براهين الوجود الله سبحانه

تقرير برهان الإمكان والوجوب تقرير هذا البرهان يتوقف على بيان أمور: الأمر الأول: تقسيم الموجود إلى الواجب والممكن، وذلك لأنّ الموجود إمّا أن يستدعي من صميم ذاته ضرورة وجوده ولزوم تحقّقه في الخارج، فهذا هو الواجب لذاته، وإمّا
Monday, April 2, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
براهين الوجود الله سبحانه
 براهين الوجود الله سبحانه


تقرير برهان الإمكان والوجوب
تقرير هذا البرهان يتوقف على بيان أمور:
الأمر الأول: تقسيم الموجود إلى الواجب والممكن، وذلك لأنّ الموجود إمّا أن يستدعي من صميم ذاته ضرورة وجوده ولزوم تحقّقه في الخارج، فهذا هو الواجب لذاته، وإمّا أن يكون متساوي النسبة إلى الوجود والعدم ولا يستدعي في حدّ ذاته أحدهما أبداً، وهو الممكن لذاته، كأفراد الإنسان وغيره.
الأمر الثاني: كلّ ممكن يحتاج إلى علة في وجوده، وهذا من البديهيات التي لا يرتاب فيها ذو مسكة، فإنّ العقل يحكم بالبداهة على أن ما لا يستدعي في حد ذاته الوجود، يتوقف وجوده على أمر آخر وهو العلّة، وإلا فوجوده ناشئ من ذاته، هذا خلف.
الأمر الثالث: الدور ممتنع، وهو عبارة عن كون الشيء موجداً لثان وفي الوقت نفسه يكون الشيء الثاني موجداً لذاك الشيء الأوّل.
وجه امتناعه أن مقتضى كون الأول علة للثاني، تقدّمه عليه وتأخّر الثاني عنه، ومقتضى كون الثاني علة للأول تقدّم الثاني عليه، فينتج كون الشيء الواحد، في حالة واحدة وبالنسبة إلى شيء واحد، متقدّماً وغير متقدّم ومتأخّراً وغير متأخّر وهذا هو الجمع بين النقيضين.
إنّ امتناع الدور وجداني ولتوضيح الحال نأتي بمثال: إذا اتفق صديقان على إمضاء وثيقة واشترط كل واحد منهما لإمضائها، إمضاء الآخر، فتكون النتيجة توقّف إمضاء كلٍّ منهما على إمضاء الآخر، وعند ذلك لن تكون تلك الورقة ممضاة إلى يوم القيامة، وهذا ممّا يُدركه الإنسان بالوجدان وراء دركه بالبرهان.
الأمر الرابع: التسلسل محال، وهو عبارة عن اجتماع سلسلة من العلل والمعاليل الممكنة ، مترتّبة غير متناهية، ويكون الكلّ متّسماً بوصف الإمكان، بأن يتوقّف (أ) على (ب) و (ب) على (ج) و (ج) على (د) وهكذا من دون أن تنتهي إلى علّة ليست بممكنة ولا معلولة.
والدليل على استحالته أن المعلولية وصف عام لكل جزء من أجزاء السلسلة، فعندئذ يطرح هذا السؤال نفسه: إذا كانت السلسلة الهائلة معلولة، فما هي العلة التي أخرجتها من كتم العدم إلى عالم الوجود؟ والمفروض أنه ليس هناك شيء يكون علّة ولا يكون معلولاً، وإلا يلزم انقطاع السلسلة وتوقّفها عند نقطة خاصة، وهي الموجود الذي قائم بنفسه وغير محتاج إلى غيره وهو الواجب الوجود بالذات.
فإن قلت: إنّ كلّ معلول من السلسلة متقوم بالعلة التي تتقدّمه ومتعلّق بها، فالجزء الأول من آخر السلسلة وجد بالجزء الثاني، والثاني بالثالث، وهكذا إلى أجزاء وحلقات غير متناهية، وهذا المقدار من التعلُّق يكفي لرفع الفقر والحاجة.
قلت: المفروض أنّ كلّ جزء من أجزاء السلسلة متّسم بوصف الإمكان والمعلولية، وعلى هذا فوصف العلّية له ليس بالأصالة والاستقلال، فليس لكلّ حلقة دور الإفاضة والإيجاد بالاستقلال، فلا بدّ أن يكون هناك علّة وراء هذه السلسلة ترفع فقرها وتكون سناداً لها.
ولتوضيح الحال نُمثّل بمثال وهو أنّ كلّ واحدة من هذه المعاليل بحكم فقرها الذاتي، بمنزلة الصفر، فاجتماع هذه المعاليل بمنزلة اجتماع الأصفار، ومن المعلوم أن الصفر بإضافة أصفار متناهية أو غير متناهية إليه لا ينتج عدداً، بل يجب أن يكون إلى جانب هذه الأصفار عدد صحيح قائم بالذات حتى يكون مصححاً لقراءة تلك الأصفار. فقد خرجنا بهذه النتيجة وهي أن فرض علل ومعاليل غير متناهية مستلزم لأحد أمرين: إما تحقق المعلول بلا علّة، وإما عدم وجود شيء في الخارج رأساً، وكلاهما بديهي الاستحالة.
برهان الإمكان والوجوب
إلى هنا تمّت المقدّمات التي يبتني عليها برهان الإمكان، وإليك نفس البرهان:
لا شكّ أنّ صفحة الوجود مليئة بالموجودات الإمكانية، بدليل أنّها توجد وتنعدم وتحدث وتفنى ويطرأ عليها التبدّل والتغيّر، إلى غير ذلك من الحالات التي هي آيات الإمكان وسمات الافتقار.
وأمر وجودها لا يخلو عن الفروض التالية:
1- لا علّة لوجودها، وهذا باطل بحكم المقدمة الثانية (كلّ ممكن يحتاج إلى علّة).
2- البعض منها علّة لبعض آخر وبالعكس، وهو محال بمقتضى المقدّمة الثالثة (بطلان الدور).
3- بعضها معلول لبعض آخر وذلك البعض معلول لآخر من غير أن ينتهي إلى علّة ليست بمعلول، وهو ممتنع بمقتضى المقدّمة الرابعة (استحالة التسلسل).
4- وراء تلك الموجودات الإمكانية علّة ليست بمعلولة بل يكون واجب الوجود لذاته وهو المطلوب.
فاتّضح أنّه لا يصحّ تفسير النظام الكوني إلا بالقول بانتهاء الممكنات إلى الواجب لذاته القائم بنفسه، فهذه الصورة هي التي يُصحّحها العقل ويعدّها خالية عن الإشكال، وأمّا الصور الباقية، فكلّها تستلزم المحال، والمستلزم للمحال محال.
برهان الإمكان والوجوب في القرآن
وقد أشير في الذكر الحكيم إلى شقوق برهان الإمكان، وإلى أن حقيقة الممكن حقيقة مفتقرة لا تملك لنفسها وجوداً وتحقّقاً ولا أيّ شيء آخر أشار بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ .(1)
ومثله قوله سبحانه: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى﴾ .(2)
وقوله سبحانه: ﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء﴾ .(3)
وإلى أنّ الممكن ومنه الإنسان لا يتحقّق بلا علّة، ولا تكون علّته نفسه، أشار سبحانه بقوله: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ (4).
وإلى أنّ الممكن لا يصحّ أن يكون خالقاً لممكن آخر بالأصالة والاستقلال ومن دون الاستناد إلى خالق واجب أشار بقوله: ﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ﴾ .(5)
إجابة عن إشكال
قد استشكل على القول بانتهاء الممكنات إلى علة أزلية ليست بمعلول، بأنه يستلزم تخصيص القاعدة العقلية، فإنّ العقل يحكم بأنّ الشيء لا يتحقّق بلا علّة.
والجواب: إنّ القاعدة العقلية تختص بالموجودات الإمكانية التي لا تقتضي في ذاتها وجوداً ولا عدماً، إذ الحاجة إلى العلة، ليس من خصائص الموجود بما هو موجود، بل هي من خصائص الموجود الممكن، فإنّه حيث لا يقتضي في حدّ ذاته الوجود ولا العدم، لا بدّ له من علة توجده، ويجب انتهاء أمر الإيجاد إلى ما يكون الوجود عين ذاته ولا يحتاج إلى غيره، لما تقدّم من إقامة البرهان على امتناع التسلسل، فالاشتباه نشأ من الغفلة عن وجه الحاجة إلى العلّة وهو الإمكان لا الوجود.
برهان الحدوث
من البراهين التي يُستدلّ بها على إثبات وجود خالق الكون، برهان الحدوث، وقد استدلّ به إمام الموحّدين عليّ عليه السلام على وجود الله سبحانه وأزليّته في مواضع من كلماته وخطبه التوحيدية، منها قوله عليه السلام: "الحمد لله الّذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر، الدالّ على قدمه بحدوث خلقه وبحدوث خلقه على وجوده" .(6)
يعني أنّ حدوث العالم يدلّ على محدِث له وهو الله تعالى، وإذا كان العالَم بوصف كونه حادثاً مخلوقاً له تعالى، فهو قديم أزلي، وإلاّ كان حادثاً واحتاج إلى محدث، هذا خلف.

تعريف الحدوث وأقسامه

الحدوث وصف للوجود باعتبار كونه مسبوقاً بالعدم وهو على قسمين:
الأوّل: الحدوث الزماني وهو مسبوقيّة وجود الشيء بالعدم الزماني كمسبوقيّة اليوم بالعدم في أمس ومسبوقية حوادث اليوم بالعدم في أمس.
والثاني: الحدوث الذّاتي وهو مسبوقيّة وجود الشيء بالعدم في ذاته، كجميع الموجودات الممكنة التي لها الوجود بعلّة خارجة من ذاتها، وليس لها في ماهيتها وحدّ ذاتها إلاّ العدم، هذا حاصل ما ذكروه في تعريف الحدوث وتقسيمه إلى الزماني والذاتي والتفصيل يطلب من محلّه .
ثمّ إنّ مرجع الحدوث الذاتي إلى الإمكان الذاتي، فالاستدلال بالحدوث الذاتي راجع إلى برهان الإمكان والوجوب، فلنركّز الكلام هنا على الحدوث الزّماني فنقول: العلوم الطبيعيّة وحدوث الحياة في عالم المادّة.
أثبت العلم بوضوح أنّ هناك انتقالاً حراريّاً مستمرّاً من الأجسام الحارّة إلى الأجسام الباردة، ولا تتحقّق في عالم الطبيعة عملية طبيعية معاكسةً لذلك، ومعنى ذلك أنّ الكون يتّجه إلى درجة تتساوى فيها جميع الأجسام من حيث الحرارة وعند ذلك لن تتحقّق عمليات كيميائيّة أو طبيعيّة، ويستنتج من ذلك:
إنّ الحياة في عالم المادّة أمر حادث ولها بداية، إذ لو كانت موجوداً أزلياً وبلا ابتداء لزم استهلاك طاقات المادّة، ونضوب ظاهرة الحياة المادّية منذ زمن بعيد.
وإلى ما ذكرنا أشار "فرانك آلن" أُستاذ علم الفيزياء بقوله: "قانون ترموديناميا أثبت أنّ العالم لا يزال يتّجه إلى نقطة تتساوى فيها درجة حرارة جميع الأجسام، ولا توجد هناك طاقة مؤثِّرة لعمليّة الحياة، فلو لم يكن للعالم بداية وكان موجوداً من الأزل لزم أن يقضى للحياة أجلها منذ أمدٍ بعيدٍ، فالشَّمس المشرقة والنجوم والأرض المليئة من الظواهر الحيويّة وعملياتها أصدق شاهد على أنّ العالم حدث في زمان معيَّن، فليس العالم إلاّ مخلوقاً حادثاً" .

تقرير برهان الحدوث

ممّا تقدّم تبيَّنت صغرى برهان الحدوث وهي أنّ الحياة في العالم المادّي حادث، وليست الحياة أمر ذاتي في العالم المادي , وليُضمَّ إليها الأصل البديهي العقلي وهو أنّ كلّ أمر غير ذاتي معلَّل، كما أنّ كلّ حادث لا بدّ له من محدث وخالق، فما هو المحدث لحياة المادة؟ إمّا هي نفسها أو غيرها؟ ولكنّ الفرض الأوّل باطل، لأنّ المفروض أنّها كانت قبل حدوث الحياة لها فاقدة لها، وفاقد الشيء يستحيل أن يكون معطياً له، فلا مناص من قبول الفرض الثاني، فهناك موجود آخر وراء عالم المادّة هو الموجد للمادّة ومحدث الحياة لها.
إلى هنا تمّ دور الحدوث الزماني في البرهان، وأنتج أنّ هناك موجوداً غير مادّي، محدثٌ لهذا العالم المادّي. وأمّا أنّ هذا المحدِث هل هو ممكن أو واجب، وحادث أو قديم، فلا بدّ لإثباته من اللجوء إلى برهان الإمكان والوجوب وامتناع الدور والتسلسل وهو ما تقدّم بيانه.

الإجابة عن شبهة رسل

إنّ لبرترند رسل هاهنا شبهة يجب أن نجيب عنها وهي: إنّه بعد الإشارة إلى قانون "ترموديناميا" وما يترتّب عليه من حدوث العالم المادّي، قال: "لا يصحّ أن يستنتج منه أنّ العالم مخلوق لخالق وراءه، لأنّ استنتاج وجود الخالق استنتاج علّي والاستنتاج العلِّي في العلوم غير جائز إلّا إذا انطبقت عليه القوانين العلمية، ومن المعلوم استحالة إجراء العمليّة التجريبيّة على خلقة العالم من العدم، ففرض كون العالم مخلوقاً لخالق محدث، ليس أولى من فرض حدوثه بلا علّة محدثة، فانّ الفرضين مشتركان في نقض القوانين العلميّة المشهودة لنا" . وحاصل كلامه أنّ فرض العلة المحدِثة لهذا العالم الحادث يساوي فرض عدم العلة المحدِثة له، وذلك لاستحالة إجراء عملية تجريبية لكلا الفرضين. وبملاحظة هذه الاستحالة يتكافئ الفرضان على صعيد النتائج المتوخّاة.
والجواب عنها: إنّ برهان الحدوث - كما عرفت - متشكّل من مقدّمتين، الأولى: حدوث العالَم، وهذا نتيجة واضحة من الأبحاث العلمية التجريبيّة، والثانية: الأصل العقلي البديهي، وليس هذا مستفاداً من الأبحاث العلمية، بل هو خارج عن نطاق العلم التجريبي رأساً، فإن كان مراد رسل من تساوي فرض مخلوقية العالَم وفرض وجوده صدفةً أنّهما خارجتان عن نطاق العلوم التجريبيّة، فصحيح، لكنّهما غير متساويين عند العقل الصريح الّذي هو الحاكم الفريد في أمثال هذه الأبحاث العقلية الخارجة عن نطاق العلوم التجريبيّة الحسيّة، فكأنّ رسل رفض العقل والبراهين العقليّة وحصر طريق الاستدلال على طريقة الحسّ والاستقراء والتجربة، كما هو مختار جميع الفلاسفة الحسّيّين الأوروبيّين وغيرهم، وقد بُرهِن على فساد هذا المبنى في محلّه.
المفاهيم الرئيسة
- من البراهين التي يستدلّ بها على وجود الخالق برهان الإمكان والوجوب.
- تتوقّف الاستفادة من هذا البرهان على فهم معاني الإمكان، الوجوب، استحالة الدور والتسلسل.
- إنّ وجود الممكن لا ريب فيه وبحكم أنّ الممكن محتاج إلى علّة، وبحكم استحالة الدور والتسلسل، يلزم الانتهاء إلى علّة هي واجب الوجود.
- لقد أشير في الذكر الحكيم إلى برهان الإمكان في عدّة آيات منها قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.
- ومن البراهين التي يستدلّ بها على إثبات وجود الخالق برهان الحدوث.
- الحدوث وصف للوجود باعتبار كونه مسبوقاً بالعدم وهو على قسمين, الحدوث الزماني، والحدوث الذّاتي.
- كلامنا في هذا الدرس حول إثبات الحدوث الزماني، وهو مؤلّف من مقدّمتين:
الأولى: إثبات حدوث العالم (من خلال العلوم التجريبية).
الثانية: كلّ حادث لا بُدّ له من محدِث (وهي مقدّمة بديهية عقلية).
- أشكل "برترند رسل" على برهان الحدوث بأنّه من المعلوم استحالة إجراء العمليّة التجريبيّة على خلقة العالم من العدم، ففرض كون العالَم مخلوقاً لخالق محدِث، ليس أولى من
فرض حدوثه بلا علّة محدثة، فإنّ الفرضين مشتركان في نقض القوانين العلمية.
الرد: إنّ برهان الحدوث مشكّل من مقدّمتين، الأولى علمية: حدوث العالم، والثانية عقلية بديهية: لا بدّ لكلّ حادث من علّة، وهذه ليست مستفادة من الأبحاث العلمية.
المصادر :
1- سورة فاطر، الآية 15.
2- سورة النجم، الآية 48.
3- سورة محمد، الآية 38.
4- سورة الطور، الآية 35.
5- سورة الطور، الآية 36.
6- نهج البلاغة، الخطبة: 185.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.