المقداد وعثمان

المصادر التاريخية لا تشير إلى أي لون من ألوان الخلاف بين عثمان والمقداد قبل حادثة الشورى ، لا من قريب ولا من بعيد ، حتى إذا بدأت الشورى بدأ معها الخلاف بينهما ! وكان خلافاً يحسبه الغافل أنه ناجم عن عداء قديم مستشرٍ
Monday, December 18, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
المقداد وعثمان
 المقداد وعثمان



 

المصادر التاريخية لا تشير إلى أي لون من ألوان الخلاف بين عثمان والمقداد قبل حادثة الشورى ، لا من قريب ولا من بعيد ، حتى إذا بدأت الشورى بدأ معها الخلاف بينهما ! وكان خلافاً يحسبه الغافل أنه ناجم عن عداء قديم مستشرٍ بينهما ، سيما إذا أخذنا بعين الإعتبار مواقف المقداد الصلبة من عثمان في تلك الفترة ، غير أن نظرة تأمل منا في نوعية هذا الخلاف كافية في إيقافنا على حقيقة الأمر ، من أن ما جرى بينهما لم يكن مرده لعداءٍ شخصي ، بل هو خلاف مبدئي تطور فيما بعد ليأخذ صفة العداء والجفوة بين الطرفين.
واضحٌ أن الخلافة أمانة عظمى في عنق متقلدها ، ومسؤولية كبرى في عاتقه عليه أن ينهض بأعبائها ، وإلا فهي الخيانة ! وبيعة عثمان ؛ أخذ فيها عليه شرطان صريحان غير كتاب الله ، هما : « سنة رسول الله وسيرة الشيخين ابي بكر وعمر بهما تصح بيعته وبدونهما لا بيعة قائمة ولا خلافة.
تُرى ! أيطوي الصحابة كشحاً عن بعض التصرفات المخالفة ـ صراحةً ـ لسنة الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)أو لسيرة الشيخين. يرون الخليفة متلبساً بها ؟! بالطبع ، لا ! إذا كانوا مخلصين لدينهم ، صادقين في تدينهم ؛ وهنا تكمن نقطة الخلاف بينه وبينهم بشكل عام. والمقداد واحد من الصحابة المخلصين لا يمكنه بحال السكوت أزاء حالات كهذه ، لذا ، فإنه كان لا يتوانى في توجيه النقد له وإيقافه على الأخطاء التي يرتكبها ، أو التي تُرتكب في حضرته.
من ذلك : أن عثمان بينما كان جالساً ذات يوم وحوله بعض وجوه قريش ، إذ أقبل رجلٌ أحسبه كان شاعراً يتكفف اعطيات الملوك ، فجعل يمدح عثمان ، وكان المقداد حاضراً ، فجثا على ركبتيه وجعل يحثو الحصباء في وجه ذالك الرجل ! وتعجب عثمان من تصرف المقداد هذا ، والتفت إليه قائلاً : ما شأنك ؟
فقال : قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ! عن همام بن الحارث قال : إن رجلاً جعل يمدح عثمان ، فعمد المقداد فجثا على ركبتيه ـ وكان رجلاً ضخماً ـ فجعل يحثو في وجهه الحصباء ، فقال له عثمان : ما شأنك ؟ قال : إن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)قال : إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب. (١)
إن حادثة بسيطة من هذا النوع ـ في نظري ونظرك ـ هي غاية في الخطورة إذا صدرت في مجلس كمجلس الخليفة ، لأنها خرق واضح للسنة ، لا يمكن لصحابي كالمقداد أن يسكت عليها ، فما ظنك إذن بما هو أعظم من هذا وأفظع ؟! كتعطيل الحدود ، واقرار الأيدي العادية. والإِسراف في مال الله ووضعه في غير مستحقيه ، كإعطاء مروان خمس خراج إرمينية ! واقطاعه فدك ( فدك : قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان ، أفاءها الله على رسوله ، فكانت خالصةً له لأنه لم يُوجَف عليها بخيل ولا ركاب. وذلك : أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)بعد فراغه من غزوة خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك ، فبعثوا الى الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)انهم مستعدون لتسليمه الأرض وما يملكونه على أن يحقن دماءهم ، وعرضوا عليه ان يعملوا في الأرض بنصف الناتج ، فصالحهم على ذلك) (2)
وكانت فاطمة بنت الرسول قد وهذا الصنف من الأراضي يسمى ( الأنفال ) وسماه الفقهاء ( فيئا ) ويعد من الأنفال بالمفهوم الفقهي : كل ما أُخذ من دار الحرب بغير قتال : وكل أرض جلا عنها أهلها بغير قتال أيضاً ، والأرض الموات ، والآجام ، وبطون الأودية ، وقطايع الملوك ، وميراث من لا وارث له والأنفال في الكتاب العزيز هي لله وللرسول خالصة ، قال تعالى : ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ) وعلى هذا فإن فدك مما يملكه النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)خاصة وله أن يقطعها لمن يشاء ، وقد وهبها النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)لإِبنته فاطمة عليها‌السلام حين نزلت الآية الكريمة : وآت ذا القربى حقه ؛ كما عن تفسير « الدر المنثور ـ للسيوطي » فتصرفت بها في حياة أبيها (3)
ولما توفي الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)منعت الزهراء فدكاً ، وكان لها مع الخليفة أبي بكر موقف مشهود معروف ، حيث احتجت عليه تارة بالنحلة ، واخرى بالميراث ، وثالثة بسهم ذوي القربى. وكان الخليفة ابو بكر يأخذ غلتها فيدفع لآل النبي ما يكفيهم ، وكان عمر بعده يفعل مثل ذلك ، فلما جاء عثمان « أقطعها لمروان بن الحكم ». كما يستفاد ذلك من « العقد الفريد ٤ / ٢٨٣ وشرح النهج ١ / ١٩٨.
ولما ولي معاوية جعلها ثلاثة أثلاث ، بين مروان وعمرو بن عثمان ويزيد بن معاوية ، وذلك بعد وفاة الإمام الحسن عليه‌السلام ولم يزالوا يتداولونها إلى أن خلصت كلها لمروان أيام حكمه ، فوهبها لعبد العزيز إبنه ، وعبد العزيز بدوره وهبها لإبنه عمر ، ولما ولي عمر بن عبد العزيز كانت أول ظلامةٍ ردها ، حيث دعا الحسن بن الحسن بن علي ، وقيل بل دعا علي بن الحسين زين العابدين ، فردها عليه وكان يقول في ذلك : « أشهدكم إني قد رددتها إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)» (4)
فكانت بيد ابناء فاطمة مدة حكمه. فلما ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم ، فصارت في أيدي بني مروان كما كانت من قبل.
فلما ولي أبو العباس السفاح ، ردها على عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي. ثم أخذها المنصور ، ثم ردها إبنه المهدي. ثم أخذها موسى بن المهدي وهارون أخوه ، فلم تزل في أيديهم حتى ولي المأمون ، فردها على الفاطميين.
وذلك : أن المأمون جلس يوماً للمظالم ، فأول رقعةٍ وقعت في يده نظر فيها وبكى وقال للذي على رأسه : نادِ : أين وكيل فاطمة ؟ فقام شيخ عليه دُراعة وعمامة ، وخُف تعزي ، فتقدم ؛ فجعل يناظره في فدك والمأمون يحتج عليه وهو يحتج على المأمون ! ، ثم أمر المأمون أن يسجل لهم بها ، فكُتب السجل وقرئ عليه ، فأنفذه ! فقام دعبل طلبتها من أبي بكر بدعوى النحلة او الميراث ، فدفعت عنها ، وإعطاء ابن أبي سرح جميع ما أفاء الله على المسلمين من فتح افريقية. (5)
إلى غير ذلك مما يضيق به المقام والتي كان آخرها إرساله إلى ابن أبي سرح ـ واليه على مصر ـ كتاباً يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين ! (6)
مما لم يدع مجالاً للسكوت أو الإِغضاء ، فكان آخر ما قام به المقداد في هذا المضمار ـ هو وتسعة نفر من الصحابة ـ أن وجهوا الى عثمان كتاباً يحتوي على سرد بعض الأمور التي خالف بها سنّة رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)وسنّة صاحبيه ـ كما يقول ابن قتيبة ـ. وتعاهدوا ليدفعن الكتاب في يد عثمان ! ومضى عمار بن ياسر بالكتاب ، فكان الرد أن ضُرب وفتقت بطنه (7).
إن هذه المواقف من المقداد حيال تصرفات الخليفة ، تركت ولا شك أسوأ الأثر في نفسه وعرضته لغضبه وسخطه ، وحقد بني أمية حتى مات وعثمان ساخط عليه ، أو بالاحرى هو ساخط على عثمان كما روي ذلك الخزاعي وانشد الأبيات التي أولها :
أصبح وجه الزمان قد ضحكا / برد مأمون هاشم فدكا
فلم تزل في أيديهم حتى حكم المتوكل فأقطعها عبدالله بن عمر البازيار ، وكان فيها آنذاك إحدى عشر نخلة غرسها رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)بيده ، وكان بنو فاطمة يأخذون ثمرها ، فإذا قدم الحجاج أهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم فيصير اليهم من ذلك مال جزيل ؛ فوجه عبدالله البازيار رجلاً يقال له : بشران بن أمية الثقفي الى المدينة ، فقطع ذلك النخل ،فرجع الى البصرة فَفُلِج (8)
عنه حيث قال للزبير :
« أتراني أحب أن يموت مثل هذا من أصحاب محمد (صلی الله عليه وآله وسلم)وهو عليّ ساخط ! » (9).

تَشيُّع المقداد ودعوته الناس لعليّ

في قبال هذه المواجهة الصريحة ، كان للمقداد مع الخليفة مواجهة مبطنة ـ إذا صح التعبير ـ إعتمد فيها اسلوب الدعوة لعلي بكل صراحة ووضوح ، وهو الأسلوب الأشد تأثيراً في تهييج مشاعر المسلمين وإثارة عواطفهم ، فقد كان يرى أن الخلافة حق مشروع لعليٍّ عليه‌السلام وثابت له دون غيره وعلى هذا الأساس إنطلق في دعوته له ، وكان جريئاً في ذلك غير متكتم ولا مبالٍ بالنتائج مهما كانت ؛ وكان يتخذ من مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة مقراً لبَثِّ دعوته تلك ، مبتدأً بعرض ظلامة الإِمام علي عليه‌السلام حول هذا الأمر ثم يطرح أمام الجمهور فضائله وكراماته وسابقته منتهياً ببيان أحقيته في الخلافة بأسلوب فريد وكأنه محام بارع أسند إليه القيام بهذا الدور.
روى بعضهم ، فقال : دخلت مسجد رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)فرأيت رجلاً جاثياً على ركبتيه يتلهّفُ تلهُّفَ من كأن الدنيا كانت له فسُلبها ، وهو يقول :
واعجباً لقريش ! ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم وفيهم أول المؤمنين وابن عم رسول الله ، أعلم الناس وافقههم في دين الله وأعظمهم فناءً في الإِسلام وأبصرهم بالطريق وأهداهم للصراط المستقيم !
والله لقد زوُوها عن الهادي المهتدي ، الطاهر النقي ، وما أرادوا إصلاحاً للأمة ، ولا صواباً في المذهب ، ولكن آثروا الدنيا على الآخرة فبعداً وسحقاً للقوم الظالمين.
قال : فدنوت منه وقلت : من أنت يرحمك الله ، ومن هذا الرجل ؟
فقال : أنا المقداد بن عمرو ، وهذا الرجل علي بن أبي طالب !
قال : فقلت : آلا تقوم بهذا الأمر ، فاعينك عليه ؟!
فقال : يا بن أخي ، إن هذا الأمر لا يجري فيه الرجل والرجلان !!
وكان يشاركه في هذا الرأي جماعة ، منهم : أبو ذر الغفاري ، وعبد الله بن مسعود ، وعمار بن ياسر ، وغيرهم.
قال : ثم خرجت فلقيتُ أبا ذر فذكرتُ له ذلك ، فقال : صدق أخي المقداد ! ثم أتيتُ عبدالله بن مسعود ، فذكرت ذلك له ، فقال : لقد أُخبرنا ، فلم نألُ. (10)
وكان هذا الموقف يتكرر منه أكثر من مرة وفي اكثر من مناسبة بلهجةٍ تختلف ليناً وشدةً باختلاف الظروف.
روى أحمد بن عبد العزيز الجواهري .. عن المعروف بن سويد ، قال :
كنت بالمدينة أيام بويع عثمان ، فرأيت رجلاً في المسجد جالساً وهو يصفق باحدى يديه على الأخرى والناس حوله ، ويقول :
واعجباً من قريش واستئثارهم بهذا الأمر على أهل هذا البيت ، معدن الفضل ، ونجوم الأرض ، ونور البلاد ! والله إن فيهم لرجلاً ما رأيت رجلاً بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى منه بالحق ، ولا أقضى بالعدل ولا آمر بالمعروف ولا أنهى عن المنكر !
فسألت عنه ، فقيل : هذا المقداد. فتقدمت إليه وقلت : أصلحك الله ؛ من الرجل الذي تذكر !؟
فقال : ابن عم نبيك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي بن أبي طالب.
قال : فلبثت ما شاء الله ، ثم لقيت أبا ذر رحمه‌الله فحدثته بما قال المقداد. فقال : صدق ؛ قلت : فما يمنعكم أن تجعلو هذا الأمر فيهم ؟!
قال : أبى ذلك قومهم :
قلت : فما يمنعكم أن تعينوهم ؟!
قال : مَهْ( مَهْ : اكفف.) ؟ لا تقل هذا ، إياكم والفرقة والإِختلاف (11) !!
ومرةً ثالثةً نراه ينهج نهجاً أشد لا يخلو من القسوة ؛ والصراحة الزائدة في التعبير عما يجول في نفسه ، أزاء هذا الأمر ، واضعاً خصمه أمام الأمر الواقع غير متحرج ولا مداهن كما حدث ذلك بينه وبين عبد الرحمن بن عوف ـ على ما جاء في شرح النهج ـ.
قال جندب بن عبدالله الأزدي : جندب : بن عبدالله بن الأرقم الأزدي الغامدي .. يقال له جندب الخير ( الإصابة / ٢٤٨ ) وكان جندب بعد لقائه هذا قد ذهب الى العراق واقام فيها
یقول جندب كنت جالساً بالمدينة حيث بويع عثمان فجئت ، فجلست الى المقداد بن عمرو فسمعته يقول : والله ما رأيت مثل ما أتي إلى أهل هذا البيت ! ـ وكان عبد الرحمن بن عوف جالساً ـ فقال : وما أنت وذاك يا مقداد ؟!
قال المقداد : والله إني أحبهم لحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واني لأعجب من قريش وتطاولهم على الناس بفضل رسول الله ثم انتزاعهم من أهله !
قال عبد الرحمن : أما والله ، لقد أجهدتُ نفسي لكم.
قال المقداد : أما والله لقد تركت رجلاً من الذين يأمرون بالحق وبه يعدلون ؛ أما والله لو أن لي على قريش أعواناً لقاتلتهم قتالي إياهم ببدرٍ وأُحد !!
فقال عبد الرحمن : ثكلتك أُمك ! لا يسمعن هذا الكلام الناس ؛ فإني أخاف أن تكون صاحب فتنةٍ وفرقةٍ.
قال : المقداد : إن من دعا إلى الحق وأهله وولاة الأمر لا يكون صاحب فتنةٍ ، ولكن من أقحم الناس في الباطل وآثر الهوى على الحق ، فذلك صاحب الفتنة والفرقة ! ـ يعرّض بعبد الرحمن ـ.
قال : فتربّدَ وجه عبد الرحمن ، ثم قال : لو أعلم أنك إياي تعني ، لكان لي ولك شأن !.
قال : المقداد إياي تهدد ، يابن أم عبد الرحمن ؟ ثم قام عن عبد الرحمن فانصرف.
فضائل علي عليه‌السلام ، يقول « فكنت أذكر فضل علي فلا أعدم رجلاً يقول لي ما اكره ، وأحسن ما أسمعه قول من يقول : دع عنك هذا وخذ ما ينفعك ؟ فأقول : إن هذا مما ينفعني وينفعك ؟ فيقوم عني ويدعني الخ .. راجع النهج ٩ / ٥٨.
قال جندب : فاتبعته ، وقلت له : يا عبدالله ، أنا من أعوانك !
فقال : رحمك الله ؛ إن هذا الأمر لا يغني فيه الرجلان ولا الثلاثة ! .. (12)
هذه هي بعض مواقف المقداد ، وتلك هي آراؤه !! انها لا تدع مجالاً للشك في أنه كان أحد المبرزين الذين لم يكونوا شيعة فقط ، بل نهضوا بالدعوة الى التشيع أو بالدعوة لعليّ عليه‌السلام ـ ما شئت فعبر ـ على أوسع نطاق وبأصرح عبارة ، ولم تكن مواقفه وآراؤه تلك مرهونةً بعهد معين كما ربما يتصور البعض ، بل كان هذا رأيه في علي منذ وفاة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)لم يتغير ولم يتبدل قط. فقد ورد في ذلك قول الشيخ المفيد رحمه‌الله تعالى :
« فاختلفت الأمة في امامته يوم وفاة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)فقالت شيعته وهم : بنو هاشم كافة .. وسلمان وعمار .. والمقداد .. (13).
وفي تاريخ اليعقوبي : في ذكر الذين مالوا مع علي بن أبي طالب ، عدّ منهم : « المقداد بن عمرو .. » (14)
بل كان أحد الذين أطلق عليهم لفظ شيعة في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يقول السجستاني وغيره (15)
ولا أرى موجباً للإِطالة في هذا الموضوع لأنه أصبح معروفاً لا يخفى على من « كان له قلب » !
على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة الأحاديث الواردة حول بيان فضل المقداد ـ على لسان الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)ـ جاءت شاملة له ولبعض الصحابة رضي الله عنهم ، وشذ أن تجد حديثاً مختصاً بالمقداد وحده ، لذلك فإني أقتصر في هذا المورد على ذكر الفقرات ـ من الحديث ـ التي تخص المقداد.
من ذلك ، ما ورد عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال : سألت رسول الله عن سلمان الفارسي .. إلى أن قال قلت : فما تقول في المقداد ؟
قال (صلی الله عليه وآله وسلم): وذاك منا ، أبغض الله من أبغضه ، وأحب من أحبه ! (16)
عنه (صلی الله عليه وآله وسلم)أنه قال :
حذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن .. إلى أن قال : والمقداد بن الأسود من المجتهدين.
وعن أنس : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سمع رجلاً يقرأ ويرفع صوته بالقرآن ! فقال (صلی الله عليه وآله وسلم): أوّاب (تائب). وسمع آخر يرفع صوته ، فقال : مُرَاءٍ ! فنظرنا ، فإذا الأول المقداد بن عمرو. (17)
وعنه (صلی الله عليه وآله وسلم): الجنة تشتاق إليك يا علي والى عمار وسلمان وأبي ذر والمقداد.
وعنه (صلی الله عليه وآله وسلم): إن الله أمرني بحب أربعة إلى أن قال : والمقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي (18).
وقد ورد حول قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ). أن الإمام الصادق قال : فوالله ما وفى بها إلا سبعة نفر (19) وعد المقداد واحداً منهم.
وجاء في حديث آخر له عليه‌السلام :
فأما الذي لم يتغير منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى فارق الدنيا طرفة عين فالمقداد بن الأسود ، لم يزل قائماً قابضاً على قائم السيف عيناه في عيني أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ينتظر متى يأمره فيمضي.
وفات المقداد رضي‌الله‌عنه
نيف وثلاثون سنة ، قضاها أبو معبد فارساً في ميادين الجهاد ، ابتداءً بغزوة بدر ، وانتهاءً بفتح مصر ! وقد كانت هذه السنين هي سني التأسيس ، لذلك كانت صعبةً ومرّةً قاسيةً كابد فيها المسلمون المصاعب والمتاعب ، فكان نصيب أبي معبد منها الحظ الأوفر والكأس الأوفى حيث لم تخلو منه ساحة جهاد على ما نعهد ، فقد ورد في ذلك أنه « شهد المشاهد كلها مع رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)وبعده إلى أن أدركته الوفاة .. » (20).
وكانت وفاته في سنة ٣٣ للهجرة أو أقل ـ على اختلاف الروايات ـ بعد أن شهد فتح مصر ، وقد بلغ من العمر سبعين سنة (21).
فقد كانت له أرض في مكان قريب من المدينة يقال له : الجرف (الجرف : كل ما جرفته السيول من الأرض يقال له جرف.) وكان يتعاهدها زراعةً وسقياً يقضي فيها أوقات فراغه مالم يؤذن بجهاد ! وفي ذات يوم تناول جرعةً من زيت « الخروع » فأضرت به ، فمات منها (22).
فنقل على أعناق الرجال حيث دفن بالبقيع وكان قد أوصى إلى عمار بن ياسر ، فصلى عليه ولم يؤذن عثمان به ، فلما بلغ عثمان موته ، جاء حتى أتى قبره ، فقال : رحمك الله ، إن كنتَ وإن كنتَ يثني عليه خيراً ! (23)
معرضاً بالعداء الذي كان بينه وبين المقداد ، فقال عثمان :
يا زبير ؛ تقول هذا ؟! أتراني أحب أن يموت مثل هذا من أصحاب محمد (صلی الله عليه وآله وسلم)وهو عليّ ساخط !!
وكان عمار قد صلى على ابن مسعود من قبل ولم يؤذن به عثمان ، فساءه ذلك واشتد غضبه على عمار ، وقال : « ويلي على ابن السوداء ! أما لقد كنت به عليما » (24).
المصادر :
1- كما جاء في صحيح مسلم ج ٤ ك ٥٣ ح ٦٩
2- راجع معجم البلدان ٤ / ٢٣٨ إلى ٢٤٠
3- الميزان في تفسير القرآن ٩ ص ٥ وما بعدها / سيرة المصطفى ٥٥٩
4- العقد الفريد ٤ / ٤٣٥
5- للتفصيل ، راجع كتاب ( ابو ذر الغفاري ) من ص ١٠٧ إلى ١١٤ وشرح النهج ١ / ١٩٨ وما بعدها.
6- مروج الذهب ٢ / ٣٤٤ وغيره من المصادر.
7- الإمامة والسياسة ١ / ٣٥.
8- شرح النهج ١٦ / ٢٠٧ إلى ٢١٧
9- سفينة البحار ، مادة : قدد.
10- اليعقوبي ٢ / ١٦٣.
11- شرح النهج ٩ / ٢١.
12- شرح النهج ٩ / ٥٦ وما بعدها.
13- الارشاد / ١٠.
14- اليعقوبي ٢ / ١٢٤.
15- للتفصيل راجع كتاب ( أبو ذر ) للمؤلف / ٥٤ وما بعدها.
16- معجم رجال الحديث ١٨ / ٣٦٨.
17- الاستيعاب ( على الإصابة ٣ / ٤٧٥ ).
18- هذان حديثان مشهوران.
19- معجم رجال الحديث. والبحار ٢٢ / ٣٢٢.
20- راجع الإصابة ٣ / ٤٥٤ وتهذيب الأسماء ٢ / ١١٢ والغدير ٩ / ١١٦.
21- نفس المصدر.
22- الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ / ١٦٣ وقيل : غير ذلك.
23- الإصابة وغيرها.
24- اليعقوبي ٢ / ١٧١.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.