إن أركان التقية ومقوماتها هي أركان الإكراه ومقوماته مع فرق التسمية ، وما يشترط في أحدهما يشترط في الآخر ، إذ لا تختلف فيما بينها إلا من جهة بعض أقسام التقية الآتية ، التي لا يكون الدافع إلى استخدامها
هو التحرز من ضرر الغير ، وإنما لأجل تحقيق بعض المصالح التي تصب في خدمة الدين أو المجتمع ، كالعمل بالتقية لأجل تحقيق الوحدة الإسلامية ولم شمل المسلمين بعد فرقتهم وتناحرهم ، وهذا يعني فقدان الإكراه في مثل تلك التقية .
وعليه ، فالأركان والمقومات التي سنذكرها للتقية بمفهومها العام ، هي نفسها في الأقسام الأخر للتقية التي لم يؤخذ الخوف في موضوعها ، ولكنها تختلف عما هنا في تفسيرها .
فالمتقي - مثلا - الذي هو الركن الأول من أركان التقية ، ونظيره في الإكراه ( المكره ) ، لا يرتفع في غير التقية الإكراهية ، وإنما يأخذ تعريفا وتفسيرا آخر . فبدلا من أن يكون في التقية الإكراهية : الشخص الذي يعمل بالتقية كرها لدفع ضرر معلوم أو مظنون أو محتمل ، سيكون في بعض أقسام التقية : الشخص الذي يستخدم التقية بلا إكراه ، ولكن لتحقيق غايات مرغوبة شرعا ولا سبيل إلى الوصول إليها إلا بالتقية . وهكذا الحال في بقية الأركان الأخر ، ومجموعها أربعة ، وهي :
الركن الأول :
المتقي ، وهو الشخص الذی وجد في الاستفادة من مبدأ التقیة مخرج له من امر هام لا مناص من التهرب منه الا بالاستفادة من هذا المنفذ للتخلص من مخمصة دون الاضرار بحیثیته ودینه وموقفه من المبادئ التي یتمسک بها وقد مر التعریف بکل مجمل اعلاهالركن الثاني :
المتقى منه : وهو من يتولى إجبار المتقي على التقية ، ولا يشترط به أن يكون كافرا ، إذ لا فرق بحكم العقل في ضرورة تجنب الضرر من أية جهة كانت كافرة أو مسلمة ، وقد مر أن العقل يحكم بلزوم حفظ النفس من الهلكة سواء كانت على أيدي بعض المسلمين أو الكفار ، ونظير هذا الركن في الإكراه ( المكره) .الركن الثالث :
ما يتقى عليه : وهو كل ما حكم الشارع ، أو استقل العقل بضرورة حفظه من الضرر ، لما في ذلك من مصلحة تعود إلى نفس المتقي ، أو عرضه ، أو ماله ، أو دينه ، أو إخوانه المؤمنين ، ونظيره في الإكراه ( المكره به ) ، فكلاهما ناظران إلى نوع الضرر .الركن الرابع :
ما يتقى به : وهو نوع العمل المحرم المراد إنجازه كالإفطار في شهر رمضان ، أو الكلام الباطل المطلوب تلفظه ، كما في تلفظ كلمة الكفر والقلب مطمئن بالإيمان ، ونظيره في الإكراه ( المكره عليه ) .وقد قسموا التقية بلحاظ هذه الأركان على قسمين ، وهما :
القسم الأول :
تقية الفاعل : وهذا القسم ناظر إلى الركن الأول ( المتقي ) ، والتقية فيه بحسبه ، لما مر في الفصل الأول من تأثير اختلاف الأشخاص في واقع الإكراه وجودا وعدما ، إذ قد يكون الإكراه الواحد ملجئا تارة بحق شخص ، وغير ملجئ بحق آخر تارة أخرى ، ومن هنا تدرك قيمة هذا منالتقية ، نظرا لما يترتب على معرفة الفاعل من آثار كبيرة وخطيرة في تقييم تقيته من الناحية الشرعية ، إذ ليس الناس سواسية في التقية ، وقد مر بنا أن الإمام الخميني رضي الله عنه حرم التقية على الفقهاء في موارد جوازها على العامة في ظرف لا بد فيه من ذلك التحريم . القسم الثاني :
تقية القابل : وهذا القسم ناظر إلى الركن الثاني ( المتقى منه ) ، وفي معرفة القابل ثمرتان وهما :
الأولى : معرفة مدى قدرته على تنفيذ ما وعد وهدد به ، إذ ربما قد يكون عاجزا عن إيقاع أي ضرر بالمتقي ، فتسقط التقية .
الثانية : معرفة عقيدة القابل ودينه قد تؤثر على سلامة التقية في بعض صورها ، فالاكراه من كافر لمسلم على النطق بكلمة الكفر مثلا ، لا يكون عادة إلا في بلاد الكفر ، ولو فرض حصوله في أرض الإسلام لأمكن التخلص بطلب النجدة من المسلمين .
ثالثا : أقسام التقية بلحاظ أهدافها وغاياتها وتقسم على ثلاثة أقسام ، وهي :
القسم الأول :
التقية الخوفية أو الإكراهية : وهي فيما إذا كان الهدف من استخدامها دفع الضرر عند الخوف منه سواء أكان الخوف شخصيا أم نوعيا ، كتقية عمار بن ياسر من المشركين .القسم الثاني :
التقية الكتمانية : وهي فيما إذا كان الهدف منها حفظ الدين من الاندثار والانمحاء في دولة الباطل فيما لو أذيعت تعاليمه وأحكامه المخالفة لهوى السلطة الظالمة ، وعليه لا بد من كتمانها إلا علىالمختصين ، لا سيما إذا كان أهل الحق هم القلة القليلة المحاطة بزمر الباطل . ومن هذه التقية تقية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عدم إظهار أمر الدعوة إلا للمختصين مدة ثلاث سنوات كما مر في محله .
وكذلك ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام من التأكيد على عدم إذاعة أسرارهم عليهم السلام خوفا على مذهب الحق وقادته الأطهار وأنصاره وأتباعه . ويدخل في هذا القسم من التقية ما كانت الغاية منه حفظ بعض المصالح المشروعة بالكتمان ، كما فعل مؤمن آل فرعون في كتم إيمانه ، وكما كتم يوسف الصديق عليه السلام أمره عن إخوته .
القسم الثالث :
التقية المداراتية أو التحبيبية : وهي فيما إذا كان الهدف منها ، هو الحفاظ على وحدة المسلمين ، وتقليل شقة الخلاف فيما بينهم وجمع كلمتهم ، كما في أحاديث المخالطة والمعاشرة ، وكذلك فيما لو كانت أغراضها اتقاء فحش الآخرين بإلانة الكلام لهم والتبسم في وجوههم ، نظير ما مر في تقية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ( بئس ابن العشيرة ، أو بئس أخو العشيرة ) .المصدر : من کتاب التقية في الفكر الاسلامي بتصرف
/ج