أم البنين والأصل في هذه الكنية أنّ العرب تكني بها المرأة التي تلد ثلاثة أولاد فما فوق ، وقد يكنى بعضهم ابنته ، وهي في الطفولة ، بهذه الكنية مجازاً على سبيل التفاؤل لهن بالبنين ، كما كانوا يكنونهن بأمثال ذلك «كأم الخير» و «أم الكرام».
وقد تغلب الكنية حتى ينسى الاسم تماماً ، كما حدث «لأم أيمن» و «أم سلمة» وكذلك حدث «لأم البنين».
أبوها : حزام.
أمها : ثمامة ، وقيل : ليلى.
زوجها : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام.
أولادها : الشهداء الأربعة : العباس ، عبد الله ، جعفر ، عثمان.
قبرها : في البقيع ـ المدينة المنورة. (1)
ولادتها عليهاالسلام
لم يحدد المؤرخون تاريخ ولادتها عليهاالسلام ، بيد أنّهم ذكروا أن تاريخ ولادة ابنها الأكبر العباس عليهالسلام كانت في السنة السادسة والعشرين من الهجرة (2).
ينتهي نسب أُم البنين عليهاالسلام إلى جعفر بن كلاب زعيم هوزان ورئيسها في عصره.
وكانت هوزان تقطن في الطرف الجنوبي من مكة ويمتد نفوذها إلى حدود اليمن ، مما جعل قسماً منهم يعيش البداوة وقسماً يعيش الحضرية ، إلّا أنّهم اتفقوا جميعاً على عبادة الأوثان.
وكان بينهم وبين سكان مكة عداوات قديمة أدّت إلى نشوب الحرب بينهم مراراً ، وقد اشترك في أحدها النبي صلىاللهعليهوآله وعمه أبو طالب عليهالسلام ـ ضد هوازن ـ ، وقتل في أخرى «خويلد» والد خديجة عليهاالسلام أم المؤمنين وزوجة النبي الأمين صلىاللهعليهوآله.
فلما كان فتح مكة أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يطهر المسلمون أطراف مكة من الأصنام ، فلمّا سمعت هوازن بذلك أقبلت بكل قبائلها وساقت معها نساءها وأموالها في عشرين ألف ، واستعدت للحرب دفاعاً عن أصنامها ، وهي تنوي أن تسيطر على مكة وتستريح من قريش ، فخرجوا عن بكرة أبيهم.
فلما بلغ خبرهم إلى أهل مكة أصابهم الذعر ، واضطربت قريش لمعرفتها بشجاعة هوزان وأقدام أبطالها ، وهم يعلمون أنّ سيوف هوزان أخطر من صواعق السماء.
فاجتمع المسلمون جميعاً من أسلم منهم قبل الفتح وبعده ، ونبذوا الخلافات ، ووحّدوا صفوفهم للوقوف أمام سيول هوازن الجارفة ، سيما وأنّهم سمعوا أنّ هوازن أقبلت بقضها وقضيضها ، ورجالها ونساءها وأموالها ، فهي إذن عازمة على الموت أو الدخول إلى مكة فاتحة منتصرة.
فخرج المسلمون وقريش ـ وكانوا زهاء ألفي رجل ـ حتى إذا بلغوا «حنين» ، وهو وادي يقع بين الطائف ومكة ، باغتتهم هوازن ، حيث كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضائقه ، فما راع المسلمون إلّا كتائب الرجال ، فانهزموا جميعاً ـ إلّا عليّاً عليهالسلام ـ.
فقتل منهم كثير تحت السنابك والأرجل ، وهوازن تشدّد القبضة عليهم وتحاصرهم وترميهم من كل مكان ، وليس للمسلمين عليهم سبيل ؛ لأنهم في أسفل الوادي والعدو من فوقهم ، فسيطر عليهم الرعب ، وارتبك الموقف ، واضطرب الرجال ، ولم يكن همّ أحدهم إلّا النجاة بنفسه.
وهكذا استمرت المعركة لصالح هوازن ، ولم يصمد أمامهم إلّا النبي صلىاللهعليهوآله ، وأمير المؤمنين ، وثلّة قليلة ممن باعوا أرواحهم ، واستصغروا أنفسهم في جنب الله.
وبالرغم من المقاومة المستميتة لهذه العصابة المؤمنة فانّ العدو استمر في التوغل بين صفوف المسلمين ، فلم يجد النبي صلىاللهعليهوآله بداً ، فنادى برفيع صوته يخاطب المهاجرين والأنصار : إلى أين تفرون؟! لقد نصركم الله في مواطن كثيرة مع قلّة العدد ، اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول الله ، ارجعوا فان الله ناصركم ...
ثم نظر إلى الناس ببعض وجهه فأضاء كأنّه القمر ، ثم نادى : أين ما عاهدتم عليه الله؟ فاسمع أولهم وآخرهم ، فلم يسمعها رجل إلّا رمى بنفسه إلى الأرض ، فانحدروا حتى لحقوا العدو ، وامتلأت قلوبهم بالأمل لوعد النبي صلىاللهعليهوآله الصادق المصدق ، حيث وعدهم بالنصر ، واستعادوا رباطة جأشهم ، والتأمت صفوفهم حتى طردوا من المضيق ، ونقلوا المعركة إلى «أوطاس» ، وهناك أنزل الله عليهم النصر فغلبوا عدوهم وأسروهم وغنموا أموالهم.
ومن ثم أعتق النبي صلىاللهعليهوآله من كان في سهمه إكراماً لمرضعته «حليمة السعدية» التي كانت من «هوازن» وردّ عليهم أموالهم ، تبعه على ذلك أمير المؤمنين عليهالسلام ، وفعل بعض الصحابة ما فعله النبي ووصيه ، ثم تبعهم المسلمون جميعاً.
فلما رأى رجال هوازن هذا الوفاء والعفو والمرؤة والخلق السامي في المسلمين دخلوا الاسلام أفواجاً ، واستأذنوا النبي صلىاللهعليهوآله في العودة ، فأذن لهم صلىاللهعليهوآله.
وكان فيهم «مالك بن عوف» قائدهم المقدام ، وزعيمهم الشجاع ، فأسلم وصار ذا صيت في جهاده من أجل رفع راية الدين الحنيف (3).
كانت أُم البنين عليهاالسلام من نساء هذه القبيلة ، حيث نشأت في بيت عرف رجاله بالشجاعة والكرم والسخاء ، وكان لهم حظ وافر في العلم والمعرفة.
هذا ما ذكره أبو الفرج في «المقاتل» من جدات أم البنين عليهاالسلام ، ومنه عرفنا آباءها وأخوالها ، ويعرفنا التاريخ أنهم فرسان العرب في الجاهلية ، ولهم الذكريات المجيدة في المغازي بالفروسية والبسالة مع الزعامة والسؤدد ، حتى أذعن لهم الملوك ، وهم الذين عناهم عقيل بن أبي طالب بقوله : «ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس» (4).
أبو البراء عامر بن مالك :
فانّ من قومها أبا براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب جدّ ثمامة والدة أم البنين ، وهو الجد الثاني لأم البنين ، قيل له : «ملاعب الأسنة» لفروسيته وشجاعته ، لقبه بذلك حسان لمارآه يقاتل الفرسان وحده وقد أحاطوا به قال : ما هذا إلّا ملاعب الأسنة.
وقيل : إن أوس بن حجر قال فيه (5) :
يلاعب أطراف الأسنة عامر / فراح له حظ الكتائب أجمع
وهو الذي استعانه ابن أخيه عامر بن الطفيل على منافرة علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص لما تفاخرا على أن يسوق كلّ منهما مائة ناقة تكون لمن يحكم له ، ووضع كل منهما رهناً من أبنائهم على يد رجل من بني الوحيد ـ فسمي الضمين إلى اليوم ، وهو الكفيل ـ.
ولما استعانه عامر دفع اليه نعليه وقال له : استعن بهما في منافرتك فاني قد ربعت بهما أربعين مرابعاً.
والمرباع ما يأخذه الرئيس من ربع الغنيمة دون أصحابه خالصاً لنفسه وذلك عندما كانوا يغزون في الجاهلية (6).
وهذا النعلان من مختصات الرئيس التي يخرج بها في الأيام الخاصة ، وإلّا فلا مزية لهما حتى يستعين بهما على المنافرة.
عامر بن الطفيل :
ومنهم : عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب ، وهو أخو عمرة ، الجدة الأولى لأم البنين.
كان عامر أسود أهل زمانه ، وأشهر فرسان العرب بأساً ونجدة ، وأبعدها اسماً ، حتى بلغ أن قيصر إذا قدم عليه قادم من العرب قال : ما بينك وبين عامر بن الطفيل؟ فان ذكر نسباً عظم عنده وأرفده وإلّا أعرض عنه.
وفد عليه علقمة بن علاثة فانتسب له ، فقال له قيصر : أنت ابن عم عامر بن الطفيل؟ فغضب علقمة.
ثم إنّه دخل على ملك الروم ، فقال له : انتسب ، فانتسب له ، فقال الملك : أنت ابن عم عامر بن الطفيل ، فغضب وخرج عنه (7).
عروة الرحال :
ومنهم : عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب ، والد كبشة ، الجدة الثانية لأم البنين عليهاالسلام.
كان وفاداً على الملوك ، ولد قدر عندهم ، ومن هنا سمي الرحال ، وهو الذي أجاز لطيمة النعمان التي كان يبعث بها كل عام إلى «سوق عكاظ» ، فقتله البراض بن قيس الكناني واستاق العير ، وبسببه هاجت «حرب الفجار» بين حي «خندف» و «قيس» (8).
الطفيل فارس قرزل :
ومنهم : الطفيل فارس قرزل ، وهو والد عمرة ، الجدة الأولى لأم البنين.
كان معروفاً بالشجاعة والفروسية ، وهو أخو ملاعب الأسنة ، وربيعة ، وعبيدة ، ومعاوية بنو جعفر بن كلاب.
يقال لأمهم : «أم البنين» وإياها عنى لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب لما وفد بنو جعفر على النعمان بن المنذر ، وكان سميره الربيع بن زياد العبسي ، فاتهموه بالسعي عليهم ، فلما غدوا على النعمان كان معهم لبيد ، وهو أصغرهم ، فرأوا النعمان يأكل مع الربيع فقال لبيد :
يا واهب الخير الجزيل من سعه / نحن بنو أم البنين الأربعه
ونحن خير عامر بن صعصعه / المطعمون الجفنة المدعدعه
الضاربون الهام وسط الخيضعه / اليك جاوزنا بلاداً مسبعه
تخبر عن هذا خبيراً فاسمعه / مهلاً أبيت اللعن لا تأكل معه
وأنّه يولج فيها أصبعه (9)
يولجها حتى يواري أشجعه / كأنما يطلب شيئاً ضيعه (10)
فلم ينكر عليه النعمان ولا أحد من العرب ؛ لأنّ لهم شرفاً لا يدافع ؛ ولذلك طرد النعمان الربيع عن مسامرته وقال له :
شرد برحلك عني حيث شئت ولا / تكثر علي ودع عنك الأباطيلا
قد قيل ذلك إن حقاً وإن كذباً / فما اعتذارك في شيء إذا قيلا (11)
المصادر :
1- بحار الانوار ٤٥ / ٣٧ ، مقاتل الطالبيين : ٨١ وغيرها.
2- تنقيح المقال ٢ / ١٢٨.
3- غزوة حنين : قصص الراوندي ٣٥٠ الفصل ١٠ ، تفسير القمي ١ / ٢٨٥ / البحار ٢١ / ١٤٩ ، باب ٢٨
4- العباس عليهالسلام للسيد المقرم : ١٢٧.
5- رسالة ابن زيدون بهامش الصفدي على لامية المعجم ١ / ١٣٠.
6- قصة المنافرة مفصلة : الأغاني ١٦ / ٢٨٣ وما بعدها.
7- سمط اللئالي ٢ / ٨٩٠ ، مجمع الأمثال ٢ / ٢٣.
8- بلوغ الأرب ١ / ١٤٢.
9- المغني للسيوطي : ٦٨.
10- الزيادة من جمهرة الأمثال للعسكري ٢ / ١١٨ رقم ١٣٦٢ «قولهم : قد قيل ذلك إن حقاً وإن كذبا».
11- العباس للمقرم : ١٢٥ ـ ١٣١.