
التشریع مظهر من مظاهر الخیر ، یعطی للإنسان کیاناً خاصاً وحیاة فاظلة من تنسیق الشارع لعلاقات الفرد الواحد مع الآخرین وصیاغة مجتمع مثالی یقوم على أسس العدالة والمساواة وحفظ التوازن ومراعاة المصالح العام زماناً ومکاناً .
ولما کان مصدر الوجود والخیر هو الله سبحانه وتعالى ، وهو الذی أبدع صنع الإنسان وباقی الموجودات ، فسبحانه خلق فسوى ، وقدر فهدى ، وهو الذی سخر کل ما فی الوجود لهذا الإنسان الذی خلقه فی أحسن تقویم .
فسبحانه هو المنعم الحقیقی وهو المصدر المطلق للوجود والحیاة ، وإذا سلمنا بهذا عرفنا أن جمسع الأسرار الموعودة فی هذه الموجودات لا یعلمها غیره ولا یستطیع أن ینظمها أحد إلا هو ، فهو عالم الغیب والشهادة وهو العزیز الحکیم القادر البارئ المصور.
ولما کانت الحیاة لا یمکن التمتع بها على وجه الأمن والاستقرار والاطمئنان إلا بشریعة أو نظام ، یحدد الواجبات والمصالح بین الأفراد ، فقد حدث أن توالت نعم الباری على العباد ، وذلک بإنزال الشرائع وبعث الرسول على مر الأزمان إذا لا یعدو الشک فی قولنا بأن المشرع الأول هو الله سبحانه ، لأنه المنعم الأول وواهب الحیاة ومصدر الوجود ، وعلى هذا استحق الباری حق الطاعة .
ثم للإنعام مصادیق متواجدة بین البشر أنفسهم إذ أحدهم ینعم على الآخر فیستحق الشکر أو بعضهم یملک حق الطاعة کالأب ، والسید ومولاه ، والحاکم ، والزوج ... إلخ .
وهذه المصادیق کلما اختلفت فی رتبة الإنعام ، اختلفت فی مقدار الطاعة فکلما کان المنعم فی رتبة أعالى من الإحسان ، وجبت له رتبة من الطاعة تساوی درجة الإنعام . إلا أن کل هذه الرتب والدرجات من الطاعة لا یمکن مقایستها مع درجة الطاعة المطلقة للمنعم المطلق وهو الله سبحانه .
فما یستحقه الإنسان من شکر وطاعة إنما هو محدود فی دائرة ذلک الإحسان أما إطاعة الله تعالى لا بد أن تکون فی کل آن تتجدد بإظهار الشکر الحقیقی الخالص للمولى وبما أن نعمه غیر محدودة ومواهبه لا تعد ولا تحصى ، فلا بد إذا من إذعان له کما یجب ویرید فی أوامره ونواهیه والتزام أحکامه .
قال تعالى : ( ومن لم یحکم بما أنزل الله فأولئک هم الکافرون ) (1) ، وقال تعالى : ( إن الحکم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إیاه ) (2) ، وقال تعالى : ( ألا له الحکم وهو أسرع الحاسبین ) (3) ، وقال تعالى : ( له الحمد فی الأولى والآخرة وله الحکم وإلیه ترجعون ) (4) . بعدما عرفنا المصدر الأساسی للتشریع هو الله سبحانه ، علینا أن نسأل وهل لغیر الله حق فی التشریع ؟
هذا ما اختلف علیه فقهاء المسلمین فمنهم من جوز ومنهم من منع ذلک .
إلا أن من بین الأحادیث والروایات نجد سبحانه وتعالى أعطى نبیه محمد صلى الله علیه وآله سلم صلاحیة التشریع والذی هو أساس بحثنا الذی صدرنا عنوانه بالتفویض فالذی أجاز التشریع بغیر الله استدل بالآیة الکریمة : ( وما أتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهو ) .
وهذا ما ذهبت إلیه الإمامیة الإثنا عشریة إذ جوزت للرسول صلى الله علیه وآله سلم أن یشرع للأمة ما ینظم مصالحها ، وهذه هی السنة التی جاءت مکملة للشریعة السمحاء ، وتابع الرسول فی هذا الحق الأئمة المعصومین علیهم السلام . أما بقیة المذاهب الإسلامیة فقد أنکرت ذلک على الشیعة الإمامیة ، إلا أنها لم تنکر ما للحکام وأولی الأمر ـ على مذاقهم فی التفسیر ـ من حق التصرف والتشریع وتعطیل الحدود ، إذ له صلاحیة کبرى فی التقنین ، بل وجعلوا لذلک قدسیة وشرافة ، والالتزام به واجب ، وإن کان یعارض النصوص القرآنیة .
وهذا ماحدث فی زمن الخلیفة الأول إذ منع الزهراء من إرثها ، وقد خالف بحکمه هذا نصوص القرآن ، وقد استدل بما ینسب للرسول قوله : ( نحن معاشر الأنبیاء لا نورث ) وفی روایة لا نورث ما ترکناه صدقة (5) على أن هذا لم یثبت صدوره من النبی صلى الله علیه وآله وسلم کما أن الذی رواه فقط أبو بکر ، وقد احتجت الزهراء سلام الله علیها بنصوص من الذکر الحکیم کاد أن یقنع بها أبو بکر لولا نهی عمر بن الخطاب له .
ثم خالف عمر بن الخطاب نصوص القرآن بتحریمه متعة الحج ومتعة النساء ، فقال : کانتا متعتان على عهد رسول الله وأنا أنهی عنهما وأعاقب علیها ؛ أحدهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوج إمرأة إلى أجل إلا غیبته بالحجارة والأخرى متعتة الحج افصلوا حجکم من عمرتکم (6) فإنه أتم لحجکم وأتم لعمرتکم .
وهذا التحریم هو الآخر مخالف لنصوص القرآن الکریم . ثم لم یجر الحد على خالد بن الولید لما قتل مالک بن نویره ودخل بزوجته من لیلته ، فأی تعطیل للحدود ولحکم الله بعد هذا وأی مخالفة وراء هذا ... وهناک عشرات بل المئات من تلک المواقف التی خالفت النصوص القلرآنیة ناهیک عن مخالفتها لسنة الرسول صلى الله علیه وآله وسلم .
لقد سبق الاستدلال بالقرآن والسنة على جواز ممارسة الرسول لحق التشریع وقد تبین هذا فی موضوع التفویض ، وسنذکر هنا مصادیق لتشریع الرسول فمن تلک المصادیق :
1 ـ إنه حرم النبیذ وکل مسکر ، وقد أمضاه الله له ذلک .
2 ـ إنه شرع فی الصلاة الرکعتین الأخیرتین للرباعیة وللمغرب برکعة ثالثة ، وقد أسقط الرکعتین فی السفر ولم یسقط الرکعة الثالثة من صلاة المغرب فأجازه الله له ذلک .
3 ـ أمر الله فرائض الصلب ، وفرض رسول الله للجد السدس فأمضاه الله له ذلک .
4 ـ حرم الله مکة ، وحرم رسول الله المدینة ، فأجازه الله له ذلک .
5 ـ وضع الرسول صلى الله علیه وآله وسلم دیة العین ، ودیة النفس ودیة الأنف .
6 ـ فرض الله صوم شهر رمضان ، وسن الرسول صوم شعبان وثلاثة أیام من کل شهر .
7 ـ ولما صارت الفرائض الخمسة (17) سبعة عشر رکعة سن الرسول مثلی الفریضة وهی النوافل أربعاً وثلاثین رکعة ، فأجازه الله له ذلک ...
8 ـ أنزل الله الصلاة ، والرسول وقت أوقاتها فأجازه الله له ذلک .
مع النصوص
عن محمد بن عبد الحسن الصفار بإسناده عن القاسم بن محمد قال : إن الله أدب نبیه فأحسن تأدیبه فقال : خذ العفو وامر بالمعروف واعرض عن الجاهلین ، فلما کان ذلک أنزل الله وإنک لعلى خلق عظیم ، وفوض إلیه أمر دینه وقال : ما أتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهنا ، فحرم الله الخمر بعینها وحرم رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم کل مسکر فأجازه الله ذلک ، وکان یضمن على الله الجنة فیجیز الله ذلک له وذکر الفرائض فلم یذکر الجد فأطعمه رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم سهماً فأجازه الله ذلک ولم یفوض إلى أحد من الأنبیاء غیره (7) .
محمد بن الحسن الصفار بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قلت له کیف کان یصنع أمیر المؤمنین بشارب الخمر ؟ قال : کان یحده ، قلت فإن عاد قال یحده ثلاث مرات فإن عاد کان یقتله ، قلت فمن شرب الخمر کما شرب المسکر قال سواء فاستعظمت ذلک . فقال لا تستعظم ذلک إن الله لما أدب نبیه انتدب ففوض إلیه وأن الله حرم مکة وأن الرسول حرم المدینة فاجاز الله له ذلک وأن الله حرم الخمر وأن رسول الله حرم المسکر فأجاز الله ذلک له ثم قال حرف وما حرف من یطع الرسول فقد أطاع الله (8) .
عن محمد بن الحسن الصفار بإسناده عن زرارة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن أشیاء من الصلاة والدیات والفرائض وأشیاء من أشباه هذا ، فقال : إن الله فوض إلى نبیه صلى الله علیه وآله وسلم .
عن محمد بن یعقوب الکلینی بإسناده عن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : وضع رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم دیة العین ودیة النفس وحرم النبیذ وکل مسکر ، فقال له رجل : وضع رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم من غیر أن یکون جاء فیه شیء ؟ قال : نعم لیعلم من یطع الرسول ممن یعصیه (9) .
الکلینی بإسناده عن فضیل بن یسار قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول لبعض أصحاب قیس الماصر : إن الله عز وجل أدب نبیه فأحسن أدبه فلما أکمل له الأدب قال : ( وإنک لعلى خلق عظیم ) ثم فوض إلیه أمر الدین والأمة لیسوس عباده ، فقال عز وجل : ( وما أتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهو ) وأن رسول الله کان مسدداً موفقاً مؤیداً بروح القدس ، لا یزل ولا یخطیء فی شیء مما یسوس به الخلق ، فتأدب بآداب الله ، ثم إن الله عز وجل فرض الصلاة رکعتین ، رکعتین عشر رکعات ، فأضاف رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم إلى الرکعتین رکعتین وإلى المغرب رکعة فصارت عدیل الفریضة لا یجوز ترکهن إلا فی سفر وأفرد الرکعة فی المفرد فترکها قائمة فی السفر والحضر فأجاز الله عز وجل له ذلک کله ، فصارت الفریضة سبع عشرة رکعة ، ثم سن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم النوافل أربعاً وثلاثین رکعة مثلی الفریضة فأجاز الله عز وجل له ذلک والفریضة والنافلة إحدى وخمسین رکعة منها رکعتان بعد العتمة جالساً تعد برکعة مکان الوتر وفرض الله فی السنة صوم شهر رمضان وسن رسول الله صلى الله صلى الله علیه وآله وسلم صوم شعبان وثلاثة أیام فی کل شهر مثلی الفریضة ، فأجاز الله عز وجل له ذلک .
وحرم الله عز وجل الخمر بعینها وحرم رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم المسکر فی کل شراب فاجاز الله له ذلک کله وعاف رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم أشیاء وکرهها ولم ینه عنها نهی حرام إنما نهى عنها نهى إعانة وکراهة ، ثم رخص فصار الأخذ برخصة واجباً على العباد کوجوب ما یأخذون بنهیه وعزائمه ولم یرخص لهم رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فیما نهاهم عنه نهی حرام ، لم یرخص فیه لأحد ولم ، یرخص رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم لأحد تقصیر الرکعتین اللتین ضمهما إلى ما فرض الله عز وجل ، بل ألزمهم ذلک إلزاماً واجباً ، لم یرخص لأحد فی شیء من ذلک إلا للمسافر لیس لأحد أن یرخص شیئاً ما لم یرخصه رسول الله صلى الله علیه وآله ولم فوافق أمر رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم أمر الله عز وجل ونهیه نهی الله عز وجل ووجب على العباد التسلیم له کالتسلیم لله تبارک وتعالى (10) .
محمد بن الحسن الصفار بإسناده عن إسحاق بن عمار عن أبی عبد الله علیه السلام قال : إن الله أدب نبیه حتى إذا أقامه على ما أراد قال له وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلین ، فلما فعل ذلک له رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم زکاه الله فقال إنک لعلى خلق عظیم ، فلما زکاه فوض إلیه دینه فقال ما أتاکم الرسزل فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا ، فحرم الله الخمر وحرم رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم کل مسکر فأجاز الله له ذلک کله وأن الله أنزل الصلاة وأن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وقت أوقاتها فأجاز الله ذلک له (11) .
وعن محمد بن الحسن الصفار بإسناده عن أبی حمزة الثمالی قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول من أحللنا له شیئاً أصابه من أعمال الظالمین فهو له حلال لأن الأئمة منا مفوض إلیهم فما أحلوا فهو حلال وما حرموا فهو حرام .
وعن الصفار بإسناده عن أبی إسحاق عن أبی عبد الله علیه السلام یقول : إن الله أدب نبیه على محبته فقال إنک لعلى خلق عظیم ثم فوض إلیه فقال ما أتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا ، وقال من یطیع الرسول صلى الله علیه وآله وسلم فقد أطاع الله ، قال : ثم قال وإن نبی الله فوض إلى علی علیه السلام وائتمنه فسلمتم وجحد الناس ، والله لحسبکم أن تقولوا إذا قلنا وتصمتوا إذا صمتنا ونحن فیما بینکم وبین الله فما جعل الله لأحد من خیر فی خلاف أمرنا (12) .
وفی روایة على بن فضال عن عاصم عن النحوی عن أبی عبد الله ... قال أن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فوض إلى علی بن ابی طالب وائتمنه .
عن زکریا الزجاجی ، عن الباقر علیه السلام کان یذکر علیاً فقال : کان فیما ولی بمنزلة سلیمان بن داود قال الله تعالى امنن أو امسک بغیر حساب (13) .
محمد بن الحسن الصفار بإسناده عن رفید مولى ابن هبیرة ، قال أبو عبد الله علیه السلام : إذا رأیت القائم أعطى رجلاً مائة ألف وأعطى آخر درهماً فلا یکبر فی صدرک وفی روایة أخرى فلا یکبر ذلک فی صدرک فإن الأمر مفوض إلیه (14) .
أقول الروایة وإن کانت فی تقسیم المال إلا أن هذا التصرف یدخل فی ضمن تفویض الأحکام .
وعن الصفار أیضاً قال : وما وجدت فی نوادر محمد بن سنان قال : قال أبو عبد الله علیه السلام لا والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وإلى الأئمة علیهم السلام فقال إنا أنزلناه الکتاب لتحکم بین الناس بما أراک الله وصی اراک الله وهی جاریة فی الأوصیاء (15) .
وعن الصفار بإسناده عن عبد الله بن سلیمان عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الإمام فوض الله إلیه کما فوض إلى سلیمان ؟ فقال : نعم وذلک أن رجلاً سأله عن مسألة فأجابه فیها سأله آخر عن تلک المسألة فأجابه بغیر جواب الأول ثم سأله آخر فأجابه بغیر جواب الأولین (16) ، ثم قال هذا عطاؤنا فأمسک أو أعط بغیر حساب وهکذا هی فی قراءة علی قال : قلت أصلحک الله فحین اجابهم بهذا الجواب یعرفهم الإمام ، فقال سبحان الله أما تسمع الله یقول فی کتابه إن فی ذلک لآیات للمتوسمین وهم الأئمة وإنها لبسبیل مقیم لا یخرج منها أبداً ، ثم قال نعم إن الإمام إذا نظر إلى الرجل عرفه وعرف لونه وإن سمع کلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو إن الله یقول ومن آیة خلق السماوات والأرض واختلاف السنتکم وألوانکم إن فی ذلک لآیات للعالمین فهم العلماء ولیس یسمع شیئاً من الألسن تنطق إلا عرفه ناج أو هالک فلذلک یجیبهم بالذی یجیبهم به (17) .
رب سائل یقول إن الروایة لا تدل على تفویض الأحکام والتشریع ، وإنما تدل على علم الإمام بموضوعات الأحکام ، وأن الشخص الفلانی موضوع للحکم الفلانی ، والآخر موضوع لحکم آخر ، وإن کانا متشابهین فی الخصوصیات ، کما لو سئل المفتی ماذا یصنع المسافر ؟ فیقول یقصر ، ثم یسأل ماذا یصنع المسافر الآخر ؟ فیقول یقصر ، ثم یسأل ماذا یصنع المسافر الآخر ؟ فیقول یتم ، لأنه یعلم أن الثانی قد أقام عشرة أیام .
أقول ویدفع هذا الإشکال صریح العبارة : قال ـ عبد الله بن سلیمان ـ سألته عن الإمام فوض إلیه کما فوض إلى سلیمان ؟
فقال ـ الإمام ـ نعم .
وأن سلیمان نبی من الأنبیاء وقد عرفنا فی الصفحات السابقة أن الرسول صلى الله علی وآله وسلم ؛ وهو کنموذج لأحد الأنبیاء ، قد فوض إلیه التشریع ـ هذا من جانب ـ وقد دلت آیات عدیدة فی إثبات حق التشریع لسلیمان علیه السلام ـ هذا من جانب آخر ـ منها سن العقوبة ؛ وذلک لما رأى الهدهد غائباً . وحتماً إن تلک العقوبة کانت بحق ، وإلا یکون عمله علیه السلام جوراً ، والجور قبیح بحد ذاته فکیف لو صدر من نبی ؟!
إذاً قول الإمام الصادق علیه السلام : نعم ، یستشف منه أن الإمام فوض إلیه فی التشریع والأحکام کما فوض إلى سلیمان ... والله العالم .
دور الأئمة فی التشریع والتفویض إلیهم
أشرنا إلى أن کلمة ( أولی الأمر منکم ) فی الآیة الکریمة : ( أطیعوا الله وأطیعوا الرسول وأولی الأمر منکم ) المعنی بها هم الأئمة المعصومون علیه السلام . قد دلت الروایات المتواترة على أن التفویض الذی کان للنبی قد ثبت للإمام علی علیه السلام ولولده من بعده نذکر طرفاً من تلک الأحادیث والروایات حتى یتبین لنا دور الأئمة علیهم السلام فی التشریع .
الکلینی بإسناده عن موسى بن اشیم قال : کنت عند أبی عبد الله علیه السلام فساله رجل عن آیة من کتاب عز وجل فاخبره به ثم دخل علیه داخل فسأله عن تلک الآیة فإخبره بخلاف ما أخبر به الأول ، فدخلنی فی ذلک ما شاء عن تلک الآیة فأخبره بخلاف ما أخبر به الأول ، فدخلنی فی ذلک ما شاء الله حتى کان قلبی یشرح بالسکاکین فقلت فی نفسی : ترکت أبا قتادة بالشام لا یخطئ فی الواو وشبهه وجئت إلى هذا یخطئ هذا الخطأ کله ن فبینا أنا کذلک إذ دخل علیه آخر فسأله عن تلک الآیة فأخبره بخلاف ما أخبرنی وأخبر صاحبی ، فسکنت نفسی فعلمت أن ذلک من تقیة ، قال : ثم التفت إلی فقال لی : یا ابن اشیم إن الله عز وجل فوض إلى سلیمان بن داود فقال : ( هذا عطاؤنا فامنن أو امسک بغیر حساب ) وفوض إلى نبیه صلى الله علیه وآله وسلم فقال : ( وما أتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهو ) فما فوض إلى رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فقد فوضه إلینا (18) .
وفی روایة الصفار فإن الله تبارک وتعالى فوض إلى الأئمة منا وإلینا ما فوض إلى محمد صلى الله علیه وآله وسلم فلا تجزع (19) .
المصادر :
1- سورة المائدة ، الآیة : 44 .
2- سورة یوسف ، الآیة : 40 .
3- سورة الأنعام ، الآیة : 62 .
4- سورة القصص ، الآیة : 70 .
5- أنظر شرح النهج: 4/ 85 ، طبقات ابن سعد 2 /316 ، مسند أحمد 1/ 10 الحدیث 60 ، کنز العمال 14 /130 کل المصادر أطبقت أن حدیث ( لا نورث ... ) لم یروه إلا أبو بکر .
6- سنن البهیقی 7 / 206 .
7- بصائر الدرجات 398 .
8- بصائر الدرجات 401 .
9- الکافی 1 / 267 .
10- أصول الکافی 1 / 266 .
11- بصائر الدرجات 399 .
12- بصائر الدرجات 404 ـ 405 .
13- بصائر الدرجات 404 ـ 405 .
14- بصائر الدرجات 406 .
15- بصائر الدرجات 405 .
16- العبارة کما فی الکافی ، وأما عبارة البصائر فیها إضطراب .
17- بصائر الدرجات 407 ، وأصول الکافی 1/ 438 .
18- أصول الکافی 1/265 .
19- بصائر الدرجات 404 .
/ج