في يوم الخميس ثامن عشر من ذي الحجّة في غدير خمّ أمر الله نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن ينصب عليَّ بن أبي طالب عليهالسلام أميراً للمسلمين وخليفة من بعده. فإليك قصّة ذلك بالاجمال من لسان أحد أئمّة التحقيق العلاّمة الكبير الاميني عليه الرحمة والرضوان : أجمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للخروج إلى الحجّ في سنة عشر من مهاجره وأذّن في الناس بذلك ، فقدم المدينة خلق كثير يأتمّون به في حجّته تلك ، التي يقال عليها حجّة الوداع ، وحجّة الاسلام ، وحجّة البلاغ ، وحجّة الكمال ، وحجّة التمام.
ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلى أن توفّاه الله ، فخرج صلىاللهعليهوآلهوسلم من المدينة مغتسلاً متدهناً مترجّلاً متجرّدا في ثوبين صحاريين إزار ورداء ، وذلك يوم السبت لخمس ليال أو ست بقين من ذي القعدة ، وأخرج معه نسائه كلّهن في الهوادج وسار معه أهل بيته وعامّة المهاجرين والانصار ، ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء الناس (أفناء الناس : أي أخلاطهم لا يُدري من أيّة قبيلة ، واحده فِنْو بكسر الفاء وسكون النون. ).
وعند خروجه صلىاللهعليهوآلهوسلم أصاب الناس بالمدينة جدري ـ بضم الجيم وفتح الدال ، وبفتحهما ـ ، أو حصبة منعت كثيراً من الناس من الحج معه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، وقد يقال خرج معه تسعون ألف ، ويقال : مائة وأربعة عشر ألفاً ، وقيل : مائة الف وعشرون الفاً ، وقيل : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، ويقال أكثر من ذلك ، وهذه عدّة من خرج معه ، وأمّا الّذين حجّوا معه فأكثر من ذلك ، كالمقيمين بمكة والذين أتوا من اليمن مع عليّ أمير المؤمنين وأبي موسى.
أصبح صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الاحد بيلملم ، ثم راح فتعشّى بشرف السيّالة ، وصلّى هناك المغرب والعشاء ثم صلّى الصّبح بعرق الظبية ، ثم نزل الرَّوحاء ، ثم صار من الروحاء فصلّى العصر بالمنصرف ، وصلّى المغرب والعشاء بالمتعشّى وتعشّى به ، وصلّى الصبح بالاثابة ، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج ، واحتجم بلحى جمل ـ هو عقبة الجحفة ـ ونزل السقياء يوم الاربعاء ، وأصبح بالابواء وصلّى هناك ، ثم راح من الابواء ونزل يوم الجمعة الجحفة ، ومنها إلى قديد وسبت فيه ، وكان يوم الاحد بعسفان ، ثمّ سار فلما كان بالغميم اعترض المشاة فصفوا صفوفاً ، فشكوا إليه المشي ، فقال : « استعينوا بالنسلان » ـ مشي سريع دون العدو ـ ففعلوا فوجدوا لذلك راحة ، وكان يوم الاثنين بمرّ الظهران ، فلم يبرح حتى أمسى وغربت له الشمس بسرف ، فلم يصلّ المغرب حتى دخل مكّة ، ولمّا انتهى إلى الثنيتين بات بينهما ، فدخل مكّة نهار الثلاثاء.
فلمّا قضى مناسكه وانصرف راجعاً إلى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات ، ووصل إلى غدير خمّ من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيّين والمصريّين والعراقيين ، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجّة ، نزل إليه جبرائيل الامين عن الله بقوله : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )
الاية ، وأمره أن يقيم عليّاً عَلَما للنّاس ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كلّ أحد ، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة ، فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ، ونهى عن سمرات خمس متقاربات ـ دوحات عظام ـ أن لا ينزل تحتهنّ أحد ، حتّى إذا أخذ القوم منازلهم ، فقمَّ ما تحتهنّ ، حتّى إذا نودي بالصلاة ـ صلاة الظهر ـ عمد إليهنّ فصلّى بالناس تحتهنّ ، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء ، وظلّل لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بثوب على شجرة سمرة من الشمس ، فلمّا انصرف صلىاللهعليهوآلهوسلم من صلاته قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الابل ، وأسمع الجميع ، رافعاً عقيرته فقال :
« الحمد لله ونستعينه ونؤمن به ونتوكّل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن ضلّ ولا مضلّ لمن هدى ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله.
أمّا بعد ، أيّها الناس! قد نبّأني اللّطيف الخبير أنّه لم يعمَّر نبيّ إلاّ مثل نصف عمر الذي قبله ، وإنّي أوشك أن أدعى فأجب ، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون؟ ».
قالوا : نشهد أنّك قد بلَّغت ونصحت وجهدت ، فجزاك الله خيراً.
قال : « ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ جنّته حقّ وناره حقّ وأنّ الموت حقّ وأنّ السّاعة آتيةٌ لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور؟ ».
قالوا : نعم.
قال : « فإنّي فَرَطٌ على الحوض وأنتم واردون عليّ الحوض ، وأنّ عرضه مابين صنعاء وبصرى ، فيه أقداح عدد النّجوم من فضّة ، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين؟! ».
فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول الله؟
قال : « الثقل الاكبر كتاب الله طرف بيد الله عزّوجلّ وطرف بأيديكم ، فتمسّكوا به لا تضلّوا ، والاخر الاصغر عترتي ، وإنّ اللّطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فسألت ذلك لهما ربي ، فلا تقدّموهما فتهلكوا ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا ».
ثم أخذ بيد عليّ فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون ، فقال : « أيّها الناس! من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ ».
قالوا : الله ورسوله أعلم.
قال : « إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه » ـ يقولها ثلاث مرّات ـ وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة أربع مرّات ، ثم قال : « اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه ، وانصرمن نصره واخذل من خذله،وأدر الحقّ معه حيث دار،ألا فليبلّغ الشاهد الغائب ».
ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) الاية. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي والولاية لعليٍّ من بعدي ». ثم طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وممن هنّأه في مقدّم الصحابة الشيخان : أبوبكر وعمر ، كلّ يقول : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
وقال ابن عبّاس : وجبت والله في أعناق القوم.
فقال حسّان : ائذن لي يا رسول الله أن أقول في عليّ أبياتاً تسمعهنّ.
فقال : « قل على بركة الله ».
فقام حسّان فقال : يا معشر مشيخة قريش اتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية ، ثم قال :
يناديهم يوم الغدير نبيّهم ** بخمّ فأسمِع بالرسول مناديا
انتهى كلامه ، ومن أراد أن يطّلع على تفصيل كلامه فليراجع كتابه القيّم « الغدير » (1).
وتمام شعر حسّان بهذه الصورة :
وقال فمن مولاكم ووليّكم ** فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت وليّنا ** ومالك منّا في الولاية عاصيا
فقال له قم ياعليّ فإنّني **رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليّه **فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهمّ والِ وليّه **وكن للّذي عادى عليا معاديا (2)
قال ابن حجر : إنّه حديث صحيح ، لا مرية فيه ، وقد أخرجه جماعة ، كالترمذي والنسائي وأحمد وطرقه كثيرة جدّاً ، ومن ثمّ رواه ستة عشر صحابيّاً ، وفي رواية لاحمد أنّه سمعه من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاثون صحابيّاً ، وشهدوا به لعليّ لمّا نوزع أيّام خلافته كما مرّ وسيأتي ، وكثير من أسانيده صحاح وحسان ، ولا التفات لمن قدح في صحّته ، ولا لمن ردّه كان عليا باليمن ، لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحجّ مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقول بعضهم إنّ زيادة : « اللهمّ وال من والاه » الخ موضوعة مردود ، فقد ورد ذلك من طرق صحّح الذهبي كثيرا منها.
ثم قال : ولفظه عند الطبراني وغيره بسند صحيح ، إنّه خطب بغدير خمّ تحت شجرات ، فقال : « أيّها الناس ، إنّه قد نبّأني اللّطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبي إلاَّ مثلَ نصف عمر الذي يليه من قبله ، وإنّي لاظنّ أنّي يوشك أن أدعى فأُجيب ، وإنّي مسؤول وإنّكم مسؤولون ، فما ذا أنتم قائلون؟ ».
قالوا : نشهد أنّك قد بلّغت وجهدت ونصحت ، فجزاك الله خيراً.
فقال : « ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ جنّته حقٌّ وناره حقّ وأنّ الموت حقّ وأنّ البعث بعد الموت حقّ وأنّ الساعة آتيةٌ لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور؟ ».
قالوا : بلى ، نشهد بذلك.
قال : « أللهمّ اشهد ».
ثم قال : « يا أيّها الناس إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني علياً ـ اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ».
ثم قال : « يا أيّها الناس إني فرطكم وإنكم واردون علي الحوض ، حوضي أعرض ممابين بصرى إلى صنعاء ، فيه عدد النجوم قدحان من فضة ، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما : الثقل الاكبر كتاب الله عزوجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا ، وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليّ الحوض ».
أقول : أخرجه الطبراني بهذا اللفظ مع تفاوت يسير عن زيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد ، وابنُ المغازلي عن زيد بن أرقم بلفظ أكمل وأطول ، وابنُ عساكر عن حذيفة بن أسيد ، وأورده ابن كثير الشامي في تاريخه ، وابن الصبّاغ في فصوله وعزاه لابي الفتوح في كتابه الوجيز في فضل الخلفاء الاربعة من حديث حذيفة بن أسيد وعامر بن ليلى بن ضمرة ، وذكره الهيثمي في مجمعه من حديث حذيفة بن أسيد ، ثم قال : رواه الطبراني وفيه زيد بن الحسن الانماطي ، قال أبو حاتم منكر الحديث ، ووثّقه ابن حبان ، وبقيّة رجال أحد الاسنادين ثقات. (3)
ونقل ابن الصبّاغ عن الزهري ، أنّه قال : لمّا حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حجّة الوداع ، وعاد قاصداً المدينة قام بغدير خمّ وهو ماء بين مكّة والمدينة ، وذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام وقت الهاجرة ، فقال : « أيّها النّاس إنّي مسؤول وأنتم مسؤولون! هل بلّغت؟ » قالوا : نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت ، قال : « وأنا أشهد أنّي قد بلّغت ونصحت » ، ثم قال : « أيّها الناس! أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله؟ » قالوا : نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله ، قال : « وأنا أشهد مثل ما شهدتم » ، ثم قال : « أيّها الناس! قد خلّفت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله وأهل بيتي ، ألا وإنّ اللّطيف أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، حوض ما بين بصرى وصنعاء ، عدد آنيته عدد النّجوم ، إنّ الله مسائلكم كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيتي ». ثم قال : « أيّها الناس! من أولى الناس بالمؤمنين؟ » قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : « إنّ أولى الناس بالمؤمنين أهل بيتي » ، قال ذلك ثلاث مرّات ، ثم قال في الرابعة ـ وأخذ بيد علي ـ : « اللهمّ من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ـ يقولها ثلاث مرّات ـ ألا فليبلّغ الشاهد الغائب ».
وأورده الهيثمي في مجمعه عن زيد بن أرقم مع تفاوت يسير (4).
وفي لفظ محكي عن ابن جرير عن زيد بن أرقم ، قال : لمّا نزل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بغدير خمّ في رجوعه من حجّة الوداع ، وكان وقت الضحى وحرّ شديد ، أمر بالدوحات فقمّت ، ونادى الصلاة جامعة ، فاجتمعنا ، فخطب خطبةً بليغةً ، ثم قال : « إنّ الله تعالى أنزل إليّ : ( بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) وقد أمرني جبريل عن ربّي أن أقوم في هذا المشهد وأُعلّم كلّ أبيض وأسود أنّ علي بن أبي طالب أخي ووصيّي وخليفتي والامام بعدي ، فسألت جبرائيل أنْ يستعفي لي ربّي ، لعلمي بقلّة المتّقين وكثرة المؤذين لي واللاّئمين ، لكثرة ملازمتي لعليّ وشدّة إقبالي عليه ، حتى سَمُّوني أُذُنا ، فقال تعالى : ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْر لَكُمْ ) ، ولو شئت أن أسمّيهم وأدلّ عليهم لفعلت ، ولكنّي بسترهم قد تكرّمت ، فلم يرض الله إلاّ بتبليغي فيه ; فاعلموا معاشر الناس ذلك فإن الله قد نصبه لكم وليّاً وإماماً ، وفرض طاعته على كلّ أحد ، ماض حكمه ، جائز قوله ، ملعون من خالفه ، مرحوم من صدّقه ، اسمعوا وأطيعوا فإنّ الله مولاكم ، وعلي إمامكم ، ثم الامامة في ولدي من صلبه إلى يوم القيامة ، لا حلال إلاّ ما أحلّه الله ورسوله ، ولا حرام إلاّ ما حرم الله ورسوله وهم ، فما من علم إلاّ وقد أحصاه الله فيَّ ونقلته إليه ، فلا تضلّوا عنه ولا تستنكفوا منه ، فهو الذي يهدي إلى الحقّ ويعمل به ، لن يتوب الله على أحد أنكره ولن يغفر له ، حتماً على الله من يفعل ذلك أن يعذّبه عذاباً نكراً أبد الابدين ، فهو أفضل الناس بعدي ما نزل الرزق وبقي الخلق ، ملعون من خالفه ، قولي عن جبرائيل عن الله ، فلتنظر نفس ما قدّمت لغد ، افهموا محكم القرآن ولا تتّبعوا متشابهه ، ولن يفسّر ذلك إلاّ من أنا آخذ بيده وشائل بعضده ، ومعلمكم أنّ من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، وموالاته من الله عزوجل أنزلها عليَّ ، ألا وقد أدّيت ألا وقد بلّغت ألا وقد أسمعت ألا وقد أوضحت ، لا تحلُّ إمرة المؤمنين بعدي لاحد غيره » ، ثم رفعه إلى السماء حتى صارت رجله مع ركبة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقال : « معاشر الناس! هذا أخي ووصيّي وواعي علمي وخليفتي على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربّي » (5).
وقد ورد هذا الحديث عن زيد بن أرقم من طرق متعدّدة وألفاظ متفاوتة مطوّلة ومختصرة متقاربة في المعنى.
قال أبو نعيم ـ بعد أن أخرج الحديث عن زيد بن أرقم من طريق أبي الطفيل ـ : ورواه عن زيد بن أرقم أبو سليمان زيد بن وهب وأبو الضحى ويحيى بن جعدة وسليمان بن أبي الحسناء وأبو اسحاق وأبو سلمان المؤذن وأبو عبيد الله الشيباني وأبو ليلى الحضرمي وأبو صالح وأبو عبد الله ميمون وعطية العوفي وثوير بن أبي فاخته في آخرين (6).
وقال ابن كثير : وقد رواه عن زيد بن أرقم جماعة ، منهم : أبو إسحاق السبيعي وحبيب الاساف وعطيّة العوفي وأبو عبد الله الشامي. انتهى (7).
وذكر الالباني حديث زيد بن أرقم في الاحاديث الصحيحة من خمس طرق : من طريق أبي الطفيل وميمون أبي عبد الله وأبي سلمان المؤذّن ويحيى بن جعدة وعطيّة العوفي ، وعزاها لجماعة من المحدثين ، واعترف بصحة أكثرها (8).
وأخرج الطبراني هذا الحديث عن زيد بن أرقم من طريق كل من أبي الطفيل وعامر بن واثلة وأبي الضحى ويحيى بن جعدة وحبيب بن حبيب وعمرو بن ذي مرّ وثوير بن أبي فاختة وعطيّة العوفي وأبي ليلى الحضرمي وميمون أبي عبد الله وأبي هارون العبدي وأنيسة بنت زيد.
وأخرجه ابن عساكر عن زيد من طريق كل من أبي الطفيل وعطيّة العوفي وأبي الضحى وأبي عبد الله الشامي وميمون أبي عبد الله وأبي إسحاق ويحيى بن جعدة وحبيب.
وأخرجه ابن أبي عاصم عنه من الطريق أبي الطفيل وميمون أبي عبد الله وحبيب بن أبي ثابت وأبي ليلى الحضرمي وأبي الضحى وأبي إسحاق.
وأخرجه أحمد عن زيد من طريق أبي الطفيل وعطيّة العوفي وعمرو بن ذي مرّ وميمون أبي عبد الله ، وابنُ جرير من طريق أبي الطفيل وميمون أبى عبد الله وعطيّة العوفي وأبي الضحى ، والنسائي من طريق أبي الطفيل وميمون أبي عبد الله ، والحاكم من طريق أبي الطفيل وصحّحه ، وعن سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل وصححه أيضاً.
وأخرجه عن زيد بن أرقم كلّ من الترمذي والبزّار وأبي نعيم والبلاذري والمزّي وابن المغازلي وغيرهم (9).
أخرج أحمد بن حنبل والطبراني وابن عساكر وابن المغازلي عن رياح بن الحارث ، قال : جاء رهط إلى عليّ بالرحبة ، قالوا : السلام عليك يا مولانا ، فقال : كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟! قالوا : سمعنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه » ، وهذا أبو أيّوب بيننا ، فحسر أبو أيّوب العمامة عن وجهه ، ثم قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلميقول : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه وعاد من عاداه ».
وفي رواية قال رياح : فلما مضوا تبعتهم وسألت عنهم ، فقالوا : هؤلاء نفر من الانصار ، فيهم أبو أيّوب.
قال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني ... ورجال أحمد ثقات.
وأورده الالباني في سلسلة الاحاديث الصحيحة ، وعزاه لاحمد والطبراني ، ثم قال : قلت : وهذا إسناد جيّد ، رجاله ثقات.
وفي ذلك عن أبي أيّوب وحده عند ابن عساكر وابن أبي عاصم ، ونقله ابن كثير عن أبي بكر بن أبي شيبة ، ونقله الباعوني والطبري عن البغوي في معجمه (10).
المصادر :
1- الغدير : 1 / 9 ـ 11.
2- تذكرة الخواص / 39.
3- الصواعق المحرقة / 42 و 43 ـ 44 ب : 1 ف : 5 ش : 11 ، تاريخ دمشق : 42 / 219 ـ 220 ، البداية والنهاية : 7 / 385 ـ 386 .
4- مجمع الزوائد : 9 / 163 ـ 164 ، الفصول المهمة / 40.
5- احقاق الحق : 2 / 419 ـ 420 ، شواهد التنزيل للعلامة الاندونيسي / 9 ـ 10 .
6- سلسلة الاحاديث الصحيحة : 4 / 330 ـ 335 ح : 1750.
7- معرفة الصحابة : 3 / 1169 ـ 1170 ح : 2966.
8- البداية والنهاية : 7 / 385.
9- المستدرك : 3 / 109 و 110 و 533 ، كنز العمال : 11 / 608 ـ 610 ح : 32945 و 32950 ـ 32951 و 13 / 104 و 105 ح : 36340 ـ 36342 و 36343 و 36344 .
10- مسند أحمد : 5 / 419 ، البداية والنهاية : 7 / 384 ـ 385 ، مجمع الزوائد : 9 / 103 ـ 104 ، تاريخ دمشق : 42 / 211 ـ 215 ، جواهر المطالب : 1 / 83 .