التعقيد في علم الكلام

الظاهر أن لا اختلاف كبير في تعريف علم الكلام وفائدته والغرض من وضعه ، فقد قال الايجي : « الكلام علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينيّة بإيراد الحجج ودفع الشبه » .
Wednesday, October 19, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
التعقيد في علم الكلام
 التعقيد في علم الكلام

 






 

الظاهر أن لا اختلاف كبير في تعريف علم الكلام وفائدته والغرض من وضعه ، فقد قال الايجي : « الكلام علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينيّة بإيراد الحجج ودفع الشبه » .
قال : فائدته : أمور :
الأول : الترقي من حضيض التقليد الى ذروة الايقان ...
الثاني : إرشاد المسترشدين بإيضاح المحجّة ، وإلزام العاندين بإقامة الحجة .
الثالث : حفظ قواعد الدين عن أن تزلزلها شبه المبطلين .
الرابع : أن يبنى عليه العلوم الشرعيّة فإنّه أساسها ...
الخامس : صحة النّية والاعتقاد ، إذ بها يرجى قبول العمل
قال : « وغاية ذلك كلّه الفوز بسعادة الدارين » .
وقال التفتازاني : « الكلام هو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلّة اليقينية » قال : « وغايته : تحلية الايمان بالايقان ، ومنفعته : الفوز بنظام المعاش ونجاة المعاد » .
والفيّاض اللاهيجي شارح التجريد ذكر كلا التعريفين في كتابه ( شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام ) .
فالغرض الذي من أجله وضع علم الكلام من قبل علماء الاسلام هو معرفة أصول الدين عن طريق الاستدلال بالعقل والنقل ، ليكون أبناء الدين على علم بالأسس التي بنيت عليها عقائدهم ، إذ التقليد في الأصول غير جائز عند اكثر العلماء ـ إن لم يكن كلّهم ـ وأنّه لا بد على كلّ مكلّف من النظر فيها .
فهذا هو الهدف الأول من وضع هذا العلم وتدوينه والتأليف فيه ، فهو من العلوم الضرورية للأمة ، لأنه العلم المتكفّل لبيان ما على المكلّفين الالتزام به من الناحية الاعتقادية ، كما أن علم الفقه يتكفّل بيان ما يجوز وما لا يجوز لهم من الناحية العملية جواز التقليد فيه .
وكما أن علم الفقه هو السبب في بقاء الشريعة في أحكامها الفرعية ، كذلك علم الكلام في الحفاظ على الأصول الاعتقاديّة .
على أن من الطبيعي أنّه إذا استوعب الإنسان الأدلّة والبراهين ، تمكّن من الدّفاع عن معتقداته ، والاجابة عن الشبهات المتوجهة اليه ، بل ودعوة الآخرين إليها بقلمه ولسانه .
ومن هنا كثر اهتمام العلماء بهذا العلم ، وكثرت الكتب المؤلّفة فيه من مختلف المذاهب الاسلاميّة .
علم الكلام من أسباب هزائمنا ؟
تبيّن أن موضوع علم الكلام هو أصول الدين ، من التوحيد وصفات الباري ، والنبوة وشئونها والنّبي وصفاته ، والمعاد ... وغير ذلك ... وأن الغرض منه معرفة هذه الاصول ودعوة الآخرين إليها بالحكمة والموعظة الحسنة ...
فكيف يكون من أسباب هزائم المسلمين أمام اعداء الاسلام ؟
إنّه طالما بنيت الأصول الإعتقادية على الحق ، وقصد بالبحث عنها الوصول الى الحقيقة والواقع ، والتزم الباحث ـ لا سيّما في مرحلة إقامة الحجة على الغير ـ بالعدل والانصاف ، والاخلاق الكريمة ، والقواعد المقرّرة للمناقشة والمناظرة ...
كان علم الكلام من خير أسباب صمودنا أمام الأعداء .
ووحدتنا فيما بيننا ...
أمّا إذا كان الغرض من علم الكلام هو التغلّب على الخصم ولو بالسبّ والشتم ، فلا شك في أن هذا الأسلوب فاشل ، وأنّه سيودّي الى تمزّق المسلمين وتفرّق صفوفهم ، وإلى الهزيمة أمام الأعداء ...
فالقول بأنّ « أسلوب علم الكلام فشل حتى الآن »
وأنه « أحد أسباب هزائمنا » على اطلاقه ليس بصحيح ...
وعلى الجملة ، فإنّ علم الكلام لم يكن في يومٍ من الأيام من أسباب ضعف المسلمين ، وهزيمتهم ، بل كان ـ متى ما استخدم على حقيقته واتّبعت أساليبه الصحيحة ، وطبقّت قواعده الرّصينة ـ من أسباب وحدة كلمة المسلمين ورصّ صفوفهم وصمودهم أمام الخصوم ...
ولا ننكر أن بعض المتكلّمين اتّخذوه وسيلةً لتوجيه عقائدهم الباطلة وأفكارهم الفاسدة ، إلاّ أنّ هذا لا يختص بعلم الكلام ، فقد اتخذ غيره من العلوم الاسلامية وسيلةً للأهداف والأغراض المخالفة للحق والدين ... وهذا لا يسوّغ إتهام « العلم » بل على النّاس أن يفرّقوا بين المتكلّمين ، فيعرفوا المحق فيتبّعوه ، ويعرفوا المغرض فيحذروه ...

الامامة في علم الكلام :

وانصبّ اكثر اهتمام علماء الكلام من الفرق المختلفة بموضوع « الامامة » ، لأنّ « الإمامة » كما عرّفت في كتب الشيعة والسنة : « نيابة عن النبي في أمور الدين والدنيا » ولأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال ـ في الحديث المتفق عليه ـ « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » .
فتكون الشئون الدينية والدنيوية منوطة كلها بالامام ، وتكون معرفته ثم طاعته واجبةً في جميع المجالات .
أمّا الشيعة فالإمامة عندهم ـ للحديث المذكور وغيره من الأدلة النقلية والعقلية ـ من أصول الدين ، فيشملها موضوع علم الكلام ... وأما . السّنّة فإنّهم ـ وان اضطربوا وتذبذبوا ـ بحثوا عنها في هذا العلم بالتفصيل .
وعلى كلّ حالٍ فقد أصبح موضوع الامامة يشكل أحد الأبواب الواسعة في الكتب الكلاميّة ، ولا يزال يشغل بال جلّ علماء الكلام ، حتّى ألّفوا فيه كتباً مفردةّ لا تحصى ...

الإمام بعد النبي ؟

واختلف المسلمون في هذه المسألة ، فقيل : الامام بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو « علي بن أبي طالب » ... للنصوص الكثيرة الدالّة على ذلك ، المتفق عليها بين المسلمين ... وقد عرف القائلون بهذا القول بـ « الشيعة » .
وقيل : الإمام بعد النبي هو « أبو بكر بن أبي قحافة » وقد عرف القائلون بهذا القول بـ « السنة » ... لكنّهم يعترفون بأن لا نص على إمامة أبي بكر ... فضلاً عن أن يكون متفّقاً عليه ...
فإذا طولبوا بالدليل ـ بعد الاعتراف بما ذكر ـ قالوا : الدليل إجماع الصّحابة ... في حين يعترفون بأنّ إمامة أبي بكر إنما انعقدت ببيعة « عمر بن الخطّاب » و « أبي عبيدة ابن الجراح » وأن كثيرين من أعلام الصّحابة امتنعوا عن البيعة ، وعلى رأسهم «علي بن أبي طالب » و « الزهراء بضعة الرسول » .

موقف علي والزهراء من خلافة أبي بكر :

ولا ريب في أنهما كانا على رأس الذين أبوا عن البيعة مع أبي بكر ، ففي كتابي البخاري ومسلم :
« كان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلمّا توفيّت فاطمة انصرفت وجوه الناس عنه عند ذلك .
قال : معمر : قلت للزهري : كم مكثت فاطمة بعد النبي « صلی الله عليه وآله وسلم » ؟
قال : ستة أشهر .
فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ـ عليه السلام ـ حتى ماتت فاطمة سلام الله عليها ؟
قال : ولا أحد من بني هاشم » .
قال البيهقي :
« رواه البخاري في الصحيح من وجهين عن معمر .
ورواه مسلم عن إسحاق بن راهويه وغيره عن عبدالرزاق » (1) .
وعن عائشة :
( إن فاطمة ـ عليها السلام ـ ابنة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم
ـ سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم : أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله ممّا أفاء الله عليه . فقال لها أبوبكر : إنّ رسول الله قال : لا نورّث ما تركناه صدقة .
فغضبت فاطمة بنت رسول الله فهجرت أبا بكر .
فلم تزل مهاجرته حتى توفّيت .
وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر » (2) .
فقال التفتازاني :
«وأمّا توقّف علي ـ رضي الله عنه ـ في بيعة أبي بكر رضي الله عنه فيحمل على أنه لما أصابه من الكآبة من الحزن بفقد رسول الله ، صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم لم يتفرّغ للنظر والاجتهاد ، فلمّا نظر وظهر له الحق دخل فيما دخل فيه الجماعة » .
ولا أظنّ التفتازاني نفسه يرتضي هذا الحمل ، ولكنه من « ضيق الخناق » !إنّه يقول هذا بالنسبة إلى « علي » . أمّا بالنسبة إلى غيره فيقول :
إنّهم اشتغلوا بأمر الإمامة عن دفن الرّسول » !!
ولا يعرّض التفتازاني ـ ولا غيره ـ إلى الجواب عن إباء الزهراء الصدّيقة وامتناعها من البيعة لأبي بكر ، حتى أنّها توفّيت ولم بتايعة ، ولم يحملها بعلها على البيعة ، وهما يعلمان بأنّ « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة » !
والزهراء ـ كما يعلم الجميع ـ بضعة الرّسول وروحه التي بن جنبيه ، من أغضبها فقد أغضبه ، كما في الأحاديث المتفق عليها ، والتي لأجلها قال غير واحدٍ من أعلام السنّة بكونها أفضل من الشيخين (3) .
ومن هنا يظهر الجواب عمّا جاء في كلام العضد وشارحه والتفتازاني وغيرهم
من : أنه عليه السلام لو كان هو المنصوص عليه بالإمامة لما ترك محاجّة القوم ومخاصمتهم ، وإظهار النص عليه والتمسّك به (4)

السّنة عيال على المعتزلة :

لكنّ أهل السّنة ـ إذا أمعنت النظر وأنصفت ـ لا أساس لما يقولون به في مسألة الامامة ، بل إنّ غاية ما يحاولونه توجيه ما فعله القوم ، وتبرير ما هو الواقع تاريخياً ، أمّا أنّ الحق ما هو ؟ وما الذّي أراده الله ورسوله منهم ؟
كما أنهم يحاولون الردّ على الأدلة العقلية والنصوص المتفق عليها ...
لكنّهم في هذه المرحلة عيال على متكلّمي المعتزلة ، فإنّ مباحث الامامة في ( المواقف ) و ( المقاصد ) ـ وهما أهّم كتب القوم في الكلام ـ مأخوذة ـ في الأغلب ـ من الفخر الرازي ، وهو في أغلب بحوثه عيال على المعتزلة .
فالشبهات التي طرحوها حول « العصمة » مأخوذة من كتاب ( المغني ) للقاضي عبدالجبار بن أحمد المعتزلي المتوفى سنة 415 ، الذي ردّ عليه الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 بكتاب ( الشافي ) (5)
وكذا إنكار ظهور المعجزة على يد الإمام وعلمه بالمغيّبات (6)
وكذا حملهم نصوص إمامة أمير المؤمنين على زمن ما بعد عثمان (7)
وكذا دعوى التفتازاني أنّ النصّ الجلي على أمير المؤمنين ممّا وضعه هشام بن الحكم ونصره فلان وفلان (8)
وهكذا غيرها ... كما لا يخفى على المتتبّع .
ووجدنا في أهل السنة المعاصرين من يخالف أسلافه في إنكار النص ، إنما يصحّح خلافة من تقدّم على علي بدعوى الإمام عن الامامة ، وهو في هذا تبع للمعتزلة .

أثر علم الكلام في التشيّع :

وكما ذكرنا من قبل ... فإنّ اذا کان الاستدلال منطقياً والبحث سليماً ، وكانت الأدلة على أسس رصينةٍ وقواعد متينة ... فلا شك في تأثيره في القلوب الطالبة للحق ، المحبّة للخير والفلاح ...
وبالفعل ... فقد كان لعلم الكلام وأساليبه الصحيحة المستندة الى الكتاب والسنة والعقل السليم الاثر البالغ في تقدم مذهب الامامية وتشيّع الأمم ...
ويكفينا ـ في هذا المجال ـ ذكر سبب تشيع أهالي جبل عامل (9) عن أحد كبار علماء تلك المنطقة :
« روي أنّه لمّا مات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، لم يكن من شيعة علي عليه السلام إلاّ أربعة مخلصون : سلمان ، والمقداد ، وأبو ذر ، وعمّار . ثم يتبّعهم جماعة قليلون اثنا عشر ، وكانوا يزيدون ويكثرون بالتدريج ، حتى بلغوا ألفاً وأكثر ، ثم في زمن عثمان لمّا أخرج أبا ذر إلى الشام بقي أيّاماً ، فتشّيع جماعة كثيرة ، ثم أخرجه معاوية إلى القرى ، فوقع في جبل عامل ، فتشيّعوا من ذلك اليوم ... فظهر أنه لم يسبق أهل جبل عامل في التشيّع إلاّ جماعة محصورون من أهل المدينة ، وقد كان أيضاً في مكة والطائف واليمن والعراق والعجم شيعة قليلون .
وكان أكثر الشيعة في ذلك الوقت أهل جبل عامل (10) .
ومن هنا قال السيد الصّدر العاملي ـ في فصل علم الكلام ـ : « وأمّا أوّل من ناظر في التشيّع .. هو المولى الأعظم والإمام الأقدم ، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : أبوذر الغفاري ، رضي الله تعالى عنه » ثم ذكر الكلام السّابق وغيره وتشيع أهالي جبل عامل على يده (11) .
المصادر :
1- السنن الكبرى 6 / 300 .
2- صحيح البخاري . كتاب الخمس ، وفي باب غزوة خيبر . أخرجه هو مسلم في باب قوله « ص » : لا نورّث .
3- فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 4 / 421 .
4- شرح المواقف 8 / 354 ، شرح المقاصد 5 / 360 .
5- الشافي 1 : 137 ، 300 .
6- الشافي 2 / 26 .
7- الشافي 2 / 305 .
8- الشافي 2 / 119 .
9- إنما اخترنا هذا المورد للاستشهاد تنبيهاً على كلمةٍ لأحد علماء هذه المنطقة يقول فيما وهو يتهجّم على علم الكلام : « لم يتشيّع سنيّ إلاّ على مستوى الأفراد والقناعات » .
10- أمل الآمل في علماء جبل عامل 1 / 13 .
11- تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام : 351 .

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.