زهير سليمان غانم (سورية). ولد عام 1949 في بسنادا ـ اللاذقية ـ سورية. حائز على شهادة الليسانس في علوم اللغة وآدابها من كلية الآداب ـ جامعة دمشق .عمل محررا ً ثقافيا في جريدة (الحقيقة) ببيروت 1985-1987, ثم مدير تحرير لمجلة (التصدي) السياسية, ثم مدير تحرير ومشرفاً على القسم الثقافي في مجلة (العواصف), ومارس الرسم الصحافي في الحقيقة, والناقد, والنهار, والديار والعواصف. يهوى الرسم وقد أقام عدة معارض للوحاته. يكتب النقد الأدبي والقصة والرواية.
دواوينه الشعرية: أعود الآن من موتي 1978 ـ التخوم 1979- الشاهد 1985 ـ أحوال الشخص المتباعد1989 ـ مدائح الأشجار1990 ـ هديل الجسد اليابس1991 ـ جهة الضباب 1992 - صخب الياسمين 1995 - زهريات وقدريات 1998 - مجرد الرغبات 1999.
عنوانه: الحمرا - شارع الكومودور - سانتر إيفوار - مكتب جنان الخليل أو مقهى الفودكا - بيروت.
من قصيدة: محاولة لتربيع دمشق الدائرة
(1)
تتراقصين الآن كالمطر الغضير على تراب القلب
يخضرُّ الترابُ هنا.. وتصطفق الزهور النائمات بنا
فيعلو وجهنا الفرح...
حقيق ... أن نجنَّ... لنا ليالي الصيف ...والأيام تختزن
التذكر ....كيف أبدأ...?
لا طريقَ إليك... قد سُدَّت عليّ مرافئُ الترحال
ألقيت العصا....
في قاع أغوار المدينة ...والمدينة لم تزل تغفو على الأحلام
يسكنها ضباب أزرق نديان ...يصحبني...
مع الفجر النحاسيّ القديم.. فأنثني فوق الرصيف...
هنا يلذّ النوم...
لكنّ المدينة قد تململ لحمها فصحت....
دقائق والعيون تشع من خلف الضباب....
أنا أخاف حرابهم.... إن العيون حراب تغرز فيّ
ها جسدي طريٌُّ
سوف يخطفني ....
فأهرب للنهاية آه ما جدوى الفرار إلى النهاية
فالمدينة تستعيد رؤاي تسلبني شغاف القلب
تسلبني الحصافة...
دون تفكير أعود إلى الشوارع مرة أخرى...
فتحتضن اعتذاري
من ترى تُدعى دمشق?.. أكاد أسقط في ثنايا الموت
مُدَّ يديك يا جبلا يطل عليَّ وارفعني
فإن دمشق تصرعني
بلا ذنب جنيت تشدّ أحزمة من الجوع الرهيب على شواطئ
لحمي العريان تجلدني...
بسوط من سياط البرد تغمرني....
بأكفانٍ من الثلج الخرافيّ الذي يعلو على الأشجار
أنتظر الخروج ...فشمسُنا ..لابد أن تأتي....
لأن الأرض دائرة وأوقاتي تظل طليقة الميناء...
والساعات تنتظر
فثمة ساعة في آخر الساعات تنفجر
يمور الفجر فيها مثقل الأجفان...ينحسر الظلام
يطلّ وجهك في الشوارع... ضاحكاً... لكن أشكّ...
ترى أأنت دمشق أم أخرى.. مزورة...
فإني قد قضيت العمر في التسيار ..أبحث عنك
تُنبئني الكتابات القديمة والوسيطة والجديدة...
كنت أجمل ما تكون عرائس الدنيا
وفاتنة على الأيام لم يزرِ بها الدهر...
ولم تعرض فجيعتها على أحد...
وكان مخاضها يأتي ويذهب بالولادات الجديدة...
ما الذي يبدو عليك الآن?... تعروك الخطوب...
ويحفر الزمن العصيب خنادقاً... في جلدك الهرِم...
فيأتيك المخاض ولا ولادة ثم يمضي...
عاقراً أصبحتِ يا أمي....
ويا أمًّا لكل الأرض ... كان العز يسكن فيك....
كان المجد زوجك كان ...
أين العزُّ ... أين المجد...?
هل تقوين في الردِّ...?
كشحاذ ...أنا أتسول الصدقات منكِ ...ولا عطاء ...لديك....
حتى الماء من بردى
غدا حجرا يرن ....وطحلبا...
والبرق أصبح خُلّبا......
حتى الهواء نُغَرُّ فيه
وصار خبزك حارقاً كالنار
صار الموت يغفو في أسرَّتك العدوَّةِ
فالتجأتُ إلى الحقول....
بريئة تبقى الحقول
بعيدة تبقى الحقول...
فما لكم أدمنتمُ الأسفلت والبارات
عودوا للتراب ففيه آلاف الكنوز ...لكل من جاعوا
ومن عطشوا
ومن سلخت جلودهم الظهيرة في فيافيها....
أعود إلى الحقول أنا...
وحيداً جائعاً فيها...
وأهلي يطبخون الماء والأحجار...
من يدري بأن الريح تسكنني...
أحاول أن أهبَّ
فتهطل الأمطار تخمدني....
و أنسج من فحيح الصمت أغنيةً
أدافع عن دمشق ...فتسترد دمشق أغنيتي...
وأسكت إن سكتُّ قتلت أو قلت....
وإن عرّيت أحزان المدينة لا يبايعني بها أحد....
وحتى حبيبتي غابتْ
وغابت بعد أن تركت بحلقي خنجراً...
وبقيت وحدي واقفاً في القاعة الكبرى....
أحاول أن أربِّع دائره...
وظننت أن الأرض قد وقفت....
ولكن باطل ما أدّعي.....
فالأرض ظلت سائره....
لا تسخروا يا سادتي....
هذا الزمان مجوَّف....
الأرض ظلت سائرة ..... وأنا أحاول أن أربع دائره.....