برهان كركوتلي

Friday, July 17, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
برهان كركوتلي

(1932 ـ 2003) ولد برهان كركوتلي في دمشق القديمة (سوق ساروجة). نال الثانوية العامة عام 1951، ودرس الفلسفة في كلية الآداب- جامعة دمشق، لكنه انقطع عن الدراسة وسافر إلى القاهرة حيث درس التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة وتخرج بدرجة امتياز شرف عام 1958م، وفي 1959 استضافته أكاديمية سان فرناندو San Fernando في إسبانيا مدة سنة واحدة، ثم سافر إلى المغرب وعمل في الرسوم التزيينية في الصحف والرسوم الساخرة (كاريكاتور caricature) في الدار البيضاء.

وفي عام 1963 درس فنون الغرافيك arts graphiques (فنون الحفر والطباعة) في برلين، وتعلم التصوير الجداري الفريسك fresque، ثم عاد إلى المغرب وعمل رساماً ومخرجاً صحفياً مرة ثانية في الدار البيضاء، وفي عام 1964 درس وعمل في مانهايم Mannheim في ألمانيا، وفي عام 1967 عاد إلى دمشق ورسم للتلفزيون العربي السوري ودرس فن الحفر في كلية الفنون الجميلة. ثم سافر إلى بيروت واشتغل رساماً ومحرراً ومخرجاً صحفياً، وفي عام 1970 عاد إلى فرانكفورت في ألمانيا وعمل لوحات بالأبيض والأسود عن المقاومة وفلسطين، وفي عام 1980 رحل إلى المكسيك وأقام معارض عدة في جميع أسفاره أكثرها عن القضية الفلسطينية ومناهضة الاستعمار.

فنان عصامي اعتمد على نفسه منذ كان طالباً، كان يرسم الوجوه في المقاهي ليحصل على بعض المال ويتابع دراسته، حتى مشروع تخرجه كانت مواده هدية من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة.

ومنذ عام 1982 اشتغل حكواتياً في ألمانيا الغربية في الحفلات والنوادي الثقافية يروي الحكايات الشعبية عن الزير سالم وعنترة بن شداد، حتى وفاته في بون.

رسم موضوعات وطنية وسياسية وشعبية وصوراً شخصية وعمل في الإعلان والرسوم الساخرة، وفي الطرب والنغم، وكتب رسائل إلى أصدقائه تضمنت فلسفته وآراءه في الحياة والفن والمجتمع والوطن.

كان موضوع فلسطين والاستعمار والدفاع عن حرية الشعوب هاجسه الدائم، فرسم لوحات كثيرة حول هذا الموضوع طُبعت وعُممت على شكل بطاقات وتقاويم جدارية في جميع أنحاء أوربا.

استخدم الرموز في لوحاته كالطير والنخلة والعصفور؛ رموز الخير والحب والسلام في الأرض، وربط في لوحاته بين الإحساس الوطني والقومي والنضال من أجل الحرية، والمحافظة على التراث الحضاري والموروث الشعبي، مؤكداً أن أصالة العرب بتاريخهم الحضاري، واعتمد في جميع رسومه ولوحاته على توضيح أهمية الوحدات الزخرفية والأشكال الشعبية المستخدمة في العمارة والتصوير والزخرفة العربية والإسلامية.

وقد اتسمت لوحاته الوطنية والقومية ببعدها عن اللهجة الإنشائية والخطابية والإعلامية المباشرة. واهتم بالطفل والأم رمزاً لنضال الشعوب، وهذا ما جعل لوحاته دائمة القدرة على البقاء.

استخدم الخط الغليظ العريض والقاسي لوجوه الرجال من المناضلين وأعطى ملامح القوة والعزم والإرادة في وجوههم، وخلافاً لوجوه النساء والأطفال التي رسمها بخطوط رفيعة، رشيقة، انسيابية مع استخدام زخارف متفرقة بسيطة غير معقدة مستوحاة من بعض الأزهار.

لم يهتم في جميع لوحاته بالبعد الثالث ولم يهتم أيضاً بالألوان، بل اعتمد اللونين الأبيض والأسود.

رسم في لوحاته الشعبية طيوره وعصافيره من خياله، وأعطاها شكلاً أسطورياً جميلاً من اختراعه، وكأنها آتية من عالم آخر.

اهتم كثيراً بدراسة تراث الشعوب والفنون الشعبية التي تميز كل شعب من غيره، بعيداً عن القيود والتقاليد الأكاديمية، ورسم أشكاله على سطح واحد، ولم يكن يهتم بالأبعاد والنسب التشريحية للأشخاص، تماماً مثل رسوم الأطفال، فقد كان يرسم بحرية تامة.

عمل برهان على ترتيب عناصره في لوحته من دون أن يطغى واحد منها على عنصر آخر مجاور، فكل منها مرسوم على مساحته كاملة، فكان برهان يملأ جميع الفراغات في اللوحة ويضطر من أجل ذلك إلى توزيع بعض عناصره، كالطير والحصان والمرأة والطفل والزهرة والشجرة وغيرها، وكان يرسم هذه العناصر في إحدى الزوايا أو في أي مكان آخر من اللوحة ليوحي للمتلقي أنه يرسم بعفوية وتلقائية ولكنها في الحقيقة مصادفة فنية معتمدة ومدروسة، ومما يؤكد هذا أن عناصره غير متناظرة وغير متكررة لا في الشكل ولا في الحركة ولا في علاقتها بالعناصر المجاورة لها، مما يشعر المتلقي بأنها رُسمت لتتكامل، وتملأ الفراغ الذي تشكّلَ نتيجة حركة الساعد أو الرأس أو اليد، وكان يعمل على توظيف عناصره الإنسانية وربطها على نحو مباشر أو غير مباشر بمضمون اللوحة، ففي اللوحة التي موضوعها العرس، كان يرسم عازف الناي والعواد يعانق عوده ورأسه مائل للتعبير عن سعادته بالعزف والغناء، وهكذا فإن اللوحة تروي للمشاهد حكاية، وتذكره إضافة إلى ذلك بالمبدأ الأساسي في تصاميم الزخرفة العربية الإسلامية ولاسيما في تصاميم نوافذ الزجاج المعشق العربي، وقد تأثر برهان بهذا المفهوم وأحبه كثيراً.

كل هذا لا يعني أبداً أن برهان كركوتلي قد قلد فن الطفل، أو فن تلقائية الكبار (الفن الساذج L’art naïf) أو التصاميم الإسلامية في الزخرفة، بل إن فنه هو فن خاص به وحده، وذو رؤية متفردة وأسلوب شخصي، ابتكره لنفسه من مخزون ذاكرته البصرية عبر سنوات تنقله وأسفاره، ومن عشقه للتراث الشعبي العربي الأصيل والقديم في سورية ومصر والمغرب العربي، فقد طوّر المفهوم التقليدي للفنون الشعبية ووضع لها معايير جديدة تعتمد التعبير العفوي والصادق والمباشر بلغة تشكيلية متطورة وبنسب وأبعاد مختلفة عن كل ما جاء في الفنون الشعبية، ووظف كل هذه المعطيات التشكيلية لمصلحة مضمونه الأساسي والأهم وهو الدعوة إلى الخير والحب والعطاء. والنضال من أجل استعادة حرية الإنسان والأرض.

ولابد من توضيح أمرين مهمين: الأول أنه ترك الرسم في السنوات العشر الأخيرة من حياته واتجه إلى تمثيل دور الحكواتي لأنه تعب صحياً وصار عاجزاً عن الإمساك بالريشة والقلم، والأمر الثاني أنه لو لم ينتقل إلى مهنة الحكواتي في المناسبات الثقافية والاجتماعية لمات جوعاً، فقد عاش برهان طوال حياته ليس له أي مورد مادي إلا من رسم لوحاته ولم يقبل بأي منحة أو مساعدة مالية لا من مؤسسات ولا من أفراد على امتداد عمره.



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.