منع النكاح بنيّة الطلاق، وإن كان الفقهاء يقولون إنّ عقد النكاح يكون صحيحاً إذا نوى الزوج التوقيت ولم يشترطه في صيغة العقد، ولكن كتمانه إيّاه يعدّ خداعاً وغشّاً وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت .(8)
أقول: نحن نفترض أنّ الزوجين رضيا بالتوقيت لبّاً، حتى لا يكون هناك خداع وغشّ، فهو صحيح بلا إشكال.

الشبهة الثالثة لو كانت زوجة فلماذا لا ينفق عليها ولا ترث؟

إنّ المرأة المتمتع بها ليست أمة كما هو واضح ولا زوجة لعدم ترتّب آثار عقد النكاح الصحيح عليها كالنفقة والإرث والطلاق وقد استدلّ به غير واحد من المانعين ونقلها الرازي في تفسيره عنهم فقال:
وهذه المرأة لا شكّ انّها ليست مملوكة ولا زوجة، ويدلّ عليه أنّها لو كانت زوجة لحصل التوارث بينهما لقوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْف ما تَرك أَزواجكُم) بالاتفاق لا توارث بينهما، وثانياً لثبت النسب لقوله عليه الصلاة والسلام: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وبالاتفاق لا يثبت، ثالثاً ولوجبت العدة عليها لقوله تعالى: (وَالّذينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزوَاجاً يَتَرَبَّصْن بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعةَ أَشْهُر وَعَشْراً).(9)
يلاحظ عليه: بأنّ المستدلّ خلط آثار الشيء بمقوماته، فالذي يضرّ هو فقدان المقوماتلا بعض الآثار، فانّ النكاح رابطة وعلقة بين الزوجين، كما أنّ البيع رابطة بين المالين، فالذي يجب وجوده هو ما جاء في التعريف من وجود الزوجين، أو وجود المالين، وأمّا ما وراء ذلك فإنّما هي آثار ربّما تترتّب ، وربّما تتخلّف، فقد ذكر من آثار النكاح: النفقة، والإرث، والطلاق. وزعم أنّ فقدان واحد منها يوجب فقدان حقيقة النكاح، ولكنّ الأمر ليس كذلك، بشهادة الموارد التالية التي تفقد الآثار ولا تَفقد حقيقة النكاح:
1. الزوجة الناشزة لا تجب نفقتها مع أنّها زوجة.
2. الزوجة الصغيرة زوجة ولا تجب نفقتها.
3. الزوجة القاتلة لا ترث الزوج مع أنّها زوجة.
4. الزوجة المسلمة زوجة ولا ترث زوجها الكافر عند أهل السنّة.
5. الزوجة المجنونة وغيرها من ذوي العاهات تفارق بلا طلاق قال الخرقي في متن المغني: «وأي الزوجين وجد بصاحبه جنوناً أو جذاماً أو برصاً أو كانت المرأة رتقاء أو قرناء أو عفلاء أو فتقاء أو الرجل مجنوناً فلمن وجد ذلك منهما بصاحبه الخيار في فسخ النكاح» (10) أي تبين بلا طلاق.
إلى غير ذلك من الموارد التي يبين فيها الزوجان بلا طلاق ممّا ذكره الفقهاء في مجوّزات الفسخ.
6. الزوجة التي باهلها الزوج تبين بلا طلاق.
وأمّا الاعتداد فقد مرّ انّها تعتدّ بعد انقضاء الأجل وعند موت الزوج.
ولا أدري من أين يقول إنّها لا تثبت النسب، إذ لا فرق بين النكاحين في موارد ثبوت النسب.
وقال السدّي ـ أحد التابعين ـ في تعريفه نكاح المتعة: الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمّى ويشهد شاهدان، وينكح بإذن وليّها، وإذا انقضت المدّة فليس له عليها سبيل، وهي منه بريئة وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث.(11)
و كان على الباحث أن يدرس مقوّمات الموضوع ويميّزها عن آثارها، وعلى ذلك فالمتمتّع بها داخلة في قوله: (إلاّ على أزواجهم) بلا إشكال. و يترتّب على عقدها آثار خاصة وإن كان يفقد بعض آثار النكاح الدائم.

الشبهة الرابعة لو كانت جائزة لما أمرَ بنكاح الإماء والاستعفاف

لو كان نكاح المتعة زواجاً صحيحاً ونكاحاً مطابقاً للأُصول فلماذا أمر اللّه تعالى بالاستعفاف، وقال: (وَلْيَسْتَعْفِف الَّذينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغنيهم اللّه مِنْ فَضْلِهِ)(12) لأنّ أعباء الاستمتاع وتكاليفه سهلة ميسورة فلا حاجة إذن إلى الأمر بالاستعفاف، وهذا دليل على أنّه ليس للمسلم إلاّ طريق واحد وهو النكاح أو الاستعفاف؟
يلاحظ عليه: أنّ الكاتب خلط بين النساء المتعفّفات، والمبتذلات في النوادي والفنادق وبيوت الدعارة، وقد عرفت أنّ كثيراً من النساء لعلوّ طبعهنّ لا يخضعن للمتعة وإن كانت حلالاً، إذ ليس كل حلال مرغوباً عند الكل، ولأجل ذلك تصل النوبة إلى الاستعفاف وربما لا يجد الشاب نكاحاً مؤقتاً ولا دائماً.
لو كانت المتعة جائزة لما وصلت النوبة إلى نكاح الإماء مع أنّه سبحانه قيّد نكاحهن بعدم الاستطاعة على نكاح الحرائر دائماً أو منقطعاً حسب الفرض و قال: (ومَنْ لَم يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أن يَنْكِحَ المُحْصَناتِ المُؤمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أيْمانُكُم مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤمِنات )(13) لأنّ في نكاح المتعة مندوحة عن ذلك كلّه، لو كان جائزاً.
يقول الأُستاذ مصطفى الرافعي: فلو كانت المتعة جائزة على الإطلاق لما كانت ثمة حاجة ـ كما يقول المانعون ـ إلى نكاح الأمة.(14)
يلاحظ عليه: أنّ هذه الشبهة نظير ما سبق من الشبهة والجواب عن الجميع واحد، ومصدرهما الذهنيّة الخاطئة بالنسبة إلى المتعة، وتصور انّ المرأة المتمتع بها لا تختلف عن النساء المبتذلات اللاتي يعرضن أنفسهن في النوادي والفنادق و بيوت الدعارة، فانّ الالتذاذ بهن يُغني عن نكاح الإماء وما أكثرها في تلك البيوت.
ولكن المتمتع بهنّ ـ يا أُستاذ ـ حرائر عفاف لا صلة بينهن و بين المتواجدات في دمن الفحشاء.
إنّ إغناء نكاح المتعة عن نكاح الإماء، رجم بالغيب، إذ ليس بالوفرة التي يتخيّلها الكاتب حتّى يُستغنى بها عن نكاح الإماء، فانّ كثيراً من النساء الثيّبات تأبى نفوسهنّ عن العقد المنقطع ، فضلاً عن الأبكار، فليس للشارع إلاّ فتح طريق ثالث ـ وراء النكاح الدائم والمنقطع ـ و هو نكاح الإماء عند عدم الطول و خوف العنت.

الشبهة الخامسة اندراج المتعة ضمن السفاح

وقد بلغ تجرّؤ بعض الكتّاب من المعاصرين إلى حدّ ألحقه بالسفاح و قال: ولطالما نهى القرآن عن السفاح، و حرّمه تحريماً قاطعاً، وحاسماً بالنسبة إلى الرجال والنساء على السواء ودعا إلى النكاح المشروع الدائم ورغّب فيه.(15)
يلاحظ عليه: أنّ المسلمين عامة أصفقوا على أنّ نبي الإسلام أحلّ المتعة في فترة سواء أكانت في فتح خيبر، أم فتح مكة، أم غيرهما، ولو افترضنا انّ المتعة داخلة تحت السفاح، يكون معنى ذلك انّ الشريعة الإسلامية أمرت بالزنا والسفاح، ونزل الوحي السماوي على تشريعه، ولا أظن مسلماً على أديم الأرض يتفوّه بذلك، فانّ معناه انّ اللّه ورسوله أمر بالفحشاء مع(إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون).(16)
والمسلم المؤمن بالحسن والقبح والعارف بمقاصد الشريعة لا يخطر بباله انّه سبحانه جوّز الزنا للمسلمين في فترة من الزمن وأمر بالقبح مكان الأمر بالحُسْن، كلّ ذلك يفرض علينا أن ندرس المتعة من جديد حتّى نقف على حدودها وشرائطها وأحكامها، وعندئذ يتجلّى الحقّ بأجلى مظاهره، ولا يبقى شكّ في أنّ نكاح المتعة، لا يفترق عن النكاح الدائم في الماهية والحقيقة وإن كانا يفترقان في بعض الأحكام، نظير نكاح الاماء، الذي ندب إليه الوحي، بقوله: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِنات...).(17) فنكاح الإماء لا يفترق عن نكاح الحرائر جوهراً وحقيقة، وإن افترقا في بعض الأحكام الشرعية.
ولو انّ الكاتب أمعن في أحكام المتعة التي تقدم الحديث عنها في صدر الرسالة، لأذعن بأنّ بين نكاح المتعة والسفاح فرقاً شاسعاً فانّ متعة النكاح من المسائل الفقهية الفرعية التي اختلفت أنظار الفقهاء في استمرار حلّيتها لا أصلها كسائر المسائل الفقهية المختلف فيها، فعندئذ يطرح هذا السؤال وهو: ما هذا الصخب الذي أُثير حول هذه المسألة، وما هو السبب لرشق السهام في حلبة القائلين بالحلية؟ أو ليس من الأفضل أن نمرّ على هذه المسألة كسائر المسائل الفقهية من دون تفسيق وتكفير، ومع الأسف الشديد صارت المسألة من المسائل التي تُشهّر بها طائفة من المسلمين ويُطعن عليها لقولهم بحليّتها، وليس القول بحليتها من خصائص تلك الطائفة فحسب، بل سبقهم إليه لفيف من الصحابة والتابعين في عصر تضاربت فيه الأقوال، وقد تقدّمت أسماؤهم.
وأظن ـ و ظن الألمعي صواب ـ انّ وراء هذا الهياج والضوضاء، خلفيات سياسية تتلخص في تبرير عمل الخليفة الثاني الذي قام بتحريم متعة النكاح كمتعة الحج، فحرّم ما أحله اللّه تبارك و تعالى.
ولما كان هذا الأمر ثقيلاً في ميزان العدل، راح رجال من هنا و هناك بنحت شبهات حول الحلية ليسهل تعاطي الحرمة التي فرضها الخليفة على مثل هذا النكاح.
هب انّهم بررّوا عمل الخليفة وموقفه حيال هذه المسألة فبماذا يبررّون العديد من المواقف التي اتّخذها الخليفة قبال النص؟! مثلاً: حكم على الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد بلا تخلّل العدة والرجوع، بأنّها تُحسبُ تطليقات ثلاث خلافاً لنصّ الكتاب والسنّة، وقد وقف الخليفة على مضاعفات عمله بعد ما بلغ السيلُ الزبى.
والفقيه الموضوعي يجعل الكتاب والسنّة قدوة لفتياه من دون أن يتّخذ موقفاً مسبقاً في مسألة حتّى يسهل له الوصول إلى الحق.

الشبهة السادسة المتمتع يقصد السفح لا الإحصان

إنّ المتمتّع في النكاح المؤقت لا يقصد الإحصان دون المسافحة، بل يكون قصده مسافحة، فإن كان هناك نوع ما من إحصان نفسه ومنعها من التنقّل في دِمنِ الزنا، فإنّه لا يكون فيه شيء ما من إحصان المرأة التي تؤجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل فتكون كما قيل:

كرة حُذِفْت بصوالجة * فتلقّفها رجل رجـل(18)

يلاحظ عليه: أنّه من أين وقف على أنّ الإحصان في النكاح المؤقّت يختص بالرجل دون المرأة، فإنّا إذا افترضنا كون العقد شرعياً، فكل واحد من الطرفين يُحصن نفسه من هذا الطريق، وإلاّ فلا محيص عن التنقل في دمن الزنا. والذي يصون الفتى والفتاة عن البغي أحد الأُمور الثلاثة:
1. النكاح الدائم، 2. النكاح المؤقّت بالشروط الماضية، 3. كبت الشهوة الجنسية.
فالأوّل ربّما يكون غير ميسور خصوصاً للطالب والطالبة اللّذين يعيشان بِمِنَح ورواتب مختصرة يجريها عليهما الوالدان أو الحكومة، و الثالث أي كبت الشهوة الجنسية أمر شاق لا يتحمّله إلاّ الأمثل فالأمثل من الشباب، والمثلى من النساء، وهم قليلون، فلم يبق إلاّ الطريق الثاني، فيُحصنان نفسهما عن التنقّل في بيوت الدعارة.
إنّ الدين الإسلامي هو الدين الخاتم، ونبيّه خاتم الأنبياء، وكتابه خاتم الكتب، وشريعته خاتمة الشرائع، فلابدّ أن يضع لكل مشكلة اجتماعية حلولاً شرعية، يصون بها كرامة المؤمن والمؤمنة، وما المشكلة الجنسية عند الرجل والمرأة إلاّ إحدى هذه النواحي التي لا يمكن للدين الإسلامي أن يهملها، وعندئذ يطرح هذا السؤال نفسه:
ماذا يفعل هؤلاء الطلبة والطالبات الذين لا يستطيعون القيام بالنكاح الدائم، وتمنعهم كرامتهم ودينهم عن التنقّل في بيوت الدعارة والفساد، والحياة المادية بجمالها تؤجّج نار الشهوة في نفوسهم؟ فمن المستحيل عادة أن يصون نفسه أحد إلاّ من عصمه اللّه، فلم يبق طريق إلاّ زواج المتعة، الذي يشكّل الحل الأنجح لتلافي الوقوع في الزنا، وتبقى كلمة الإمام علي بن أبي طالب ترنّ في الآذان محذّرة من تفاقم هذا الأمر عند إهمال العلاج الذي وصفه المشرّع الحكيم له، حيث قال ـ عليه السَّلام ـ : «لولا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلاّ شقي أو شقيّة».
وأمّا تشبيه المتعة بما جاء في الشعر فهو يعرب عن جهل الشاعر ومن استشهد به بحقيقة نكاح المتعة وحدودها، فإنّ ما جاء فيه هي المتعة الدورية التي ينسبها الرجل(19) إلى الشيعة، وهم براء من هذا الإفك، إذ يجب على المتمتّع بها بعد انتهاء المدّة الاعتداد على ما ذكرنا، فكيف يمكن أن تؤجّر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل؟! سبحان اللّه ما أجرأهم على الكذب على الشيعة والفرية عليهم، وما مضمون الشعر إلاّ إطاحة بالوحي والتشريع الإلهي، وقد اتّفقت كلمة المحدّثين والمفسّـرين على التشريع، وأنّه لو كان هناك نهي أو نسخ فإنّما هو بعد التشريع والعمل.

الشبهة السابعة نسخ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ حلية المتعة

لقد وقفت على دلالة الكتاب في تحليل المتعة ومكانتها في السنّة النبوية، وذهاب جمع من الصحابة إلى حليتها بعد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، فلا منتدح إلاّ الأخذ بما ورد في الكتاب والسنة كما وقفت على شبهاتهم مُهَلْهَلة النسْج لا أساس لها في الواقع والتي حيكت لأغراض خاصة.
بقيت هنا شبهة أُخرى و هي العمدة في تحريمها عند الفقهاء حيث قالوا: إنّ حلّية المتعة منسوخة نسخها النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ مستدلّين بأحاديث تصل إلى لفيف من الصحابة، منهم:

1. سلمة بن الأكوع

أخرج مسلم عن أياس بن سلمة، عن أبيه قال: رخّص رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثمّ نهى عنها.(20) وعام أوطاس هو عام الفتح (السنة الثامنة من الهجرة) وأوطاس واد بديار هوازن.

2. سبرة بن معد الجهني

أخرج مسلم عن سبرة انّه قال: أذن لنا رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بالمتعة فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر كأنّها بكرة عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا فقالت: ما تعطي؟ فقلت: ردائي وقال صاحبي: ردائي، و كان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشبُّ منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها وإذا نظرت إليّ أعجبتُها، ثمّ قالت: أنت ورداؤك يكفيني، فمكثت معها ثلاثاً، ثمّ إنّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قال: من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخلّ سبيلها.(21)
وقد أخرج مسلم عن الربيع بن سبرة عن أبيه سبرة هذا الحديث بألفاظ مختلفة تصل طرقها إلى عشرة، وربما يظن الغافل انّها روايات عشر مع أنّها رواية واحدة بطرق مختلفة تصل إلى شخص واحد وهو سبرة بن معد الجهني، وسيوافيك وجود الاختلاف فيما روي عنه على نحو يسقطها عن الاعتبار.

3. ابن مسعود

أخرج عبد الرزاق و ابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود، قال: المتعة منسوخة نسخها الطلاق والصدقة والعدة والميراث.(22)
والرواية مكذوبة على لسان ابن مسعود، وقد مرّ انّه أحد القائلين بحلية المتعة مستشهداً بآية تحريم الطيبات(23) ثمّ كيف خفى عليه انّ انتفاء بعض الأحكام في مورد المتعة يعد تخصيصاً للعموم ولا يعد الثاني نسخاً لحلية المتعة؟ثم كيف تنسخها آية العدّة مع أنّ على المتمتع بها، عدة الفراق والوفاة كما سلف.

4. أبو ذر

أخرج البيهقي عن أبي ذر، قال: إنّما أحلت لأصحاب رسول اللّه متعة النساء ثلاثة أيّام نهى عنها رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .(24)

5. ابن عباس

أخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والنحاس من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله: (فَما استمتعتم به منهنّ فآتوهُنّ أُجورهن فريضة)قال: نسختها (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)، (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)، (واللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُر).
إنّ حبر الأُمّة، تلميذ الإمام علي ـ عليه السَّلام ـ أعرف بكتاب اللّه و سنّة رسوله وكيف تنسخ ما شرعه كتابه سبحانه، بهذه الآيات، مع أنّ المتمتع بها ممّن كتب عليها العدة؟!(25)

6. علي بن أبي طالب

أخرج مسلم عن يحيى بن يحيى بسند يتصل إلى عبد اللّه والحسن ابني محمد بن علي(الحنفية)،عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب انّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية.(26)
أخرج مسلم بهذا السند عن علي انّه سمع ابن عباس يليّن في متعة النساء،فقال: مهلاً يابن عباس فانّ رسول اللّه نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية.(27) والحديثان مكذوبان على الإمام، كيف وهو و بيته الرفيع ممّن ينادون باستمرار الحلية وقد خلا الخافقين كلامه: لولا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلاّ شقي؟!

7. عمر بن الخطاب

أخرج البيهقي عن عمر انّه خطب فقال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة و قد نهى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ عنها، لا أوتى بأحد نكحها إلاّ رجمته.(28)
يلاحظ على هذه الشبهة ـ وراء ما عرفت في ضمن النقل ـ بأُمور:

الأوّل: وجود التعارض بين الروايات

لو افترضنا صحّة الاحتجاج بهذه الروايات على أنّها نسخت نكاح المتعة لكن هناك روايات صحيحة رواها مسلم في صحيحه تدلّ على استمرار الحلية تصل إلى بعض الصحابة، منهم:

1. جابر بن عبد اللّه

1. أخرج مسلم عن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: كنّا نستمتع بالقَبْضَة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وأبي بكر حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث.(29)
2. أخرج مسلم عن ابن نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد اللّه فأتاه آت فقال ابن عباس و ابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول اللّه ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما.(30)

2. عبداللّه بن مسعود

كنّا نغزو مع رسول اللّه وليس معنا نساؤنا فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ورخّص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبداللّه(يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا تُحرّمُوا طَيّبات ما أَحلّ اللّه لَكُمْ).(31)

3. عبد اللّه بن عمر

أخرج الترمذي: انّ رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء، فقال: هي حلال، فقال: إنّ أباك قد نهى عنها، فقال ابن عمر: أرأيت إن كان أبي قد نهى عنها وقد سنّها رسول اللّه، أنترك السنة ونتبع قول أبي؟!(32)

4. عبد اللّه بن العباس

وقد مضت رواياته وسيوافيك بعض من تمتع من الصحابة في عصر الخليفة غير مبال لتهديده وتخويفه.
إلى غير ذلك من صحاح الروايات التي مرت ومع وجود هذا التعارض تسقط الروايات من كلا الجانبين ويكون المرجع هو كتاب اللّه العزيز فهو راسخ كالجبل الشامخ فما لم يثبت النسخ فعلى الفقيه الرجوع إلى كتاب اللّه لحسم الموقف.

الثاني: التعارض في الروايات الحاكية للتحريم

إنّ في نفس الروايات الحاكية للتحريم تعارضاً في زمان التحريم ومكانه وعدده واضطراباً شديداً ولأجل إيقاف القارئ على وجوه الاضطراب نذكر ما ورد في ذلك.

أ. التحريم في خيبر

أخرج مالك وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن علي انّ رسول اللّه نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية.(33)

ب. التحريم في أرض هوازن

أخرج مسلم عن أياس بن سلمة عن أبيه قال: رخص لنا رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثمّ نهى عنها.(34) وقد أقام النبي في مكة المكرمة العشر الأواخر من شهر رمضان وأياماً من شهر شوال ثمّ غادر مكة إلى هوازن، وعلى ذلك فقد استغرق التحليل والتحريم بعد الفتح ثلاثة أيّام في أرض أوطاس، وهو واد بديار هوازن ولم يكن أي تحليل وتحريم في أرض مكة.

ج. التحريم في أرض مكة

أخرج مسلم عن سبرة انّه غزا مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فتح مكة قال: فأقمنا بها خمس عشرة(ثلاثين بين ليلة ويوم) فأذن لنا رسول اللّه في متعة النساء فخرجت أنا ورجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال وهو قريب من الدمامة، إلى أن قال:
حتّى إذا كنّا بأسفل مكة أو بأعلاها فتلقتنا فتاة مثل البكرة ـ إلى أن قال: ـ ثمّ استمتعت منها فلم أخرج حتّى حرمها رسول اللّه.
وفي رواية أُخرى عنه: أمرنا رسول اللّه بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثمّ لم نخرج منها حتّى نهانا عنها.(35)
فأين التحريم في غزوة خيبر التي وقعت في أوائل السنة السابعة من الهجرة من التحريم في أرض أوطاس في الغزوة التي وقعت في العشر الثاني من شهر شوال من العام الثامن أو من التحريم في أرض مكة التي دخلها رسول اللّه في الثامن عشر من شهر رمضان وخرج منها بعد مضي قرابة عشرين يوماً.
فلا يمكن الركون إلى هذه الروايات المتعارضة.

الثالث: خلو حديث الرسول عن التحريم في المواقف المذكورة

إنّ من تتبع كلمات الرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في المواقف المذكورة لم يجد أيّ أثر للتحريم، امّا غزوة خيبر فقد كان مسير الرسول إليها في شهر محرم الحرام ولا نجد في كتب السيرة أي تصريح للنبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ حول المتعة ، على أنّ المتعة تختص بالحرائر وأمّا سبايا خيبر فمقتضى الحال انّهم كانوا إماء للمسلمين فكيف يحلّل النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ التمتع بالإماء اللواتي هن ملك يمين؟! يقول سبحانه: (وَالّذينَ هُمْ لِفُرُوجهِمْ حافِظُونَ*إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومين).(36)
ومن سبر كتب السير لم يجد في كلمات الرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أي أثر من تحريم المتعة .
وإليك بعض كلامه في خيبر:
روى ابن إسحاق عن حنش الصنعاني، قال: غزونا مع رُويفع بن ثابت
الأنصاري المغرب فافتتح قرية من قُرى المغرب يقال لها جِربة، فقام فينا خطيباً، فقال: يا أيّها الناس إنّي لا أقول فيكم إلاّ ما سمعت من رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يقوله فينا يوم خيبر، قام فينا رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فقال:
لا يحل لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسقي ماؤه زرع غيره، يعني إتيان الحبالى من السبايا حتّى يستبرئها، ولا يحلّ لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتّى يستبرئها، ولا يحلّ لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتّى يقسم، ولا يحل لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتّى إذا أعجفها ردها فيه، ولا يحل لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتّى إذا أخلقه رده فيه.(37)
والمكان المناسب لتحريم المتعة هو هذا الموضع من كلامه ولا نرى فيه أثراً لتحريم المتعة .
يقول ابن القيم:«وقصة خيبر لم يكن الصحابة يتمتعون باليهوديات، ولا استأذنوا في ذلك رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة، ولا كان للمتعة فيها ذكر ألبتة لا فعلاً ولا تحريماً، فانّ خيبر لم يكن فيها مسلمات وإنّما كنّ يهوديّات، وإباحة نساء أهل الكتاب لم يكن ثبت بعدُ. وإنّما ابَحْن بعدُ.(38)
وأمّا فتح مكة فقد ذكر أهل السير خطبة النبي وانّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قام على باب الكعبة فقال: لاإله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده إلى آخر الخطبة التي جاء في آخرها: اذهبوا فأنتم الطلقاء.(39) فأين حلّل المتعة وأين حرّمها؟! أو ليس جديراً بالنبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أن يقول على رؤوس الاشهاد بأنّ ما حلله صار حراماً وأفضل المواقف لهذه الأُمور حين إلقاء الخطب.
والعجب انّ الرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ خطب في حجّة الوداع وذكر فيها النساء ولم يذكر شيئاً لا من تحريم المتعة ولا تحليلها: فقال: أمّا بعد، أيّها الناس فانّ لكم على نسائكم حقاً ولهن عليكم حقّاً، لكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فانّ اللّه قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً فانّهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنّكم إنما أخذتموهن بأمانة اللّه واستحللتم فروجهن بكلمات اللّه، فاعقلوا أيّها الناس قولي فإنّي قد بلغت.(40)

الرابع: اضطراب كلماتهم في زمان التحريم

ما ذكر من التعارض في زمان التحليل والتحريم ومكانهما يرجع إلى خصوص ما رواه مسلم في صحيحه وأمّا اختلاف فقهاء السنة في تحليلها وتحريمها عدداً وزماناً ومكاناً فحدِّث عنه ولا حرج فقد ذكر النووي تفصيلها ونحن نذكر ملخصه:

1. أُحلت وحُرّمت في غزوة خيبر. رووه عن علي ـ عليه السَّلام ـ .
2. ما حُلّت إلاّ في عمرة القضاء وهو المروي عن الحسن البصري. وروى هذا عن سبرة الجهني.
3. أُحلّت وحرمت يوم الفتح وهو المروي عن سبرة الجهني أيضاً.
4. نهى عنها النبي في غزوة تبوك كما في رواية إسحاق بن راشد عن الزهري....
5. أباحها يوم أوطاس.
6. أباحها يوم حجة الوداع.

هذه الأقوال نقلها النووي في شرحه على صحيح مسلم وناقش في بعضها ثمّ قال: إنّ الذي جرى في حجّة الوداع مجرّد النهي كما جاء في غير رواية ويكون تجديده ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ النهي عنها يومئذ لاجتماع الناس و ليبلغ الشاهد الغائب ولتمام الدين وتقرر الشريعة كما قرر غير شيء و بين الحلال والحرام يومئذ وبتَّ تحريم المتعة حينئذ لقوله إلى يوم القيامة.(41)
وقدعزب عن النووي انّه لو صحّ ما ذكره أخيراً كان الأنسب أن يُنهى عن هذا الأمر الهام عند إيراد الخطبة في حجّة الوداع في ذلك المحتشد العظيم الذي لم ير مثله إلاّ في الغدير عندما أوصى بالنساء و قال: فانّ لكم على نسائكم حقّاً...
وقد عرفت أنّه ليس هناك أيّ أثر من التحريم في ذلك الموقف العظيم.
وقال ابن قدامة: اختلف أهل العلم في الجمع بين هذين الخبرين ـ تحريم المتعة يوم خيبر و في فتح مكة ـ فقال قوم في حديث علي (نهى عن متعة النساء يوم خيبر و عن لحوم الحمر الأهلية) تقديم وتأخير، وتقديره: انّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، ونهى عن متعة النساء ولم يذكر ميقات النهي عنها، و قد بيّنه الربيع بن سبرة حديثه انّه كان في حجة الوداع ،لأنّه قال : اشهد على أبي انّه حدّث أنّ النبي نهى عن المتعة في حجة الوداع.
وقال الشافعي: لا أعلم شيئاً أحلّ اللّه ثمّ حرمه، ثمّ أحلّه، ثمّ حرمه، إلاّ المتعة فحمل الأمر على ظاهره، وانّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ حرمها يوم خيبر ثمّ أباحها في حجة الوداع ثلاثة أيام ثم حرمها.(42)
إنّ التشريع بهذا المنوال، أشبه بتقنين إنسان غير عالم بعواقب الأُمور، غير محيط بمصالحها ومفاسدها، فيحكم وينقض من دون تروّ وتفكير، ونبيّ الإسلام هو نبيّ العظمة والقداسة قد أُوتي من العلم ما لم يؤت أحد من العالمين قال سبحانه: (و كان فضل اللّه عليك عظيما)(43) و نجلّ ساحته من التشريع الأشبه بالتلاعب بالأحكام.
وقال ابن حجر في «فتح الباري»: قال السهيلي: وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة، فأغربُ ما روي في ذلك، رواية من قال في غزوة تبوك، ثمّ رواية الحسن انّ ذلك كان في عمرة القضاء، والمشهور في تحريمها إنّ ذلك كان في غزوة الفتح كما أخرجه مسلم من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه، و في رواية عن الربيع أخرجها أبو داود انّه كان حجّة الوداع ، قال: ومن قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح.
ثمّ قال ابن حجر: فتحصّل ممّا أشار إليه ستة مواطن: خيبر، ثمّ عمرة القضاء ، ثمّ الفتح، ثمّ أوطاس، ثمّ تبوك، ثمّ حجّة الوداع، إلى أن قال: ومن قال لا مخالفة بين أوطاس والفتح لأنّ الفتح كان في رمضان ثمّ خرجوا إلى أوطاس في شوال.
ثمّ أخذ ابن حجر بالنقض والإبرام بما لا يسعنا نقله.(44)
وعلى كلّ حال فهذا الاختلاف الكبير يجرّ الباحث إلى التشكيك في أصل التحريم، وإلاّ فكيف خفي زمان التحريم ومكانه على المسلمين حتّى صاروا طوائف ست لا سيما في مسألة كمسألة المتعة التي يبتلي بها الناس في حلّهم وترحالهم، فلا يمكن نسخ القرآن الكريم بهذه الأخبار المشوّّشة المضطربة.
ثمّ إنّ ابن القيم ممن حاول أن يجتهد في المسألة ويجمع بين المتعارضين فأورد السؤال بما هذا لفظه:
فإن قيل: فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد اللّه قال: كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ و أبي بكر حتّى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث، و فيما ثبت عن عمر انّه قال: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أنا أنهى عنهما: متعة النساء ومتعة الحجّ.
ثمّ أجاب وقال: إنّ الناس في هذا طائفتان:
1. طائفة تقول انّ عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها وقد أمر رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون، ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح، فانّه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جدّه و قد تكلّم فيه ابن معين ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة إليه وكونه أصلاً من أُصول الإسلام.
ولو صحّ عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به، قالوا: ولو صحّ حديث سبرة لم يخْفَ على ابن مسعود حتّى يروي انّهم فعلوها ويحتج بالآية. وأيضاً ولو صحّ لم يقل عمر انّها كانت على عهد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وأنا أنهى عنها وأعاقب عليها، بل كان يقول: انّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ حرّمها ونهى عنها، قالوا: ولو صحّ لم تفعل على عهد الصديق وهو عهد خلافة النبوة حقّاً.
والطائفة الثانية: رأت صحة حديث سبرة، ولو لم يصحّ فقد صحّ حديث علي ـ عليه السَّلام ـ انّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ حرم متعة النساء فوجب حمل حديث جابر على أنّ الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم، ولم يكن قد اشتهر حتّى كان زمن عمر، فلمّا وقع فيها النزاع ظهر تحريمها واشتهر وبهذا تألف الأحاديث الواردة فيها(45)
ولا يخفى على الباحث قوة منطق الطائفة الأُولى، وأمّا ما نقله عن الطائفة الثانية فيتلخص في الأُمور التالية:
1. صحّة حديث سبرة.
2. صحّة الحديث عن علي انّ رسول اللّه حرم المتعة.
3. انّ جابر بن عبد اللّه لم يبلغه التحريم.
أمّا الأوّل فقد عرفت وجود التعارض في حديث سبرة على وجه يسقطه عن الاحتجاج به وانّ البخاري لم يخرّجه.
وأمّا الثاني أي المنقول عن علي فهو مكذوب على لسانه، لأنّ عليّاً وبيته الرفيع اشتهروا بالقول بجواز المتعة وهو القائل: لولا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلاّ شقي.
وأمّا الثالث وهو عدم بلوغ التحريم إلى صحابي عظيم كجابر بن عبد اللّه الأنصاري إلى أن اشتهر الحكم في زمان عمر فهو أمر غريب، لأنّ المسألة ليست من المسائل المغفول عنها حتّى لا يبلغه التحريم على أنّك عرفت انّه نسب جابر التحريم إلى نفس الخليفة دون النبي.
الخامس: نقل أحاديث متعارضة عن راو واحد وانّ أغرب ما في الباب هو أن ينسب إلى علي روايتين متعارضتين، فقد أخرج مسلم عن محمد الحنفية بن علي بن أبي طالب انّه سمع علي بن أبي طالب يقول لابن عباس نهى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ عن متعة النساء يوم خيبر و عن أكل لحوم الحمر الإنسية.(46)مع أنّه اشتهر عن علي قوله: «لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلاّ شقي».(47)
وقال الرازي: وأمّا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ فالشيعة يروون عنه إباحة المتعة وروى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ انّه قال: «لولا انّ عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلاّ شقي».(48)
وأغرب من ذلك انّهم يروون عن ابن عباس تحريم المتعة.
أخرج البخاري عن أبي جمرة قال: سئل ابن عباس عن متعة النساء فرخّص فيها، فقال له مولى له: إنّما كان ذلك و في النساء قلة والحال شديد! فقال ابن عباس: نعم.(49) مع أنّ ابن عباس قد اشتهر بالفتيا بحلية المتعة.
أخرج مسلم عن عروة بن الزبير انّ عبد اللّه بن الزبير قام بمكة، فقال: إنّ ناساً أعمى اللّه قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرّض برجل، فناداه فقال: أنت لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين ـ يريد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك فواللّه لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارك.
أخرج الحافظ ابن أبي شيبة عن نافع: انّ ابن عمر سئل عن المتعة؟ فقال: حـرام، فقيل له: إنّ ابن عباس يفتي بها، قـال: فهلا ترمـرم بها ـ تزمزم ـ في زمان عمـر.(50)

السادس: استناد التحريم إلى نفس الخليفة

قد تضافرت الروايات على نسبة التحريم إلى الخليفة نفسه وانّه هو الذي حرمها وأوعد مرتكبيها بالرجم، ولا يسعنا نقل ما ذكره أهل السير والتاريخ في ذلك الموقف فنقتصر بالقليل عن الكثير:
1. قال عمران بن حصين: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه وأمرنا بها رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، ثمّ لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ حتّى مات، قال رجل برأيه بعد ما شاء.(51)
2. قال عمران بن حصين: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه ففعلناها مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ولم ينزل قرآن يحرمه،ولم ينه عنها حتّى مات، قال رجل برأيه ما شاء.(52)
3. أخرج مسلم عن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ و أبي بكر حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث.
4. أخرج أيضاً عن أبي نضرة قال: كنتُ عند جابر بن عبد اللّه فأتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر: فعلناهما مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما.(53)
5. أخرج مسلم عن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنهما، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد اللّه فقال: على يديّ دار الحديث تمتعنا مع رسول اللّه فلما قام عمر، قال: إنّ اللّه كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء، وانّ القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحجّ والعمرة للّه كما أمركم اللّه.
وأبتّوا نكاح هذه النساء فلن أُوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة .(54)
والمقطع الأوّل راجع إلى تحريم التحلل بين العمرة والحجّ، كما أنّ المقطع الثاني راجع إلى تحريم متعة النساء.
6. ما تضافر من أنّ عمر بن الخطاب قال على المنبر: متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وأنا أنهى عنهما : متعة الحجّ، ومتعة النكاح.(55)
إنّ خطبة عمر من الخطب المتسالم عليها، وقد اكتفينا من المصادر بالقليل عن الكثير حتّى أنّ المتكلّم الأشعري القوشجي في شرحه على تجريد الاعتقاد حاول تأويله دون أن يناقش سنده، وإليك نصّه.
7. قال عمر وهو على المنبر: أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وأنا أنهى عنهنّ وأحرمهنّ وأعاقب عليهنّ : متعة النساء، ومتعة الحجّ، وحيّ على خير العمل. ثمّ اعتذر عنه بقوله: إنّ ذلك ليس مما يوجب قدحاً فيه، فانّ مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع.(56)
8. قال الراغب في «المحاضرات»، قال: يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة بمن اقتديت في جواز المتعة قال: بعمر بن الخطاب، قال: كيف و عمر كان أشدّ الناس فيها؟ فقال: لأنّ الخبر الصحيح انّه صعد المنبر، فقال: إنّ اللّه ورسوله قد أحلاّ لكم متعتين وأنا محرّمُهما عليكم وأُعاقب عليهما، فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه.(57)

السابع: سيرة الصحابة بعد رحيل النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ

إنّ السبر في كتب التاريخ والسير يثبت بأنّ سيرة الصحابة بعد رحيل النبي استمرت على الحلية فكان يستمتعون بلا تريث، وإنّما بدأ الاختلاف عندما أفتى الخليفة بتحريمها في أُخريات خلافته.
وقد مرت أسماء طائفة من الصحابة الذين استمتعوا بعد رحيل الرسول ولم يعترض عليهم أحد و قد وقفت على أحاديث لفيف منهم:
1. جابر بن عبد اللّه الأنصاري.
2. عبد اللّه بن مسعود.
3. عمران بن حصين.
إلى غير ذلك ممن مرت أسما ؤهم، وهانحن نذكر هنا نزراً يسيراً ممّن استمتع بعد الرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، وهم من الصحابة العدول وإن أثار حفيظة المحرّم.
1. أخرج الحافظ عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير عن جابر قدم عمرو بن حريث الكوفة فاستمتع بمولاة فأتى بها عمرو حبلى فسأله فاعترف، قال: فذلك حين نهى عنها عمر.(58)
2. أخرج المتقي الهندي عن سليمان بن يسار عن أُمّ عبد اللّه ابنة أبي خيثمة انّ رجلاً قدم من الشام فنزل عليها، فقال: إنّ العزبة قد اشتدت عليّ فابغيني امرأة أتمتع بها، قالت: فدللته على امرأة فشارطها وأشهدوا على ذلك عدولاً، فمكث معها ما شاء اللّه أن يمكث.
ثمّ إنّه خرج فأخبر عن ذلك عمر بن الخطاب فأرسل إليّ فسألني أحقّ ما حُدّثْتُ؟ قلت: نعم. قال: فإذا قدم فأذنيني، فلمّا قدم أخبرته فأرسل إليه، فقال: ما حملك على الذي فعلتَه؟ قال: فعلته مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ثمّ لم ينهنا عنه حتّى قبضه اللّه، ثمّ مع أبي بكر فلم ينهنا عنه حتّى قبضه اللّه، ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً، فقال عمر: أما والذي نفسي بيده لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك، بينوا حتّى يعرف النكاح من السفاح.(59)
3. نقل ابن حجر عن ابن الكلبي انّ سلمة بن أُميّة بن خلف الجمحي استمتع من سلمى مولاة حكيم بن أُمية بن الأوقص الأسلمي، فولدت له، فجحد ولدها، فبلغ ذلك عمر فنهى المتعة. وروى أيضاً انّ سلمة استمتع بامرأة فبلغ عمر فتوعّده.(60)

الشبهة الثامنة الزواج المؤقت ومشكلة الإنجاب

كانت الشبهة السابقة تدور حول حلّية المتعة كتاباً وسنّة أو منسوخيّتها كذلك.
ولكن ثمة شبهة أُخرى وهي ترجع إلى مشكلة اجتماعية مفادها انّ الرجل إذا نزل بلدة واستمتع بامرأة مسلمة وقضى وطره منها ثمّ تركها وغادر البلدة والمرأة حبلى فحينها تثار مشكلة المولود وانتسابه إلى الأب، وربما يبقى المولود إلى آخر عمره لا يعرف أباه، ويولّد ذلك بمرور الزمن عقد نفسية لا يمكن تجاوزها.
وحسم هذه المشكلة يتم بالبيان التالي:
1. انّ المشكلة مشتركة بين الزواج الدائم والمؤقت، فربما يتوافق الزوجان على عقد دائم عرفي مع إقامة الشهود والولي فربما يغادر الزوج البلد ويتركها من دون أن يطلع الزوجة على مكانه والزوجة حبلى، فتثار حينها مشكلة الولد كنظيرتها في النكاح المؤقت.
2. انّ الملاك في تشريع القوانين وتقنينها هو انسجامها مع مصالح المجتمع على الوجه الغالب ولا تضر المفسدة في شوّاذ الأُمور ونوادرها، إذ قلّما يُؤمِّن القانون مصالح المجتمع بالتمام، فعلى الباحث أن يطالع القانون وآثاره الإصلاحية في أكثر الموارد دون أن يأخذ بنظر الاعتبار الموارد الشاذّة.
هذا والذي يحسم جذور الإشكال انّ على المرأة المتزوجة إذا خافت من مضاعفات النكاح المؤقت أن لا ترضى إلاّ بالعزل أوّلاً ثمّ الإشهاد على الزواج ثانياً، سواء كان الإشهاد واجباً كما في فقه السنّة، أو مستحباً كما في فقه الشيعة، وأولى من ذلك أن يكون هناك وثيقة رسمية تكفل لها حقوقها في المحاكم الرسمية كالزواج الدائم.
نعم يتجلّى الإشكال في أكثر البلاد الإسلامية والتي لم يُعترف فيها بالمتعة تحليلاً، و أمّا إذا كان هناك اعتراف رسمي بالزواج المؤقت فيكون المؤقت والدائم على حدّ سواء.
وتتلو هذه الشبهة شبهة أُخرى ربما تتّحدان جوهراً وتختلفان صورة، وهي مسألة اختلاط الأنساب وضياع النسل وعقد عابر الطريق والمجهول في النكاح المؤقت، وهذه الشبهة هي التي طرحها السيد الراوي البغدادي في المقام.
والشبهة نابعة من عدم الإمعان في حقيقة النكاح المؤقت، وقد عرفت أنّ من أحكامه العدّة: عدة الطلاق، وعدة الوفاة، وفي ظلّه يحفظ النسل ويمنع اختلاط المياه، فلا يجوز لأحد أن يتمتع بامرأة تمتع بها غيره حتّى تخرج من عدة ذلك الغير وإلاّ كان زانياً و مع اعتبار العدة فأين يكون اختلاط الأنساب وضياع النسل؟!
وحصيلة الكلام: انّه يجب على الزوج أن يتعرف حال المتمتع بها حتّى إذا ولدت ولداً أُلحق به كي لا تضيع الأنساب وكذلك المتمتع بها إذا انتهى أجلها يجب عليها أن تعتد.

الشبهة التاسعة أُكذوبة المتعة الدورية

إنّ طرح مثل هذه الشبهة ممّا يندى له الجبين ويأسف له العقل السليم، وفي الحقيقة هي ليست شبهة، بل فرية وافتراء على شريحة واسعة من المسلمين الذين أخذوا عقيدتهم من معين أهل بيت النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ العذب الذين عرّفهم النبي بأنّهم أعدال القرآن وقرناؤه وقال:« إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي».
وحاصل الشبهة: انّ المرأة الواحدة يتناوبها ويتعاقبها عدة من الرجال بحسب ساعاتهم، فعندئذ فبمن يلحق الولد.
أقول: إنّ ما نسبه إلى القائلين بالحلية يعرب عن أنّ صاحب الشبهة أعياه البرهان حتى التجأ إلى الكذب والفرية، وقد عرفت في صدر البحث أحكام المتعة ووجوب العدة ومع ذلك كيف يمكن تصحيح تلك المتعة الدورية التي هي في الواقع زنا لا غير؟!
وهنا كلام قيم للإمام المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الذي كان ينبض قلبه للمّ شمل الأُمّة وجمع شتاتها، يقول رداً على طرح تلك الشبهة:
فاللازم أوّلاً: ان تدلنا على كتاب جاهل من الشيعة ذكر فيه تحليل هذا النحو من المتعة فضلاً عن عالم من علمائهم، وإذا لم تدلنا على كتابة منهم أو كتاب، فاللازم إن تحد حد المفتري الكذاب، كيف وإجماع الإمامية على لزوم العدة في المتعة وهي على الأقل خمسة وأربعون يوماً، فأين التناوب والتعاقب عليها حسب الساعات؟!
وإن كنت تريد انّ بعض العوام والجهلاء الذين لا يبالون بمقارفة المعاصي وانتهاك الحرمات قد يقع منهم ذلك، فهذا مع أنّه لا يختص بعوام الشيعة بل لعلّه في غيرهم أكثر، ولكن لا يصحّ أن يسمّى هذا تحليلاً، إذ التحليل ما يستند إلى فتوى علماء المذهب لا ما يرتكبه عصاتهم وفسّاقهم، وهذا النحو من المتعة عند علماء الشيعة من الزنا المحض الذي يجب فيه الحدّ ولا يلحق الولد بواحد، كيف وقد قال سيد البشر: «الولد للفراش وللعاهر الحجر».(61)
قال العلاّمة الأميني ـ ردّاً على صاحب المنار الذي نسب المتعة الدورية إلى الشيعة ـ ما هذا لفظه:
نسبة المتعة الدوريّة وقل: الفاحشة المبيّنة إلى الشيعة إفكٌ عظيمٌ تقشعرُّ منه الجلود، وتكفهرُّ منه الوجوه، وتشمئزُّ منه الأفئدة، وكان الأحرى بالرَّجل حين أفك أن يتّخذ له مصدراً من كتب الشيعة ولو سواداً على بياض من أيِّ ساقط منهم، بل نتنازل معه إلى كتاب من كتب قومه يسند ذلك إلى الشيعة، أو سماع عن أحد لهج به، أو وقوف منه على عمل ارتكبه أُناسٌ ولو من أوباش الشيعة وأفنائهم، لكنّ المقام قد أعوزه عن كلّ ذلك، لأنّه أوّل صارخ بهذا الإفك الشائن، ومنه أخذ القصيمي في [الصراع بين الإسلام والوثنيّة] وغيره.(62)

الشبهة العاشرة تحاشي الأشراف من تعاطيها

وهناك من يجعل تحاشي الأشراف دليلاً على عدم الحلية ويقول: لو كانت المتعة حلالاً فلماذا نرى أنّ أشراف الشيعة وأعيانهم يتحاشون من تعاطيها بينهم، فلم يسمع من يقول حضرنا تمتُّع السيد الفلاني أو الفاضل الفلاني بالآنسة بنت السيد الفلاني كما يقال: حضرنا عقد نكاح الفاضل الفلاني بآنسة الفاضل، بل أكثر جريانها وتعاطيها في الساقطات والسافلات، فهل ذلك إلاّ لقضاء الوطر وإن حصل منه النسل قهراً؟
فنقول: إنّ هذه الشبهة ممّا تضحك منها الثكلى، كيف يعد التحاشي دليلاً على الحرمة والإقبال دليلاً على الحلية، فانّ الطلاق أمر مشروع لكن يتحاشى منه الأشراف غالباً، فهل يمكن أن يستدلّ بتحاشيهم على حرمته؟!
إنّ القائل بادر إلى طرح هذه الشبهة نتيجة استفلاسه عن دحض أدلّة الزواج المؤقت بحجج دامغة، فالتجأ إلى هذه الشبهة غافلاً عن أنّ النكاح المؤقت كما مرّ في المقدمة دواء لمقطع زمني خاص وليس هو السبيل الأمثل، وانّ المتمتع إنّما يتمسك بأهداب المتعة حين الاضطرار وعدم مقدرته على الزواج الدائم، ولهذا السبب لا يعقد له النوادي ولا الحفلات ولا تبعث له التبريكات، يقول العلاّمة كاشف الغطاء: أمّا تحاشي أشراف الشيعة وسراتهم من تعاطيها فهو عفّة وترفّع واستغناء واكتفاء بما أحلّ اللّه لهم من تعدّد الزوجات الدائمة مثنى وثلاث و رباع، فإن أرادوا الزيادة على ذلك جاز لهم التمتع بأكثر من ذلك كما يفعله بعض أهل الثروة والبذخ من رؤساء القبائل وغيرهم.
وعلى كلّ فإنّ تحاشي الأشراف والسراة لا يدلّ على الكراهة الشرعية فضلاً عن عدم المشروعية، ألا ترى أنّ الصحابة والتابعين ـ رضوان اللّه عليهم ـ كانوا كثيراً ما يتسرون بالإماء ويتمتعون بملك اليمين ويلدن لهم الأولاد الأفاضل.
أمّا اليوم فالأشراف يأنفون من ذلك مع أنّه حلال بنص القرآن العزيز.(63)
هذه هي المتعة وهذه هي حقيقتها ودلائلها الساطعة من الكتاب والسنّة وسيرة الصحابة بعد رحيل النبي، وهذه شبهاتها الواهية وأجوبتها الواضحة، وعندئذ:
فما هذا النكير والنفير، والنبز والتعيير على الشيعة في أمر المتعة يا فقهاء الإسلام ويا حملة الأحكام.
والحق كما يقوله المصلح الكبير الشيخ كاشف الغطاء: لو انّ المسلمين عملوا بها على أُصولها الصحيحة من العقد، والعدة، والضبط، وحفظ النسل منها، لانسدت بيوت المواخير وأوصدت أبواب الزنا والعهار، ولارتفعت أو قلت ويلات هذا الشر على البشر، ولأصبح الكثير من تلك المومسات المتهتكات، مصونات محصنات، ولتضاعف النسل وكثرت المواليد الطاهرة، واستراح الناس من اللقيط والنبيذ، وانتشرت صيانة الأخلاق وطهارة الأعراق إلى كثير من الفوائد والمنافع التي لا تعد ولا تحصى.
وللّه در عالم بني هاشم وحبر الأُمة عبد اللّه بن عباس (رضي الله عنه) في كلمته الخالدة الشهيرة التي رواها ابن الأثير في «النهاية» والزمخشري في «الفائق» وغيرهما حيث قال: ما كانت المتعة إلاّ رحمة رحم اللّه بها أُمّة محمّد ولولا نهيه عنها ما زنا إلاّ شقي، وقد أخذها من عين صافية من أُستاذه ومعلّمه ومربّيه أمير المؤمنين، وفي الحق انّها رحمة واسعة، وبركة عظيمة ولكن المسلمون فوّتوها على أنفسهم وحرموا من ثمراتها وخيراتها ووقع الكثير في حمأة الخنا والفساد والعار والنار والخزي والبوار(أَتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير).(64)
لا يخفى انّ كلّ هذا الضجيج الذي أثير حول النكاح المؤقت ما ظهر إلاّ لتبرير عمل الخليفة الثاني الذي حرم ما نص على حلّيته الذكر الحكيم و السنّة النبوية وسيرة الصحابة وقضاء الفطرة الإنسانية، فلم يجدوا بُدّاً إلاّ القول بمنسوخية التشريع في حياة الرسول و جاء عمل الخليفة الثاني كتعزيز وتأكيد لقول النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، غير انّ هذا التبرير لا يعضده التاريخ ويزيّفه قول الخليفة نفسه، فانّه نسب صراحة التحريم إلى نفسه، وقد مرّ نصّه وذلك بعد ما وقف على قضية عمرو بن حريث وانّه تمتع، فثارت ثورته من العمل المذكور فقال ما قال.
وأجود ما يقال في تبرير عمل الخليفة انّ تحريمه انطلق من مصلحة زمنية في نظره دعته إلى تحريمها والكيد بفاعلها.
وما ذكرناه من التوجيه هو الذي مال إليه الشيخ كاشف الغطاء ـ رضوان اللّه عليه ـ فقال: إذا أردنا أن نسير على ضوء الحقائق، ونعطي المسألة حقّها من التمحيص والبحث عن سرّ ذلك الارتباك وبذرته الأُولى ـ التي نمت وتأثلت ـ لا نجد حلاً لتلك العقدة إلاّ أنّ الخليفة قد اجتهد برأيه لمصلحة رآها بنظره للمسلمين في زمانه وأيامه، اقتضت أن يمنع من استعمال المتعة منعاً مدنياً لا دينياً، لمصلحة زمنية، ومنفعة وقتية، ولذا تواتر النقل عنه أنّه قال: «متعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا أُحرِّمهما وأُعاقب عليهما». ولم يقل انّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ حرّمهما أو نسخهما، بل نسب التحريم إلى نفسه وجعل العقاب عليها منه لا من اللّه سبحانه.(65)
ولو انّ مخالفي النكاح المؤقت اعتمدوا على التوجيه الذي بذله الشيخ كاشف الغطاء، لانصاعوا لأدلّة النكاح المؤقت الدامغة، وبما انّ تحريم الخليفة كان تحريماً مؤقتاً نابعاً من مصلحة زمنية، فإذا ارتفع المانع عاد المقتضي، حينها يأخذ النكاح المؤقت مكانته في التشريع الإسلامي و لحل محلّ المحرم ولصلحت الأُمة الإسلامية في حاضرها ومستقبلها، وبذلك يتجسّد القول الخالد لأمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ : «لولا النهي عن المتعة لما زنا إلاّ شقي».
قال سبحانه :(ولا تَقُولُوا لما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهَذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللّهِ الكَذِبَ إِنّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلى اللّهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُون).(66)
قد تعرفت على دلالة الذكر الحكيم والسنّة النبوية على حلّية المتعة واستمرارها بعد رحيل الرسول الاکرم صلی الله علِه وآله وسلم فلا منتدح للمسلم عن القول بجوازه فمن حرّمها فقد حرّم ما أحل اللّه.
المصادر :
1- البقرة:228
2- الدر المنثور: 2/141.
3- لاحظ تفسير الرازي: 3/200 المسألة الثالثة في بيان نكاح المتعة.
4- النور:33. وقوله:(وَمِنْ آياتِهِ ان جعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزواجاً لِتسْكُنُوا إِليها)(الروم:2).
5- المؤمنون:5ـ7.
6- الدكتور الدريني في تقديمه، ص 26
7- النور:33
8- تفسير المنار:5/17.
9- البقرة:234.
10- المغني: 7/ 109 تصحيح محمد خليل، ولاحظ الخلاف للطوسي: 2/396 فصل في العيوب المجوّزة للفسخ المسألة 124.
11- تفسير الطبري : 5/9.
12- النور:33
13- النساء:25 .
14- إسلامنا في التوفيق بين السنّة والشيعة:152، في فصل زواج المتعة.
15- الدكتور الدريني في تقديمه:31.
16- الأعراف:28.
17- النساء:25.
18- تفسير المنار: 5/13.
19- لاحظ كتابه: السنّة والشيعة: 65ـ66.
20- صحيح مسلم:4/131، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.
21- صحيح مسلم:4/131، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.
22- الدر المنثور:2/486.
23- لاحظ ص 486 من هذا الكتاب.
24- الدر المنثور:2/486.
25- الدر المنثور:2/485.
26- صحيح مسلم:4/134، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.
27- صحيح مسلم:4/135، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.
28- الدر المنثور:2/486.
29- صحيح مسلم:4/131، باب نكاح المتعة.
30- صحيح مسلم:4/131، باب نكاح المتعة.
31- الدر المنثور:2/485.
32- سنن الترمذي:3/186برقم824.
33- الدر المنثور:2/486.
34- صحيح مسلم:4/131، باب نكاح المتعة.
35- صحيح مسلم:4/133، باب نكاح المتعة.
36- المؤمنون:5 ـ 6.
37- سيرة ابن هشام:2/331.
38- زاد المعاد:2/158و 204.
39- سيرة ابن هشام:2/412
40- سيرة ابن هشام:2/604.
41- شرح صحيح مسلم:9/191.
42- المغني:7/572.
43- النساء:113.
44- فتح الباري:9/170.
45- زاد المعاد:2/205ـ 206.
46- صحيح مسلم:4/135، باب نكاح المتعة
47- تفسير الطبري:3/200; الدر المنثور:2/486.
48- تفسير الرازي:10/50.
49- الدر المنثور:2/486.
50- الدر المنثور:2/487.
51- صحيح مسلم:4/49 باب جواز التمتع وفي الحديث إشارة إلى كلتا المتعتين.
52- صحيح البخاري:6/33.
53- صحيح مسلم:4/131، باب نكاح المتعة
54- صحيح مسلم:4/38، باب في المتعة بالحجّ والعمرة.
55- تفسير الفخر الرازي:5/370; زاد المعاد لابن القيم:2/184; سنن البيهقي:7/206; المبسوط:4/37; المغني:7/571; الشرح الكبير:7/537; المحلى:7/107; بداية المجتهد:1/268; أحكام القرآن للجصاص:2/152; كنز العمال:16/519 برقم 45715ـ 45722; مسند أحمد:3/325.
56- شرح التجريد:484 الطبعة الحجرية.
57- المحاضرات:2/94.
58- فتح الباري:9/141.
59- كنز العمال:16/522برقم45726.
60- الإصابة:2/63.
61- أصل الشيعة وأُصولها:151، مطبعة العرفان، صيدا.
62- الغدير:3/286.
63- أصل الشيعة وأُصولها:151ـ 152، مطبعة العرفان، صيدا.
64- أصل الشيعة وأُصولها:148.
65- أصل الشيعة وأُصولها:138.
66- النحل:116.



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.