وصلنا إلى منطقة کینسال سیتی فی لندن حیث الجامعات المتعددة، فإذا بنا نرى کتباً مرمیة على الرصیف وکأنها مکتبة مبعثرة فی الشارع.
سألنا مضیفنا عن الأمر فقال إن المدینة قررت إغلاق المکتبة المعروفة با وإخراج کل الکتب من هذه المکتبة التی کان یستفید منها الکبار والصغار فی المنطقة، وخاصة الطلاب الذین یستعینون بالمراجع العلمیة فی بحثهم العلمی.
والجدیر بالذکر أن هذه المکتبة هی تابعة لجامعة أوکسفورد المشهورة والتی تعتبر من الجامعات الأولى فی العالم وقد تم بناؤها عام 1900 ویتباهى سکان لندن بأن الکاتب الأمیرکی المعروف مارک توین قد افتتحها.
بعض سکان المنطقة اعتصموا امام المکتبة احتجاجا على اغلاقها، وکان معظمهم یحمل التساؤل التالی: "کیف یمکن لجامعة مثل جامعة اوکسفورد ان تغلق مکتبة عامة وهی من المفروض ان تشجع العلم والقراءة وارتیاد المکتبات والعمل الدائم فی البحث العلمی؟". صرخة أطلقها "کریس" الذی یسکن بجوار المکتبة والذی کان من رواد المکتبة عندما کان صغیرا وکذلک ابنته کانت من روادها قبل قرار اغلاقها، وهو الآن ضد إغلاق المکتبة، ویعتبر بأن هذه المکتبة القدیمة جدا کانت تعتبر بمثابة الباب الذی کان یشجع على العلم إلى جانب المدرسة! ویأسف لما حصل وهو الآن یتحرک مع الذین یرفضون فکرة الإغلاق ویحتجون لدى السلطات ویطالبون جامعة اکسفورد بالعودة عن قرارها.
قرار العودة عن إغلاق المکتبة ربما لن یجد له طریقا کما قال "فریدریک" لأن الهدف التجاری والربحی هو وراء إغلاق المکتبة، فجامعة اوکسفورد قد باعت المبنى وسوف یتم هدمه وتحویله إلى مجمعات سکنیة وتجاریة. "لقد أبدلوا العلم بشیء آخر أقل أهمیة"! یتابع فریدریک القول وعلامات الأسف لا تفارق وجهه.
عندما جلنا بین المعتصمین رأینا رغبتهم فی الکلام عن الموضوع وخاصة للإعلام. واللافت أن جمیع السکان فی المنطقة یتضامنون ضد قرار اغلاق المکتبة، وکان هناک حضور لافت للجالیة المسلمة بشخص ممثلها فی المنطقة الشیخ محمد بوط، الذی وعد بأن یکون هناک تحرک باتجاه الجهات الرسمیة إلى جانب التحرک الشعبی من اجل انقاذ مکتبة کینسالرایز العامة.
شیرلی بیرنهام، احدى العاملات داخل المکتبة سابقا والتی تتضامن مع الأهالی قالت: "نحن ننحرف عن العلم تدریجیا، وها هو قرار المکتبة أکبر دلیل، کنا فی بریطانیا نتباهى بالعلم والآن أصبح العلم فی الدرجة الثانیة، ومن العار ان تقرر جامعة اکسفورد ـ التی تعتبر من الجامعات الأولى فی العالم ـ بیع مبنى فیه کتب وعلم من أجل الربح المادی، هذا عار على جبینها مدى الحیاة". أما المتضامن مع المکتبة دی سکوت فقد ألمح إلى أن السیاسیین هم من یدفنون العلم فی بریطانیا لأنهم لا یحمون المکتبات العامة، وتابع یقول: "کل فترة من الزمن هناک مکتبة عامة تُغلق فی بریطانیا، وسوف نصل إلى درجة لن یبقى لأولادنا مکتبات یرتادونها، وما زلنا نذکر کیف تم إغلاق مکتبة بریستون فی اکتوبر/ تشرین الأول عام 2011 بالقوة ورمی الکتب فی الشارع تحت المطر حتى تَلِفت کلها، وعلى الرغم من الدعوى التی قدمناها ضد قرار الإغلاق فإننا خسرنا الدعوى، وبهذا بنى القضاء البریطانی اول حائط من العار فی تاریخه".



یبقى قرار اغلاق المکتبات فی بریطانیا وخاصة فی العاصمة لندن من أهم الموضوعات التی بدأ المواطنون البریطانیون یخشون حصوله لما فیه من خوف على المستقبل العلمی لأبنائهم، کون المکتبة کما یقول محمد، احد المهاجرین إلى بریطانیا، هی الرافد الأول للمدرسة "لقد هاجرنا من بلادنا ظناً منا بأن اولادنا سوف یحصلون على فرص افضل فی الحیاة، وکنا نظن ان العلم هو المجال الواسع للحصول على هذه الفرص".
وبانتظار ان یجد هؤلاء المحتجون على اغلاق المکتبة آذانا صاغیة، یتوقع الناشطون المراقبون للتصاعد فی اغلاق المکتبات، أن یزداد عدد المکتبات العامة المغلقة سنة بعد سنة، وأن التحرک سوف یقف عند عتبة القضاء الذی یحکم لأصحاب الأموال ولیس لطالبی العلم.
/110/