صحة حديث المنزلة

أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ..قد ذكر للإستدلال بهذا الحديث وجهين ، فأجاب عنهما على تقدير صحته سنداً ، فالكلام يقع في جهتين :
Monday, April 10, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
صحة حديث المنزلة
 صحة حديث المنزلة





 
أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ..قد ذكر للإستدلال بهذا الحديث وجهين ، فأجاب عنهما على تقدير صحته سنداً ، فالكلام يقع في جهتين :

الجهة الأولى في سند الحديث

قوله : ( الجواب : منع صحة الحديث » قال الشارح : « كما منعه الآمدي ، وعند المحدثين : أنّه صحيح وإن كان من قبيل الآحاد ) .
وفيه : كيف يمنع صحة الحديث وهو في كتابي البخاري ومسلم (1)
وهما أصحّ الكتب عندهم بعدالقرآن ؟ وكيف يقال بأنه « من قبيل الآحاد » وقد اشتهر بينهم قطعيّة صدور أحاديث الكتابين ؟ (لاحظ : كلام الحافظ ابن القيسراني المقدسي في كتاب الجمع بين رجال الصحيحين وكلام النووي وشارحه السيوطي في تدريب الراوي ، وغيرهما .)
كيف وقد نصّ على ثبوت هذا الحديث وكثرة طرقه بل وتواتره غير واحدٍ من أكابر القوم ؟ ... قال ابن عبدالبر : « هو من أثبت الأخبار وأصحّها ، رواه عن النبي : سعد بن أبي وقاص ـ وطريق حديث سعد فيه كثيرة جداً ، قد ذكره إبن أبي خيثمة وغيره ـ ورواه ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأم سلمة وأسماء بنت عميس وجابر بن عبدالله ، وجماعة يطول ذكرهم » (2) .
وقد كان على الماتن والشارح أن يجلاً أنفسهما عن متابعة مثل الآمدي الّذي كان عند الذهبي وغيره من المبتدعة ، وقد نفي من دمشق لسوء اعتقاده ، وصحّ عنه أنه كان يترك الصلاة (3) .

الجهة الثانية في دلالة الحديث

( أو نقول على تقدير صحته لا عموم له في المنازل ، بل المراد استخلافه على قومه في قوله : اخلفني في قومي لا ستخلافه على المدينة ... كيف والظاهر متروك ، أي : وإن فرض أنّ الحديث يعمّ المنازل كلّها كان عامّاً مخصوصاً ، لأن من منازل هارون كونه أخاً نسبيّاً ونبياً ، والعام المخصوص ليس حجة في الباقي أو حجّيته ضعيفة ) .
أقول : إنّ طريقة أصحابنا إمامة أمير المؤمنين عليه السلام من هذا الحديث إثبات عموم أفراد المنزلة لهارون ، ثم إثبات أن الإمامة من منازلة عن طريق استخلافه على بني إسرائيل وعدم العزل عن الخلافة تارةً ، وعن طريق شركته لموسى عليه السلام في افتراض الطاعة تارةً أخرى .
فإنكار دلالة الحديث على عموم المنزلة عمدة الشبه المتعلّقة بهذا الإستدال ، فإذا ما اندفعت لم يبق لهم شيء يصفى إليه ، ولعلّ القوم على علم باندفاعها فيلجأون إلى تقليد الآمدي في الطّعن في سند الحديث ، مع بنائهم على عدم الطعن في شيًء أخرج في الصحيحين !!
أمّا العموم فالدالّ عليه قوله « بمنزلة هارون » فإنّه اسم جنس مضاف ، وهو من ألفاظ العموم كما نصّ عليه الماتن نفسه في ( شرح مختصر الأصول ) وكذا غيره من أئمة علم الأصول والعربية ، كما لا يخفى على من راجع مباحث العموم والخصوص في شروح ( منهاج الأصول ) للبيضاوي ، وشروح ( تلخيص مفتاح العلوم ) للسكاكي ، وشروح ( الكافية في النحو ) لابن الحاجب .
ويشهد بدلالة الحديث على عموم المنزلة استثناء النبوّة ، فإنّ صحة الإستثناء معيار العموم كما نصّ علي البيضاوي في ( منهاج الأصول ) وشرّاحه كغيرهم من المحقّقين .
هذا ولايخفى أنه لم ينكر في الكتاب ظهور الحديث في العموم ، وإنما جاء فيه : ( المراد من الحديث إنّ علياً خليفة منه على المدينة في غزوة تبوك ، كما أنّ هارون كان خليفة لموسى في قومه حال غيبته ، ولا يلزم دوامه ... بل التبادر استخلافه مدة غيبته ) فهما يقولان بأن « المراد » كذا ، وغاية ذلك دعوى أنّ قول موسى « أخلفني » لدى خروجه إلى الطور قرينة على إرادة خصوص مدة غيبته من العموم ، وكذلك كلام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لأنّه قاله عند ما خرج إلى تبوك ... لكن يكفي في دفع هذا التوهّم ثبوت ورود حديث المنزلة في مواقع متعدّدة ـ كما لا يخفى على المطّلع بألفاظه وطرقه ـ فالحديث باقٍ على عمومه ، نذكر منها مورداً واحداً إتماماً للحجّة ونكتفي برواية أحمد بن حنبل :
قال المتقي : « مسند زيد بن أبي أوفى : لمّا آخى النبي صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه فقال علي : لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت ، غيري . فإن كان هذا من سخطّ عليّ فلك العتبى والكرامة . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : والذي بعثني بالحق ، ما أخّرتك إلاّ لنفسي ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبّي بعدي . وأنت أخي ووارثي . قال : وما أرث منك يا رسول الله ؟ قال : ما ورثت الأنبياء من قبلي . قال : وما ورثت الأنبياء من قبلك ؟ قال : كتاب ربّهم وسنّة نبيهم . وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي ، وأنت أخي ورفيقي .
فهذا الحديث الذي رواه إمامهم أحمد بن حنبل وارد في مورد المواخاة ، وهو يدلّ على افضلية أمير المؤمنين وأعلميته وعصمته ... كما لا يخفى ... وكلّ ذلك مستلزم للإمامة والخلافة بلا فصل ...
فظهر : أن الحديث على عمومه المعترف به ، ولا موجب لرفع اليد عن ذلك ...
وأمّا رفع اليد عن ظهوره في العموم من جهة أن من منازل هارون كونه نبياً وكونه أخاً نسبياً ، وعلى عليه السلام لم يكن نبيّاً ولم يكن أخاً نسبيّاً لرسول الله ، ففيه :
أمّا أوّلاً : لقد ذكر التفتازاني في ( شرح المقاصد ) إشكال انتفاء الأخوة على الإستدلال وأجاب عنه بنفسه وهذه عبارته : « ليس الإستثناء المذكور إخراجاً لبعض أفراد المنزلة ، بمنزلة قولك : إلاّ النبوة ، بل هو منقطع ، بمعنى لكن ، فلا يدل على العموم كما لا يخفى على أهل العربية ، كيف ؟ ومن منازله الاخوة في النسب ولم تثبت لعلي رضي الله عنه . اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنها بمنزلة المستثنى لظهور إنتفائها » .
وتبعه القوشجي في ( شرح التجريد ) .
والحاصل عدم قدح انتفاء الأخوة النسبية بين علي والرسول عليهما السلام في عموم الحديث ، لكون الأخوة بمنزلة المستثنى لظهور انتفائها بينهما .
وأمّا ثانياً : فإنّ الإشكال بانتفاء النبّوة عن علي عليه السلام في غير محلّه لأنّ صريح الحديث استثناؤها ، ولذا لم يستشكل أحد بذلك ، وقال الشارح : ( ولو ترك قوله ( ونبيّاً ) لكان أولى ) .
وأمّا ثالثاً : فإنّ العام المخصوص حجّة في الباقي بإجماع الصحابة والسلف ، وإنكار ذلك مكابرة ، نصّ على ذلك علماء الاصول ، قال البزدوي في أصوله : « إجماع السلف على الإحتجاج بالعموم » قال شارحه البخاري في ( كشف الأسرار ) : « أي : بالعام الذي خص منه ... الإحتجاج بالعمومات المخصوص منها مشهور بين الصحابة ومن بعدهم ، بحيث يعد إنكاره من المكابرة ، فكان إجماعاً » .
فظهر عموم الحديث ، فيثبت لعلي عليه السلام كلّ ما ثبت لهارون عليه السلام من المنازل من الخلافة والعصمة والأفضلية وفرض الطاعة وغيرها ... إلاّ النبّوة .
هذا ، ولايخفى أن الماتن يعترف بظهور الحديث في العموم ، إلاّ أنه يدعي ترك هذا الظهور ، لكنّ الشارح يغيّر معنى كلام الماتن فيقول بشرح : ( كيف والظاهر متروك . أي : وإن فرض أنّ الحديث يعمّ ... ) وهذا تعسّف واضح .
وأمّا الإشكال على دلالة الحديث على فرض الطاعة ـ كما في ثاني وجهي الإستدلال ـ
( ونفاذ أمر هارون بعد وفاة موسى لنبوّته لا للخلافة عن موسى ... ) .
فعجيب جداً ، لأنّ هارون كان خليفةً لموسى بنص القرآن الكريم إذ قال له ( اخلفني في قومي ) أي : « كن خليفتي في قومي ونافذ أمرك فيهم » كما ذكر المفسّرون بأجمعهم كالرّازي والزمخشري والبيضاوي والنّيسابوري والنسفي وابن كثير والخازن ... وهذا لا ينافي كونه نبيّاً .
وإذا كان من جملة المنازل الثابتة لهارون بخلافته فرض طاعته على الأمّة ، فعليّ عليه السلام المنزّل منزلة هارون مفترض الطاعة على الأمة كذلك ، فلو صرّح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بهذا المعنى وقال : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى في فرض الطاعة على أمتي وإن لم تكن شريكي في النبوة » لكان كلاماً مستقيماً لا تنافي فيه أصلاً .
ويؤكّد ذلك أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في غير واحد من الأحاديث المعتبرة ـ بإطاعة علي ، وأن من أطاع علياً فقد أطاعه ومن أطاعه فقد أطاع الله ... نكتفي هنا بحديثٍ واحد منها أخرجه الحاكم بسنده عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن عصى عليّاً فقد عصاني . هذا حديث صحيح الإسناد » (4) .
هذا ولولا دلالة حديث المنزلة على حصول تلك المنازل لعلي عليه السلام لم يقل عمر بن الخطاب ـ فيما رواه جماعة منهم الحاكم وإبن النجّار .. كما في ( كنز العمال ) ـ « كفّوا عن ذكر علي بن أبي طالب ، فإني سمعت رسول الله يقول في علي ثلاث خصالٍ لئن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس : كنت أنا وأبوبكر وأبو عبيدة الجراح ونفر من أصحاب رسول الله ، والنبي متكئ على علي ابن أبي طالب ، حتى ضرب بيده على منكبه ثم قال : وأنت يا علي أول المؤمنين إيماناً وأوّلهم إسلاماً ثم قال : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى . وكذب عليّ من زعم أنّه يحبّني ويبغضك » .
ولم يقل مثله سعد بن أبي وقاص كما رواه إبن ماجة في ( سننه ) وغيره .
ولم يحتج به كبار الصحابة في موطن مختلفة ، وأمير المؤمنين عليه السلام نفسه في احتجاجه على أهل الشورى .
أحاديث أخرى
( الثالث من وجوه السنة : قوله عليه السلام : سلّموا على علي بإمرة المؤمنين . الجواب منع صحة الحديث للقاطع المتقدّم الدالّ عدم النصّ الجلّي . وكذا قوله : أنت أخي وصيّي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني . وقوله : إنّه سيد المسلمين وإمام المتّقين وقائد الغر المحجّلين ) .
هذه أحاديث رواها علماء طائفته في كتبهم بأسانيدهم المعتبرة ... ودلالاتها واضحة جدّاً ، وإذ لم يقدح في أسانيدها فلا حاجة إلى ذكر مصادرها . وأمّا منعه صحّتها لما ذكره فقد تقدم أنه مبني على حسن الظن بالصحابة ، وقد عرفت جوابه ، كما أنّ لنا بحثاً حول الصحابة في آخر الكتاب فانتظر .

تفنيد معارضة هذه النصوص

( وبعد الأجوبة المفصلة على الوجوه المذكورة نقول : هذه النصوص التي تمسّكوا بها في إمامة علي رضي الله عنه معارضة بالنصوص الدالة على إمامة أبي بكر ) .
فيه : أوّلاً : لقد اعترف سابقاً ـ كغيره ـ بعدم النص الدال على إمامة أبي بكر ، فما دل على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام لا معارض له .
وثانياً : إنّ ما ذكره بعضهم نصّاً على إمامة أبي بكر فإنما استند إلى أخبار طائفته ، ومن المعلوم عدم جواز الإحتجاج والمعارضة بما اختصّوا بروايته لعدم كونه حجةً عند الإمامية .
وثالثاً : مقتضى ما ذكره أنّه إذا أججيب عمّا جعل معارضاً لنصوص أمامة أمير المؤمنين عليه السلام وسقط الإستدلال به هو التسليم بتلك النصوص والإلتزام بمفادها .
ورابعاً : إنّ جميع ما استدل به باطل كما سيتّضح .
( الأوّل : قوله تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ) ) (5) .
أقول : أوّلاً : لو كانت هذه الآية دالةً على خلافة أبي بكر لكانت خلافته مستندة إلى الله لقوله : « ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف ... » لكن خلافة أبي بكر لم تكن بنصبٍ من الله ، بل الخلافة عند القوم ليست بنصبٍ منه بل من الناس ، فالآية ليست دليلاً على خلافته ، بل المراد غيره وغير أتباعه .
وثانياً : إنّه لو كان المراد من الآية أبوبكر لما طعن عليه علي كما سيأتي تسمية نفسه « خليفة رسول الله » لكونه كذباً على رسول الله ، لأنّه لم يستخلفه ، بل أنّ مذهب القوم أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم مات ولم يستخلف أحداً ، وهذا ما نص عليه عمر أيضاً فيما رووه عنه (6) .
وثالثاً : لقد قام الإجماع من أهل البيت عليهم السلام كما في ( مجمع البيان ) وغيره من التفاسير ـ على أنّ المراد من الآية هو الإمام المهدي عليه السلام وأنصاره وأتباعه ، وأجماع أهل البيت حجة بالأدلة القاطعة .
( الثاني : قوله تعالى : ( قل للمخلّفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون ) ) (7) .
قد تعرّض شيخنا أبو جعفر الطوسي المتوفى سنة 460 لاستدلال القوم بهذه الآية وأجاب عنه بالتفضيل ، فليت الماتن لاحظ كلامه ولم يكرّر الإستدلال . قال شيخنا رحمة الله بتفسير الآية : « واستدل جماعة من المخالفين بهذه الآية على إمامة أبي بكر ، من حيث أن أبابكر دعاهم إلى قتال بني حنيفة وعمر دعاهم إلى قتال فارس والروم ، وكانوا قد حرموا القتال مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بدليل قوله ( لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدوًاً ) .
وهذا الذي ذكروه غير صحيح من وجهين ، أحدهما : إنه غلط في التاريخ ووقت نزول الآية . والثاني إنه غلط في التأويل . ونحن نبيّن فساد ذلك أجمع . ولنا في الكلام في تأويل الآية وجهان : أحدهما : أن ينازع في اقتضائها داعياً يدعو هؤلاء المخلّفين غير النبي ، ويبيّن أن الداعي لهم فيما بعد كان النبي على ما حكيناه عن قتادة وسعيد بن جبير في أن الآية نزلت في أهل خيبر وكان النبي هو الداعي إلى ذلك . والآخر : أن يسلّم ان الداعي غيره ويبيّن أنه لم يكن أبابكر ولا عمر ، بل كان أمير المؤمنين ... » (8) هذا أوّلاً .
وثانياً : إنه يمكن تسليم أن الداعي أبوبكر وعمر ، وأن يقال : ليس في الآية ما يدل على مدح الداعي ولا على إمامته ... (9) .
وثالثاً : إنه يكشف عن عدم دلالة هذه الآية على ما قالوا : استدلال المحصّلين من علمائهم لإمامة أبي بكر من جهة الأخبار ، لا من جهة الآية ، وعمدتهم حديث الإقتداء الآتي .
ورابعاً : إنّ أحاديث القوم أنفسهم في تفسير الآية مختلفة ، وكذا أقوال مفسّريهم كما لا يخفى على من راجع (10) .
وخامساً : إنّ الذي فسّر الآية بأبي بكر وأن القوم المذكورين بنو حنيفة أصحاب مسيلمة هو محمد بن شهاب الزهري . وهذا الرجل مقدوح جدّاً وقد كان من المبغضين لأمير المؤمنين علي عليه السلام ، فلا يعتمد على قوله . لا سيّما في مثل المقام .
( الثالث : لو كانت إمامة أبي بكر باطلة لما كان أبوبكر معظّماً ممدوحاً عند الله ... ) .
وفيه : إنه أوّل الكلام .
( الرابع : كانت الصّحابة وعلي يقولون : يا خليفة رسول الله ... ) .
أولاً : لا حجّية في قول الصحابة وفعلهم غير علي لعدم العصمة فيهم .
وثانياً : إنّ علياً عدم السلام لم يكن يرى أبابكر خليفةً ، ولذا لم يبايع مدّة حياة فاطمة الزهراء عليها السلام وهي ستة أشهر ، ولا حملها على البيعة وقد ماتت ولم تبايع أبابكر ، وهو يعلم بأن « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » .
وثالثاً : لا نسلّم أنّ علياً عليه السلام كان يخاطب أبابكر كذلك ، بل لقد روى المؤرخون كابن قتيبة أنه لما أرسل أبوبكر قتفداً مولاه إلى علي عليه السلام يدعوه « قال له علي : ما حاجتك ؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله ، فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول الله !!» .
ورابعاً : سلّمنا لكن هذا الخطاب ليس بأعلى من البيعة عن تقية ، فإنّه عليه السلام لمّا ماتت فاطمة الزهراء وانصرفت وجوه الناس عنه اضطر إلى البيعة ، ولو بقيت فاطمة لما بايع ولا بايعت .
( الخامس : لو كانت الإمامة حق علي ولم تعنه الأمّة عليه كما تزعمون لكانوا شرّ الأمم لكنّهم خير أمّة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كما دلّ عليه نصّ القرآن ) .
لقد دلّ حديث المنزلة على تنزيل علي عليه السلام بمنزلة هارون عليه السلام إلاّ في النبوّة ، ولا شك في أن هارون عليه السلام قد استعفه القوم وكادوا يقتلونه كما دل عليه نصّ القرآن ، فكذلك علي عليه السلام ، ومن هنا خاطب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أهل بيته قائلاً : « أنتم المستضعفون بعدي » (11)
وقالت أروى بنت الحارث بن عبدالمطلب لمعاوية في كلام لها معه لمّا وفدت عليه : « فوثبت علينا بعده بنو تيم وعدي وأمية ، فابتزونا حقّنا ووليّتم علينا ، فكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون ، وكان علي بن أبي طالب بعد نبيّنا بمنزلة هارون من موسى » (12) .
وأمّا أنّ الأمّة لم تعنه عليه فنعم ، لا بل غدرت به ، وقد أخبره النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بذلك من قبل ، فقد روي عنه أنه قال : « إن ممّا عهد إليّ النبي أنّ الأمّة ستغدر بي بعده » قال الحاكم بعد ما أخرجه : « هذا حديث صحيح الإسناد » (13) .
وحينئذٍ ، فلابدّ أن يكون معنى الآية الكريمة غير ما ذكر في الكتاب ، فراجع التفاسير .
( السادس : قوله عليه السلام : إقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر وأقل مراتب الأمر الجواز . قالت الشيعة : هذا خبر واحد . قلنا : ليس أقل من خبر الطير المنزلة ) .
يعدّ هذا أقوى أدلّتهم دلالةً ، ولذا تراهم يهتمون به كثيراً ويستندون إليه قديماً وحديثاً ، حتى قال الحاكم النيسابوري : « هذا حديث من أجلّ ما روي في فضائل الشيخين » (14) ... ولكن ماذا نفعل وكبار أئمتهم المحققين ينصّون على أنّه « باطل » و « لا يصحّ » و « منكر » و « موضوع » ؟
ذكر العلامة المناوي بشرحه : « أعلّه أبو حاتم ، وقال البزار كابن حزم : لا يصح » (15) .
وقال الترمذي بعد أن أخرجه : « هذا حديث غريب من هذا الوجه من الحديث ابن مسعود ، لا نعرفه إلاّ من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل ،ويحيى بن سلمة يضعّف في الحديث (16) .
وقال أبو جعفر العقيلي : « حديث منكر لا أصل له من حديث مالك » (17) .
وقال أبوبكر النقاش : « هو واه » (18) .
وقال الدار قطني : « لا يثبت » (19) .
وقال العبري الفرغاني : « إن الحديث موضوع » (20) .
وقال الذهبي ـ بعد أن أخرجه ـ مرةً « هذا غلط » (21) وأخرى : « قال أبوبكر
وقال الهيثمي : « فيه من لم أعرفهم » (22) .
وقال ابن حجر العسقلاني بكلّ ما قال الذهبي (23) .
وقال الشيخ الإسلام الهروي : « باطل » (24) .
وأورد ابن درويش الحوت كلمات القوم ووافقهم (25) .
هذه طائفة من كلمات هؤلاء الأعلام الأثبات الموجوع إليهم عندهم في الجرح والتعديل ... حكموا كلّهم بسقوط هذا الحديث ... والحق معهم ... فأنّ جميع اسانيده وطرقه ساقطة ... وقد حققت ذلك في رسالة مفردة (السابع قوله عليه السلام : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمّ تصير ملكاً عضوضاً ... وذلك دليل ظاهر على صحة خلافة الخلفاء الأربعة.)
إذن ، لا نقول في الجواب : خبر واحد ، بل نقول : موضوع باطل ، وأما خبر الطّير والمنزلة ، فإنّهما معتبران باعتراف علماء أهل السنّة .
وهذا أيضاً من أدّلتهم المعتمدة عندهم وهو حديث غير معتبر وغير مشهور كما نصّ على ذلك غير واحدٍ منهم كابن تيميّة (26) وذلك لأنّه لم يروه إلاّ سفينة ولم يخرجه إلاّ الترمذي وأبا داود وأحمد وليس الراوي عنه إلاّ « سعيد بن جمهان » .(27)
والكلام عليه أمّا سنداً فإنّ سعيداً مقدوح مجروح ، قال أبو حاتم : « يكتب حديثه ولا يحتج به » وعن أحمد « أنه سئل عنه فلم يرضه فقال باطل وغضب » وقال الساجي : « لا يتابع على حديثه » وقال ابن معين : « روى عن سفينة أحاديث لا يرويها غيره » وقال البخاري : « في حديثه عجائب » (28) .
وأمّا دلالةً فانّها تختلف في الكتاب التي ورد فيها ، لأنّ لفظه مختلف ولذا اختلف كلمات الشرّاح حوله .
ثم إنّه ظاهر في أن الخلافة تصير بعد الثلاثين ملكاً عضوضاً إلى الأبد ، إلاً أنهم يروون عن حذيفة أنها تصير بعد الملك العاض ملكاً جبرية ثم تعود خلافةً على منهاج النبوّة ، وقد طبّق بعضهم هذا على عمر بن عبدالعزيز (29) .
وهذا الحديث الأخير يدل على كون الخلفاء الراشدين عندهم خمسة ! لكنّ حديث سفينة الذي عند أبي داود فيه أنّ بعضهم كان لا يرى عليّاً من الخلفاء الراشدين !
وعلى الجملة فأحاديثهم في هذا الباب مختلفة ... إلاّ أن الذي يهوّن الخطب إعراض البخاري ومسلم عنها ، بل الذي أخرجاه هما وسائر أصحاب السنن والمسانيد هو « حديث الإثنا عشر خليفة » وهذا هوالمعتمد والمعتضد بالأحاديث الكثيرة المعتبرة ، وهو لا ينطبق إلاّ على ما نذهب إليه من القول بالأئمة الإثنى عشر عليهم الصلاة ، أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وآخرهم المهدي ، ومن هنا أورد أبو داود هذا الحديث في كتاب المهدي من سننه جاعلاً إيّاه أوّل حديثٍ من احاديثه .
ولمّا كان هذا الحديث معتبراً سنداً وتاماً دلالةً على الحق الذي نذهب إليه فقد حار الشرّاح في كيفيّة تطبيقه وبيان معناه ، ولم يتوصّلوا إلى معنى يلتئم مع ما يذهبون إليه ، فاضطرّوا إلى الإعتراف بالعجز ، ومنهم : القاضي عياض ، وابن الجوزي ، وابن العربي المالكي ، وابن حجر العسقلاني ...
نعم إلتجأ بعضهم إلى المعارضة بينه وبين حديث سفينة . لكن عرفت عدم تمامية حديث سفينة ، لا سنداً ولا دلالةً ، والمعارضة فرع الحجّية .
وبالجملة : فحديث سفينة ساقط . والمعتمد ما اتفق الشيخان وغيرهما على إخراجه.
( الثامن : إنه صلّى الله عليه وسلّم استخلف أبابكر في الصلاة ... )
قد عرفت واقع الحال في هذ الصلاة . ولا يخفى أن الماتن لم يدع إلاّ إلإستخلاف ، لكن الشارح أضاف بعده « واقتدى به » وهذا أكذب من ذاك ، وقد بيّنا ذلك كلّه سابقاً ببعض التفصيل ولنا في المسألة رسالة مفردة مطبوعة * .
المصادر :
1- صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، غزوة تبوك . صحيح مسلم ، الترمذي ، ابن ماجة ، أبي داود لاحظ جامع الأصول 9 / 469 .
2- الإستيعاب ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام 3 / 1090 .
3- ميزان الاعتدال للذهبي ، لسان الميزان لإبن حجر العسقلاني 3 / 134 .
4- المستدرك على الصحيحين 3 / 121 .
5- سورة النور : 55 .
6- الملل والنحل 1 / 23 ، السيرة الحلبية 2 / 207 ، وغيرهما من المصادر .
7- سورة الفتح : 16 .
8- التبيان في تفسير القرآن 9 / 324 ـ 326 .
9- التبيان في تفسير القرآن 9 / 326 .
10- الدر المنثور 6 / 72 .
11- مسند أحمد بن حنبل 6 / 339 .
12- تاريخ أبي الفداء 1 / 188 وغيره من التواريخ ، في أخبار معاوية .
13- المستدرك 3 / 140 ، 142 ورواه غيره أيضاً .
14- المستدرك 3 / 75 .
15- فيض القدير 2 / 56 .
16- صحيح الترمذي 5 / 672 .
17- الضعفاء الكبير 4 / 95 .
18- ميزان الإعتدال للذهبي 1 / 142 .
19- لسان الميزان لابن حجر 5 / 337 .
20- شرح المنهاج للبيضاوي ـ مخطوط .
21- ميزان الاعتدال 1 / 105 .
22- مجمع الزوائد 9 / 53 .
23- لسان الميزان 1 / 188 ، 1 / 272 ، 5 / 337 .
24- الدر النضيد : 97 .
25- أسنى المطالب : 48 .
26- منهاج السنة 2 / 223 .
27- جامع الأصول 4 / 440 ./ مسند أحمد 5 / 220 ، 221 .
28- تهذيب التهذيب 4 / 13 .
29- مسند أحمد 4 / 273 .
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.