يعتقد الإمامية ـ كما يعتقد سائر المسلمين ـ : أنَّ اللّه سبحانه يُعيد الخلائق ويحييهم بعد موتهم يوم القيامة للحساب والجزاء ، والمُعاد هو الشخص بعينه ـ وبجسده وروحه ـ بحيث لو رآه الرائي لقال : هذا فلان.
ولا يجب أن نعرف كيف تكون الإعادة ، وهل هي من قَبيل إعادة المعدوم ، أو ظهور الموجود ، أو غير ذلك.
ويؤمنون بجميع ما في القرآن والسنّة القطعية من الجنّة والنّار ، ونعيم البرزخ وعذابه ، والميزان ، والصراط ، والأعراف ، والكتاب الذي لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها ، وأنّ الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ» (1).
إلى غير ذلك من التفاصيل المذكورة في محلّها من كلّ ما صدع به الوحي المبين ، وأخبر به الصادق الأمين (2).
تفسير حقيقة المعاد :
١ ـ الإنسان روح وجسم :
إن كلمة الروح والجسم والنفس قد كثر استعمالها في القرآن والسنة ، علما بأن تصور الجسم والبدن الذي يتم عن طريق الحس قد يكون أمرا بسيطا ، إلاّ أن تصور الروح والنفس لا يخلو من إبهام وغموض.
فالروح والبدن من وجهة نظر الإسلام هما واقعيتان مختلفتان ، فالبدن يفقد خواصه الحياتية بالموت ، ويضمحل بصورة تدريجية ، ولكن الروح ليست هكذا ، فإنّ الحياة أصالة للروح ، وما دامت الروح في الجسم ، فإنّ الجسم يستمد حياته منها ، وعندما تفارق الروح البدن ، لا يقوى البدن على القيام بأي عمل ، إلاّ أن الروح تستمر في حياتها.
٢ ـ الموت من وجهة نظر الإسلام :
يعتبر الإسلام الموت انتقالاً من مرحلة حياتية إلى مرحلة حياتية أخرى ، وللإنسان حياة أبدية لا نهاية لها ، وما الموت الذي يفصل بين الروح والجسم إلاّ السبب الذي يورده المرحلة الأخرى من حياته ، وأن السعادة والشقاء فيها يعتمدان على الأعمال الحسنة أو السيئة في مرحلة حياته قبل الموت.
٣ ـ عالم البرزخ :
ومما يستفاد من القرآن الكريم والسنّة ، أن الانسان يتمتع بحياة مؤقتة ومحدودة في الحد الفاصل بين الموت ويوم القيامة ، والتي تعتبر رابطة بين الحياة الدنيا والحياة الأخرى. وهذا هو المراد بالبرزخ.
روح الانسان في عالم البرزخ ، تعيش على النحو الذي كانت عليه في الدنيا ، فاذاكانت من الصلحاء ، تتمتع بالسعادة والنعمة وجوار الصلحاء والمقربين للّه تعالى ، وإذا ماكانت من الأشقياء ، تشقى في النقمة والعذاب ، ومصاحبة الأشرار ، وأهل الضلال.
فاللّه جل شأنه يصف حالة بعض السعداء بقوله :
«وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّه أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّه مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِن خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّه وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّه لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ» (3).
وفي وصف حالة مجموعة أخرى ، من الذين كانوا ينفقون أموالهم وثرواتهم في مشاريع غير مشروعة في الحياة الدنيا ، يصفهم بقوله تعالى :
«حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» (4).
يوم القيامة ـ المعاد :
ينفرد القرآن الكريم بين الكتب السماوية ، بالتحدث عن المعاد والحشر تفصيلاً ، في حين أن «التوراة» لم تشر إلى هذا اليوم وهذا الموقف ، وكتاب «الانجيل» يشير اشارة مختصرة ، والقرآن يذكره ويذكّر به في مئات الموارد ، وبأسماء شتى ، ويشرح عاقبة العالم والبشرية ، التي تنتظرهم ، فتارة باختصار واُخرى بإسهاب.
ويذكر مرارا أن الاعتقاد بيوم الجزاء (يوم القيامة) يعادل الاعتقاد باللّه تعالى ، ويعتبر أحد الأصول الأساسية للإسلام ، وأنّ منكره (منكر المعاد) خارج عن شريعة الإسلام ، وما عاقِبتُه إلاّ الهلاك والخسران.
قال تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللّه لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ».
ومما يلاحظ في الآية ، إن منشأ كل ضلال هو نسيان يوم الحساب.
وبالتدبر في خلقة الإنسان والعالم ، وكذا في الهدف من الشرائع السماوية ، يتضح الغرض من اليوم الذي سيلاقيه الإنسان «يوم الجزاء».
إنَّ العدالة الالهية تقتضي أن تكون هناك نشأة أخرى ، حتى يجد فيها بنو الإنسان جزاء أعمالهم ، ويحيون حياة تناسب حالهم ، ويشير اللّه تعالى في كتابه العزيز إلى هاتين الحالتين بقوله :
«وَمَا خَلَقْنَا السَّماوَاتِ وَالاْءَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» (5).
«وَمَا خَلَقْنَا السَّماءَ وَالاْءَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِين كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الاْءَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ» (6).
ويذكر في آية اُخرى ، وقد جمع فيها الدليلين بقوله جل شأنه :
«أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللّه السَّماوَاتِ وَالاْءَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ» (7).
المصادر :
1- سورة الزلزلة : ٩٩ / ٧ ـ ٨.
2- أصل الشيعة وأصولها : ٢٣٢.
3- سورة آل عمران : ٣ / ١٦٩ ـ ١٧١.
4- سورة المؤمنون : ٢٣ / ٩٩ ـ ١٠٠.
5- سورة الدخان : ٤٤ / ٣٨ ـ ٣٩.
6- سورة صآ : ٣٨ / ٢٧ ـ ٢٨.
7- سورة الجاثية : ٤٥ / ٢١ ـ ٢٢.