يفرد ابن سينا قسماً هاماً من الفصل المدروس لتبيان العلامات الدالة على كل حالة وكل سبب للعقم فهو يبدأ حيث انتهى السابقون له فيقول أن الكثير من التجارب -ويعدد بعضها- التي أجراها السابقون لتحديد العقم لا صحة لها وأن أقربها للحقيقة تجربة لتحديد العقم بالتبخير, وهو يعلل سبب عدم قبوله لهذه التجارب بوجود أسباب أخرى للعقم غير السدة وان للحمل موانع أخرى لا تكشفها هذه الاختبارات.
فيقول:(العلامات: أما علامات أن العقر من أي المنيين كان، فقد قيل أشياء لا يحق صحتها، ولا نقضي فيها شيئاً، مثل ما قالوا أنه يجب أن يجرب المنيبان، فأيهما طفا في الماء، فالتقصير من جهته، قالوا ويصب البولان على أصل الخس، فأيهما جفف، فمنه التقصير، ومن ذلك قالوا أنه يؤخذ سبع حبات من حنطة، وسبع حبات من شعير، وسبع باقلآت، وتصير في إناء خزف، ويبول عليه أحداهما، ويترك سبعة أيام، فإن نبت الحب فلا عقر من جهته.
وقالوا ما هو أبعد من هذا أيضاً، وأحسن ما قالوا في تجربة المرأة، أنه يجب أن يبخر رحم (Uterus) المرأة في قمع بخور رطيب، فإن نفذت منه الرائحة إلى فيها ومنخريها، فالسبب ليس منها، وإن لم ينفذ، فهناك سدد وأخلاط رديئة تمنع أن تصل رائحة البخور والطيب وقالوا تحتمل ثومة، وتنظر هل تجد رائحتها وطعمها من فوق، وأكثر دلالة على أن بها سدداً، أو ليست فإن كان بها سدد، فهو دليل عقر، وإن لم يكن بها سدد، فلا يبعد أن يكون للعقر أسباب أخر، وللحبل موانع أخرى)
علامات الرطوبة المزلقة:
يذكر إن علامة الرطوبة بقاء فم الرحم رطب:(وكل امرأة تطهر ويبقى فم رحمها رطباً فهي مزلقة)وهو هنا يخلط بين أسباب داخل رحمية وأسباب عنقية للعقم.علامات اعتلال المني:
يقول ابن سينا إن الناجم عن اعتلال المزاج يغرف بعلامات اعتلال المزاج العامة, وبعلامات تظهر بفحص السائل المنوي عيانياً وعلى فحص عياني للجسم وللأشعار الجنسية ويعدد صفات ما نبحث عنه ويلجأ لفحص البول وفحص الجسد كاملاً ثم يعطي وصفاً عيانياً لما يقول أنه المني المولد:(وأما علامات المني (Sperm) وأعضائه في مزاجه ومزاجها، فيعرف كما علمت حرارته وبرودته من منيه، وإحساس المرأة بلمسه، ومن خثورته ورقته، ومن حال شعر (Hair) العانة، ومن لونه ورائحته، ومن سرعة النبض (Pulse) وبطئه، ومن صبغ القارورة وقلة صبغها.ومن مشاركة الجسد، أما الرطوبة (Moisture) واليبوسة، فتعرف من القلة مع الغلظ، والكثرة مع الرقة، والمني الصحيح هو الأبيض اللزج البراق الذي يقع عليه الذباب، ويأكل منه، وريحه الطلع، أو الياسمين)ونحن نعلم اليوم إن الفحص العياني للسائل المنوي لا يعطي إلا القليل من المعلومات عن صحة الحيوانات المنوية والتي تحتاج لفحص مجهري. أما فحص دم الطمث عيانياً فلم يعد هناك من حاجة إليه لأنه لا يعطي وصفاً لحالة الرحم أو الاباضة.ولكن فحص توزع أشعار العانة وغيرها من العلامات الجنسية تبقى جزء من الفحص السريري لحالات العقم ونقص الخصوبة.
علامات انقطاع المادة أو احتباس الطمث:
يقول( وأما علامات الطمث (Menstruation) وأعضائه في مزاجها، فيستدل عليه كما علمت، أما على الحرارة (Hat) والبرودة، فمن الملمس، ولون الطمث (Menstruation) أهو إلى صفرة وسواد، أو كدورة، أو بياض، ومن أحوال شعر (Hair) العانة، ويستدل على الرطوبة (Moisture) واليبوسة من الكثرة مع الرقة، ومن كون العينين (Eye) وارمتين كمدتين، فإن العين (Eye) تدل على الرحم (Uterus) عند (أبقراط) أو للقلة مع الغلظ، وأية امرأة طهرت، فلم يجف فم رحمها، بل كان رطباً، فإنها لا تحبل).وهو هنا يذكر علامات عامة وأخرى موضعة,وعن معرفة أحوال الرحم من الطمث وصفاته . والعلم الحديث لا يربط بين صفات الطمث العيانية وبين أفات الرحم. كما ربط بين أحوال العين وأحوال الرحم ربطاً لا علاقة له بما نعلمه اليوم.وكل تلك العلامات مستمدة من تصوراتهم الفلسفية.علامات أخرى وعلامات العلل الظاهرة:( وأما السمن، والهزال، والشحم، وقصر القضيب (Penis)، واعوجاجه، وقصر الوترة، وانقلاب الرحم (Uterus) وحال الإنزالين، فأمور تعرف بالاختيار، والفروج الشحمية الثرب تكون ضيقة المداخل، بعيدته قصيرة القرون ناتئة البطون تنهز عند كل حركة، وتتأذى بأدنى رائحة، ويدل على ميلان الرحم (Uterus) أن يحس داخل الفرج (Valve) فإن لم يكن فم الرحم (Uterus) محاذياً فهو مائل، وصاحب الميلان والانقلاب يحس وجعاً عند المباضعة.)
أما ميلا الرحم أو انقلابه فهولا يسبب ما ذكر من الأعراض وقد يربط ميلان الرحم بالعقم بشكل غير مباشر بوجود أسباب التهابية مسببة لالتصاقات حوضية أو أفات ما يسمى( داء البطانة الرحمية الهاجرة) والتي تحدث ما ذكره ابن سينا من أعراض بالإضافة لإحداثها العقم وميلان الرحم كاختلاطين لا علاقة مباشرة بينهما.
التدبير والعلاج:
يميز ابن سينا عدداً من الأسباب التي لا تفيد فيها المعالجة ثم يحدد خطين للعلاج في الحالات الأخرى فيقول:(تدبير هذا الباب ينقسم إلى وجهين: أحدهما التأني للأحبال والتلطف فيه والثاني معالجات الأسباب المانعة للحبل، وأما العاقر والعقيم خلقه والمنافي المزاج لصاحبه المحتاج إلى تبديله وقصر آلته، فلا دواء (Medicines) له، وكذلك الذي انسدت فوهات طمثها من قروح اندملت فملست، والتي تحتاج إلى تبديل الزوج، فليس يتعلق بالطبيب علاجها، وأما سائر ذلك، فله تدبير)وعلى الرغم من ذكره لكلمة عاقر فابن سينا لم يعرف العقر أو فصله عن عسرة الحبل كما سنجد عند غيره وإن ميزه بالغير قابل للعلاج.في حديثه عن الخط الأول من العلاج يركز ابن سينا على ما يعتقد انه الظروف الأكثر ملائمة للاشتمال فيقول:( أما تفصيل الوجه الأول، فهو أنه يجب أن يختار أوفق الأوقات للجماع، وقد ذكرناه، ويختار منها أن يكون في آخر الحيض، وفي وقت مثل الوقت الذي يجب أن يجامع فيه لما ذكرناه، ويجب أن يتطاولاً ترك الجماع (Coitus) مطاولة لا يبلغ أن يفسد له المنيبان إلى البرد.
فإن عرض ذلك استعمل الجماع (Coitus) على جهة لا يعلق ثم تركاه ريثما يعلم أن المني (Sperm) الجيد قد اجتمع، فيراعي منها أن يكون ذلك في وقت أول طهرها، وكذلك في كل بدن (Body) مدة أخرى، ثم يطاولان اللعب، وخصوصاً مع النساء اللواتي لا يكون مزاجهن رديئاً، فيمس الرجل ثدييها برفق، ويدغدغ عانتها، ويلقاها غير مخالط إياها الخلاط الحقيقي، فإذا شبقت ونشطت، خالطها محاكاً منها ما بين بظريها من فوق، فإن ذلك موضع لذتها، فيراعي منها الساعة التي يشتد منها اللزوم، وتأخذ عيناها في الاحمرار، ونفسها في الارتفاع، وكلامها في التبلبل، فيرسل هناك المني (Sperm) محاذياً لفم الرحم (Uterus) موسعاً لمكانه هناك قليلاً قدر ما لا يبلغه أثر من الهواء الخارج البتة فإنه في الحال يفسد ولا يصلح للإيلاد.
وأعلم أنه إذا أرسل المني (Sperm) في شعبة قليلة، أو كان قضيبه لازماً للجدار المقابل، فربما ضاع المني، بل يجب أن ينال فم الرحم (Uterus) بوزن ما، ولا ينسد على الاحليل المخرج، بل يلزمها ساعة، وقد خالط بعد ذلك الخلاط الذي هو أشد استقصاء، حتى يرى أن فغرات فم الرحم (Uterus) ومتنفساته قد هدأت كل الهدوء، وبعد ذلك فيهدأ يسيراً، وهي فاحجة شائلة الوركين نازلة الظهر، ثم يقوم عنها ويتركها كذلك هنية ضامة الرجلين حابسة النفس، وإن نامت بعد ذلك، هو آكد للإغلاق وإن سبق استعمل عليها بخورات موافقة لهذا الشأن، كان ذلك أوفق، وحمولات، وخصوصاً الصموغ التي ليست بشديدة الحرارة (Hat) مثل المقل.
وما يشبهه تحتمله قبل ذلك، ومما هو عجيب أن تكون المرأة تتبخر من تحت الرحم (Uterus) بالطيوب الحارة، ولا تشمها من فوق، ثم تأخذ أنبوبة طويلة فتضح أحد طرفيها في رماد حار، والآخر في فم الرحم (Uterus) قد ما تتأدى حرارتها إلى الرحم (Uterus) تأدياً محتملاً، فتنام على تلك الهيئة أو يجلس إلى حين ما تقدر عليه ثم تجامع).وبدراسة سريعة لما ذكره ابن سينا نجد ابتعاداً عن روح الدراسة العلمية للأسباب والنتائج والعلاقة بينهما فهو يذكر الكثير من الإجراءات التي لا يضع لها تفسيراً ولا تتصل بما سبق من أسباب العقم . ولهذا فما ذكره ابن سينا في هذا الباب لا يدخل في إطار الطب الحديث فلا كثرة الجماع ولا قلته تغير من نسب الخصوبة أو العلوق وإن نقص تعداد الحيوانات المنوية قليلا بعد الإكثار من الجماع بدون أن يؤثر ذلك على نسب الخصوبة التالية كما لا تؤثر وضعية المرأة في نسب الخصوبة.وكل ما ذكره من إجراءات تتم أثناء الجماع لا علاقة لها بالعقم. أما استخدام أدوية وفرزجات وبخورات بعد الاشتمال لتأكيد العلوق والحبل فلا يقابلها شيء في الطب الحديث ولا يمكن الحكم عليها بدون دراسة علمية للتأثيرات الدوائية المحتملة للمواد الداخلة في تراكيبها.
الخط الثاني من العلاجات: وهو الذي يختص بعلاج المسببات, فيقول:(وأما الوجه الآخر، فإنه إن كان السبب لحر الأخلاط الحارة استفرغها، وعدل المزاج بالأغذية والأشربة المعلومة، واستعمل على الرحم (Uterus) قيروطات معدلة للحرارة من العصارات المعلومة، واللعابات، والأدهان الباردة، وإن كان السبب البرودة والرطوبة، فيعال بما سنقوله بعد – وهو الكائن في الأكثر-. وإن كان السبب زوال فم الرحم (Uterus) عولج بعلاج الزوال، وبالمحاجم المذكورة في بابه، وفصد الصافن من الجهة التي ينبغي على ما يقال، وإن كان السبب كثرة الشحم، استعملت الرياضة، وتلطيف الغذاء، وهجر الاستحمام الرطب، إلا بمياه الحمامات، والاستفراغ بالفصد، وبالحقن الحارة، والمجففات المسخنة مثل الترياق، والتيادريطوس ويجب أن تهجر الشراب الرقيق الأبيض، ويستعمل الأحمر القوي الصرف القليل. ومن الفرزجات الجيدة لهن عسل ماذي، ودن السوسن، مرّ، وإن كان السبب رياحاً مانعة عن جودة التمكن للمني، عولج بمثل الكموني، ويشرب الأنيسون، وبزر الكرفس، وبزر السذاب، لا سيما بزر السذاب في ماء الأصول، وبفراريج متخذة منها. ومن المحللات للرياح مثل الجندبيدستر، وبزر السذاب، وبزر الفنجنكشت، وإن كان السبب شدة اليبس، استعمل عليها الحقن المرطبات، واحتمالات الشحوم اللينة، وسقي اللبن، خصوصاً لبن الماعز والاسفيذباجات المرطبات.
وإن كان السبب ضيق (Narrowness) فم الرحم (Uterus) فيجب أن يستعمل فيها دائماً ميل من أسرب، ويغلظ على تدريج، ويمسح بالمراهم الملينة، ويستكثر من الجماع، وينفعها أكل الكرنب، ويستعمل الكرفس والكمون والأنيسون ونحوه، وأكثر أسباب امتناع الحبل القابل للعلاج هو البرد (Cold) والرطوبة .
وأكثر الأدوية (Medicine) – بالارياجات، وبالحمولات، والحقن، فمن المشروبات المعجونات الحارة مثل المثروذيطوس، والترياق، والتياذريطوس، ودواء الكاكبينج، ومن المشروبات ذوات الخواص، أن تسقى المرأة بول (Urine) الفيل، فإنه عجيب في الإحبال، ولتفعل ذلك بقرب الجماع، وحينما تجامع، وأيضاً تشرب نشارة العاج، فإنه حاضر النفع، وبزر سيساليوس جيد مجرب، وقد يسقى منه المواشي الإناث ليكثر النتاج، ومن الفرزجات ما يتخذ من دهن البلسان، ودن البان، ودهن السوس، والفرزجات من النفط الأسود، وأيضاً شحم الأوز في صوفه ومن أظفار الطيب، والمسك، والسنبل، والسعد، والشبث، والصعتر والنانخواه، والزوفا، والمقل، وخصي الثعلب، والدار شيشعان، وجوز السرو، وحب الغار، والسك، والحماما، والساذج، والقردمانا، ومن كل مسخن قابض، خصوصاً المزلق، واحتمال الأنفحة، وخصوصاً أنفحة الأرنب مع الزبد بعد الطهر تعين على الحبل، أو مع دهن البنفسج، وكذلك احتمال البعرة، واحتمال مرارة (Bile) الظبي الذكر على ما يقال، وخصوصاً إن جعل معها شيء من خصي ثعلب، وكذلك احتمال بعرة، واحتمال مرارة (Bile) الذئب والسد قدر دانقين.
شيافة جيدة: يؤخذ سنبل وزعفران، ومرّ، وسك، مصطكي، وجندبادستر بدهن الناردين، وأيضاً يؤخذ من المر أربعة دراهم، ومن الايرسا وبعر الأرنب درهمان، يهيأ منها فرزجة بلوطية، وتحتمل وتغير في كل ثلاثة أيام، وأيضاً يؤخذ عسل مصفى وسكبينج، ومقل، ودهن السوس.
فرزجة جيدة: يؤخذ زعفران، حماما، سنبل، إكليل الملك، من كل واحد ثلاثة دراهم ونصف، ساذج وقردمانا، من كل واحد أوقية، شحم الأوز، وصفرة البيض أوقيتان، ودهن الناردين نصف أوقية، يحتمل بعد الطهر في صوفه إسمانجونية ثلاثة أيام يجدد كل يوم، وأيضاً يؤخذ الثوم اليابس أو الرطب، ويصب عليه مثله دهن الحل، ويطبخ حتى يتهرى وتذهب المائية، ويحتمل في صوفة، فإنه جيد، وربما احتيج قبل احتمال الفرزجات إلى الحقن بشيء فيه قوة من شحم الحنظل، فيخرج الرطوبات، أو تحتمل في فرجها مثل صمغ الكندر، فيخرج منه الرطوبات (Moisture) ومن البخورات أقراص تتخذ من المرّ، والميعة، وحب الغار، ويبخر منها كل يوم، وأيضاً يؤخذ زرنيخ أحمر، وجوز السرو، يعجن بميعة سائلة، ويبخر به في قمع بعد الطهر ثلاثة أيام ولاء، وكذلك مرّ، وميعة سائلة، وقنّة، وحب غار، والشونيز، والمقل، والزوفا.)
وهذه المعالجات كلها لا يمكن تقييمها وفق النظرية الطبية الحديثة بل وفق النظرية الجالينوسية القديمة كما أن بعض هذه العلاجات كاستخدام بول الفيل ونشارة العاج وخصي الثعلب ومرارة الظبي الذكر لا تبدو- حتى لأكثر المتفائلين- منطقية وإنما مبنية على اعتقادات شعبية أو عامة أكثر من الفائدة الدوائية المرجوة منها.ونذكر هنا محاولته علاج انسداد عنق الرحم بالتوسيع باستخدام ميل من الأسرب , وهو يقابل ما يتم من توسيع لعنق الرحم بعد تضيقه المرضي أو الجراحي ولكنه لا يستخدم في علاج العقم. ولا مجال لمقارنة باقي المعالجات مع الطب الحديث لاختلاف النظرية والإلية المرضية وتقدم علم الأدوية الراهن وعدم وجود تجارب سريرية تبحث في التأثيرات العلاجية لهذه الأدوية المفردة والمركبة.
المصدر : تحقيق راسخون 2016