إنّ ینتخب بعد رسول الله إماماً ، وليس غير عليّ ، لأنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً ومنصوصا عليه وأفضل أهل زمانه . ولا يوجد شيء من ذلك في باقي الصّحابة ، أمّا العصمة والنص فبالإتفاق ، وأمّا الأفضلية فلما سيأتي .
والجواب : أوّلاً : منع الأشتراط : وثانياً : منع انتفاء الشرائط في أبي بكر .
أمّا الجواب الأوّل فممنوع ، بالأدلّة القائمة على اشتراط العصمة والنص والأفضلية في الامام .
وأمّا الجواب الثاني : فيكفي في ردّة اعترافه غير مرة بانتفاء العصمة والنص في أبي بكر ، وكذا تقريره الاتفاق على نفيها في غير علي عليه السلام من الصّحابة . وأمّا الافضلية فسيأتي الكلام عليها .
( ويمكن أن تجعل الأدّلة بحسب الشروط ) .
فلم جعلها وجهاً واحداً ؟ وكذلك فعل بالنسبة إلى حديثي الغدير والمنزلة كما سياتي ، وقد كثّر عدد الوجوه التي زعمها على إمامة أبي بكر ؟
( وربما يورد في صورة القلب فيقال ... وأمّا ما يقال ... فحمل نظر ) .
فهلاّ أوضح وجه النّظر !!
آية : إنّما وليّكم الله
( الثاني : قوله تعالى : ( إنّما وليّكم الله ... (والجواب ... ) .
لم يمكنه إنكار نزول الآية باتفاق المفسّرين في أمير المؤمنين ، ولا إنكار أنّ من معاني « الولي » هو « المتصرف » وإنّما اعترض على الاستدلال بوجوه :
والعمدة ـ بدليل تقديمه على غيره ، وعدم ذكر بعضهم كابن روزبهان غيره ـ
هو الأخذ بسياق الآية فقال بعد بيان ذلك : ( وبالجملة ، لا يخفى على من تأمّل في سياق الآية وكان له معرفة بأساليب الكلام أن ليس المراد بالولي فيها ما يقتضي الإمامة ، بل الموالاة والنصرة والمحبّة ) .
وهذا الاعترض موجود في ( المواقف ) وهذه عبارته : « ولأنّ ذلك غير مناسب لما قبلها وهو قوله : ( يأ أيّها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ) وما بعدها وهو قوله : ( ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون ) قال الشارح : « فإنّ التولي ههنا بمعنى المحبة والنصرة دون التصرف ، فوجب أن يحمل ما بينهما على النصرة أيضاً ليتلائم أجزاء الكلام » (1) .
ولكن يجاب عنه ـ بعد التسليم بقرينيّة السّياق مطلقاً ـ إنّ الآية التي ذكروها ليست قبل هذه الآية ، بل مفصولة عنها بآيات عديدة أجنبية عنها ، ولنذكر الآيات كلّها :
( يا أيها الذين أمنوا لا تنخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين * ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين * يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم * إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون ) .
فظهر أن لا قرينيّة للآية : ( يا أيّها الذين آمنوا لا تتخذوا ... ) بالنسبة إلى الآية : ( إنما وليّكم الله ... ) وأمّا الآية التي بعدها وهي : ( ومن يتولّ الله ورسوله ... ) فهي مناسبة لكون المراد هو « الأولوية بالتصرّف » بكلّ وضوح ، لأنّ المراد بتولي الله ورسوله والذين آمنوا هو اتخاذهم أولياء والقول بولايتهم بالمعنى الذي أريد من « الولي » في قوله : ( انما وليّكم الله ... ) فكيف لا تحصل المناسبة ؟
وإذا ارتفعت هذه الشبهة ... والآية نازلة في أمير المؤمنين باتفاق المفسرين ـ لم يعبأ باحتمال كون « الواو » في « وهم راكعون » عاطفة لا حاليّة ... إذ المراد هو الامام علي عليه السلام الذي تصدّق بخاتمة وهو راكع .
نعم هنا اشكال أنّ ( ( الذين آمنوا ) صيغة جمع فلا يصرف إلى الواحد إلاّ بدليل ) .
والجواب : إنّ الدليل هو إتفاق المفسّرين الذي اعترفوا به ، ونظائره في القرآن كثيرة ...
وإلى هنا ظهر تماميّة الاستدلال بالآية المباركة ... ويبقى ما ذكره بقوله : ـ ( إنّ ظاهر الآية ثبوت الولاية بالفعل وفي الحال ... ) .
وقد أخذه من شيخه العضد حيث قال : « المراد هو الناصر وإلاّ دلّ على إمامته حال حياة الرّسول » (2) .
وقد ذكرنا في جوابه : إنّ التصرّف من شؤون صاحب الولاية ، سواء كان نبياً أو وصي نبي ، فقد يكون حاصلاً له بالفعل وقد لا يكون وقد لا يحصل كما وقع بالنسبة إلى كثير من الأنبياء والأوصياء ... فالمقصود بالاستدلال إثبات الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام ، وأمّا فعليّة التصرّف فقد يقال بحصولها له في حياة النبي أيضاً ونفوذه إلاّ حيثما لا يرضى النّبي ، وهو لا يفعل ما لا يرضاه قطعاً .
وقد يقال بتوقّف تصرّفه على وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وهذا كما في الوصية ، حيث يثبت استحقاقها للوصي ، لكنه يمنع من التّصرف مادام الوصيّ موجوداً ، ولعلّه لوضوع الجواب عن هذا الوجه أعرض ابن روزبهان عن ذكره .
ولعله لذلك أيضاً كان معتمد الفخر الرازي وجهاً آخر ذكره السّعد ، لكن أجاب عنه .
وأمّا ما ذكره السّعد من أنه ( لو كانت في الآية على إمامة على لما خفيت على الصّحابة ... ) فهذا أولاً : استبعاد محض ، وقد تقدم ما يقتضي رفعه . وثانياً : منقوض بما استدلّوا به على إمامة أبي بكر ، مع معارضة الأنصار والمهاجرين له .
هذا تمام الكلام على ما ذكره حول الآية المباركة . وقد عرفت أنّها مجرّد شبهات واهية تبعثها التعصّبات الباردة ...
حديث الغدير
( والجواب منع تواتر الخبر ، فإنّ ذلك من مكابرات الشيعة ، كيف ؟ وقد قدح في صحته كثير من أهل الحديث ، ولم ينقله المحققون منهم ... وأكثر من رواه يرووا المقدّمة ... وبعد صحّة الرواية فموخّر الخبر ... ) .
لا يخفى أنّه لا يناقش إلاّ في سند الحديث ودلالته ، أمّا شيخه العضد فأضاف ـ تبعاً للرازيّ ـ إنكار وجود الإمام عليه السلام مع النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ يوم الغدير .
وأيضاً إنّه لم يصرّح بعدم صحته سنداً ، خلافاً لشيخه حيث منع صحته . فالكلام معه في جهتين :
1 ـ سند حديث الغدير
إنّ حديث الغدير متواتر عند أصحابنا بطرقهم وأسانيدهم ، كم لا يخفى على من راجع كتبهم ، ويكفي لكون الحديث متفقاً بين الفريقين ، قابلاً للاحتجاج به لإثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام تنصيص بعض علماء المخالفين على صحّته ... إلاّ أنّ الواقع فوق ذلك ، فقد نصّ غير واحد منهم على تواتره ...
فممّن نصّ على صحته من أئمّة الحديث عند القوم :
1 ـ أبو عيسى الترمذي صاحب الصحيح المتوفى سنة 279 فإنّه قال بعد أن أخرجه : « هذا الحديث حسن صحيح » (3) .
2 ـ أبو جعفر الطحاوي المتوفى سنة 279 فإنّه قال بعد أن رواه : « فهذا الحديث صحيح الإسناد ولا طعن لأحدٍ في رواته » (4) .
3 ـ ابن عبدالبرّ القربطبي المتوفى سنة 364 فإنه قال بعد أحاديث منها حديث الغدير : « هذه كلّها آثار ثابتة » (5) .
4 ـ الحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405 حيث أخرجه بعدّة طرق وصحّحها (6) .
5 ـ الذهبي المتوفى سنة 748 . فإنّه وافق الحاكم على تصحيحه في تلخيصه (7) كما نقل عنه ابن كثير ذلك واعتمده .
6 ـ ابن كثير المتوفى سنة 774 فقد ذكر الحديث ثم قال : « قال شيخنا أبوعبدالله الذهبي : هذا حديث صحيح » (8) .
7 ـ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 حيث قال : « وأمّا حديث من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقد أخرجه الترمذي والنسائي ، وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ... » (9) .
8 ـ ابن حجر المكي المتوفى سنة 974 : « إنّه حديث صحيح لا مرية فيه ، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد ، فطرقه كثيرة جداً ، ومن ثمّ رواه ستة عشر صحابياً . وفي رواية لأحمد : إنّه سمعه من النبي ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته كما مر وسيأتي ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ، ولا التفات لمن قدح في صحته ، ولا التفات لمن قدح صحته ، ولا لمن ردّه بأن علياً كان باليمن ، لثبوت رجوعه منها ... » (10) .
9 ـ علي القاري المتوفى سنة 1014 فإنّه قال بعد أن رواه : « والحاصل : إن هذا حديث صحيح لا مرية فيه ، بل بعض الحفاظ عدّه متواتراً ... فلا التفات لمن قدح في ثبوت هذا الحديث ، وأبعد من ردّه بأنّ عليّاً كان باليمن ... » (11).
10 ـ المناوي المتوفى سنة 1013 حيث قال : « قال ابن حجر : حديث كثير الطرق جداً ، قد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، منها صحاح ومنها حسان ... » (12) .
أولاً : هذا الأثر ثابت .
وثانياً : إنّه صحيح .
وثالثاً : إنه كثير الطرق جداً .
ورابعاً : إنه لا التفات لمن قدح في صحته .
وخامساً : إنّه متواتر عند بعض الحفّاظ .
ومع ذلك نذكر جماعة ممّن نص على تواتره وهم :
1 ـ شمس الدين أبو عبدالله الذهبي .
2 ـ ابن كثير الدمشقي . قال ابن كثير : « قال شيخنا الحافظ أبو عبدالله الذهبي : الحديث متواتر ، أتيقّن أن رسول الله قاله » (13) .
3 ـ ابن الجزري المتوفى سنة 833 ، قال : « صحيح عن وجوه كثيرة ، متواتر عن أمير المؤمنين علي ، وهو متواتر أيضاً عن النبي ، رواه الجك الغفير عن الجم الغفير ، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممّن لا اطلاع له في هذا العلم وصحّ عن جماعة ممن يحصل القطع بخبرهم » (14) .
4 ـ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 910 .
5 ـ المنّاوي حيث قال بشرح الحديث نقلاً عن السيوطي : « قال حديث متواتر » (15) .
وبعد ، فما تقول في قول السّعد : ( والجواب منع تواتر الخبر فإنّ ذلك من مكابرات الشّيعة ، كيف وقد قدح في صحته كثير من أهل الحديث ) ؟
ثم في قوله : ( ولم ينقله المحققون منهم كالبخاري ومسلم والواقدي ) ؟
على أنّ عدم النقل لا يدلّ على القدح ، وهو يعلم بذلك ، فلذا غيّر العبارة ، ولو أردنا التكلّم في البخاري ومسلم وكتابيهما لطال بنا المقام ، وإن شئت فراجع
وأمّا قوله : ( وأكثر من رواه لم يرووا المقدمة التي جعلت دليلاً على أن المراد بالمولى الأولى ) .
فكأقواله السّابقة ... وذلك لأنّ الأكثر رووا المقدمة أيضاً ، ولو سلّم ففي رواية الأقل غنى وكفاية ... وممّن المقدمة أيضاً :
معمر بن راشد .عبدالله بن نمير .أبو نعيم الفضل بن دكين .عفان بن مسلم .أبوبكر ابن أبي شيبة .قتيبة بن سعيد الثقفي .أحمد بن حنبل .ابن ماجة القزويني .أبوبكر البزّار .أحمد بن شعيب النسائي .أبويعلى الموصلي .محمد بن حرير الطبري .أبو الحسن الدار قطني .أبو موسى المديني .ابن كثير الدمشقي . (16)
هذا كلّه في الكلام على سند حديث الغدير بايجاز ، فانظر وأنصف من « المكابر » ؟
2 ـ دلالة حديث الغدير
قال : ( وبعد صحة الرواية : فموخّر الخبر ـ أعني قوله : اللهّم وال من والاه ـ يشعر بأن المراد هو الناصر والمحب ، بل مجرد احتمال ذلك كاف في دفع الاستدلال . ولو سلّم فغايته الدلالة على استحقاق الإمامة وثبوتها في المآل ، لكن من أي يلزم نفي إمامة الأئمّة قبله ...
وإذا تأمّلت فما يدعون من تواتر الخبر حجة عليهم لا لهم ... )
هذا غالية ما أمكنه الاعتراض به على الاستدلال بحديث الغدير ... ولا يخفى أنّ هذا الموضع من المواضع التي خالف فيها السّعد مشايخه المتقدمين عليه كالقاضي العضد والفخر الرازي ... فإنّ أولئك أنكروا أن يكون ( المولى ) يجيء يمعنى ( الأولى ) ثم ذكروا شبهات لهم بناء على ذلك ... آخذين كلّ ما هنا لك من مشايخ المعتزلة ... أمّا السّعد فلم ينكر مجئ كلمة ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) بل ظاهره الإقرار ، فكان الكلام معه أخصر وطريق الإفحام أقصر .
لقد دلّ قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى . قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه » على الأولوية ، وأكّدت ذلك الدلائل القرائن الكثيرة الثابتة في رواية الفريقين :
من وجوه دلالة حديث الغدير
منها : نزول الآيات من القرآن الكريم في ذلك اليوم :
قوله تعالى : ( يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وان لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس ) نزلت قبل خطبة النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم (17) .
وقوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً ) نزلت بعد الخطبة الشريفة (18) .
وقوله تعالى : ( سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع ) . نزلت في قضية الرجل الذي جاء إلى النّبي بعد الخطبة قائلاً : « يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إلاّ الله وأنك رسول الله ، فقبلناه منك . وأمرتنا أن نصلّي خمساً ، فقبلناه منك . وأمرتنا بالزكاة فقبلناه . وأمرتنا أن نصوم شهر رمضان فقبلناه منك ، وأمرتنا بالحج فقبلناه . ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضّلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعليّ مولاه ؟ فهذا شيء منك أم من الله عزّ وجلّ ؟ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : والذي لا إله إلاّ هو إن هذا من الله .
فولّى الرّجل قائلاً : اللهم ان كان ما يقوله محمد حقاً فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذابٍ أليم .
فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله بحجرٍ فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله .
فأنزل الله تعالى ذلك » (19) .
ومنها : شعر حسان بن ثابت في ذلك اليوم بإذنٍ من النّبي ومشهدٍ من الصّحابة ... وفيه :
« فقال له قم يا علي فانني رضيتك من بعدي إماماً وهادياً » (20) .
ومنها : مناشدة الامام أمير الؤمنين عليه السلام الناس عن حديث الغدير (21) .
ومنها : مناشدة الزهراء عليها السلام واحتجاجها بالحديث (22) .
ومنها : بعض ألفاظ الحديث : كقوله :
« يا أيها الناس من وليّكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ـ ثلاثاً .
ثم أخذ بيد علي فقال : من كان وليّه فهذا وليه ، أللهم وال من والاه وعاد من عاداه » (23) .
فلو كان المراد من « المولى » هو « المحب والناصر » لما قال الأصحاب في الجواب : « الله ورسوله أعلم » .
وكقوله : « إنّ الله ولييّ وأنا ولي كلّ مؤمنٍ ، من كنت مولاه فعلي مولاه » (24) .
وكقوله : « أيّها الناس إني ولّيكم . قالوا : صدقت ، فرفع يد علي فقال : هذا وليّي المؤدّي عنّي ، وإنّ الله موال من والاه ومعاد من عاداه » (25) فإنّ « المؤدّي عنّي » قرينة على أنّ « الولاية » هي الأولوية ، وعلى أنّ الدعاء جاء في حقّ من قبل ولايته وأطاعه فيما يؤديه ، وعلى من لم يقبل ولايته ولم يطع أوامره ونواهيه الالهية ...
وكقوله : « من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليّه ، أللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه » (26) .
ومنها : شهادة صحابة مشهورين بولاية أمير المؤمنين عليها السلام وإمامته إستناداً إلى حديث الغدير ... فإنّهم دخلوا عليه فقالوا : « السلام عليك با مولانا . قال : وكيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب ؟ قالوا : سمعنا رسول الله يقول : من كنت مولاه فهذا مولاه » (27) .
ومنها : تهنئة الشيخين وسائر الصحابة أمير المؤمنين عليه السلام قائلين « أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة » (28) .
ومنها : إستنكار بعض الصحابة هذا الكلام (29) فلو كان بمعنى « الناصر والمحب » لما استنكر .
ومنها : تمنّي بعض الصحابة ورود هذا الكلام في حقّه (30) .
فهل يبقى مجال بالنظر إلى كل ذلك لاحتمال ـ أو دعوى ـ إشعار مؤخر الحديث بأنّ المراد بالمولى هو الناصر والمحب ؟ وهل يعقل أن يكون ذلك الاهتمام الذي كان من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لمجرّد بيان كون علي عليه السلام محبّاً وناصراً لمن كان النّبي محبّاً وناصراً له ؟
المصادر :
1- شرح المواقف 8 / 360 .
2- شرح المواقف 8 / 360 .
3- صحيح الترمذي : 2 / 298 .
4- مشكل الآثار : 2 / 308 .
5- الاستيعاب 2 / 273 .
6- المستدرك على الصحيحين 3 / 109 .
7- تلخيص المستدرك 3 / 109 .
8- تاريخ ابن كثير 5 / 209 .
9- فتح الباري 7 / 61 .
10- الصواعق المحرقة : 25 .
11- المرقاة في شرح المشكاة 5 / 568 .
12- فيض القدير 6 / 218 .
13- تاريخ ابن كثير 5 / 209 .
14- أسنى المطالب : 48 .
15- فيض القدير : 6 / 218
16- مسند أحمد 4 / 372 ، 347 ، الخصائص : 95 سنن ابن ماجة 1 / 43 ، تاريخ ابن كثير 7 / 348 ـ 349 ، الرياض النضرة 2 / 223 ، كنز العمال 13 / 131 ، 134 ، 158 ، وغيرها من المصادر المعتبرة ...
17- روى نزولها : ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر وأبو نعيم والثعلبي والواحدي والعيني والسيوطي وغيرهم ، لاحظ : الدر المنثور 2 / 298 ، أسباب النزول : 115 ، الفخر الرازي 12 / 49 وغيرها .
18- روى نزولها : ابن مردويه وأبو نعيم وابن المغازلي والخطيب الخوارزمي و ...
19- روى ذلك : الثعلبي والسمهودي والمنّاوي والحلبي وجماعة آخرون .
20- روى ذلك : ابن مردويه وأبو نعيم والخوارزمي وسبط ابن الجوزي والسيوطي وآخرون .
21- روى ذلك من أكابر الحفاظ : عبدالرزاق وأحمد والبزار والنسائي وأبو يعلى والطبراني والخطيب وابن الأثير وابن كثير والسيوطي وغيرهم .
22- أسنى المطالب للحافظ ابن الجزري .
23- الخصائص : 101 .
24- كنز العمال : 12 / 207 .
25- الخصائص 100 ، تاريخ ابن كثير 5 / 212 .
26- المعجم الكبير 5 / 186 .
27- مسند أحمد 5 / 419 ، الرياض النضرة 2 / 222 ، تاريخ ابن كثير 7 / 347 ، المرقاة في شرح المشكاة 5 / 574 .
28- رواه جماعة من كبار المحدثين ، منهم أبوبكر ابن أبي شيبة ، كنز العمال 13 / 134 .
29- مسند أحمد 4 / 370 ، الخصائص 100 ، ابن كثير 7 / 346 .
30- رواه ابن ماجة 1 / 45 عن سعد بن أبي وقاص .