(1757-1822) يعد أنطونيو كانوفا Antonio Canova من أهم النحاتين الذين يمثلون الاتجاه الكلاسي المحدث الذي ظهر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. وقد أبدى هذا الفنان اهتمامات كبيرة بالفنون القديمة كما يؤكد تاريخه المعطاء، فعني بالتاريخ الإغريقي والروماني القديم، وبفنون العصور الوسطى، وعصر النهضة والباروك، حتى توضحت اهتماماته بالفنانين المعاصرين أمثال فرانشيسكو غويا Francisco Goya.
ولد كانوفا في بلدة بوسانيو Possagno القريبة من تريفيزو Treviso الإيطالية، وفي هذه البلدة حبا وترعرع بين المنحوتات الإغريقية، ثم قادته الأحداث عقب وفاة والده المبكر، وإهمال والدته له بعد زواجها الثاني إلى أن يكون تحت رعاية جد قاسٍ كان يعمل في إحدى مقالع الحجارة، فكان على خلاف كبير معه بسبب مواقفه الحياتية واهتماماته النحتية؛ إلى أن ارتسمت ملامح مستقبله عندما اكتشف موهبته السيناتور الإيطالي ج. فالييه G.Falier الذي اصطحبه إلى البندقية وأودعه مشغل النحات الإيطالي الشهير غ. توريتو G.Torretto حيث أحرز تقدماً سريعاً، وأنجز كثيراً من الأعمال النحتية كان من أهمها عملان بالحجم الطبيعي يمثلان إيكار وديدال Icare et Dédale ويوضحان نزعة الإنسان وحبه للطيران والغوص في آفاق السماء فنال بهما جائزة وقبولاً في أكاديمية روما، وراح يتابع دراسته ويطلع على كتب النحت القديم، وحقق حضوراً قوياً ومكانة مرموقة أديا إلى تكليفه تنفيذ الأعمال في الأماكن المهمة، فنفذ منحوتات بأعداد ملحوظة تمثل شخصيات معروفة، وأضرحة لباباوات الفاتيكان.
وفي هذه المرحلة يتجلى تأثر كانوفا بالنحت الباروكي، ولاسيما بأعمال النحات برنيني Bernini، إذ سعى إلى أن تكون لتماثيله بنية مدورة ولمسة شاعرية مع شيء من خصائص التكلفية وسماتها maniérisme، فسخّر كل طاقاته للتعبير عما ينشده مع التأكيد على الجوانب التشريحية، واستبعد كل ما يوحي بالتضاد من أجل الحصول على انسيابية السطح وأناقة الخطوط، ومن أهم أعمال هذه المرحلة تمثال باولينا بورغيزي Paulina Borghese شقيقة نابليون، والذي يعد الوحيد بين الأعمال الإبداعية التي ترتبط بتكلفية الطراز القيصري، فجاء التمثال على هيئة فينوس Vénus إلهة الجمال، ومن الواضح أن كانوفا استقاه من لوحات دافيد David الكلاسية المحدثة néo- classicisme وسماه تسمية رومانية «فينوس المنتصرة» Vénus victorieuse.
وفي مطلع القرن التاسع عشر توضحت ميول كانوفا إلى الاتجاه «الإسكندراني» المتمثل بإبراز الجمال في أجساد شابة رشيقة، وعلى أن تكون لأبطاله المفضلين هيئات مستقاة من الأساطير، لكنها أساطير مرئية بعين متحررة لأناس القرن الثامن عشر. بصورة عامة كان كانوفا مغرماً بأساطير العشاق: «فينوس وأدونيس» و«مارس وفينوس» و«آمور وبسيشه»، إضافة إلى موضوعات المحاربين والأبطال والآلهة. وقد قدم النساءَ المعاصرات بأردية من العصور الرومانية. وكان كانوفا حريصاً على إضفاء الرقة والعذوبة والشاعرية الغنائية، وتقديمها بتقانة عالية وصدق في التعامل مع النموذج الطبيعي من أجل الوصول إلى روح البنية التي اعتمدتها الكلاسية المحدثة.
ظل كانوفا طوال حياته تواقاً إلى الترحال؛ سافر ثلاث مرات إلى باريس كما سافر إلى بريطانيا وروسيا. وكان في كل مكان يحل به يكسب كثيراً من الأصدقاء والمعجبين. وبعد ظهور نابليون بونابرت واستلامه السلطة وهيمنته على قسم كبير من إيطاليا دعاه إلى بلاطه. لم يكن كانوفا معجباً بنابليون لكنه لم يتلكأ في تلبية دعوته، وإنجاز مجموعة من التماثيل له ولأفراد أسرته وقدمه في تمثال نصفي على هيئة قيصر روماني، كما قدمه في تمثال كامل بصورة الإله الإغريقي أبولو Apollo. عمل كانوفا في آن واحد لجهتين متصارعتين. فإلى جانب الأعمال التي نفذها للقيصر الفرنسي نفذ تصميماً لضريح نيلسون Nelson البريطاني في كاتدرائية القديس بول Saint- Paul. وفي الواقع لم يكن تنفيذ التماثيل ونصب الأضرحة التذكارية ملحوظاً كنشاط سياسي، فمهنة الفنان تفرض عليه إنجاز الأعمال الفنية بعيداً عن تقييم الأسس الأخلاقية والمواقف السياسية للأشخاص. تتمثل آخر معطيات هذا الفنان في بناء كنسي لم يكتمل لمدينة بوسانيو مسقط رأسه.
توفي كانوفا في مدينة البندقية بعد أن ترك إرثاً عظيماً من الإنجازات أغنت الحضارة الأوربية، وفي هذه المدينة شيَّد له أحد تلامذته ضريحاً شبيهاً بالنموذج الذي نفذه كانوفا للأميرة ماري كريستين Marie Christine، وتضم مدينة بوسانيو مسقط رأسه متحفاً يختزن التحف الرائعة التي نفذها في حياته.
أنطونيو كانوفا
Friday, July 3, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
آخر أعلام
الأكثر زيارة في الأسبوع
موارد بیشتر برای شما
الشعر في مشهد، العاصمة الدينية لإيران
الانهيار البطيء للنظام السعودي..بن سلمان وحيدا في القمة!
معركة فاصلة على الرئاسات الثلاث في البرلمان العراقي
امريكا تصعد هجماتها الإعلامية ضد وزيرخارجيتها السابق
كاتب بريطاني: ابن زايد يستغل جهل ابن سلمان
مفاجأة... لماذا قرر عمر البشير حل الحكومة؟
الأنواء تعلن حالة الطقس في العراق للأيام المقبلة
اليابان تجرب مصعدا إلى الفضاء!
استخدام تقنية التعرف على الوجه في مطارات الهند
روسيا تستأنف إنتاج أضخم "سفينة طائرة" في العالم
جماعة علماء العراق: حرق القنصلية الايرانية تصرف همجي!!
البرلمان العراقى يعقد جلسة استثنائية لمناقشة الأوضاع بالبصرة اليوم
قمة طهران تخطف صواب الغرب وتذهل ساسته
معلومات لم تسمعها عن "المختار الثقفي"..من أديا دوري الامام الحسين وأخيه قمر بني هاشم؟!
الأمم المتحدة تطالب الصين بالإفراج عن مليون مسلم من الأويغور