(1527 ـ 1598) ولد الملك فيليب الثاني Philip II في مدينة بلد الوليد Valladolid شمالي إسبانيا في عام 1527، وكان الوريث الشرعي لأسرة هابسبورغ Habsburg الملكية من والده كارل الخامس Karl V امبراطور الامبراطورية الرومانية المقدسة (كارل الأول الإسباني)، وزوجته إيزابيلا Isabella ابنة ملك البرتغال. تلقى فيليب الثاني في طفولته وفتوته تربية ملكية ممتازة، أدت إلى تبلور شخصيته المثقفة النشيطة التي أهلّته لمساعدة والدته على حكم الامبراطورية في أثناء غياب والده المتكرر عن عاصمة الامبراطورية،وحتى بعد وفاتها بمساعدة مستشارين وبمراقبة والده. تزوج عام 1543 من ماريا البرتغالية التي ولدت له عام1545 دون كارلوس،وماتت بعد ذلك ليتزوج ثانية سنة 1554 زواجاً سياسياً، بعد منحه لقب ملك نابولي، من ملكة انكلترا ماري تودور Mary Tudor،والتي كانت تكبره بعشر سنوات. وبعد سنة من هذا التاريخ منحه والده ملكية كل من هولندا واسبانيا، وفي السنة التي تلتها حصل على كل ممتلكات والده في إيطاليا وألمانيا الذي ودع الحياة سنة 1558.
في بداية حكمه الملكي شن فيليب حرباً ضد البابا بول الرابع، المؤيَد من قبل ملك فرنسا هنري الثاني، وتمكنت جيوش فيليب من تحقيق انتصار في سانت كنتين St.Quentin على الجيوش الفرنسية، ولكن وفاة زوجته ملكة إنكلترا ماري،وتعيين إليزابيث ملكة جديدة أجبره على عقد هدنة مع فرنسا والبابا، أعقبها عام 1559 زواجه من إليزابيث ابنة هنري الثاني التي أنجبت له ابنتين، هما إيزابيل Isabel وكاتالينا Catalina، في الوقت الذي كانت فيه تصرفات ولده دون كارلوس تضر بسمعة فيليب في الداخل والخارج، مما أدى إلى قيامه بسجن ولده الذي قضى في السجن. وفي عام 1568 توفيت زوجته إليزابيث الفرنسية فتزوج فيليب سنة 1570 من آخر زوجاته آنا ابنة ماكسيميليان Maximilian امبراطور النمسا. ورزق من هذا الزواج بخمسة أبناء، ماتوا كلهم صغاراً باستثناء الملك المقبل فيليب الثالث. وعندما ماتت آنّا سنة 1580 لم يتزوج فيليب بعدها حتى وفاته في عام 1598.
اتخذ فيليب مقر حكمه في مدريد عاصمة إسبانيالتوسطها الجغرافي ومناخها وثروتها البشرية والاقتصادية، وهناك أسسّ بلاطه سنة 1562،الذي سانده في كل حروبه المتكررة التي كان يبررها، بأنها كانت دفاعية ومقدسة، وهي الحروب التي أدت إلى عجز ميزانية المملكة عن الوفاء بمتطلباتها. ولعل أشهر حروب فيليب كانت ضد العثمانيين وقد امتدت من 1559 حتى سنة 1577 للسيطرة على تونس وجزرها، إضافة إلى البندقية وكريت والتي انتهت بعقد معاهدة مع السلطان العثماني،وكذلك حروبه ضد ثوار هولندا واللوثريين في ألمانيا، والتي انتهت باستقلال هولندا، وقد ساعده أسطوله الذي عرف باسم (الأرمادا) على تحقيق انتصارات باهرة على معظم أساطيل البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، لكنه هزم سنة 1588 هزيمة منكرة أمام الأسطول الإنكليزي.
كان فيليب في حياته وحتى بعد وفاته مثيراً للجدل، فقد كان محبوباً في إسبانيا ومكروهاً في إيطاليا، ومتهماً بمعاداة المسيحية في أوربا البروتستنتية، وقد أدى تعصبه الديني ضد كل ما هو غير كاثوليكي، وخاصة ضد المسلمين، إلى التصاق اسمه بمحاكم التفتيش المرعبة التي عانى منها غير الكاثوليك في إسبانيا، خلد فيليب حكمه ببناء واحد من أشهر قصور أوربا، وهو قصر «الاسكوريال»، الذي دفن فيه، في الوقت الذي ترك فيه إسبانيا منهكة اقتصادياً لدرجة كبيرة.
