(1793 ـ 1841) واتانابي كازان Watanabe Kazan، مصور ياباني، ولد لأب ينتمي إلى الساموراي Samurai في مدينة آيشي Aichi (كان اسمها ميكاوا Mikawa) وكان أهله فقراء، ومع ذلك اهتموا بتعليم ابنهم البكر وتوجيهه نحو الساموراي، ولكن الابن أظهر موهبة وميلاً ليكون مصوراً مضحياً بطموحات أهله. على أن هذا الميل وهذا الاختصاص لم يمنعه من المشاركة في الحياة الشعبية والسياسية، ولم يكن التصوير عنده إلا وسيلة للتعبير عما آمن به وحققه حينما انتخب رئيساً لمجموعة مثقفة، أرادت أن تكون قريبة الصلة من التحولات التي تحققت في العالم الغربي.
في ذلك الوقت كان من أبرز المثقفين التقدميين في اليابان رانغاكو ـ شا Rangaku-sha الذي ارتبط بالثقافة الهولندية، وقد تأثر كازان به وبغيره من المثقفين؛ فأسس مجموعة كانت تمارس حواراً حاراً حول المشكلات المعيشية والسيطرة الإقطاعية، ولم يكن موقفه ثورياً هداماً، بل كان يحاول أن يحقق الإصلاح الممكن.
بيد أن أفكار كازان لم تكن واضحة لأقرانه الذين بادلوه بالكراهية وسوء الفهم، وكانت السلطات في الوقت ذاته قد فرضت قيوداً على حرية الفكر، وهكذا اشتد الضغط على كازان منذ العام 1839 من السلطة ومن أصدقائه أيضاً. بل إن السلطات اتجهت إلى إصدار حكم عليه بالموت، لولا توسط بعض العقلاء ممن تبنوا مقاصده الإصلاحية؛ فعدل الحكم بالإعدام إلى الحكم بالإقامة الجبرية في تاوارا Tawara على مسؤولية مجموعته الإصلاحية.
سرح كازان من جميع مهامه فوقع ضحية فقر وحاجة، ولم يبقَ أمامه إلا اللجوء إلى التصوير وسيلة لإنقاذ حياته من العوز، إلا أن خصومه اتهموه باستغلال التصوير لمعارضة السلطة، وضاقت حوله الظروف المناوئة والقاسية حتى من الذين اعتقد بوفائهم، فآثر الموت منتحراً عن عمر لم يتجاوز الثامنة والأربعين.
ابتدأ كازان مصوراً تقليدياً، ولكنه في مجال الرسم حاول أن يكون مجدداً. ومنذ أن كان في السابعة عشرة كانت دراسته التصوير على يد تاني بونشو T.Buncho قد أعطته سمة خاصة توضحت بانتقائية éclectisme تجمع تقاليد الفن في نانغا Nanga، وتقانات توسا Tosa وكانو Kano الوطنية، وعناصر مينغ Ming وكينغ Qing الصينية، والمبادئ الأوربية، إذ استفاد من دراسته الأسلوب الصيني الذي كان سائداً في عصر أسرتي مينغ[ر] وكينغ، كما استفاد أيضاً من دراسته الفن الأوربي؛ فجمع بين هذا وذاك في طريقة انتقائية وسمت أسلوبه الخاص. وقد انتبه أستاذه بونشو إلى موهبته فجعل منه تلميذه المفضل.
وعندما صار في الثلاثين من عمره قام كازان بنسخ أعمال صينية ويابانية تقليدية، مثل أعمال المصورين يون شوبينغ Shouping وشين نانبينغ Nanping خاصة، ولكن مع إضفاء لمسات واقعية ميزت أعماله المنسوخة، وأوصلته فيما بعد إلى نضج أسلوبه الخاص، وكان تأثير الغرب قد تمثل في الموضوعية والواقعية من دون أن يتخلى عن خياله الوصفي.
لم تكن أعماله الرسمية هي التي توضح أسلوبه الانتقائي، حتى اللوحات التي أنجزها تلبية للطلبات الخاصة كانت تخضع للمعايير المعمول بها في عصره ومحيطه، ولا تعدو قيمتها قيمة الوثائق. وقد ترك كازان عدداً ضخماً من الدفاتر المصورة، ومن الملفات والرسوم التحضيرية التي اتسمت بالخصوصية والنضارة والحرية والنزق أيضاً، وبالانتقائية التي ساعدته على تخطي الحواجز التقليدية التي فرضتها إقطاعية كانت في بداية اضمحلال نفوذها. ولا بد من التنويه بأن صور كازان الشخصية كانت تحتل المقام الأول في التصوير الياباني؛ ليس لأنها تنأى عن التقاليد اليابانية فحسب، بل لأنها بلغت بواقعيتها الجديدة حد الكمال والاتزان.
كان كازان ممثلاً فذاً لمرحلة التحول التي عاشتها اليابان من النظام القديم إلى النظام الجديد الذي تنسم مؤثرات الغرب.
