ان المرأة تستطيع ان تتولى قسماً مهماً من مسألة الجهاد ، لأن الجهاد ليس كله تواجداً في الخندق واطلاق رصاص . فرسم الخريطة وطرق المواصلات تعد من الاقسام المهمة للجهاد ، بالإضافة إلى المساعدات التموينية خلف الجبهة وفي الجبهة وهل ان المتواجدين في الجبهة يعملون كلهم عملاً عسكرياً ؟ ان قسماً منهم يتولى الأمور المتعلقة برسم الخرائط . والمعلومات الحربية وغيرها ، الأمور العسكرية الشاقة والصعبة قالوا بأن لا تتصدى لها المرأة ، لا ان تكون محرومة من فيض الجهاد ، أو أن لا تدافع إذا كان البلد في حالة دفاع وحرب ومهدداً من قبل الأجانب . ومن لوازم الدفاع التدريب العسكري . طبعاً يجب أن يكون التدريب العسكري للنساء مفصولاً عن الرجال . كما هو التدريب في سائر الفنون ـ ولكن تحت قيادة واحدة ، تقوم بالجهاد في الجبهة وخلف الجبهة . إذن لم تحرم المرأة من أي من هذه الميادين ، بل إن المرأة بمستوى الرجل في أكثر المصاعب والامانات وفي كثير من المصائب والمشاكل .
ان القول بأن الحرب والجهاد ليست وظيفة المرأة بتعلق بالجهاد الابتدائي حيث قالوا انه يتعلق بالإمام المعصوم عليه السلام ، وبعض فقهائنا رضوان الله عليهم قالوا : إنه لا يختص بالإمام المعصوم . أما إذا أصبحت المرأة قائدة فرقة في الحروب الدفاعية ورد كيد الأجانب فان ذلك ليس جائزاً فقط بل أحياناً يكون واجباً ، لأن الدفاع لا يختص بالمرأة والرجل . أينما كان دفاع فالمرأة مثل الرجل وتتواجد في جميع الميادين الحربية وغير الحربية ، لذا يجب أن تتعلم الفنون العسكرية حتى تكون مدافعة حين الدفاع او الشعور بالخطر تكون فائدة فرقة نساء ، وتدفع خطر العدو إلى جانب الرجال ، وهم منفصلون عن بعضهم على أساس تقسيم العمل .
في الهجرة إلى الحبشة كانت المرأة مع الرجل في السفر ، وفي الهجرة إلى المدينة كانت المرأة مثل الرجل ، وبعد ان قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلون لهن ) (1) .
هذه الهجرة للجميع ، وفي النتيجة ليس ان كل عمل سهل يكون للمرأة وكل الأعمال الصعبة تكون متعلقة بالرجل ، بل ان المرأة والرجل متساويان في بعض الأعمال الشاقة مثل الهجرة والدفاع ، لأن الحمل الأساس تحمله إنسانية الإنسان ، وفي الإنسانية ليس هناك فرق بين المرأة والرجل .
إذا كان شخص يطمح في التكامل والفضيلة ، فان معيار التكامل والفضيلة يجب ان يضمنه الوحي الإلهي ، والوحي الإلهي قسم ووزع البرامج . ان المرأة لا تستطيع ان تقول أبداً : نظراً لأنني محرومة من بعض وظائف الرجل ، فانني محرومة من فضائل تلك الوظائف . لأن هناك ثواباً لكل عمل تنفيذي ويعطي كل شخص ثواباً بمقدار الاخلاص ، إذا كانت الأعمال التنفيذية مشخصة للرجل والثواب معيناً فكذلك الأعمال التنفيذية والثواب مشخصة للمرأة ، فمع أنها حرمت من الصلاة على أساس ( دع الصلاة أيام أقرائك ) ، لكنها تستطيع ان تحصل على ثواب الصلاة بأن تتوضاً وتجلس في مصلاها باتجاه القبلة وتذكر بمقدار الصلاة . ولا يمكن القول : ثواب هذا العمل أقل ، أو أن القيام به صعب . الطريق مفتوح وإذا لم يرد الشخص ان يجاهد فهذا على عاتقه ، ولو كان في هذا المقدار حرج لما أمر به الدين . بعض الأوامر يقوم الدين بتبديلها إلى أمر آخر بشكل مؤقت للسهولة ، مثلاً يقول للمسافر أن يصلي بدل أربعة ركعات ركعتين ، ولكن لتعويض ثواب تينك الركعتين الناقصتين يقول له ان يأتي بالتسبيحات الأربع ثلاثين أو أربعين مرة بعد الصلاة . هذه طريقة ترميم ، وفي مجال المراة هكذا أيضاً ولا يمكن القول إن هذا حرج ، وإذا كان الوضوء حرجاً لها أو صعباً يتبدل الوضوء ليس إلى تيمم كما في الحال العادي ، هنا يتبدل الوضوء إلى تيمم ، والوضوء ليس رافع حدث في المسألة ، بل هو من أجل أن يكون للإنسان هذا التأدب ، ويستطيع ان يستفيد بصورة أصح من ذلك الذكر . بناء على هذا فان القرآن ما لم يفتح طريقاً ، لا يسد طريقاً .
سؤال ممثلة النساء للنبي :
هذه الشبهة طرحت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأجاب عليها بجملة قصيرة ، وهذا السؤال والجواب ذكره الأستاذ العلامة الطاطبائي ـ رضوان الله عليه ـ في تفسير الميزان نقلاً عن كتاب ( الدر المنثور في التفسير بالمأثور ) خلال ( البحث الروائي ) لبعض آيات سورة النساء (2) .
يتبين أن هذا النوع من الأسئلة والاشكالات كان مطروحاً في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
روي عن البيهقي في الدر المنثور ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ذات يوم جالساً بين أصحابه فجاءت اسماء بنت يزيد الانصارية وقالت : بأبي أنت وأمي اني وافدة النساء إليك واعلم نفسي لك الفداء انه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأي . أن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء . فآمنا بك وبالهك الذي ارسلك ، وانا معشر النساء محصورات مقسورات ، قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم . وحاملات أولادكم ، وانكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، والحج بعد الحج .
وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله ، وان الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم . وغزلنا لكم أثوابكم ، وربينا لكم أموالكم . فما نشارككم في الأجر يا رسول الله ؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ، ثم قال : هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه ؟ فقالوا : يا رسول الله ، ما ظننا ان امرأة تهتدي إلى مثل هذا فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال لها : انصرفي أيتها المرأة واعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها . وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ، فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشاراً .
رؤيا آمنة ( عليها الرحمة ) أم النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
روي ان هذه المرأة نظرت إلى طفلها محمد صلى الله عليه وآله وسلم أيام مرضها وقالت : إن تلك الرؤيا التي رأيتها في عالم النوم إذا هي حق فأنت تبعث إلى الأنام .
فأنـت مبعـوث إلى الأنـام // تبعـت فـي الحـل وفـي الحرام
تبعث بالتوحيــد والإســلام // ديــن أبيـك البر إبــراهـام (3)
نظمت شعراً في حالة المرض وقرأته على طفلها الصغير ، ورحلت .
وآمنة هذه استطاعت ان تربي هذا النبي ، لأنه رغم ان آمنة كانت تعيش في جو الجاهلية ولكن كان لديها نهج إبراهيمي . مثل هذه المرأة تربي مرجعاً . مفسراً ، حكيماً ، عرافاً ، فقيهاً ، أديباً هذه المرأة تستطيع ان تربي مجاهداً وأخيراً هذه المرأة تستطيع ان تربي ولي المسلمين وقائد المسلمين .
ان ما قاله إمام الأمة ـ رضوان الله تعالى عليه : ( من حضن المرأة ، يذهب الرجل إلى معراج ) (4)
هي حقيقة أخذت من الروايات ، يجب ان لا يتخيل شخص ان المرأة محرومة من فضيلة لأنها لا تذهب إلى الجبهة ، تستطيع المرأة بحسن التعامل ، بالإدارة الصحيحة لشؤون المنزل ، بالقناعة ، بالتربية الرقيقة للأبناء ، بالسلوك المؤدب ، وحفظ العفاف واللباس أمام الأولاد ، وتربية أولاد نجباء ومئات الوظائف المطروحة في إدارة المنزل ، ان تجبر نقص تلك الفضائل ، حيث ان هذه تعادل جميع الفضائل التي وردت للرجال .
من الشبهات الأخرى التي تطرح بسبب عدم ملاحظة معايير القيم في القرآن الكريم ، ويؤكد عليها بسبب رسوخ الثقافة الجاهلية والغريبة في الأذهان ، مسألة ديه الوارث بين المرأة والرجل .
هل يجب الذهاب وراء الدية لتقييم الإنسان في الإسلام ، حتى نبحث عن الفارق بين المرأة والرجل في الدية ؟ أم أنه يجب معرفة القيمة الحقيقة للإنسان هناك حيث الكلام في الارتباط مع الملك والوحي وأمثال ذلك ؟ حتى يرى في النهاية هل ان المرأة لها سهم هناك أم لا ؟
إن مسألة الدية هي أمر اقتصادي صرف ، وليست هي معيار تقييم الإنسان ، فكما ان في الشريعة تعينت للكلب دية ـ إذا لم يكن من الكلاب العقورة ، كذلك جعل لجسم الإنسان دية أيضاً ، الدية هي حساب فقهي وليس لها ارتباط جعل لجسم الإنسان دية أيضاً ، الدية هي حساب فقهي وليس لها ارتباط بقواعد الدين ، فأهم الشخصيات الإسلامية يتساوى مع أبسط الأشخاص من حيث الدية ، دية مرجع تقليد ، دية إنسان متخصص ، دية إنسان مبتكر ، مع دية عامل بسيط هي واحدة في الإسلام ، بسبب ان الدية ليست عاملاً في تعيين القيمة وهي أداة فقط . إن معيار القيمة هو الذي جاء في القرآن ( ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) (5) .
خلاصة الكلام : أولاً : ان البدن ليس أكثر من أداة ، ولهذا البدن ديته مشتركة سواء كان هيكل مرجع تقليد ، أو فقيه ، أو طبيب أو مهندس ، أو مبتكر أو هيكل عامل بسيط .
ثانياً : ان التقييم يتعلق بروح الإنسان ، وروح الإنسان لا تتلاشى ولا تصبح مقتولاً حقيقياً حتى يدفع عنها دية . بل ان الذي يتضرر هو البدن ، والبدن يقيم باداة مادية كما تبين ، بناء على هذا فالمرأة والرجل بنفس المستوى من حيث الوحي ، ورغم ان الوحي التشريعي ينزل على الرجال لأنه يتبعة عمل تنفيذي ، ولكن الوحي التكويني والتأييدي وأمثال ذلك والذي لا ترافقه أعمال تنفيذية فالمرأة بمستوى الرجل في هذه الناحية .
ثالثاً : إذا حصل اعتراض وانتقاد من قبل المسيحية وهاجموا الإسلام . يتضح ان ذلك المهاجم ليس نصرانياً صادقاً ، حيث انه ليس هناك في النصرانية فرق بين المرأة والرجل أيضاً ، وإذا ورد نقد من اليهود ، يتضح أن الناقد ليس يهودياً أصيلاً ، لأن المرأة لها مقام في قاموس الوحي بحيث تستطيع ان تصبح بمستوى أم النبي إسحاق وتتكلم مع الملائكة مباشرة .
لو ان هذه المسائل تستنبط جيداً من القرآن الكريم ويبين ويوضح بشكل كامل ان عظمة ومقام وقيمة الإنسان الحقيقية تتعلق بروحه بحيث تستقبله الملائكة وتتكلم معه وتعرض دعوة الله وتتلقى روح الإنسان بشارة الملائكة وفي هذا التلقي ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل ، عند ذلك لا يحصل نقد ونقص في المسائل التنفيذية أبداً .
هناك مجموعة من التقييمات في القرآن الكريم ترجع إلى البدن ، ولك بدن يكون منشأ اقتصادياً أكثر وأقوى ، تنظم مسألة الدية بذلك التناسب في ما يتعلق به ، كما ان مسائل الإرث هي هكذا .
أما ما يعود إلى التعليم والتربية ، فلأن مثل هذه الأمور لا تتعلق بالبدن ، لذا كانت المرأة والرجل في تلك الأمور موضع خطاب مشترك في القرآن .
القرآن الكريم خاطب المرأة والرجل معاً في الفضائل الروحية والأخلاقية وتجنب الرذائل الأخلاقية ، وكذلك خاطب المرأة والرجل معاً في مسائل اتباع نظام الحكومة وسائر الأقسام في مسائل الحكومة وقال :
( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً ان يكون لهم الخيرة من أمرهم ) (6) .
في المسائل الاخلاقية جاء في القرآن الكريم أيضاً :
( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ) (7) .
لأن الخير ليس من المدركات البصرية التي يأتي بالعين ، الخير يتعلق بالروح والروح مستورة أيضاً ، ولعل الشخص الذين يسخر منه أفضل من الشخص الذي يسخر . بناء على هذا فلا الرجل يحق له السخرية ولا المرأة مسموح لها بهذا العمل . لأنه يقول :
( عسى أن يكونوا خير منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ) .
ورد في رواية ان هناك عدة أشياء مستورة بين عدة أشياء ، أحداها ليلة القدرة المستورة بين ليال وأولياء الله المهجولون والمستورون بين الأشخاص العاديين ، وقد يكون الشخص الذي يتعرض للسخرية من أولياء الله .
إن الاحتقار محتمل بأربع حالات : أحياناً من الممكن ان يحقر رجل رجلاً ، أو يحقر رجل امرأة . كما ان من الممكن ان من الممكن ان تحقر امرأة امرأة أخرى .
أو تحقر امرأة رجلاً . هذه هي اربع حالات مفروضة . ولكن القرآن بين حالتين بصراحة وذكر بقاعدة عامة ، وهي انه قد يكون الشخص الذي يتعرض للسخرية أفضل من الشخص الذي يسخر .
بناءً على هذا ليس هناك أي امتياز بين المرأة والرجل في المسائل الأخلاقية ، وأما في مسألة الدية ، فنظراً لأنه ليس فيها جانب خير بل هي تعلق بالجانب البدني . لذا إذا كان البدن في المسائل الاقتصادية أقوى فديته أكثر ولأن الرجال يحققون مردوداً اقتصادياً أكثر من النساء في المسائل الاقتصادية فديتهم أكثر أيضاً وهذا ليس بمعنى ان الرجل يكون أثمن من المرأة في الإسلام . بل يلحظ ذلك البعد الجسماني ـ الجانب البدني ـ فقط لهذين الصنفين . إن أساس الدية لا يتعلق بتقييم الروح ويجب أن لا يتعرض هذا العنوان للنقد والنقض في مسائل معرفة الإنسان وعظمة المرأة والرجل وإلا ـ كما أشير ـ عندما نلاحظ ان دية مرجع تقليد أو طبيب تساوي دية عامل بسيط يجب أن نلتزم بأن العلم والصناعة والابتكار والطب وغيرها ليس لها قيمة في الإسلام والحال ان لها قيمة بشكل كامل .
بناء على هذا فان الدية ليست معياراً لقيمة الإنسان . ونقد النقاد هو بسبب أنهم يعتبرون الإنسان في مستوى نبات ، أما ان الإنسان يصل إلى درجة بحيث يتكلم مع الملائكة وتستقبله الملائكة ، فلا يفهمون ذلك . وعندما تطرح هذه المجموعة من المسائل يرجعون إلى أنفسهم . ويسألون . هل هناك علم وراء الطبيعة ، هل توجد كائنات اسمها الملائكة هل نبقى أحياء إلى الأبد ، ونصل إلى درجة بحيث تستقبلنا الملائكة وتهنئنا وتحيينا :
( سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) (8) .
ولكن لان مثل هذه الحقائق ليس لها معنى ومفهوم بالنسبة لأولئك في الشرق والغرب ، لذا يحصرون التقييم في محور الدية أو في الإرث .
أولاً : في كثير من الحالات يتساوي إرث المرأة والرجل . من ذلك والديّ الميت حيث لكل منهما سدس كذلك أقرباء الأم من النساء والرجال يرثون بالتساوي ، هناك فرق بي الأخ والأخت وفي بعض الاقسام ( التقرب بالأب أو الأبوين ) بناء على هذا فليس الرجل يرث دائماً أكثر من المرأة .
ثانياً : الحالات التي يوجد فيها فرق في الإرث توجد علل ، فلو أخذنا بنظر الاعتبار ان الميت لديه بنت وابن فما هو مسلم هو أن الابن يجب أن يشكل اسرة وجميع نفقه الاسرة بعهدته أيضاً ويجب ان يدفع مهر و نفقة الزوجة أما البنت فهي تختار زوجاً تستلم منه مهراً ونفقة ، لذا إذا بحث الإنسان جيداً يرى أنه رغم ان الدخل بعهدة الرجال ولكن المصرف يتعلق بالنساء ، المهر لها ، والنفقة تتعلق بها أيضاً ، لذا فالصورة التي القرآن عن النساء هي انه يقول :
( أو من ينشا في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) (9) .
أي ان أكثر المصارف هي لهن ، عند ذلك إذا بحثت هذه المصارف المالية بعد بحث وتأمين المسائل الأساسية يلاحظ ان شيئاً بعنوان ( نقد ) لا يبقى .
في الجواب يجب القول أولاً : ان تعلم العلم على قسمين ، قسم هو مجموعة من العلوم التي يكون تعلمها من الواجبات العينية ، وفي تعلم هذا القسم من العلوم لا يحق للرجل المنع ، أما القسم الآخر من العلوم التي تعلمها واجب كفائي ، فإذا لم يبادر الآخرون في هذا القسم من العلوم إلى التعلم بحد الكفاية فان تعلمها يصبح واجباً عينياً على المرأة ، ولا يحق للرجل المنع ايضاً ، وحتى في الحالات التي يحق للرجل المنع تستطيع المرأة ان تشترط وتقول : إنني أقوم بأعمال المنزل بهذا الشرط وهو أن أخصص هذا المقدار من الوقت لتعلم العلوم . كما اشترط هذا الموضوع في قضية زواج زينب عليهم السلام مع زوجها ، حين العقد . لو طرحت هذه المسائل في المجتمع ونضجت ثقافة الناس أيضاً عند ذلك سوف لا تعتبر المرأة بضاعة أبداً .
رسوخ أفكار جاهلية في ثقافة بعض المسلمين :
ذكر المرحوم العلامة الطباطبائي ( رضوان الله عليه ) في تفسير الميزان أن رواسب جاهلية لا تزال حتى الآن منتشرة في المجتمع ، أي ان المجتمع هو مجتمع إسلامي ، والكلام هو كلام الإسلام ، ولكن الفكر فكر جاهلية .
في مجتمعنا المعاصر هكذا أيضاً فان الرجل إذا تلوث لا يشعر ذووه بالعار ، ولكن إذا تلوثت المرأة يشعر أعضاء الأسرة بالعار وقد يقتلونها ـ أليس هذا الفكر . فكر الجاهلية ؟ هل هذه الغيرة هي غيرة جاهلية أم غيرة دينية ؟ يجب أن نشعر بالعار ولكن مشتركاً بدون فرق ، يجب أن نكون غيارى ولكن بشكل متساوٍ .
( لا يرى الجاهل إلا مفرطاً أو مفرّطاً ) (10) .
أن عدم الغيرة يطابق ثقافة الغرب المنحطة ، التمييز في الغيرة هو الثقافة الجاهلية المنحطة ، وأما ما يطابق الثقافة الإسلامية فهو التوازن في الغيرة .
للأسف ، نحن نتكلم إسلامياً ، ولكن نفكر جاهلياً ، ونضع تفكيرنا الجاهلي على حساب الإسلام الخالص ، نأخذ عدم الغيرة بشأن الرجال من الثقافة الغربية والغيرة بشأن النساء من ثقافة الجاهلية ونجمع هذين معاً ونلصقهما بالإسلام . ثم نتوهم ان الإسلام يفرق بين المرأة والرجل . ان ما ورد في كلام الإمام علي :
( ولبس الإسلام لبس الفرو مقلوباً ) (11) .
سره هو أنه في كثير من الحالات أخذنا بعض المسائل من الغرب وبعضاً من الرواسب الجاهلية وقلنا : إن هذا هو رأي الإسلام ، في حين انه لو نراجع القرآن نرى انه يقول :
( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) (12) وفي مسألة السرقة يقول أيضاً :
( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله ) (13) .
قد يحصل العفو عن المرأة عند السرقة وعدم العفو عن الرجل ، وفي مسألة تلوث العفة قد يحصل العكس ، كلاهما تمييز وناجم عن أفكار جاهلية ، هذا التلفيق والرسوب الجاهلي مع ذلك الميراث للثقافة الأجنبية المنحطة ، شكل أوهاماً لصقت بالإسلام ، بحيث انه إذا ذهب شخص وراء معرفة الإسلام بهذه الرؤية والاعتقاد يتصور ان الإسلام فرق بين المرأة والرجل . وإذا أراد أن يبحث امتيازهما فأما يبحثه في الإرث ، أو في الدية ، إن مقام المرأة يجب البحث عنه في معرفة الإنسان وليس في الدية والإرث . وإلا فالدية موجودة للكلاب أيضاً . وهذا هو نظم مالي وضعه الإسلام في المسائل المتعلقة بالبدن وليس له ارتباط بالقييم .
ان العظمة التي جعلها الدين للمرأة هي نفس العظمة التي جعلها للإنسان ، لهذا إذا أراد شخص دراسة عظمة المرأة فمن اللازم أن يلاحظ سوؤة هود حيث تتكلم الملائكة مباشرة مع المرأة وتقول لها انها جاءت لتعطيها نبياً .
المصادر :
1- سورة الممتحنة ، الآية : 10 .
2- تفسير الميزان ، ج 4 ، ص 37 .
3- الدر المنثور ، ص 1 ـ 17 .
4- صحيفة النور ، ج ، ص 194 .
5- سورة الحجرات ، الآية : 13 .
6- سورة الأحزاب ، الآية : 36 .
7- سورة الحجرات ، الآية : 11 .
8- سورة الزمر ، الآية : 73 .
9- سورة الزخرف ، الآية : 18 .
10- نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، 67 .
11- نهج البلاغة ، الخطبة 108 .
12- سورة النور ، الآية : 2 .
13- سورة المائدة ، الآية : 38
ان القول بأن الحرب والجهاد ليست وظيفة المرأة بتعلق بالجهاد الابتدائي حيث قالوا انه يتعلق بالإمام المعصوم عليه السلام ، وبعض فقهائنا رضوان الله عليهم قالوا : إنه لا يختص بالإمام المعصوم . أما إذا أصبحت المرأة قائدة فرقة في الحروب الدفاعية ورد كيد الأجانب فان ذلك ليس جائزاً فقط بل أحياناً يكون واجباً ، لأن الدفاع لا يختص بالمرأة والرجل . أينما كان دفاع فالمرأة مثل الرجل وتتواجد في جميع الميادين الحربية وغير الحربية ، لذا يجب أن تتعلم الفنون العسكرية حتى تكون مدافعة حين الدفاع او الشعور بالخطر تكون فائدة فرقة نساء ، وتدفع خطر العدو إلى جانب الرجال ، وهم منفصلون عن بعضهم على أساس تقسيم العمل .
المرأة والهجرة :
الهجرة التي هي حمل ثقيل في الكفاح ، واجبة على المرأة والرجل أيضاً ، والهجرة تذكر تذكر دائماً مع الجهاد إلى جانب بعضهما . وكان في صدر الإسلام مهاجرون ومهاجرات . والآن الهجرة ليست خاصة بالرجل بل هي واجبة على الفئتين .في الهجرة إلى الحبشة كانت المرأة مع الرجل في السفر ، وفي الهجرة إلى المدينة كانت المرأة مثل الرجل ، وبعد ان قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلون لهن ) (1) .
هذه الهجرة للجميع ، وفي النتيجة ليس ان كل عمل سهل يكون للمرأة وكل الأعمال الصعبة تكون متعلقة بالرجل ، بل ان المرأة والرجل متساويان في بعض الأعمال الشاقة مثل الهجرة والدفاع ، لأن الحمل الأساس تحمله إنسانية الإنسان ، وفي الإنسانية ليس هناك فرق بين المرأة والرجل .
التعيين في الأعمال التنفيذية والعبادات :
هناك شبهة في بعض الأذهان وهي ان تقسيم الأعمال التنفيذية يمنع حصول النساء على الفضائل ، هذه الشبهة هي من أثر عدم الالتفات إلى نظام الفضيلة في الإسلام ، ان نظام الفضيلة في الإسلام يغاير معايير المدارس الأخرى . فنحن لدينا تعبد ، وهذا التعبد هو عامل تقربنا . يجب أن نعبد الله وكل من كان أكثر تعبداً فهو أقرب . ولكن عبادة الله في أي شيء ؟ هل العبادة في ان نعمل وفق آرائنا واقتراحاتنا أو نسلك طبقاً لأمر الله ؟ .إذا كان شخص يطمح في التكامل والفضيلة ، فان معيار التكامل والفضيلة يجب ان يضمنه الوحي الإلهي ، والوحي الإلهي قسم ووزع البرامج . ان المرأة لا تستطيع ان تقول أبداً : نظراً لأنني محرومة من بعض وظائف الرجل ، فانني محرومة من فضائل تلك الوظائف . لأن هناك ثواباً لكل عمل تنفيذي ويعطي كل شخص ثواباً بمقدار الاخلاص ، إذا كانت الأعمال التنفيذية مشخصة للرجل والثواب معيناً فكذلك الأعمال التنفيذية والثواب مشخصة للمرأة ، فمع أنها حرمت من الصلاة على أساس ( دع الصلاة أيام أقرائك ) ، لكنها تستطيع ان تحصل على ثواب الصلاة بأن تتوضاً وتجلس في مصلاها باتجاه القبلة وتذكر بمقدار الصلاة . ولا يمكن القول : ثواب هذا العمل أقل ، أو أن القيام به صعب . الطريق مفتوح وإذا لم يرد الشخص ان يجاهد فهذا على عاتقه ، ولو كان في هذا المقدار حرج لما أمر به الدين . بعض الأوامر يقوم الدين بتبديلها إلى أمر آخر بشكل مؤقت للسهولة ، مثلاً يقول للمسافر أن يصلي بدل أربعة ركعات ركعتين ، ولكن لتعويض ثواب تينك الركعتين الناقصتين يقول له ان يأتي بالتسبيحات الأربع ثلاثين أو أربعين مرة بعد الصلاة . هذه طريقة ترميم ، وفي مجال المراة هكذا أيضاً ولا يمكن القول إن هذا حرج ، وإذا كان الوضوء حرجاً لها أو صعباً يتبدل الوضوء ليس إلى تيمم كما في الحال العادي ، هنا يتبدل الوضوء إلى تيمم ، والوضوء ليس رافع حدث في المسألة ، بل هو من أجل أن يكون للإنسان هذا التأدب ، ويستطيع ان يستفيد بصورة أصح من ذلك الذكر . بناء على هذا فان القرآن ما لم يفتح طريقاً ، لا يسد طريقاً .
سؤال ممثلة النساء للنبي :
هذه الشبهة طرحت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأجاب عليها بجملة قصيرة ، وهذا السؤال والجواب ذكره الأستاذ العلامة الطاطبائي ـ رضوان الله عليه ـ في تفسير الميزان نقلاً عن كتاب ( الدر المنثور في التفسير بالمأثور ) خلال ( البحث الروائي ) لبعض آيات سورة النساء (2) .
يتبين أن هذا النوع من الأسئلة والاشكالات كان مطروحاً في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
روي عن البيهقي في الدر المنثور ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ذات يوم جالساً بين أصحابه فجاءت اسماء بنت يزيد الانصارية وقالت : بأبي أنت وأمي اني وافدة النساء إليك واعلم نفسي لك الفداء انه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأي . أن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء . فآمنا بك وبالهك الذي ارسلك ، وانا معشر النساء محصورات مقسورات ، قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم . وحاملات أولادكم ، وانكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، والحج بعد الحج .
وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله ، وان الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم . وغزلنا لكم أثوابكم ، وربينا لكم أموالكم . فما نشارككم في الأجر يا رسول الله ؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ، ثم قال : هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه ؟ فقالوا : يا رسول الله ، ما ظننا ان امرأة تهتدي إلى مثل هذا فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال لها : انصرفي أيتها المرأة واعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها . وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ، فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشاراً .
رؤيا آمنة ( عليها الرحمة ) أم النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
روي ان هذه المرأة نظرت إلى طفلها محمد صلى الله عليه وآله وسلم أيام مرضها وقالت : إن تلك الرؤيا التي رأيتها في عالم النوم إذا هي حق فأنت تبعث إلى الأنام .
فأنـت مبعـوث إلى الأنـام // تبعـت فـي الحـل وفـي الحرام
تبعث بالتوحيــد والإســلام // ديــن أبيـك البر إبــراهـام (3)
نظمت شعراً في حالة المرض وقرأته على طفلها الصغير ، ورحلت .
وآمنة هذه استطاعت ان تربي هذا النبي ، لأنه رغم ان آمنة كانت تعيش في جو الجاهلية ولكن كان لديها نهج إبراهيمي . مثل هذه المرأة تربي مرجعاً . مفسراً ، حكيماً ، عرافاً ، فقيهاً ، أديباً هذه المرأة تستطيع ان تربي مجاهداً وأخيراً هذه المرأة تستطيع ان تربي ولي المسلمين وقائد المسلمين .
ان ما قاله إمام الأمة ـ رضوان الله تعالى عليه : ( من حضن المرأة ، يذهب الرجل إلى معراج ) (4)
هي حقيقة أخذت من الروايات ، يجب ان لا يتخيل شخص ان المرأة محرومة من فضيلة لأنها لا تذهب إلى الجبهة ، تستطيع المرأة بحسن التعامل ، بالإدارة الصحيحة لشؤون المنزل ، بالقناعة ، بالتربية الرقيقة للأبناء ، بالسلوك المؤدب ، وحفظ العفاف واللباس أمام الأولاد ، وتربية أولاد نجباء ومئات الوظائف المطروحة في إدارة المنزل ، ان تجبر نقص تلك الفضائل ، حيث ان هذه تعادل جميع الفضائل التي وردت للرجال .
من الشبهات الأخرى التي تطرح بسبب عدم ملاحظة معايير القيم في القرآن الكريم ، ويؤكد عليها بسبب رسوخ الثقافة الجاهلية والغريبة في الأذهان ، مسألة ديه الوارث بين المرأة والرجل .
معيار قيمة الإنسان ومسألة الدية :
إن ما يطرح كمعيار تقييم هو هل ان المرأة تستطيع ان تتكلم مع الملائكة وتسمع دعوة الله ، أم لا ؟ أما في ما يتعلق بمسألة الدية ، وهو لماذا كانت دية المرآة أقل من دية الرجل ؟ يجب القول في الجواب : هل ان قيمة الإنسان هي بقيمة بدنه حتى نقيم الامتياز في الديات ؟هل يجب الذهاب وراء الدية لتقييم الإنسان في الإسلام ، حتى نبحث عن الفارق بين المرأة والرجل في الدية ؟ أم أنه يجب معرفة القيمة الحقيقة للإنسان هناك حيث الكلام في الارتباط مع الملك والوحي وأمثال ذلك ؟ حتى يرى في النهاية هل ان المرأة لها سهم هناك أم لا ؟
إن مسألة الدية هي أمر اقتصادي صرف ، وليست هي معيار تقييم الإنسان ، فكما ان في الشريعة تعينت للكلب دية ـ إذا لم يكن من الكلاب العقورة ، كذلك جعل لجسم الإنسان دية أيضاً ، الدية هي حساب فقهي وليس لها ارتباط جعل لجسم الإنسان دية أيضاً ، الدية هي حساب فقهي وليس لها ارتباط بقواعد الدين ، فأهم الشخصيات الإسلامية يتساوى مع أبسط الأشخاص من حيث الدية ، دية مرجع تقليد ، دية إنسان متخصص ، دية إنسان مبتكر ، مع دية عامل بسيط هي واحدة في الإسلام ، بسبب ان الدية ليست عاملاً في تعيين القيمة وهي أداة فقط . إن معيار القيمة هو الذي جاء في القرآن ( ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) (5) .
خلاصة الكلام : أولاً : ان البدن ليس أكثر من أداة ، ولهذا البدن ديته مشتركة سواء كان هيكل مرجع تقليد ، أو فقيه ، أو طبيب أو مهندس ، أو مبتكر أو هيكل عامل بسيط .
ثانياً : ان التقييم يتعلق بروح الإنسان ، وروح الإنسان لا تتلاشى ولا تصبح مقتولاً حقيقياً حتى يدفع عنها دية . بل ان الذي يتضرر هو البدن ، والبدن يقيم باداة مادية كما تبين ، بناء على هذا فالمرأة والرجل بنفس المستوى من حيث الوحي ، ورغم ان الوحي التشريعي ينزل على الرجال لأنه يتبعة عمل تنفيذي ، ولكن الوحي التكويني والتأييدي وأمثال ذلك والذي لا ترافقه أعمال تنفيذية فالمرأة بمستوى الرجل في هذه الناحية .
ثالثاً : إذا حصل اعتراض وانتقاد من قبل المسيحية وهاجموا الإسلام . يتضح ان ذلك المهاجم ليس نصرانياً صادقاً ، حيث انه ليس هناك في النصرانية فرق بين المرأة والرجل أيضاً ، وإذا ورد نقد من اليهود ، يتضح أن الناقد ليس يهودياً أصيلاً ، لأن المرأة لها مقام في قاموس الوحي بحيث تستطيع ان تصبح بمستوى أم النبي إسحاق وتتكلم مع الملائكة مباشرة .
لو ان هذه المسائل تستنبط جيداً من القرآن الكريم ويبين ويوضح بشكل كامل ان عظمة ومقام وقيمة الإنسان الحقيقية تتعلق بروحه بحيث تستقبله الملائكة وتتكلم معه وتعرض دعوة الله وتتلقى روح الإنسان بشارة الملائكة وفي هذا التلقي ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل ، عند ذلك لا يحصل نقد ونقص في المسائل التنفيذية أبداً .
سر اختلاف دية المرأة والرجل في الإسلام :
رغم ان مسألة الدية وسائر المسائل الفقهية تتطلب فصلاً مستقلاً ، ولكن في هذا القسم من البحث نطرح بحثاً قصيراً في هذا المجال بمناسبة الطرح الإجمالي لمسألة الدية .هناك مجموعة من التقييمات في القرآن الكريم ترجع إلى البدن ، ولك بدن يكون منشأ اقتصادياً أكثر وأقوى ، تنظم مسألة الدية بذلك التناسب في ما يتعلق به ، كما ان مسائل الإرث هي هكذا .
أما ما يعود إلى التعليم والتربية ، فلأن مثل هذه الأمور لا تتعلق بالبدن ، لذا كانت المرأة والرجل في تلك الأمور موضع خطاب مشترك في القرآن .
القرآن الكريم خاطب المرأة والرجل معاً في الفضائل الروحية والأخلاقية وتجنب الرذائل الأخلاقية ، وكذلك خاطب المرأة والرجل معاً في مسائل اتباع نظام الحكومة وسائر الأقسام في مسائل الحكومة وقال :
( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً ان يكون لهم الخيرة من أمرهم ) (6) .
في المسائل الاخلاقية جاء في القرآن الكريم أيضاً :
( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ) (7) .
لأن الخير ليس من المدركات البصرية التي يأتي بالعين ، الخير يتعلق بالروح والروح مستورة أيضاً ، ولعل الشخص الذين يسخر منه أفضل من الشخص الذي يسخر . بناء على هذا فلا الرجل يحق له السخرية ولا المرأة مسموح لها بهذا العمل . لأنه يقول :
( عسى أن يكونوا خير منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ) .
ورد في رواية ان هناك عدة أشياء مستورة بين عدة أشياء ، أحداها ليلة القدرة المستورة بين ليال وأولياء الله المهجولون والمستورون بين الأشخاص العاديين ، وقد يكون الشخص الذي يتعرض للسخرية من أولياء الله .
إن الاحتقار محتمل بأربع حالات : أحياناً من الممكن ان يحقر رجل رجلاً ، أو يحقر رجل امرأة . كما ان من الممكن ان من الممكن ان تحقر امرأة امرأة أخرى .
أو تحقر امرأة رجلاً . هذه هي اربع حالات مفروضة . ولكن القرآن بين حالتين بصراحة وذكر بقاعدة عامة ، وهي انه قد يكون الشخص الذي يتعرض للسخرية أفضل من الشخص الذي يسخر .
بناءً على هذا ليس هناك أي امتياز بين المرأة والرجل في المسائل الأخلاقية ، وأما في مسألة الدية ، فنظراً لأنه ليس فيها جانب خير بل هي تعلق بالجانب البدني . لذا إذا كان البدن في المسائل الاقتصادية أقوى فديته أكثر ولأن الرجال يحققون مردوداً اقتصادياً أكثر من النساء في المسائل الاقتصادية فديتهم أكثر أيضاً وهذا ليس بمعنى ان الرجل يكون أثمن من المرأة في الإسلام . بل يلحظ ذلك البعد الجسماني ـ الجانب البدني ـ فقط لهذين الصنفين . إن أساس الدية لا يتعلق بتقييم الروح ويجب أن لا يتعرض هذا العنوان للنقد والنقض في مسائل معرفة الإنسان وعظمة المرأة والرجل وإلا ـ كما أشير ـ عندما نلاحظ ان دية مرجع تقليد أو طبيب تساوي دية عامل بسيط يجب أن نلتزم بأن العلم والصناعة والابتكار والطب وغيرها ليس لها قيمة في الإسلام والحال ان لها قيمة بشكل كامل .
بناء على هذا فان الدية ليست معياراً لقيمة الإنسان . ونقد النقاد هو بسبب أنهم يعتبرون الإنسان في مستوى نبات ، أما ان الإنسان يصل إلى درجة بحيث يتكلم مع الملائكة وتستقبله الملائكة ، فلا يفهمون ذلك . وعندما تطرح هذه المجموعة من المسائل يرجعون إلى أنفسهم . ويسألون . هل هناك علم وراء الطبيعة ، هل توجد كائنات اسمها الملائكة هل نبقى أحياء إلى الأبد ، ونصل إلى درجة بحيث تستقبلنا الملائكة وتهنئنا وتحيينا :
( سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) (8) .
ولكن لان مثل هذه الحقائق ليس لها معنى ومفهوم بالنسبة لأولئك في الشرق والغرب ، لذا يحصرون التقييم في محور الدية أو في الإرث .
إرث المرأة والرجل في الإسلام :
في جواب هذا السؤال وهو لماذا ان أرث المرأة هو أقل ؟ يجب القول :أولاً : في كثير من الحالات يتساوي إرث المرأة والرجل . من ذلك والديّ الميت حيث لكل منهما سدس كذلك أقرباء الأم من النساء والرجال يرثون بالتساوي ، هناك فرق بي الأخ والأخت وفي بعض الاقسام ( التقرب بالأب أو الأبوين ) بناء على هذا فليس الرجل يرث دائماً أكثر من المرأة .
ثانياً : الحالات التي يوجد فيها فرق في الإرث توجد علل ، فلو أخذنا بنظر الاعتبار ان الميت لديه بنت وابن فما هو مسلم هو أن الابن يجب أن يشكل اسرة وجميع نفقه الاسرة بعهدته أيضاً ويجب ان يدفع مهر و نفقة الزوجة أما البنت فهي تختار زوجاً تستلم منه مهراً ونفقة ، لذا إذا بحث الإنسان جيداً يرى أنه رغم ان الدخل بعهدة الرجال ولكن المصرف يتعلق بالنساء ، المهر لها ، والنفقة تتعلق بها أيضاً ، لذا فالصورة التي القرآن عن النساء هي انه يقول :
( أو من ينشا في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) (9) .
أي ان أكثر المصارف هي لهن ، عند ذلك إذا بحثت هذه المصارف المالية بعد بحث وتأمين المسائل الأساسية يلاحظ ان شيئاً بعنوان ( نقد ) لا يبقى .
ضرورة تعلم العلوم :
أحد الأسئلة التي تطرح هي انه إذا لم يكن هناك امتياز بين المرأة والرجل في المسائل العلمية والكمالات العلمية فلماذا يجب ان تستأذن المراة من الرجل لتعلم العلم وفي حالة عدم إذن الزوج تحرم من كسب العلم ؟في الجواب يجب القول أولاً : ان تعلم العلم على قسمين ، قسم هو مجموعة من العلوم التي يكون تعلمها من الواجبات العينية ، وفي تعلم هذا القسم من العلوم لا يحق للرجل المنع ، أما القسم الآخر من العلوم التي تعلمها واجب كفائي ، فإذا لم يبادر الآخرون في هذا القسم من العلوم إلى التعلم بحد الكفاية فان تعلمها يصبح واجباً عينياً على المرأة ، ولا يحق للرجل المنع ايضاً ، وحتى في الحالات التي يحق للرجل المنع تستطيع المرأة ان تشترط وتقول : إنني أقوم بأعمال المنزل بهذا الشرط وهو أن أخصص هذا المقدار من الوقت لتعلم العلوم . كما اشترط هذا الموضوع في قضية زواج زينب عليهم السلام مع زوجها ، حين العقد . لو طرحت هذه المسائل في المجتمع ونضجت ثقافة الناس أيضاً عند ذلك سوف لا تعتبر المرأة بضاعة أبداً .
رسوخ أفكار جاهلية في ثقافة بعض المسلمين :
ذكر المرحوم العلامة الطباطبائي ( رضوان الله عليه ) في تفسير الميزان أن رواسب جاهلية لا تزال حتى الآن منتشرة في المجتمع ، أي ان المجتمع هو مجتمع إسلامي ، والكلام هو كلام الإسلام ، ولكن الفكر فكر جاهلية .
في مجتمعنا المعاصر هكذا أيضاً فان الرجل إذا تلوث لا يشعر ذووه بالعار ، ولكن إذا تلوثت المرأة يشعر أعضاء الأسرة بالعار وقد يقتلونها ـ أليس هذا الفكر . فكر الجاهلية ؟ هل هذه الغيرة هي غيرة جاهلية أم غيرة دينية ؟ يجب أن نشعر بالعار ولكن مشتركاً بدون فرق ، يجب أن نكون غيارى ولكن بشكل متساوٍ .
( لا يرى الجاهل إلا مفرطاً أو مفرّطاً ) (10) .
أن عدم الغيرة يطابق ثقافة الغرب المنحطة ، التمييز في الغيرة هو الثقافة الجاهلية المنحطة ، وأما ما يطابق الثقافة الإسلامية فهو التوازن في الغيرة .
للأسف ، نحن نتكلم إسلامياً ، ولكن نفكر جاهلياً ، ونضع تفكيرنا الجاهلي على حساب الإسلام الخالص ، نأخذ عدم الغيرة بشأن الرجال من الثقافة الغربية والغيرة بشأن النساء من ثقافة الجاهلية ونجمع هذين معاً ونلصقهما بالإسلام . ثم نتوهم ان الإسلام يفرق بين المرأة والرجل . ان ما ورد في كلام الإمام علي :
( ولبس الإسلام لبس الفرو مقلوباً ) (11) .
سره هو أنه في كثير من الحالات أخذنا بعض المسائل من الغرب وبعضاً من الرواسب الجاهلية وقلنا : إن هذا هو رأي الإسلام ، في حين انه لو نراجع القرآن نرى انه يقول :
( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) (12) وفي مسألة السرقة يقول أيضاً :
( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله ) (13) .
قد يحصل العفو عن المرأة عند السرقة وعدم العفو عن الرجل ، وفي مسألة تلوث العفة قد يحصل العكس ، كلاهما تمييز وناجم عن أفكار جاهلية ، هذا التلفيق والرسوب الجاهلي مع ذلك الميراث للثقافة الأجنبية المنحطة ، شكل أوهاماً لصقت بالإسلام ، بحيث انه إذا ذهب شخص وراء معرفة الإسلام بهذه الرؤية والاعتقاد يتصور ان الإسلام فرق بين المرأة والرجل . وإذا أراد أن يبحث امتيازهما فأما يبحثه في الإرث ، أو في الدية ، إن مقام المرأة يجب البحث عنه في معرفة الإنسان وليس في الدية والإرث . وإلا فالدية موجودة للكلاب أيضاً . وهذا هو نظم مالي وضعه الإسلام في المسائل المتعلقة بالبدن وليس له ارتباط بالقييم .
ان العظمة التي جعلها الدين للمرأة هي نفس العظمة التي جعلها للإنسان ، لهذا إذا أراد شخص دراسة عظمة المرأة فمن اللازم أن يلاحظ سوؤة هود حيث تتكلم الملائكة مباشرة مع المرأة وتقول لها انها جاءت لتعطيها نبياً .
المصادر :
1- سورة الممتحنة ، الآية : 10 .
2- تفسير الميزان ، ج 4 ، ص 37 .
3- الدر المنثور ، ص 1 ـ 17 .
4- صحيفة النور ، ج ، ص 194 .
5- سورة الحجرات ، الآية : 13 .
6- سورة الأحزاب ، الآية : 36 .
7- سورة الحجرات ، الآية : 11 .
8- سورة الزمر ، الآية : 73 .
9- سورة الزخرف ، الآية : 18 .
10- نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، 67 .
11- نهج البلاغة ، الخطبة 108 .
12- سورة النور ، الآية : 2 .
13- سورة المائدة ، الآية : 38