علاقة الطبيب بالممرض

على الطبيب ان لا يرهق الممرض ويجعله يتضايق نفسيا لان ذلك يمكن ان يؤثر على معاملته واخلاقياته مع المريض ، وبالتالي على مستوى خدمته له ونوعيتها.
Wednesday, February 15, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
علاقة الطبيب بالممرض
 علاقة الطبيب بالممرض

 





 

على الطبيب ان لا يرهق الممرض ويجعله يتضايق نفسيا لان ذلك يمكن ان يؤثر على معاملته واخلاقياته مع المريض ، وبالتالي على مستوى خدمته له ونوعيتها.
كما ان على الممرض ان يحترم الطبيب ، ويسارع الى تلبية طلباته ؛ لانها انما تكون من اجل المريض وفي سبيله ، وليست طلبات شخصية له ..
واذا كان كل من الطبيب والممرض يسعيان الى هدف واحد ، وهو انقاذ المريض ، والتخفيف من آلامه ، ثم الحصول عن طريق ذلك على رضا الله سبحانه ؛ فلماذا لا يتعاونان على الوصول الى ذلك الهدف ، الذي يرضى الله ، والضمير ، والوجدان الانساني؟!.

الممرض في المستشفى :

وبعد كل ما تقدم .. فان العلاقة بين الممرض والمريض تصبح واضحة ، وكذا السلوك العام للممرض في مختلف احواله ومواقفه ؛ فان كل ذلك يجب ان يكون اسلاميا بكل ما لهذه الكلمة من معنى ؛ وما ذلك الا لان المريض ـ كما قدمنا ـ قريب من الله ، ومن رحمته وغفرانه ، وهو مستجاب الدعوة ، وليس مرضه الا كرامة ربانية ، ورحمة الهية.
واننا بملاحظة ما تقدم وغيره نستطيع ان نشير الى النقاط التالية :
١ ـ ان على الممرض ان لا يزعج المريض ولا يغيظه ، بل يحافظ على مشاعره ، ويهتم براحته النفسية بكل ما اوتي من قوة وحول .. ولا يحق له ان يزجره او ينتهزه بأي وجه ..
كما ان عليه ان لا يضجره كذلك .. وذلك عملا بقول الصادق عليه‌السلام : « فلا تزعجوه ولا تضجروه » ، او « ولا تزجروه » .. وعنه عليه‌السلام : « اسماع الاصم من غير تضجر صدقة هنيئة » (1).
وهذا يتأكد بالنسبة الى الممرض الذي ربما ينفد صبره احيانا ، بسبب المتاعب التي يتعرض لها في عمله.
نعم .. وهذا هو ما تفرضه الاخلاق الانسانية الفاضلة ، والتعاليم الالهية الكريمة السامية ، وتضافرت عليه النصوص والاثار بالنسبة لغير المريض ايضا ، فكيف بالنسبة اليه :
نعم .. وهكذا الحال بالنسبة الى غير ذلك من اخلاق اسلامية وانسانية ، يفترض في كل مسلم ان يتحلى بها ، ويعامل اخوانه المؤمنين على اساسها ..
٢ ـ ان لا يكون ثمة تمييز بين الغني والفقير ـ سواء في قبول المستشفى لهما ، ام في العناية والخدمات التي يفترض بالمستشفى والممرض ان يقدمها لكل منهما ، وقد تقدم ما يشير الى ذلك في الفصل السابق.
٣ ـ ان يكون الممرض نظيفا حسن المظهر ، بالاضافة الى الاهتمام البالغ بالنظافة سواء بالنسبة للمريض ، او المستشفى بصورة عامة ، ثم تصريفه لجميع الشؤون المطلوبة منه ، والتي يحتاج المستشفى الى تصريفها بالسرعة الممكنة ، والاتقان والجد اللازمين.
٤ ـ انه لابد للذين يشرفون على المريض من ان لا يديموا النظر اليه ، وان لا يسمعوه الاستعاذة من البلاء فان ذلك يجعله يلتفت الى نفسه ، وما حاق بها من بلاء ـ ولا سيما اذا كان مبتلى بعاهة ظاهرة ـ ويعتبر ان هذا النظر اليه انما هو ليتجلى للناظر ذلك النقص الذي يحب هو اخفاءه. ولا بد وان يقايس هذا المبتلى بين النقص الذي يحيق به ، وبين كمال ذلك الناظر اليه ، وهنا لابد وان يتملكه حزن عميق ، وشعور قوي بالمرارة والكآبة ..
وقد « كان محمد بن علي لا يسمع المبتلى الاستعاذة من البلاء » (2) والمراد بمحمد بن علي الإمام الباقر عليه‌السلام.
وروى عن ابي عبد الله الصادق عليه‌السلام : لاتنظروا الى اهل البلاء ؛ فان ذلك يحزنهم .
وفي نص آخر عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) : اقلوا النظر الى اهل البلاء .. او : لا تديموا النظر الخ ...
وفي حديث آخر عنه (صلی الله عليه وآله وسلم) : لا تديموا النظر الى المجذومين (3).
وواضح : ان هذا لا يختص بالمشرفين على شؤون المريض ، بل يعم كل ناظر اليه من غيرهم ايضا .. وان كان هؤلاء يتعرضون لهذا الامر اكثر من غيرهم ..
٥ ـ هذا ،. ولابد من توفر عنصر حسن القيام على المرضى ، وحسن معاملتهم ، كما امر به علي عليه‌السلام مولاه قنبرا ، ثم الاهتمام بقضاء حوائجهم ، فلا يكلفون القيام اليها بأنفسهم .. وقد كان الامام الباقر عليه‌السلام اذا اعتل جعل في ثوب ، وحمل لحاجته ـ يعني الوضوء ـ وذلك انه كان يقول : ان المشي للمريض نكس ، كما تقدم.
وبعد .. فان المبادرة الى قضاء حاجات المريض تستدعي حصول الرضا منه ، والدعاء له منه ، وسيأتي : ان دعاء المريض مستجاب ، كدعاء الملائكة .. هذا كله عدا عن ان ذلك يوفر له الراحة والطمأنينة النفسية ، الامر الذي يجعله اقوى على مواجهة المرض الذي يلم به .. كما هو معلوم ..
واذا كان المريض من اهل بيته ؛ فانه يكون اعظم قربة واجرا عند الله تعالى ؛ فعن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) : « من قام على مريض يوما وليلة بعثه الله مع ابراهيم خليل الرحمان ، فجاز على الصراط كالبرق اللامع ».
وروى علي بن ابراهيم في تفسيره ، في قوله تعالى : انا نراك من المحسنين ، قال : كان يقوم على المريض .
وعن الصادق عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) : من سعى لمريض في حاجة ، قضاها ، او لم يقضها ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه. فقال رجل من الانصار ، بأبي انت وامي يارسول الله ، فان كان المريض من اهل بيته ، او ليس ذلك اعظم اجرا اذا سعى في حاجة اهل بيته؟ قال : نعم (4).
ومن الطبيعي : ان المريض يصير حساسا جدا ، نتيجة لاحساسه بالضعف ، وبحاجته الى الاخرين ؛ فيتأثر ، ويشعر بالمرارة لاقل شيء .. كما ان الناس الذي يقومون عليه ، انما يخدمونه وهم يرون فيه عبئا ثقيلا على كواهلهم ..
واما اولئك الذين يكلفون بنظافته ، وابعاد القذارات عنه ، فان احساسهم بالتبرم والتضجر منه يزيد ، وشعورهم بالقرف والاشمئزاز من حالاته ينمو ويتعاظم .. هذا بالاضافة الى انفعالاتهم النفسية ، تجاه معاناته للالام والمصائب التي يرونها ؛ فمن يقوم على المريض يوما وليلة ؛ فانه لا بد وان يتحمل ويصبر ، ويكبت عواطفه ، ويتحمل المشقات الروحية والجسدية ، فيكون كابراهيم الخليل ، الذي كبت عواطفه وتحمل المحنة في ولده الذبيح.
هذا .. وقد ورد نص بالخصوص بالنسبة للسعي في قضاء حاجة الضرير ؛ فعن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) : من كفى ضريرا حاجة من حوائج الدنيا ، ومشى فيها حتى يقضى الله له حاجته ، اعطاه الله براءة من النفاق ، وبراءة من النار ، وقضى له سبعين حاجة من حوائج الدنيا ، ولا يزال يخوض في رحمة الله حتى يرجع .
هذا كله .. عدا عن الروايات الكثيرة ، التي تحث على قضاء حاجات المؤمنين ومعونتهم ، وتعد بالاجر الجزيل ، والثواب الجميل على ذلك ..
وبعد .. فان ذلك هو ما تقتضيه الرحمة الانسانية ، التي تنشأ عن رؤية عجز وضعف الاخرين. وقد اشار الصادق عليه‌السلام الى ذلك ـ كما روى عنه ـ فقال : لا تنظروا في عيوب الناس كالارباب ، وانظروا في عيوبهم ، كهيئة العبيد ، انما الناس رجلان ، مبتلى ، ومعافى ، فارحموا المبتلى ؛ واحمدوا الله على العافية . كما ورد ان الله انما يقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمته ... الى ان قال : ويكسو العاري ، ويرحم المصاب .
بقي ان نشير اخيرا الى انه لا مانع من ان تمرض الحائض ، المريض (5) ... والذي ورد النهي عنه هو ان تحضره حال احتضاره لا اكثر.
٦ ـ وبكلمة جامعة ،. لابد ان يكون المحيط في المستشفيات والمستوصفات انسانيا ، واسلاميا اليها بكل ما لهذه الكلمة من معنى .. وعلى ذلك .. فلا بد من الاهتمام بالمحافظة على قواعد الشرع ، والتوجيهات الواردة عن المعصومين
تمريض ومعالجة الرجل للمرأة والعكس :
ويواجهنا هنا سؤال ، وهو : هل للرجل ان يتولى علاج ، وتمريض المرأة؟ وهل للمرأة ذلك بالنسبة للرجل ام لا ، واذا كان ذلك جائزاً ، فالى اي مدى؟
وفي مقام الاجابة على هذا السؤال نقول :
اننا اذا راجعنا احاديث جواز النظر لكل من الرجل والمرأة الى الاخر ، مع الاية الكريمة الامرة بغض البصر من قبل كل منهما عن الاخر. فاننا نخرج بنتيجة : ان اختلاط الرجال بالنساء وعكسه ، فضلا عن المعالجة والتمريض بالنظر او باللمس امر مرجوح ومرغوب عنه شرعا ، ولكن لابد لنا هنا من التكلم في ناحيتين :
الاولى : في مداواة المرأة للرجل. ونشير الى :
١ ـ اننا نجد في التاريخ : انهم يذكرون : ان عددا النساء كن يداوين المرضى والجرحى ، كما سنرى ان شاء الله.
٢ ـ عن علي بن جعفر ، عن اخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يكون بأصل فخذه ، او اليته الجرح ، هل يصلح للمرأة ان تنظر اليه ، او تداويه؟ قال : اذا لم يكن عورة فلا بأس (6).
والمراد هنا : العورة بالمعنى الاخص ، لا ما كان عورة بالنسبة الى الجنس الاخر ، كما هو ظاهر.
٣ ـ قد تقدمت الرواية عن علي ابن ابي حمزة ، قال : قلت لابي الحسن عليه‌السلام : المرأة تقعد عند رأس المريض ـ وهي حائض ـ في حد الموت؟ قال : لا بأس ان تمرضه ؛ فاذا خافوا عليه ، وقرب ذلك ؛ فلتنح عنه وعن قربه ؛ فان الملائكة تتأذى بذلك.
وهذه الرواية هي العمدة. ولا يضر وجود علي ابن ابي حمزة في سندها ؛ لاننا نطمئن الى ان الشيعة ما كانوا يروون عنه الا ايام استقامته ، اما بعد انحرافه ووقفه ؛ فقد كان الواقفة عند الشيعة منبوذين مبعدين كالكلاب الممطورة على حد بعض التعابير. وقد بحثنا هذا الموضوع في كتاب ولاية الفقيه في صحيحة عمر بن حنظلة ، فليراجع.
واحتمال .. انصراف هاتين الروايتين الى تمريض ومداواة النساء والمحارم للرجل .. لايمكن قبوله ، لعدم الشاهد على انصراف كهذا .. ولا سيما في رواية علي بن جعفر.
نعم يمكن ان يقال : انه لابد من حملها على صورة الضرورة ، وانه هو المنصرف منها ، كما سيأتي في روايات معالجة الرجل للمرأة ، على اعتبار : ان الحكم الاولى المشترك بين الرجل والمرأة ، والثابت بالايات والروايات ، مطلق ، ولم يفرق بين تطبيب الرجل للمرأة وعكسه ..
ويمكن ان يؤيد هذا الانصراف بأنه لو كان هناك طبيبان احدهما امرأة وامامهما رجل مريض ، فلو تولت المرأة معالجته فان الناس ينتقدون ذلك ، ويستنكرونه ويستغربونه.
ويمكن ان يؤيد ذلك ايضا بالرواية الاتية في النظر الى الخنثى ، حيث وافق الامام عليه‌السلام فيها على عدم جواز نظر المرأة للرجل وعكسه ، وحكم بلزوم النظر في المرآة ..
الا ان الانصراف المذكور غير سليم عن المناقشة ، فان التمثيل بالطبيبين الذين احدهما امرأة لايدل على ذلك ، اذ من القريب جداً : ان يكون ذلك قد انغرس في اذهان الناس بسبب فتاوى العلماء على مر العصور ، من دون ان يتصل بزمان المعصوم ، فلا يكون ذلك كاشفا عن رأي الشارع ..
واما بالنسبة الى الخنثى ، فان الرواية المذكورة ناظرة الى صورة النظر الى العورة منها ، وكلامنا انما هو في النظر الى ما سوى العورة .. كما ان تلك الرواية لم ترد في بيان التكليف في مقام المعالجة او التمريض ، وانما في مقام بيان الطريقة التي يتم بها التعرف على حقيقة الخنثى لاجل الارث ..
وعدا عن ذلك .. فاننا يمكن ان ندعي أن السيرة كانت قائمة في زمن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وبعده على تولي النساء معالجة وتمريض الرجال ..
فقد كان لرفيدة خيمة في المسجد تعالج فيها المرضى ، وتداوى الجرحى ، ولما جرح سعد بن معاذ امر النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) ان يجعل في خيمتها حتى يعوده ، وكان (صلی الله عليه وآله وسلم) يعوده في الصباح والمساء .. كما انها كانت تداوى جرحى المسلمين يوم بني قريظة (7).
وقيل : ان كعيبة بنت سعيد الاسلمية كانت تكون لها خيمة في المسجد لمداواة المرضى والجرحى ، وكان سعد بن معاذ عندها تداوى جرحه حتى مات. وهي اخت رفيدة ولعل خيمتهما واحدة.
وكانت كل من : ليلى الغفارية ، وام كبشة القضاعية ، وأم سلمة ، ومعاذة الغفارية ، وام سليم ، وربيع بنت معوذ ، وام زياد الاشجعية في ست نسوة ، وام ايمن ، وام سنان الاسلمية ، وام عطية الانصارية كن كلهن يخرجن معه (صلی الله عليه وآله وسلم) في الغزوات لمداواة الجرحى ، ومعالجة المرضى .. بل ان ام عطية قد خرجت معه (صلی الله عليه وآله وسلم) في سبع غزوات من اجل ذلك وامرأة اخرى خرجت معه في ست غزوات من اجل ذلك ايضا.
وعن انس ، قال : كان رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)‌وسلم يغز وبأم سليم ونسوة معها من الانصار ، يسقين الماء ، ويداوين الجرحى .
وعن ربيع بنت معوذ : كنا مع النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) نسقى ونداوى الجرحى ، ونرد القتلى (8). وعن حشرج ابن زياد الاشجعي ، عن جدته ام ابيه ، انها قالت : انها خرجت في خيبر مع خمس نسوة اخريات لاجل مداواة الجرحى وغير ذلك ، فاسهم لهن (صلی الله عليه وآله وسلم) تمرا.
وعن ام سلمة ، قالت : كان رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) يغزو بنا نسوة من الانصار نسقى ونداوى الجرحى
وعن الزهري : كانت النساء تشهدن مع النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) المشاهد ، ويسقين الماء ويداوين الجرحى .ومثل ذلك عن مالك في العتيبة .
وسئل ابراهيم عن جهاد المرأة ، فقال : كن يشهدن مع رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) ، فيداوين الجرحى ، ويسقين المقاتلة .
وكتب ابن عباس في جواب نجدة الحروري : كتبت اليّ تسألني : هل كان رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن ، فيداوين الجرحى (9).
وعن يوم عماس يقول المسعودي وغيره : « واقبل المسلمون على قتلاهم ، فأحرزوهم ، وجعلوهم وراء ظهورهم ، وكان النساء والصبيان يدفنون الشهيد ، ويحلمون الرثيث الى النساء ، ويعالجونهم من كلومهم الخ .. »
فكل ذلك يكون مؤيدا لجريان السيرة على تمريض النساء للرجال ، كما دل عليه خبر علي ابن ابي حمزة ، وعلي بن جعفر .. هذا .. ولكننا نجد في مقابل ذلك :
١ ـ ما رواه الطبراني من ان امرأة من عذرة استأذنت النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) ، ان تخرج في جيش كذا وكذا ، فلم يأذن لها ، فقالت : يا رسول الله ، انه ليس اريد ان اقاتل ، وانما اريد ان اداوي الجرحى والمرضى ، او اسقى المرضى؟!
قال : لولا ان تكون سنة ، ويقال : فلانة خرجت لاذنت لك ، ولكن اجلسي.
وروى بهذا المضمون له (صلی الله عليه وآله وسلم) مع ام كبشة القضاعية .
٢ ـ كما انه (صلی الله عليه وآله وسلم) لم يأذن لام ورقة الانصارية بالغزو معه ، لمداواة الجرحى ، وتمريض المرضى (10).
ولكن الحقيقة هي : ان هذا لا يضر في دلالة كل ما سبق ، بل هو مؤيد له ، لانه قد علل منعه لها في الاولى بأنه : لايحب ان يكون ذلك سنة ، فهو لا يحب ان تجرى العادة على اخراجهن في الغزو كذلك ، ولولا ذلك لاذن لهن.
وأما بالنسبة لأم ورقة ، فانه لم يظهر لنا الوجه في منعها ، ولعله لخصوصية ترتبط بها ، لا لأجل ان ذلك غير جائز للنساء مطلقاً.
وهكذا .. يتضح : انه يمكن دعوى : ان السيرة كانت جارية في زمن الرسول على تمريض النساء للرجال ..
الا ان يقال : ان السيرة هذه لم تثبت الا من طرق غير الشيعة ، فلا حجية فيها وهو كما ترى.
او يدعى اعراسض المشهور عن خبري ابن أبي حمزة ، وعلي بن جعفر ، وهو موجب ـ عند البعض ـ لضعف سندهما ، ومن ثم عدم الاقدام علىالإفتاء بمضمونهما .. او حملهما على صورة الضرورة ، وحمل ما تقدم نقله كله على هذه الصورة ايضا. ولعل لأجل هذا نجد : اهل الفتوى لا يفرّقون ـ عموما ـ بين الرجل والمرأة في هذه المسألة كما سيأتي .. كما ان الحمل على صورة الضرورة او غيرها وملاحظة ما يرمي اليه الشارع في تحديداته للعلاقات بين الرجل والمرأة يستدعي الاقتصار على العجائز منهن ، كما هو واضح.
الثانية : مداواة وتمريض الرجل للمرأة :
وقد تقدم : ان جسد المرأة كله عورة بالنسبة الى الرجل ، وان كان النظر الى بعض المواضع ـ كالعورة ـ اشد قبحا ومفسدة من النظر الى البعض الاخر ، كالذراع مثلا ...
ومن هنا. ، فان معالجة المرأة تنحصر في النساء امثالها ، فيجوز للمرأة ان تعالج المرأة ، لكن يحرم عليها النظر الى الفرج ، الا في مقام الضرورة ، فيقتصر منها على ما تندفع به ، فان امكن الاكتفاء بالنظر في المرآة ، لم يجز التعدي الى النظر المباشر ـ كما سيأتي في رواية النظر الى الخنثى ـ وان لم يكن الا بالنظر المباشر جاز بمقدار الضرورة ، زمانا ، وكيفية ، ولايجوز الرجوع الى الرجال مع وجود المماثل .. ولاجل هذه الضرورة طلب امير المؤمنين عليه‌السلام من داية الكوفة ان تنظر الى الجارية : أبكر هي ، أم ثيب وروى مثله عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) الاّ ان يقال : ان ذلك انما يتم باللمس وهو لا يلازم النظر.
ثم هناك ما يدل على قبول شهادة النساء فيما لا يحل للرجال النظر اليه ، كالولادة والنكاح ، فراجع ابواب الشهادات في كتب الحديث والرواية ..
كما انه اذا امكن الاكتفاء بالنظر لم يجز التعدي الى اللمس المباشر ، مع عدم امكان كونه من وراء ثوب ونحوه .. الى غير ذلك مما تقدمت الاشارة اليه ..
ويدل على عدم جواز مداواة الرجل للمرأة مع امكان معالجة النساء لها ..
١ ـ ما عن علي بن جعفر ، انه سأل اخاه عن المرأة : يكون بها الجرح ، في فخذها ، او عضدها ، هل يصلح للرجل ان ينظر اليه ، ويعالجه؟ قال لا
٢ ـ وعن علي بن جعفر عن اخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة : لها ان يحجمها رجل؟ قال : لا ..
٣ ـ بل لقد روى ان امير المؤمنين عليه‌السلام سئل عن الصبي : يحجم المرأة؟ قال : اذا كان يحسن يصف ، فلا (11).
ولعل نظره عليه‌السلام الى كراهة ان يرى الصبي من المرأة المواضع الخفية
اذا كان قد قارب البلوغ ، وصار يحسن يصف .. او انه ناظر الى الحجامة في موضع يمنع عنه حتى الصبي ..
٤ ـ ويدل على ذلك الاخبار الدالة على الجواز في حال الاضطرار كما سنرى.
نعم لو اضطرت المرأة الى ان يتولى الرجل معالجتها جاز ذلك ، ولكن بمقدار ما ترتفع به الضرورة ، فقد روى :
١ ـ عن علي (عليه السلام) في المرأة يموت في بطنها الولد ، فيتخوف عليها؟ قال : لا بأس ان يدخل الرجل يده فيقطعه ، ويخرجه ، اذا لم ترفق بها النساء ..
٢ ـ عن الباقر عليه‌السلام : انه سئل عن المرأة تصيبها العلل في جسدها ، ايصلح ان يعالجها الرجل؟ قال : اذا اضطرت الى ذلك فلا بأس .
وفي نص آخر : سألته عن المرأة المسلمة ، يصيبها البلاء في جسدها : اما كسر او جرح ، في مكان لا يصلح النظر اليه ، فيكون الرجل ارفق بعلاجه من النساء ، ايصلح له النظر اليها؟ قال : اذا اضطرت اليه فليعالجها ان شاءت .
٣ ـ ويقال : ان الشمردل قال للنبي (صلی الله عليه وآله وسلم) : اني كنت اتطبب فما يحل لي ، فانني تأتيني الشابة؟ قال : فصد العرق ، وتحسيم الطعنة ، ان اضطررت الخ ».
واخيرا .. فقد قال ابن ادريس في السرائر : « اذا اصاب المرأة علة في جسدها ، واضطرت الى مداواة الرجال لها ، كان جائزا .. وقال العلامة قدس‌سره في المنتهى : يجوز الاستيجار للختان ، وخفض الجواري الخ ».(12)
هذا .. ولكن قال في العروة الوثقى : « يستثنى من عدم جواز النظر من الاجنبي والاجنبية مواضع : « منها » مقام المعالجة ، وما يتوقف عليه من معرفة نبض العروق ، والكسر ، والجرح ، والفصد ، والحجامة ، ونحو ذلك ، اذا لم يمكن بالمماثل ، بل يجوز المس واللمس حينئذ ».
وقال : « اذا توقف العلاج على النظر دون اللمس ، او اللمس دون النظر ، يجب الاقتصار على ما اضطر اليه ، فلا يجوز الاخر بجوازه ».
وقال نائب الإمام السيد الخميني ، دام عزه وبقاه : « يستثنى من حرمة النظر واللمس في الاجنبي والاجنبية مقام المعالجة ، اذ لم يمكن بالمماثل ، كمعرفة النبض ، اذ لم تمكن بآلة ، نحو الدرجة ، وغيرها. والفصد ، والحجامة ، وجبر الكسر ، ونحو ذلك. ومقام الضرورة ، كما اذا توقف استنقاذه من الغرق على النظر واللمس. واذا اقتضت الضرورة ، او توقف العلاج على النظر دون اللمس ، او العكس اقتصر على مقدار الضرورة ، فلا يجوز الاخر ، ولا التعدي ».
واما النظر الى عورة غير المسلم وهم الذين لا يهتمون عادة بالتستر ، فيدخلون الحمامات بلا ازر ـ كما يفهم اجمالا او ان ذلك هو القدر المتيقن ـ فليس فيه اشكال شرعي ، كما نصت عليه الرواية المعتبرة (13).
النظر الى الخنثى :
وأما بالنسبة للنظر الى الخنثى فانه ينبغي الاجتناب عن النظر المباشر اليها لكل من الرجل والمرأة احتياطا للدين .. فلو امكن معالجتها بواسطة المرآة تعين ذلك. واما بالنسبة الى النظر الى العورة ؛ مع عدم معرفة مماثلها ، ليصار اليه ،لاخفية المفسدة بالنسبة الى نظر غير المماثل .. فقد سأل يحيى بن اكثم الإمام الهادي عليه‌السلام ، عن قول علي (عليه السلام) : « ان الخنثى يورث من المبال » ، وقال : فمن ينظر ـ اذا بال ـ اليه؟ ، مع انه عسى ان تكون امرأة وقد نظر اليها الرجال ، او عسى ان يكون رجلا وقد نظر اليه النساء ، وهذا لا يحل.
فأجاب عليه‌السلام : ان قول علي حق ، وينظر قوم عدول ؛ يأخذ كل واحد منهم مرآة ، وتقوم الخنثى خلفهم عريانة ، فينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه .
تشريح الموتى :
لقد منع الاسلام من الاعتداء على جسد الميت المسلم ، بقطع رأسه ؛ او كسر عظمه ، او شق بطنه الى غير ذلك من انحاء الاعتداء ، وقرر الدية والارش في ذلك ، واعتبر ، ان حرمته ميتاً كحرمته حيا ، بل اعظم. كما في بعض الروايات (14).
وهذا يعنى : انه لايجوز ممارسة ما يسمى اليوم بالتشريح للميت ، سواء اكان لاجل التعلم ، او لاي سبب آخر ، الا اذا دعت الضرورة الى ذلك ؛ فانها حينئذ تقدر بقدرها ..
ويمكن ان يقال :
ان الروايات يمكن ان تكون ناظرة الى التشريح ، او قطع العضو عدوانا وتشفيا ، فلا تشمل التشريح لغرض عقلائي ، كالتعلم مثلا ..
ولكنه كلام لايمكن قبوله : وذلك لامرين : احدهما : ان بعض النصوص قد قررت الكفارة على من جرح ميتا خطأ ، مع انه لاعدوان فيه ( فتأمل ) .. الثاني : ان التعليل بأن حرمته ميتاً كحرمته حياً ، لم يفصل فيه بين صورة التعليم وبين غيرها .. فكما لايجوز ذلك لاجل التعليم في حياته ، فكذا لايجوز ذلك في حال موته ..
وأما الاستدلال على حرمة التشريح بأحاديث النهي عن المثلة ، فهو لا يصح ، وذلك لان النهي عنها يمكن ان يكون من اجل ان الغرض منها هو التشفي ، وليس هذا امرأً عقلائياً. بخلاف التشريح ، فانه يتعلق به غرض عقلائي مطلوب ومرغوب فيه كالتعلم ونحوه .. هذا بالاضافة الى ان تجويز المثلة يستتبع ان يقدم العدو على مثل ذلك بالنسبة الى الشهداء من المسلمين ، فيكون سببا لهتك حرمتهم ، وهو امر مرغوب عنه شرعا ، مع عدم ترتب فائدة معقولة على ما كان سبباً او داعياً له كما قلنا ..
بقى ان نشير الى انه قد ورد في بعض النصوص : ان حرمة « المؤمن » او « المسلم » ميتاً كحرمته حياً ، (15)
اما باقيها ، فعبرت بـ « الميت » و « رجل ميت » ونحو ذلك .. ولم تذكر : انه مؤمن او مسلم .. فيحمل المطلق منها على المقيد .. كما انه يمكن دعوى انصراف سائر الروايات الى خصوص الميت من المسلمين ، لانه هو محل ابتلائهم ، وهو الذي يعنيهم السؤال عنه ..
وعليه فلا يشمل جثة من لم يكن مسلما حتى ولو كان ذميا .. وما ورد من وجوب الدية في الذمي ، او الارش في اعضائه .. فانما هو حق جعل له من اجل حفظ حياته ، وعدم حصول فوضى في المجتمع ، نتيجة للاعتداء عليهم ، كما تشير اليه موثقة سماعة ، التي تثبت الدية في قتل الذمي.
أما بعد موته ، فلا فرق بين جثته وبن غيرها من غير المسلمين ..
الاّ ان يتمسك بعموم التعليل ، ليشمل كل من كان له حرمة في حالة الحياة ، حتى الذمي مع عدم التفات الى ما ذكرناه ، من ان ذلك حق له ، لا اكثر ، ولا اقل ، ولعل ذلك هو الداعي لصاحب القواعد لان يعتبر ان « فيه عشر دية الحر الذمي » (16) ..
ولكن ما ذكرناه هو الاظهر والاقرب ..
أما بالنسبة للكافر المحارب للاسلام وللمسلمين ، والمعاهد ، فلا حرمة له حياً ، فلا تكون له حرمة بعد موته ، فلا مانع من تشريحه لاي غرض كان ، ولا دية ، ولا اثم فيه ..
المصادر :
1- البحار ج ٧٤ ص ٣٨٨ وثواب الاعمال ص ١٦٨.
2- البيان والتبيين ج ٣ ص ٢٨٠ و ١٥٨ وعيون الاخبار ج ٢ ص ٢٠٨.
3- مشكاة الانوار ص ٢٨ ، والبحار ج ٧٥ ص ١٦ وطب الائمة ص ١٠٦ وقصار الجمل ج ١ ص ١٦٤/طب الائمة ص ١٠٦ والبحار ج ٧٥ ص ١٥ وج ٦٢ ص ٢١٣.
4- امالي الصدوق ص ٣٨٧ ومن لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ١٠ وعقاب الاعمال ص ٣٤١ والوسائل ج ٢ ص ٦٤٣ وج ١١ ص ٥٦٥ والبحار ج ٨١ ص ٢١٧ وج ٧٦ ص ٣٦٨ و ٣٣٥ / ٣٣٦.
5- الكافي ج ٣ ص ١٣٨ ، والبحار ج ٨١ ص ٢٣٠ ، والوسائل ج ٢ ص ٥٩٥ و ٦٧١ وفي هامشه عن التهذيب ج ١ ص ١٢١ وقرب الاسناد ص ١٢٩.
6- قرب الاسناد ص ١٠١ / ١٠٢ والبحار ج ١٠٤ ص ٣٤ عنه ، والوسائل ج ١٤ ص ١٧٣.
7- المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج ٨ ص ٣٨٧ عن نهاية الارب ج ١٧ ص ١٩١.
8- صحيح البخاري ، هامش فتح الباري ٦ ص ٦٠ وفتح الباري ج ١٠ ص ١١٥ ، واسد الغابة ج ٥ ص ٤٥١ ، والاصابة ج ٤ ص ٣٠١.
9- الام للشافعي ج ٤ ص ٨٨ ، وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٩٧ ، وسنن البيهقي ج ٩ ص ٣٠ ، ومسند احمد ج ١ ص ٢٢٤ : و ٣٠٨ والمنتقى ج ٢ ص ٧٦٨ عن احمد ومسلم ، وابن ماجة ، والترمذي ج ٤ ص ١٢٦.
10- الاصابة ج ٤ ص ٥٠٥ والاستيعاب بهامشها نفس الجلد والصفحة ، والتراتيب الادارية ج ١ ص ٤٧ عن طبقات ابن سعد ، وعن السيوطي في الجمع ، وعزاه لابن راهويه ، وابي نعيم في الحليية ، والبيهقي ، قال : وروى ابو داود بعضه ، ومسند احمد ج ٦ ص ٤٠٥ وسنن ابي داود كتاب الصلاة ص ٦١.
11- الوسائل ج ١٤ ص ١٧٢ والكافي ج ٥ ص ٥٣٤.
12- البحار ج ٦٢ ص ٦٥.
13- البحار ج ١٠٤ ص ٤٢ وج ٧٦ ص ٨٠ والوسائل ج ١ ص ٣٦٥ و ٣٦٦ والفروع ج ٦ ص ٥٠١ ومن لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٦٣ ومكارم الاخلاق ص ٥٦.
14- البحار ج ١٠٤ ص ٣٥٨ / ٣٥٩ ، وج ٦١ ص ٢٥٤ ، وتحف العقول والسؤال في ص ٣٥٦ والجواب في ص ٣٥٩ ، وقضاء امير المؤمنين عليه‌السلام ص ١٥٧ / ١٥٨ ومناقب آل ابي طالب ج ٢ ص ٣٧٦.
15- التهذيب ج ١٠ ص ٢٧٢ وج ١ ص ٤١٩ ، والاستبصار ج ٤ ص ٢٩٧ ، والوسائل ج ١٩ ص ٢٥١ وفي هامشه عنهما وعن الكافي ج ١ ص ٣٠٢.
16- الجواهر ج ٤٣ ص ٣٨٩ وفي هامشه عن : ايضا الفوائد في شرح القواعد ج ٤ ص ٧٢٩ وفيه : « الذمي الحي » مكان : « الحر الذمي » ..

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.