الشرق الأوسط الجدید فی التصور الأمریکی الصهیونی

تردد فی الآونة الأخیرة مصطلح "الشرق الأوسط الجدید" وهو سلیل مجموعة من المصطلحات الأخرى مثل "النظام العالمی الجدید" و"الشرق الأوسط الکبیر". وقد ظننا أن مثل هذه المصطلحات قد دفنت بلا رجعة، ولکن بعد الهجوم الإسرائیلى على
Saturday, February 2, 2013
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
الشرق الأوسط الجدید فی التصور الأمریکی الصهیونی
الشرق الأوسط الجدید فی التصور الأمریکی الصهیونی

 

عبدالوهاب المسیری




 
تردد فی الآونة الأخیرة مصطلح "الشرق الأوسط الجدید" وهو سلیل مجموعة من المصطلحات الأخرى مثل "النظام العالمی الجدید" و"الشرق الأوسط الکبیر". وقد ظننا أن مثل هذه المصطلحات قد دفنت بلا رجعة، ولکن بعد الهجوم الإسرائیلى على لبنان فى الحرب الأخیرة أعلنت وزیرة الخارجیة الأمریکیة أن الشرق الأوسط الجدید سیولد من رحم هذه الحرب. فما هو هذا الشرق الأوسط الجدید؟ هل هو بالفعل جدید؟!
یمکن القول بکثیر من الاطمئنان أن الاستراتیجیة الغربیة تجاه العالم الإسلامی منذ منتصف القرن التاسع عشر تنطلق من الإیمان بضرورة تقسیم العالم العربی والإسلامی إلى دویلات إثنیة ودینیة مختلفة، حتى یسهل التحکم فیه. وقد غرست إسرائیل فی قلب هذه المنطقة لتحقیق هذا الهدف. فعالم عربی یتسم بقدر من الترابط وبشکل من أشکال الوحدة یعنی أنه سیشکل ثقلا استراتیجیا واقتصادیا وعسکریا ویشکل عائقا أمام الأطماع الاستعماریة الغربیة. وفی إطار الوحدة والتماسک تشکل إسرائیل جسما غریبا تلفظه المنطقة مما یعوق قیامها بدورها الوظیفی، کقاعدة للمصالح الغربیة. أما فی إطار عالم عربی مقسم إلى دویلات إثنیة ودینیة بحیث تعود المنطقة إلى ما قبل الفتح الإسلامی، أى منطقة مقسمة إلى دویلة فرعونیة فی مصر وأخرى أشوریة بابلیة فی العراق وثالثة آرامیة فی سوریا ورابعة فینیقیة فی لبنان، وعلى القمة تقف دولة عبریة متماسکة مدعومة عسکریا من الولایات المتحدة فی فلسطین. ففی إطار التقسیم تصبح الدولة الصهیونیة الاستیطانیة، المغروسة غرسا فی الجسد العربی، دولة طبیعیة بل وقائدة. فالتقسیم هو فى واقع الأمر عملیة تطبیع للدولة الصهیونیة التى تعانى من شذوذها البنیوى، باعتبارها جسداً غریباً غرس غرساً فى المنطقة العربیة. وکما قال شمعون بیریس لقد جرب العرب قیادة مصر للمنطقة مدة نصف قرن، فلیجربوا قیادة إسرائیل إذا. وهذه هی الرؤیة التی طرحها برنارد لویس منذ السبعینیات والتی تبناها المحافظون الجدد، وتدور السیاسة الأمریکیة فی إطارها. ویبدو أن الولایات المتحدة بعد أن ذاقت مرارة الفشل فی العراق وأفغانستان قررت أن تعهد لإسرائیل بتنفیذ مخططها الاستعماری بحیث تقوم بتدمیر لبنان وحکومتها فتتحول لبنان إلى بلد دیموقراطی على الطریقة العراقیة، أی تدور فی فلک المصالح الأمریکیة. وتتساقط قطع الدومینو العربى، الواحدة تلو الأخرى، کما تنبأ برنارد لویس، وقد أکد ولیام کریستول (من المحافظین الجدد) أن هذه فرصة للولایات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة مرة أخرى فی المنطقة.
وفی مقال بعنوان "الولایات المتحدة متواطئة مع إسرائیل فی تحطیم لبنان" یقول المعلق الأمریکی بول کریج روبرتس (الموقع الإلکترونی 25 یولیة 2006) أن ما نشاهده فی الشرق الأوسط هو تحقق خطة المحافظین الجدد فی تحطیم أی أثر للاستقلال العربی الإسلامی، والقضاء على أی معارضة للأجندة الإسرائیلیة.
وهذا التصور للشرق الأوسط ینطلق من تصور أن التاریخ متوقف تماما فى هذه المنطقة، وأن الشعب العربی سیظل مجرد أداة بید معظم حکامه الذین ینصاعون انصیاعا أعمى للولایات المتحدة. وأن هذا الشرق العربی مجرد مساحة أو منطقة بلا تاریخ ولا تراث مشترک تقطنها جماعات دینیة وإثنیة لا یربطها رابط ولیس لها ذاکرة تاریخیة ولا إحساس بالکرامة، فالعربی مخلوق مادی اقتصادی تحرکه الدوافع المادیة الاقتصادیة. هذا هو الإطار الذى یتحرک داخله رالف بیترز، وهو ضابط متقاعد یحمل رتبة مقدم، وضع مخططاً لإعادة تقسیم الشرق الأوسط (فی مقال نشر فی مجلة القوات المسلحة الأمریکیة فی عدد یونیة 2006، نقلا عن مقال لبیان الحوت "الشرق الأوسط الجدید مشروع أمریکی محکوم بالفشل" 9/8/2006). ولا تعود أهمیة المقال إلى عمقه أو إمکانیة تحققه، وإنما إلى أنه یبین ما الذى یدور فى خلد دعاة الشرق الأوسط الجدید، خاصة وأن الذى کتبه شخص مسئول کان یعمل فى الاستخبارات العسکریة الأمریکیة.
ینطلق بیترز مما یسمیه الظلم الفادح الذی لحق بالأقلیات حین تم تقسیم الشرق الأوسط فى أوائل القرن العشرین (یقصد اتفاقیة سایکس بیکو)، مشیرا إلى هذه الأقلیات "بأنها الجماعات أو الشعوب التی خدعت حین تم التقسیم الأول"، ویذکر أهمها: الأکراد، والشیعة العرب. کما یشیر إلى مسیحی الشرق الأوسط، والبهائیین، والإسماعیلیین، والنقشبندیین. ویرى بیترز أن ثمة کراهیة شدیدة بین الجماعات الدینیة والإثنیة فی المنطقة تجاه بعضها البعض، وأنه لذلک یجب أن یعاد تقسیم الشرق الأوسط انطلاقا من ترکیبته السکانیة غیر المتجانسة القائمة على الأدیان والمذاهب والقومیات والأقلیات، حتى یعود السلام إلیه. (والنموذج الکامن هناک هو الدولة الصهیونیة القائمة على الدین والقومیة وامتزاجهما).
ثم یقدم بیترز خریطته للشرق الأوسط الجدید فیتحدث عن تقسیم العراق إلى ثلاثة أجزاء، دولة کردیة فی الشمال، و دولة شیعیة فی الجنوب، و دولة سنیة فى الوسط ستختار الانضمام إلى سوریا مع مرور الزمن. ویصف رالف بیترز السعودیة بأنها دولة غیر طبیعیة، ویقترح أن یقتطع منها کلاً من مکة والمدینة المنورة حتى تنشأ فیها "دولة إسلامیة مقدسة"، على رأسها مجلس یترأسه بالتناوب أحد ممثلی الحرکات والمدارس الإسلامیة الرئیسیة، أی أن یکون المجلس نوعا من "فاتیکان إسلامی أعلى". ویقترح إضافة الأرض المقتطعة من شمالی السعودیة إلى الأردن، وأن تقتطع أرض من جنوبی البلاد کی تضاف إلى الیمن، وأما شرقی البلاد فلن تسلم أیضا من المقص، إذ تقتطع منها حقول النفط لمصلحة دولة شیعیة عربیة. أما المملکة الأردنیة الهاشمیة فستحتفظ بأراضیها وتضاف إلیها أرض من شمالی السعودیة، کما سیرتبط "مستقبل الضفة الغربیة بها".
أما الإمارات فیطلق السید بیترز علیها اسم "الدولة المدینیة" (تشبها بالمدن الیونانیة قدیما)، وقد یُدمج بعضها مع الدولة العربیة الشیعیة التی تلتف حول الخلیج الفارسی، والتى ستصبح قوة توازُن مقابل الدولة الفارسیة، لا حلیفا لها. أما دبی، فیتکرم علیها بالسماح کی تبقى مسرحا للأغنیاء الفاسقین (کما ورد)، وأما عمان والکویت، فتحتفظ کل منهما بأراضیها. ویفترض أن إیران، وفقا لهذا المشروع الجهنمی، ستفقد الکثیر من أراضیها لصالح أذربیجان الموحدة، وکردستان الحرة، والدولة الشیعیة العربیة، وبلوخستان الحرة، لکنها تکسب أراضی من أفغانستان حول حیرات. ویطرح رالف بیترز تصوره بأن إیران سوف تصبح فی النهایة بلدا إثنیا فارسیا من جدید.
ینتهی السید بیترز إلى أن تعدیل الحدود بناء على رغبات الناس قد یکون مستحیلا، لکنه من الممکن أن تنشأ حدود جدیدة مع الزمن. فتعدیل حدود الشرق الأوسط الأکبر، بناء على روابط الدم الطبیعیة والعقیدة الدینیة، ضرورة ملحة لحقن الدماء!! ومن هنا مسئولیة الولایات المتحدة وحلفائها! ویختتم السید بیترز مخططه بقوله "سیستمر جنودنا، رجالا ونساء، فی الحرب من أجل الأمن والسلام ضد الإرهاب، من أجل فرصة نشر الدیموقراطیة، ومن أجل حریة الوصول إلى منابع النفط فی منطقة مقدر لها أن تحارب نفسها".
وهذا التصور للشرق الأوسط الجدید لصیق للغایة بالرؤیة الصهیونیة منذ بدایتها، فقبل إنشاء الدولة الصهیونیة بعدة أعوام قال بن جوریون "إن عقب أخیل (أی نقطة الضعف) فی الائتلاف العربی هى سیادة المسلمین فی لبنان فهى سیادة زائفة، یمکن بسهولة قهرها. وبدلاً من ذلک ستقوم دولة مسیحیة تکون حدودها الجنوبیة علی نهر اللیطانی، وستکون الدولة الصهیونیة علی استعداد لتوقیع معاهدة مع هذه الدولة. "وبعد أن نکسر الفیلق العربی ونضرب عمان بالقنابل، سوف یکون بإمکاننا إزالة دولة الأردن، وبعد ذلک سوف تسقط سوریا، وإذا اجترأت مصر علی محاربتنا فسوف نقصف بورسعید والإسکندریة والقاهرة، وهکذا ننهی الحرب ونقضی قضاء مبرماً علی مصر، وآشور بالنیابة عن أسلافنا".
وقد حاول شارون وضع الجزء الخاص بلبنان فى هذا المخطط موضع التنفیذ عام 1982، ولکن المقاومة اللبنانیة اضطرته للانسحاب إلى الجنوب ثم إلى الدولة الصهیونیة! ولکن شارون نجح فى الآونة الأخیرة فی تحقیق التطابق الکامل بین السیاسة الإسرائیلیة والسیاسة الإمبراطوریة الأمریکیة فی إعلان حرب لا نهایة لها ضد الإرهاب، کما نجح فی الجمع بین سیاسة التوسع الاستیطانی وضم الأراضی ونهج الفصل العنصری ووافقته الولایات المتحدة على ذلک ودعمته. وقد أعطى هذا دفعة للأوهام الإسرائیلیة مرة أخرى. انظر علی سبیل المثال إلى موقف جیورا آیلاند رئیس شعبة العملیات فی الجیش الإسرائیلی سابقاً، والرئیس السابق لمجلس الأمن الوطنی المسئول عن وضع الاستراتیجیة الأمنیة للدولة الصهیونیة. فقد طرح خطته لإعادة تنظیم الشرق الأوسط (فی حدیث له مع آری شفیط من صحیفة هآرتس)، فاقترح ضم 12% من الضفة الغربیة (600 کیلو متر مربع) إلى الدولة الصهیونیة و600 کیلو متر مربع أخری من مصر تُضم إلى قطاع غزة ویوطن فیها ملیون نسمة (لإقامة میناء بحری ومطار دولی) علی أن تعطی مصر 150 کم مربع فی النقب تعویضاً لها".
وقد قام عبقری آخر وهو جای بخور (فی یدیعوت أحرونوت فی 27/7/2006) بتقدیم خطته لإعادة صیاغة الشرق الأوسط. والخطة لا تعدو أن تکون شکلا من أشکال الأحلام المتورمة، ولکنها مع هذا تعطینا فکرة عما یدور فی خلد الولایات المتحدة وإسرائیل. فالمقال یزعم أن هذه الحرب تدافع عن "جوهر" الغرب دون أن یذکر لنا ما هو جوهر هذا الجوهر؟ وهل الهدف من هذه الحرب هو إقامة العدل وتحقیق السلام أم فرض الهیمنة ونهب الشعوب؟
تبدأ المقال بالقول إنه یجب عدم العودة للشرق الأوسط القدیم الذی یصفه الکاتب بأنه "توجد فیه دولة ذات نظام مجنون تتسلح بسلاح ذری وتسلح رفیقاتها. [وهذا بطبیعة الحال لا یعنی إسرائیل] والعراق غارق فی حرب أهلیة، ومنظمات رادیکالیة تسیطر علی حکومات ونظم حکم، وهذه بدورها تمنح جماعات مخربین مسلحة دعماً قویاً وعلاقة متسامحة.
ثم یستأنف العبقری الحدیث قائلا: ثمة حاجة إلى تغییر جوهری، فلم تنجح هذه الدول فی منح مواطنیها حیاة ثقافیة کاملة، ومعظم شعوبها فقیرة، وهی دول تتسم کلها بالطغیان ولا تُنطق کلمة الدیموقراطیة ولو فی دولة واحدة، وإذا ما تمت محاولة دیموقراطیة فی بعضها، فإن النتیجة تکون تولی نظم إرهابیة إسلامیة أو فوضى". (ولنلاحظ التناقض الذی یقع فیه هذا العبقری، فهو یرفض الطغیان العربی، ولکنه یجد أن الدیموقراطیة تؤدی إلى الإرهاب الإسلامی).
ولعلاج هذا الوضع یقترح جای بخور "أن یُقسم العراق إلى ثلاث دول، بحسب مقیاس طائفی: سنیة فی الوسط والغرب، وشیعیة فی الجنوب، وکردیة فی الشمال، کما یجب إنهاء نظام سوریة وإعادة الأکثریة السنیة إلى الحکم. وعلی الأردن أن یتحمل المسؤولیة عن الضفة الغربیة، وبهذا ینشأ کیان فلسطینی واحد فینتشر الفلسطینیون إلى الشرق. [بعیدا عن إسرائیل بطبیعة الحال لا إلى الغرب فی اتجاه الدولة الصهیونیة والمطالبة بحق العودة]. أما مصر فستصبح مسئولة عن قطاع غزة، وهو شیء –حسب تصوره- أصبح یحدث فی الواقع أکثر فأکثر. ویجب إعاقة إیران بواسطة نظام عقوبات شامل، ویجب أن یقوم فی لبنان نظام دولی فی جنوب الدولة وشرقها، لمنع عودة الأصولیة الشیعیة أو غیرها". وماذا عن شعوب المنطقة؟ هل هی مستعدة لتقسیم جدید (سماه المفکر الاستراتیجی العربی منیر شفیق سایکس بیکو الثانی: تقسیم ما هو مقسم وتجزئة ما هو مجزء)؟ یری هذا العبقری الجهبذ أن الشعوب سترحب أیما ترحیب بهذا، بینما سیعارضه الحکام وحدهم. "فسکان العراق یشتاقون إلى الاستقرار، ومن المؤکد أن الأکثریة السنیة فی سوریا تطمح إلى إنهاء سلطة القلة العلویة، وفی الأردن 80% فی الأصل من السکان فلسطینیون، والملک متزوج بفلسطینیة، وأبناؤه نصف فلسطینیین. وسیفرح سکان الضفة الغربیة أیضاً بإنشاء دولة فلسطینیة کبیرة. وفیما یتعلق بمصر، من المعقول أنها تدرک الیوم أن غزة الفائرة تعنی سیناء الخطرة، وتهدید السیاحة والاستقرار السیاسی والاجتماعی کله". ثم یختم جای بخور حدیثه بالقول أنه إزاء تفشی الرادیکالیة الخطرة للتدین المتشدد الإسلامی، یجب علی العالم الغربی أن یستیقظ وأن یفهم أن الحدیث لیس عن الشرق الأوسط أو إسرائیل فقط، بل عن جوهر وجوده.
إن مخطط جاى بخور وکل المخططات الأخرى المماثلة نابعة من غطرسة القوة، حین یتصور إنسان أنه یمکنه أن یفعل ما یشاء طالما أن موازین القوى فی صالحه، وطالما أن استعداداته العسکریة تفوق استعدادات الخصم، وطالما أن التاریخ قد توقف.
ولکن کما یقول کریج روبرتس فى مقاله الذى أشرنا له من قبل "هل یمکن لخمسة ملیون إسرائیلی، حتى مع دعم الولایات المتحدة لهم، أن ینجحوا إلى الأبد فی إذلال ملایین المسلمین الذین یغلون غضبا بسبب هذا الإذلال الذی لحق بهم. إن هذه وصفة للصراع المستمر ولدمار إسرائیل فی نهایة الأمر.. إن حرب بوش لیست حربا ضد الإرهاب، وإنما هی عباءة یغطی بها خداع المحافظین الجدد، فهی لیست حربا ضد الإرهاب بل هی حرب ضد الدول الإسلامیة التی لا تحکمها دمى أمریکیة". ومن حقنا أن نتساءل: هل لا تزال الولایات المتحدة الأمریکیة والدولة الصهیونیة غارقین فى الأحلام المتورمة الخاصة بالشرق الأوسط الجدید، بعدما حدث فى لبنان؟
والله أعلم
المصدر: موقع الموعود



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.