فِدريكو فِلّيني

Tuesday, June 9, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
فِدريكو فِلّيني

(1920-1993) فِدريكو فِلّيني Federico Fellini مخرج سينمائي إيطالي شهير، ولد في مدينة ريميني Rimini وتوفي في روما. وهو من عائلة برجوازية ريفية، كان يبدي امتعاضاً من مادة الرياضيات، منذ مرحلة الدراسة الإعدادية والثانوية، واهتماماً وحباً كبيرين لمادة تاريخ الفن.

ترك مدينته في السابعة عشرة من عمره، وتوجّه إلى فلورنسا ثمَّ إلى روما بحثاً عن العمل. بعد أن خاض تجارب عدة في الصحافة، والنقد السينمائي، وعمل رساماً ومعلّقاً ساخراً في مجلة «مارك أوريليو» Marc Aurelio الأسبوعية، كما صار يعد بعض البرامج الإذاعية.

في عام 1942 خاض فِلّيني أول تجربة سينمائية في كتابة سيناريو فيلم «الصفحة الرابعة» Quarta Pagina. وفي عام 1945 شارك في كتابة سيناريو «روما مدينة مفتوحة» Roma Città Aperta بالتعاون مع سيرجو أميدي Sergio Amidei والمخرج روبرتو روسّلّيني[ر] Roberto Rossellini الذي يعدّه أستاذه الكبير. وفي عام 1946 شارك في كتابة سيناريو فيلم روسّلّيني المشهور «بايزا» Paisa، وأدى دور الراعي في أحد أجزاء فيلم «الحب» Amore أمام الممثلة الكبيرة آنا مانياني[ر] Anna Magnani في «قسم الأعجوبة» Il Miracolo، وشارك مخرجه روسّلّيني في كتابة السيناريو.

في عام 1946 أكمل كتابة سيناريو فيلم «مقتل جوفاني إبيسكوبو» Il Delitto di Giovanni Episcopo للمخرج ألبرتو لاتوادا Alberto Lattuada. وفي عام 1947 شارك لاتوادا في كتابة عمل آخر بعنوان «من دون رحمة» Senza Pietà. وشارك أيضاً عام 1950 المخرج بيترو جيرمي Pietro Germi في كتابة فيلم «طـريق الأمـل» Il Cammino della Speranza. وفي العام نفسه أسهم مع روسلّيني في كتابـة فيلم «فرنشيسكو مهـرج الـرب» Francesco Giullare di Dio، وكذلك في فيلم «أوربا 51».

قدم عام 1951 أوّل فيلم من إخراجه بالتعاون مع لاتوادا بعنوان «أضواء المنوعات» Luci della Varietà، تدور أحداثه حول فرقة مسرحية طليعية، والصعوبات التي تواجهها في مسيرتها الفنية وسعيها إلى النجاح. وفي عام 1952 أنجز فيلمه الشخصي الأول «الشيخ الأبيض» Lo Sceicco Bianco.

راح فلّيني ابتداءً من هذا الفيلم يسلّط الضوء على السلبيات والعيوب في السلوك الاجتماعي الوضيع الذي تجنح إليه بعض الشخصيات التي تحصل على الشهرة والنجومية، وجسَّد الشخصية في الفيلم نجم الكوميديا الإيطالية ألبرتو سوردي[ر] A.Sordi، ولم يرحّب الجمهور السينمائي بالفيلم، في حين وجد له مكاناً واسعاً بين النقاد.

في عام 1953 نجح فلّيني نجاحاً جماهيرياً كبيراً بفيلمه «المتسكعون» I Vitelloni، عالج فيه، بوصف دقيق، عادات وطموحات الشباب الحالم بالعيش في المقاطعات والأقاليم الإيطالية السعيدة. إنه في الواقع يحكي جانباً من سيرته الذاتية. وفي عام 1954 حقق الشهرة العالمية بفيلمه «الطريق» La Strada وحصل على الأوسكار، ثم على جائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائي. جسد أدوار البطولة في هذا الفيلم الممثل الكبير أنطوني كوين A.Quinn، وزوجة فلّيني الممثلة جوليتا مازينا Giulietta Masina. يحكي الفيلم بحزن عميق وبواقعية شاعرية قصة أبطال مشردين يسعون إلى لقمة العيش الصعبة في بلد يحاول النهوض من ويلات الحرب الكونية، وذلك بأسلوب قصة خيالية تحمل في طيّاتها الكثير من الدلالات والرموز. تعرّض الفيلم لمشادات حامية لخروجه عن معايير الواقعية الجديدة الإيطالية، لكنه لاقى ترحيباً وحماساً كبيرين بين النقاد.

منذ عام 1955 بدأ فلّيني يقـدم للسينما الإيطاليـة أفلاماً على قـدر كبيـر من الأهمية مـثل «المحتال» Il Bidone و«ليالي كابيريا» Le Notti di Caberia عام (1957)، وهو من بطولة زوجته أيضاً. وفي عام 1960 أخرج رائعته الشهيرة «الحياة الحلوة» La Dolce Vita التي حققت نجاحاً جماهيرياً في جميع أنحاء العالم، وغدا الفيلم من كلاسيكيات السينما العالمية، وكان نقطة انعطاف في مسيرة فلّيني الفنية. يجسّد الفيلم، بأصالة نادرة، ظاهرة الانفجار الاقتصادي الزائف في إيطاليا ما بعد الحرب، بتصوير حياة صحفي يؤدي دوره الممثل العملاق مارتشيلّو مستروياني[ر] M.Mastroiani. ويرصد الفيلم التحول السريع في عادات وتقاليد البرجوازية الصغيرة الإيطالية بأسلوب روائي مفعم بالسخرية اللاذعة. تدور أحداث الفيلم في العاصمة روما التي ينقل البطل عبرها في رحلة مزعجة ومن دون أي أمل. وبدءاً من هذا الفيلم والأفلام التي توالت فيما بعد، بدأ فلّيني معالجة الواقع عبر رؤية ذاتية تعكس عالماً معاصراً مبهماً تحكمه التناقضات وتعمه الفوضى، وينتاب شخصياته الخوف والقلق من المجهول. وفي عام 1962 أخرج فيلم «إغواءات الدكتور أنطونيو» Le Tentazioni del Dottor Antonio. وفي عام 1963 قدَّم رائعته الذاتية «ثمانية ونصف» Otto e Mezzo، ويشير هذا العنوان إلى عدد الأفلام الثمانية التي أخرجها إضافة إلى نصف فيلم أخرجه مع لاتوادا. ويعود فلّيني في هذا الفيلم إلى مواجهة ذاتية مع ذاكرة طفولته، ومع مراهقته، ويروي أحداثاً حول المأزق الوجودي الذي بلور شخصية بطله الخلاقة المبدعة. وقد أدى مستروياني (بطل الفيلم) الدور بحرفية عالية، وعدَّ النقاد هذا الفيلم من أعظم أفلامه.

في عام 1965 أخرج فلّيني أول فيلم بالألوان بعنوان «جولييتا الأشباح» Giulietta degli Spiriti حاول فيه الغوص في عالم المرأة وتأثيرها في اللاوعي عند الفرد عبر رؤية فلسفية وتحليلية تقترب من مدرسة العالِم يونغ Yung وانعكاساتها على المخرج.

كانت أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن العشرين مرحلة خصبة وخلاقة في حياة فلّيني، فقد اشترك في عام 1968 في إخراج أحد وقائع فيلم «ثلاث خطوات نحو الهذيان» Tre Passi nel Delirio، وهو قصة في غاية الروعة للكاتب إدغار آلان بو E.A.Poe، إذ حقق دور توبي داميت Toby Dammit. كما أخرج في عام 1969 فيلم الفضيحة «ساتيريكون» Satyricon المستوحى من كتاب الكاتب اللاتيني بترونيو Petronio الذي يرصد فيه مظاهر الحضارة في الحياة الأوربية الحديثة وما توصلت إليه من استهلاك ومجون واستهتار بالقيم الأخلاقية مقارنة مع الأيام الأخيرة للامبراطورية الرومانية.

صرَّح فلّيني في مقابلة بقلم داريو زانيلّيD.Zanelli  عام (1969)، بعد فيلم ساتيريكون: «أستطيع القول إن روما عصر الانحطاط تشبه كثيراً عالمنا الحالي، مع هذا السعار الغامض للتمتع بالحياة، والعنف ذاته، وغياب القيم ذاتها، واليأس ذاته، والغرور الفارغ ذاته. ويمكن القول إن أبطال ساتيريكون يشبهون كثيراً الهيبيين ويخضعون مثلهم لرغباتهم الجسدية، ويبحثون عن أفق جديد في تناول المخدرات، ويرفضون مواجهة المشاكل». بهذا النضوج وبتلك الروح الجديدة صنع فلّيني مشاهد ولوحات فيلمه الناقد «روما» Roma عام (1972).

في عام 1970، عاد فلّيني بحنين إلى السيرك وأخرج فيلم «المهرجون» I Clowns لصالح التلفزيون. وفي عام 1973، أنجز فيلماً آخر من ذكريات مراهقته وأصدقائه وعن مدينته ريميني. إنه الفيلم الأكثر حميمية الذي قدمه في حياته «أماركورد» Amarcord، وقد أخذ مشاهده في بلدة أوستيا Ostia (ميناء قرب روما)، وصرّح فلّيني عام 1974 في مقابلة مع الناقد إينزو سيشيليانو Enzo Siciliano عن فيلمه بالقول: «فيلم أماركورد كان ينشد أن يكون الوداع النهائي لذكرياتي في ريميني، وفقر ساحتها الصغيرة، ومع أصدقاء المدرسة والمدرسين، فكان عليه أن يكون وداعاً لفصل معين من حياتي الشخصية، بما فيها المراهقة التي لا براء منها، والتي تهدد بامتلاكنا إلى الأبد، والتي لم أفهم بعد فهماً صحيحاً ما الذي ينبغي فعله معها، وهل ينبغي حملها معي حتى النهاية، أو أن أصنفها في ملف بطريقة ما».

قام فلّيني مرة أخرى بعمل سينمائي ضخم لينفتح على أوربا وعالم المرأة وعلاقتها بالجنس الآخر، وهو الموضوع الرئيس لفيلم «كازانوفا» Il Casanova ليقدم قراءة سلبية للرجل الأسطورة، للعاشق الأبدي كازانوفا. لقد أجبر فلّيني المنتج غريمالدي Grimaldi عام 1976 أن يبني له في استديو المدينة السينمائية بروما جزءاً من مدينة البندقية، والقنال الكبيرة مع جسر ريالتو الشهير. وقد بلغت تكاليف الإنتاج أكثر من 10مليارات لير إيطالي. إثر مقابلة فلّيني مع الناقدة ليليانا بيتي L.Betti أثار الفيلم غضب أحد المتحمسين لأسطورة كازانوفا الذي قال: «أراد فلّيني تدمير كازانوفا، لكنه لم ينجح إلا في تدمير ذاته». ودافع فِلّيني عن فيلمه بردّه قائلاً: «من الواضح أني لا أشاطره الرأي، لكن يجب أن أقبل، لأنه من بين جميع أفلامي، كان الفيلم الذي ترك عند الجمهور الصدمة الأشد صعوبة، ولكنه فيلمي الأكثر جمالاً، والأكثر وضوحاً، والأكثر صرامة، والأكثر كمالاً من حيث الأسلوب..».

في عام 1978 أنتج فلّيني فيلماً من 70 دقيقة قدم لمصلحة التلفزيون بعنوان «تجربة الأوركسترا» Prova d’Orchestra عدَّه النقاد صرخة تحذير سياسية كبرى. وفي عام 1980 حقق فيلم «مدينة النساء» Città delle Donne وبدا أن فلّيني لم يعد بوسعه مواكبة التحولات الثقافية من عادات وتقاليد مكتسبة، كما لاحظ النقاد أن الأفلام التي صنعها في الثمانينات تحمل في طياتها تردداً متبايناً وارتباكات مختلفة. فبعد التحذيـر المخيف حـول نهايـة الحضارة الغربيـة في فيلم «وأبحرت السفينة» E La Nave Va عام 1983، قدم فيلم «جينجر وفريد» Ginger e Fred عام 1986 في جو من السخرية والانتقاد للشاشة الصغيرة التي تقتحم منازلنا من دون استئذان وتفرض علينا ثقافتها.

أما إنجاز فلّيني الأخير «صوت القمر» La Voce della Luna عام 1990، فهو يوصي قبل مشاهدة الفيلم بقراءة كتاب «أنشودة المزاجيين» Il Poema dei Lunatari للكاتب إرمانو كافاتساني E.Cavazzani وقال فلّيني إنه استوحى منه الشخصيات والحلول والذبذبات الصوتية. ويعدّ هذا الفيلم الوصية الروحية الأخيرة التي يسلِّمها هذا المخرج السينمائي المبدع لأقرانه. لقد اختار لدوري البطولة نجما الكوميديا روبرتو بينيني R.Benigni، وباولو فيلاجو P.Villaggio.

وعلّق فلّيني على فيلمه هذا قائلاً: «في هذا العالم: المجانين الظرفاء، والعاجزون، وحدهم فقط، يستطيعون إنقاذ أنفسهم من موجة الانحطاط وطوفان السوقية التي تغرق فيها إيطاليا».
 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.