كثيراً ما تقع المنازعات في المسائل العلمية وغيرها، حتى السياسية، لأجل الإجمال في مفاهيم الألفاظ التي يستعملونها، فيذهب كل فرد منهم إلى ما يختلج في خاطره من المعنى، وقد لا يكون لأحدهم صورة واضحة للمعنى فيقنع بالصورة المضطربة ويبني عليها منطقه المزيّف.
لأجل ذلك كان لزاماً على المشتغل بالأمور الفكرية معرفة التعريف وأقسامه وشروطه، وذلك لهدفين:
1- الاحتفاظ بالصور الذهنية الواضحة للأشياء والمعلومات.
2- نقلها إلى ذهن وعقل غيره بالنحو الصحيح.
أقسام التعريف
يمكن أن يحصل التعريف من خلال أحد الطرق الأربعة:
الحد التام:
وهو التعريف بجميع ذاتيات المعرَّف، ويكون بالجنس والفصل لاشتمالهما على جميع ذاتيات المعرَّف.
فإذا سألت ما هو "الإنسان"؟ وأُجبت بأنه "حيوان ناطق" فهذا الجواب والتعريف حد تام لأنَّ الحيوان والناطق هما كل ذاتيات المعرَّف.
الحد الناقص:
وهو التعريف ببعض ذاتيات المعرَّف التي تختص به، أي بالفصل دون الجنس، كقولك في تعريف الإنسان (ناطق) فقد ذكرت في تعريفه الفصل وحده.
الرسم التام:
وهو التعريف بالجنس والخاصة، مثل تعريف الإنسان بأنه "حيوان ضاحك"، فاشتمل على الذاتي وهو الحيوان (الجنس)، وعلى العرضي وهو ضاحك (الخاصة)، ولهذا سمي تاماً.
الرسم الناقص:
وهو التعريف بالخاصة، كتعريف الإنسان بأنه ضاحك، فاشتمل على العرضي فقط.
شروط التعريف
حتى يحصل غرض التعريف، لا بد من اجتماع شروط خمسة.
1- أن يكون التعريف جامعاً مانعاً، جامعاً لكل مصاديق المعرَّف فلا يخرج منها شيء، ومانعاً يمنع من دخول مصاديق أخرى لا تندرج تحت المعرَّف.
فلا يصح تعريف الإنسان بأنه حيوان يمشي على رجلين، فهذا التعريف غير مانع لدخول أفراد أخرى تحته من الحيوانات غير الإنسان.
كما لا يصح تعريفه بأنه حيوان متعلم لأنه لا يجمع كل أفراد الإنسان، فالإنسان غير المتعلم خارج عن الإنسانية بهذا التعريف.
2- أن يكون التعريف أجلى مفهوماً وأعرف عند المخاطب من المعرَّف، فلا يصح التعريف:
أ- بالمساوي في الظهور والخفاء، كتعريف "الفرد" أنه ما ينقص عن الزوج بواحد، فالزوج ليس أوضح من الفرد.
ب- بالأخفى معرفة، كتعريف النور بأنه قوة تشبه الوجود.
3- أن لا يكون التعريف عين المعرَّف في المفهوم، مثل تعريف الإنسان بالبشر، فلا بد من نوع مغايرة في المفهوم بين التعريف والمعرَّف.
4- أن يكون التعريف خالياً من الدور، وصورة الدور في التعريف:
أن يكون المعرِّف (بالكسر) مجهولاً في نفسه، ولا يعرف إلا بالمعرَّف (بالفتح)، فينقلب المعرَّف معرِّفاً.
مثل تعريف الشمس بأنها "كوكب يطلع في النهار"، والنهار بأنه "زمان تطلع فيه الشمس، فتحصّل أن معرفة الشمس متوقفة على معرفة الشمس.
5- أن تكون الألفاظ المستعملة في التعريف واضحة المعاني والمقاصد غير مبهمة، فلا يصح استعمال الألفاظ الغامضة أو المشتركة أو المجازات دون قرينة على المعنى المقصود، بل الأفضل اجتناب الألفاظ المشتركة والمجازات في التعاريف حتى مع وجود القرينة.
توضيح في المشترك والمجاز
اللفظ المشترك: هو اللفظ الذي له عدة معاني مثل لفظ عين، فهي تدل على العين الباصرة، العين النابعة وغيرها من المعاني الأخرى.
المجاز: هو إستعمال اللفظ في غير معناه الموضوع له مع مناسبة بين المعنيين مثل: استعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع، فلفظ الأسد وضع لذلك الحيوان المفترس لكنه استعمل في الرجل الشجاع لعلاقة الشجاعة بين الحيوان المفترس وهذا الرجل الشجاع، فبهذه العلاقة الواضحة البينة صح استعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع.
القضايا
القضية: "المركب التام الذي يصح وصفه بالصدق أو الكذب لذاته"، فالقضية والخبر لفظان لمعنى واحد.فالإنشاء من استفهام ونداء وعقد وإيقاع ... ليست من القضايا.
أقسام القضية (الحملية والشرطية):
للقضية قسمان:
القضية الحملية:
تعريف القضية الحملية: "وهي ما حكم فيها بثبوت شيء لشيء أو نفيه عنه".
مثل: الربا محرم، الظالم ليس عادلاً.
ففي المثال الأول حكمنا بثبوت الحرمة للربا، وفي المثال الثاني نفينا العدالة عن الظالم.
أجزاء القضية الحملية:
تتألف القضية الحملية من ثلاثة أجزاء، من طرفين ونسبة بينهما:
- الطرف الأول: المحكوم عليه، ويسمى موضوعاً.
- الطرف الثاني: المحكوم به، ويسمى محمولاً.
- النسبة: الحكم بثبوت المحمول للموضوع أو نفيه عنه.
مثل ثبوت المحمول: زيد قائم.
- الطرف الأول: الموضوع (زيد).
- الطرف الثاني: المحمول (قائم).
- الحكم: الحكم بثبوت القيام لزيد، ونسبته إليه.
مثال نفي المحمول: عبيد ليس بجالس.
- الطرف الأول: عبيد (الموضوع).
- الطرف الثاني: جالس (المحمول).
الحكم: الحكم بسلب ونفي الجلوس عن عبيد.
القضية الشرطية:
"هي ما حكم فيها بوجود نسبة بين قضية وأخرى أو عدم وجود نسبة بينهما".
مثاله: إذا أشرقت الشمس فالنهار موجود، فهنا حكمنا بوجود نسبة بين الجزء الأول من الشرطية (أشرقت الشمس) والجزء الثاني منها (النهار موجود).
وقد نحكم بعدم وجود نسبة بين الجزءين، مثل "ليس كلما دق الجرس فقد حان وقت الدرس".
فهنا حكمنا بعدم وجود نسبة بين جزءي القضية.
أجزاء القضية الشرطية:
تتألف القضية الشرطية من ثلاثة أجزاء، هي:
1- الطرف الأول: ويسمى المقدَّم.
2- الطرف الثاني: ويسمى التالي.
3- الرابطة: وهي ما يدل على النسبة (أدوات الربط).
مثاله: إذا غلى الماء فإنه يتبخر.
1- المقدم: غلى الماء.
2- التالي: إنه يتبخر.
3- الدال على النسبة: الرابطة "إذا" في المقدّم، و"الفاء" في التالي.
مثال اخر: ليس كلما جاء زيد فعبيد نائم.
1- المقدّم: جاء زيد.
2- التالي: عبيد نائم.
3- الدال على النسبة: "ليس كلما" في المقدم، و"الفاء" في التالي.
أقسام القضية الشرطية
للقضية الشرطية قسمان:
1- المتصلة:
"ما حكم فيها بالإتصال بين قضيتين أو بنفي الإتصال بين قضيتين" ونقصد بالإتصال هو تعليق أحداهما على لأخرى، مثل:
- إذا سخن الحديد فإنه يتمدد.
ونقصد بنفي الاتصال عو عدم تعليق إحداهما على الأخرى، مثل:
- ليس كلما دق الجرس فقد انتهى وقت الدرس.
2- المنفصلة:
"ما حكم فيها بالانفصال بين قضيتين أو بنفي الانفصال بينهما ونقصد بالانفصال أن هناك تعاند بين طرفي القضية. مثل: العدد إما زوج أو فرد، فهناك انفصال وتعاند بين الفرد والزوج.
ونقصد بنفي الانفصال بين أطراف القضية، مثاله:
- ليس الإنسان إما أن يكون كاتباً أو شاعراً، فقد يكون هذا الإنسان كاتباً وشاعراً، فنفينا الانفصال.
أقسام القضية (من ناحية الكيف)
إنّ القضيّة بجميع أقسامها سواء كانت حملية أو شرطية تنقسم إلى موجبة وسالبة.
ويسمى الايجاب والسلب بالكيف (كيف القضية)، لأنه يقع في جواب كيف الاستفهامية عن ثبوت المحمول للموضوع أو سلبه، أو وجود نسبة الاتصال أو الانفصال بين قضيتين، أو سلب نسبة الاتصال بين قضيتين.
أ- الموجبة: وهي ما حكم فيها:
1- بثبوت المحمول للموضوع في الحملية، مثل:
- زيد نائم.
2- بنسبة الاتصال بين قضيتين في الشرطية المتصلة، مثل:
- إذا غلا الماء فإنه يتبخر.
3- نسبة الانفصال بين قضيتين في الشرطية المنفصلة، مثل:
- اللفظ إما مفرد أو مركب.
ب- السالبة: وهي ما حكم فيها:
1- بسلب المحمول عن الموضوع في الحملية، مثل: عبيد ليس بنائم.
2- بسلب الاتصال بين قضيتين في الشرطية المتصلة، مثل:
- ليس إذا كان المدرس حاضراً فإنه مشغول بالدرس.
3- بسلب الانفصال بين قضيتين في الشرطية المنفصلة، مثل:
ليس إما أن يكون الطالب وهو في المدرسة واقفاً أو في الدرس.
المصادر :
راسخون 2018