من دعاء أبي حمزة الثماليّ:
"اللّهمّ ألحقني بصالح من مضى، واجعلني من صالح من بقي وخذ بي سبيل الصالحين، وأعنّي على نفسي بما تُعين به الصالحين على أنفسهم، ولا تردّني في سوء استنقذتني منه أبداً، واختم عملي بأحسنه، واجعل ثوابي منه الجنّة، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللّهمّ إنّي أسألك إيماناً لا أجل له دون لقائك، أحيني ما أحييتني عليه، وتوفّني إذا توفّيتني عليه، وابعثني إذا بعثتني عليه".
إنّ سلوك سبيل الصالحين والتحلّي بحِلْيتهم وسماتهم، هو باب النجاة والفوز يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله سبحانه بقلب سليم.
وسبيل الصالحين هو طريق ذات الشوكة، ويحتاج إلى جهاد وسعي ومثابرة، فطريق الجنّة حُفّت بالمكاره، وطريق النار حُفّت بالشهوات.
ومن يُحدّد طريقه هو نحن وما التوفيق والتسديد إلا من الله تبارك وتعالى.
سبيل الصالحين
لقد قرأنا مع الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء أبي حمزة الثماليّ: "اللّهمّ ألحقني بصالح من مضى، واجعلني من صالح من بقي وخذ بي سبيل الصالحين، وأعنّي على نفسي بما تُعين به الصالحين على أنفسهم..".نُلاحظ أنّ الإمام عليه السلام يدعو الله تعالى لأن يُلحقه بالصالحين وأن يُبقيه في سبيلهم، الأمر الذي يدفعنا للبحث عن هؤلاء الصالحين، واستكشاف سبيلهم وأحوالهم.
والسؤال الأهمّ: هل نحن من هؤلاء القوم الصالحين الّذين يتمنّى الإمام عليه السلام الالتحاق بهم؟!
وإذا لم نكن منهم فما السبيل للالتحاق بهم؟ وهل يُمكن أن نتّصف بصفاتهم وسماتهم؟
إنّ مقام الصالحين من المقامات العالية، الّتي جهد الأنبياء والأولياء في طلبها وسؤالها من الله تعالى، فبلّغهم سبحانه ذلك، وهناك العديد من الشواهد القرآنيّة الّتي تحدّثت عن هذا الأمر:
- قال تعالى: ﴿وإِسْماعِيل وإِدْرِيس وذا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّن الصّابِرِين * وأدْخلْناهُمْ فِي رحْمتِنا إِنّهُم مِّن الصّالِحِين﴾(1).
- وقال: ﴿ولُوطًا آتيْناهُ حُكْمًا وعِلْمًا ونجّيْناهُ مِن الْقرْيةِ الّتِي كانت تّعْملُ الْخبائِث إِنّهُمْ كانُوا قوْم سوْءٍ فاسِقِين * وأدْخلْناهُ فِي رحْمتِنا إِنّهُ مِن الصّالِحِين﴾(2).
- وأيضاً قال: ﴿وزكرِيّا ويحْيى وعِيسى وإِلْياس كُلٌّ مِّن الصّالِحِين﴾(3).
- ﴿ووهبْنا لهُ إِسْحق ويعْقُوب وجعلْنا فِي ذُرِّيّتِهِ النُّبُوّة والْكِتاب وآتيْناهُ أجْرهُ فِي الدُّنْيا وإِنّهُ فِي الْآخِرةِ لمِن الصّالِحِين﴾(4).
- وهذا نبيّ الله إبراهيم عليه السلام يسأل ربّه أن يهب له الولد الصالح: ﴿وقال إِنِّي ذاهِبٌ إِلى ربِّي سيهْدِينِ * ربِّ هبْ لِي مِن الصّالِحِين * فبشّرْناهُ بِغُلامٍ حلِيمٍ﴾(5).
- وعن نبيّ الله سليمان عليه السلام يُخبر اللهُ سبحانه: ﴿.. وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين﴾(6).
ويذكر القرآن قوماً أسلموا من النصارى، سألوا الله تعالى أن يُدخلهم مع القوم الصالحين ﴿وإِذا سمِعُواْ ما أُنزِل إِلى الرّسُولِ ترى أعْيُنهُمْ تفِيضُ مِن الدّمْعِ مِمّا عرفُواْ مِن الْحقِّ يقُولُون ربّنا آمنّا فاكْتُبْنا مع الشّاهِدِين * وما لنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وما جاءنا مِن الْحقِّ ونطْمعُ أن يُدْخِلنا ربّنا مع الْقوْمِ الصّالِحِين﴾(7).
ولكي نلتحق بركب الصالحين من الأنبياء والأولياء علينا أن نقتدي بهم ونسلك سبيلهم الّذي أوضحه الله جلّ جلاله في محكم كتابه العزيز: ﴿يُؤْمِنُون بِاللهِ والْيوْمِ الآخِرِ ويأْمُرُون بِالْمعْرُوفِ وينْهوْن عنِ الْمُنكرِ ويُسارِعُون فِي الْخيْراتِ وأُوْلـئِك مِن الصّالِحِين﴾(8).
فسبيل الصالحين هو الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر والأمر بالمعروف والخير، والنهي عن كل ما نهى عنه الله تعالى من منكر وسوء، فإذا فعلنا ذلك ظهرت علينا سمات الصالحين وأظهر الله بأيدينا آثارهم.
أنفسنا بين حسن العاقبة وسوء العاقبة
يُناجي مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام الله جلّ جلاله فيقول: ".. وأعنّي على نفسي بما تُعين به الصالحين على أنفسهم، ولا تردّني في سوء استنقذتني منه أبداً، واختم عملي بأحسنه، واجعل ثوابي منه الجنّة، برحمتك يا أرحم الراحمين".نعم، ﴿وما أُبرِّىءُ نفْسِي إِنّ النّفْس لأمّارةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ ما رحِم ربِّي إِنّ ربِّي غفُورٌ رّحِيمٌ﴾(9). هذه النفس الأمّارة الّتي حذّر الله تعالى نبيّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم منها، قائلاً في حديث المعراج: "يا أحمد لا تتزيّن بلبس اللباس وطيب الطعام ولين الوطاء، فإنّ النفس مأوى كلّ شر، ورفيق كلّ سوء تجرّها إلى طاعة الله وتجرّك إلى معصيته... وتطغى إذا شبعت وتشكو إذا جاعت، وتغضب إذا افتقرت وتتكبّر إذا استغنت، وتنسى إذا كبرت وتغفل إذا أمنت، وهي قرينة الشيطان. ومثل النفس كمثل النعامة، تأكل الكثير وإذا حُمل عليها لا تطير، ومثل الدفلي (الدفلي:
نبت زهره كالورد الأحمر)، لونه حسن وطعمه مرّ"(10).
نعم، هذه النفس الّتي يشكوها الإمام زين العابدين عليه السلام لله تعالى في مناجاته فيقول: "إلهي إليك أشكو نفساً بالسوء أمّارة، وإلى الخطيئة مُبادرة، وبمعاصيك مولعة،... كثيرة العلل، طويلة الأمل، إن مسّها الشرّ تجزع، وإن مسّها الخير تمنع، ميّالة إلى اللعب واللهو، مملوءة بالغفلة والسهو، تُسرع بي إلى الحوبة، وتُسوّفني بالتوبة"(11).
إذا هذه أنفسنا الّتي إن تركناها كيفما تشاء أخذتنا إلى الباطل والضياع إلّا ما رحم الله تعالى، قال سيّد الساجدين: عليه السلام: "وأوهن قوّتنا عمّا يُسخطك علينا، ولا تُخلِّ في ذلك بين نفوسنا واختيارها، فإنّها مختارة للباطل إلّا ما وفّقت، أمّارة بالسوء إلا ما رحِمت"(12).
لذا الإنسان المؤمن يعيش حالة الخوف والترقّب من خاتمة حياته وخاتمة أعماله، ويعيش حالة التأرجح بين حسن العاقبة وسوء العاقبة، ولنِعم ما قاله الإمام عليّ عليه السلام: "كلّ مخلوق يجري إلى ما لا يدري"(13).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة، لا يتيقّن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت"(14).
بالتالي فإنّ ملاك العمل بخواتيمه، عن السيد المسيح عليه السلام: "إنّ الناس يقولون: إنّ البناء بأساسه وأنا لا أقول لكم كذلك.
قالوا: فماذا تقول يا روح الله؟
قال: بحق أقول لكم: إنّ آخر حجر يضعه العامل هو الأساس"(15).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ملاك العمل خواتيمه"(16).
وأن نختم أعمالنا وحياتنا بأحسن الأعمال وخيرها لا أن نختمها بسوء وشرّ، هو ما يرضي الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خير الأمور خيرها عاقبة"(17)، وعنه عليه السلام: "إنّ حقيقة السعادة أن يُختم للمرء عمله بالسعادة، وإنّ حقيقة الشقاء أن يُختم للمرء عمله بالشقاء"(18).
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنّة، ثم يُختم له بعمل أهل النار، وإنّ الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يُختم عمله بعمل أهل الجنّة"(19). وهذا بحاجة للطف إلهيّ خاصّ، فلا ينبغي لنا أن نُسوّف التوبّة، فلعلّ الموت يُدركنا قبلها، ولا ينفع عند ذلك ندم.
يُحكى أنّ عابداً في بني إسرائيل اسمه (برصيصا) كان مُستجاب الدعوة. وكان بنو إسرائيل يستشفُون به وأصبح ممن تُنال منه البركة.
وذات يوم عرضوا عليه فتاة مجنونة، فباتت عنده، فسوّل له الشيطان أن يفعل معها الحرام!
وبعد أن أفاق من فعلته الشنيعة أراد أن يواري فعلته، فقتلها، وأخفى جُثّتها.
وشاء الله أن يفضحه فحُكم عليه بالصلب أمام أنظار الناس، وقبل أن يُنفّذ عليه حكم الإعدام، عرض له الشيطان مرّة أخرى، وقال له: ألا تُريد الخلاص من هذا الموت؟
قال العابد: بلى، وكيف ذلك؟
قال الشيطان: بأن تسجد لي فقط!
أجابه العابد: كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة؟
قال الشيطان: أكتفي منك بالإيماء، فأومأ العابد له، فكفر بالله ثم صُلب وخسر الدنيا والآخرة(20).
أرأيت هذا العابد كيف أنه بعد ارتكابه فاحشة الزنا يقوم بجريمة القتل؟…ثمّ ماذا؟ بدل أن يلجأ إلى رحمة الله الواسعة ويرجو العفو والمغفرة، تراه يرجو الخلاص من الشيطان، لتكون خاتمة أعماله أسوأ عاقبة!
لهذا يوصينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا عليكم أن تعجبوا بأحد حتى تنظروا بما يُختم له، فإنّ العامل يعمل زماناً من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنّة ثم يتحوّل فيعمل عملاً سيّئاً"(21).
كيف السبيل إلى حُسن العاقبة؟
هناك موجبات إن قُمنا بها كانت عاقبتنا حسنة وخاتمة حياتنا سعادة وخيراً، وفي المقابل هناك موجبات إن وقعنا فيها كانت عاقبتنا سيّئة وخاتمة حياتنا شقاءً وشرّاً.
فمن موجبات حُسن العاقبة، ما يلي:
1- الالتزام بعمود الدين، وميزان قبول الأعمال أو ردّها، أي صلاتنا. قال تعالى: ﴿ وأْمُرْ أهْلك بِالصّلاةِ واصْطبِرْ عليْها لا نسْألُك رِزْقًا نّحْنُ نرْزُقُك والْعاقِبةُ لِلتّقْوى﴾(22).كما أوصانا الإمام الصادق عليه السلام بصلاة الليل قائلاً: "عليكم بصلاة الليل فإنّها سنّة نبيّكم، ودأب الصالحين قبلكم، ومطردة الداء عن أجسادكم"(23).
2- تجنّب خصلة العلوّ والتكبّر على الآخرين مهما بلغنا من مقامات ومراتب في هذه الدنيا الدنيّة، وأن نُدرِك جيّداً أنّ المعيار عند الله تعالى ليس علمنا أو جهلنا، وليس أن نكون أغنياء أو فقراء…
بل المعيار هو التقوى. قال تعالى: ﴿تِلْك الدّارُ الْآخِرةُ نجْعلُها لِلّذِين لا يُرِيدُون عُلُوًّا فِي الْأرْضِ ولا فسادًا والْعاقِبةُ لِلْمُتّقِين﴾(24).
قال الإمام عليّ عليه السلام: "إن الرجل ليُعجبُه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها" أي تحت هذه الآية(25).
3- تعظيم الله سبحانه وحمده وشكره على جزيل نعمه، فضلاً عن إكرام عباده والإحسان إليهم، وأن نسعى في قضاء حوائجهم. قال الإمام الصادق عليه السلام: "إن أردت أن يُختم بخير عملك حتى تُقبض وأنت في أفضل الأعمال فعظِّم لله حقّه، أن تبذل نعماءه في معاصيه، وأن تغترّ بحلمه عنك، وأكرم كلّ من وجدته يُذكر منّا أو ينتحل مودّتنا"(26).
وعن الإمام الكاظم عليه السلام: "إنّ خواتيم أعمالكم قضاء حوائج إخوانكم والإحسان إليهم ما قدرتم، وإلا لم يُقبل منكم عمل، حنّوا على إخوانكم، وارحموهم تلحقوا بنا"(27).
4- أن نعلم علم اليقين القاطع الّذي لا يشوبه شكّ أو ظنّ، بأنّ كلّ سعادة نعيشها، وكلّ خير وتوفيق في هذه الدنيا هو من الله تعالى وفضله ورحمته، بل حتّى حالة الشقاء والصعاب الّتي نعيشها لا تخلو من لطف إلهيّ ونظرة رحمانيّة قد تُطهِّر قلوبنا وتُنقذنا من عذاب وعقاب أليم.
عن الإمام عليّ عليه السلام قال: - لمّا نظر إلى رجل أثّر الخوف عليه -: "ما بالك؟
قال: إنّي أخاف الله.
فقال عليه السلام: "يا عبد الله خف ذنوبك، وخف عدل الله عليك في مظالم عباده، وأطعه فيما كلّفك، ولا تُعصه فيما يُصلحك، ثمّ لا تخف الله بعد ذلك فإنّه لا يظلم أحداً، ولا يُعذِّبه فوق استحقاقه أبداً، إلّا أن تخاف سوء العاقبة بأن تُغيِّر أو تُبدِّل، فإن أردت أن يؤمنك الله سوء العاقبة فاعلم أنّ ما تأتيه من خير فبفضل الله وتوفيقه، وما تأتيه من سوء فبإمهال الله وأنظاره إياك وحلمه وعفوه عنك"(28).
أما موجبات سوء العاقبة، فمنها:
1- عدم الاعتبار بالأمم والمجتمعات السالفة وقراءة السنن الإلهيّة في خلقه، تلك الأمم الّتي كانت خاتمة دنياها سوء العاقبة وشرّها. والله سبحانه قد دعانا في محكم كتابه العزيز إلى قراءة سننه وما جرى على هذه الأمم والمجتمعات: ﴿قدْ خلتْ مِن قبْلِكُمْ سُننٌ فسِيرُواْ فِي الأرْضِ فانْظُرُواْ كيْف كان عاقِبةُ الْمُكذّبِين﴾(29)، وفي قوله: ﴿وأمْطرْنا عليْهِم مّطرًا فانظُرْ كيْف كان عاقِبةُ الْمُجْرِمِين﴾(30).2- وأيضاً من يصدّون عن سبيل الله ويحاربون من آمن به، فضلاً عن الكذب على الله سبحانه فأولئك لهم سوء العاقبة، قال تعالى: ﴿ولا تقْعُدُواْ بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُون وتصُدُّون عن سبِيلِ اللهِ منْ آمن بِهِ وتبْغُونها عِوجًا واذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قلِيلاً فكثّركُمْ وانظُرُواْ كيْف كان عاقِبةُ الْمُفْسِدِين﴾(31)، وقال سبحانه: ﴿بلْ كذّبُواْ بِما لمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ ولمّا يأْتِهِمْ تأْوِيلُهُ كذلِك كذّب الّذِين مِن قبْلِهِمْ فانظُرْ كيْف كان عاقِبةُ الظّالِمِين﴾(32).
ومضات نورانيّة:
- روى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه: "أوحى الله إلى موسى بن عمران عليه السلام: يا موسى! ارض بكسرة خبز من شعير تسدّ بها جوعتك، وخرقة تواري بها عورتك، واصبر على المصيبات. فإذا رأيت الدنيا مُقبِلة فقل: إنا لله وإنا إليه راجعون عقوبة عُجّلت في الدنيا. وإذا رأيت الدنيا مُدبِرة والفقر مُقبِلاً فقل: مرحباً بشعار الصالحين"(33).- وروي في حديث المعراج:
"يا أحمد، عليك بالصمت، فإنّ أعمر مجلس قلوب الصالحين والصامتين. وإنّ أخرب مجلس قلوب المتكلّمين بما لا يعنيهم"(34).
- وقال الإمام عليّ عليه السلام: "ألا أيُّها الناس! إنّما الدنيا عرض حاضر يأكل منها البرّ والفاجر، وإنّ الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر"(35).
- وفي دعاء مكارم الأخلاق يدعو الإمام زين العابدين عليه السلام: "اللّهمّ صلِّ على محمد وآله وحلّني بحلية الصالحين، وألبسني زينة المتّقين في بسط العدل، وكظم الغيظ، وإطفاء النائرة، وضمِّ أهل الفرقة، وإصلاح ذات البين، وإفشاء العارفة، وستر العائبة، ولين العريكة، وخفض الجناح، وحسن السيرة، وسكون الريح، وطيب المخالقة، والسبق إلى الفضيلة، وإيثار التفضُّل، وترك التعيير والإفضال على غير المستحقّ، والقول بالحق وإن عزّ، واستقلال الخير وإن كثُر من قولي وفعلي، واستكثار الشرّ وإن قلّ من قولي وفعلي. وأكمل ذلك لي بدوام الطاعة، ولزوم الجماعة، ورفض أهل البدع ومستعملي الرأي المخترع"(36).
المفاهيم الأساس
1. سبيل الصالحين الإيمان بالله والدعوة إليه وإعلاء كلمته.2. ذخيرة الصالحين في الدنيا والآخرة هو العمل الصالح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3. يعيش المؤمن في هذه الدنيا في صراع بين حسن الخاتمة وسوء الخاتمة، وما قبول الأعمال إلّا بخواتمها.
4. إنّ التزام الطاعة الإلهية وابتغاء رضوانه هو السبيل إلى حسن العاقبة، وفي المقابل فإنّ ارتكاب المعاصي والذنوب هو السبيل إلى سوء العاقبة.
5. من موجبات حسن العاقبة: الالتزام بالصلاة، تجنّب التكبُّر، قضاء حوائج الإخوان، ومن موجبات سوء العاقبة: عدم الاعتبار بالأمم السالفة، الكذب على الله تعالى.
ورد في الخبر أنّ (ذا القرنين) لمّا سار مع قومه طالباً عين الحياة، وصل إلى وادي الظلمات، فوطئ جماعته بأقدامهم شيئاً دون أن يعرفوا ما هو، فسألوه عنه.
فأجابهم بكلام جميل: هذه الأرض من حمل منها شيئاً ندم، ومن لم يحمل منها شيئاً ندم…
فبعضهم قال: طالما أنّ العاقبة هي الندامة، فلماذا نحمل؟ وبعضهم الآخر قال: نحمل فلن نخسر شيئاً..
فلمّا صاروا إلى النور نظروا وإذا ما في أيديهم مجوهرات فالذي لم يحمل ندم، والّذي حمل أيضاً ندم، لماذا لم يحمل أكثر؟!
من هذه القصة القصيرة نستنتج أنّ حياتنا أشبه ما تكون في هذه الدنيا بوادي الظلمات، وعندما نخرج من هذه الدنيا إلى عالم الآخرة حيث النور الإلهيّ، ستنجلي الحقيقة أمام أعيننا…
فالّذي عمل واجتهد سوف يندم أنّه لماذا لم يعمل أكثر؟ بل سيتحسّر على ما مضى من تحصيل المزيد من عظيم الثواب والأجر.
وأمّا من لم يعمل شيئاً لآخرته وانشغل بملذّات الدنيا وشهواتها فسوف يندم ويعضّ على يديه ويصرخ باكياً: أرجعوني لعلي أعمل صالحاً..! ولكن هيهات...
المصادر :
1- الأنبياء:85، 86.
2- الأنبياء:74، 75.
3- الأنعام:85.
4- العنكبوت:27.
5- الصافات:99، 101.
6- النمل:19.
7- المائدة:83.
8- آل عمران:114.
9- يوسف:53.
10- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 74، ص 23.
11- الصحيفة السجـّاديّة.
12- م. ن.
13- غرر الحكم، ح 2215.
14- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 24، ص 27.
15- معاني الأخبار، ص 348.
16- ميزان الحكمة، الريشهري، ج 1، ص 724.
17- أمالي الصدوق، ص 577.
18- معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ص 345.
19- كنز العمال، ح 545.
20- بحار الأنوار، ج 14، ص 486.
21- كنز العمال، ح 589.
22- طه:132.
23- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 84، ص 149.
24- القصص:83.
25- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج1، ص36.
26- عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 1، ص 7.
27- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 72، ص 379.
28- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ح 67، ص 392.
29- آل عمران:137.
30- الأعراف:84
31- الأعراف: 86.
32- يونس:39.
33- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 13، ص 361.
34- ميزان الحكمة، الريشهري، ج 3، ص 2737.
35- م. ن، ج1، ص 32.
36- الصحيفة السجادية، الدعاء 20.