(1626ـ 1689م) كريستينا Christina (بالسويدية Kristina)، ابنة ملك السويد غوستاف الثاني أدولف Gustav II Adolph، وأمها ماريا إليونورا فون برانْدِنبورغ Maria Eleonora von Brandenburg الألمانية. ولدت في ستوكهولم سنة 1626م، ومنذ سنّ الثالثة أعلنها والدها وريثة عرش السويد، وأوكل تربيتها إلى أخته، وكان يصحبها في جولاته ويدرّبها.
اشترك والدها في حرب الثلاثين عاماً (1618-1648م)، حيث نزل بجيشه إلى شاطىء بوميرانيا Pomerania في حزيران/يونيو 1630م، وانتصر على الجيش الامبراطوري الكاثوليكي في أيلول/سبتمبر قرب لايبزيغ Leipzig الألمانية، واستولى على بافاريا ومونيخ، وهدّد فيينا. ومع أنه انتصر في معركة لوتسِن Lützen في تشرين الثاني/نوفمبر 1632م في سكسونيا، لكنه قتل فيها.
بعد مقتل الملك غوستاف أصبح الكونت أكسل أوكسنستيرنا Axel Oxenstierna وصياً على كريستينا ذات الخمس سنوات، وموجهاً لجيوش السويد في ألمانيا، ومديراً ومدبراً للأمور الداخلية.
احتقرت كريستينا التزين منذ نعومة أظفارها، وأهملت أنوثتها، وتصرفت كالرجال في اللباس واللعب والصيد وتحلّت بقدرات ومواهب الرجل الذكي، ونافست الشبان في ألعابهم ورياضتهم، وكان صوتها خشناً. مع كل ذلك، كانت فيها بعض مفاتن النساء وكانت متواضعة، كريمة، طموحة، وحادة الطبع.
كانت كريستينا تتدخل بالسياسة حتى في زمن الوصاية عليها، حيث اعترضت على سياسة أوكسنستيرنا العسكرية. وعندما بلغت السن القانونية (18 عاماً) سنة 1644م تسلّمت السلطة، وحكمت، وصنعت قراراتها بنفسها. كان همها إنهاء حرب الثلاثين عاماً. فأدّت دوراً بارزاً ومهماً في التوصل إلى صلح فستفاليا Westphalia سنة 1648م، الذي أنهى هذه الحرب. كل ذلك بفضل ما تميزت به من دبلوماسية، وذكاء، وكره للحروب الدينية، خاصة أن والدها كان ضحيتها.
كانت كريستينا تجيد ثماني لغات (الألمانية، الفرنسية، الإيطالية، الإسبانية، اللاتينية، اليونانية، العبرية، والعربية). وقرأت للشعراء الفرنسيين والإيطاليين، وراسلت رجال العلم والفلاسفة، حتى أن الفيلسوف ديكارت Descartes كان صديقها فأقام في بلاطها، وباسكال Pascal أهداها آلة الحساب التي كان أول من اخترعها، وجمعت مكتبة ضخمة، فيها مخطوطات نادرة، واقتنت تحفاً أثرية، وشادت كلية وأهدتها مكتبة، ثم أسست ست كليات أخرى، وزارت كثيراً من الجامعات، وأرسلت الطلبة للدراسة خارج السويد إلى شبه جزيرة العرب لدراسة علوم الشرق. واستقدمت بعض الهولنديين من أجل تأسيس دار للنشر والصحافة. وطورت فنون الأوبرا والمسرح، وجعلت السويد متعددة جوانب الثقافة، وأصلحت التعليم. ويمكن القول إن كريستينا كانت من أعظم الحكام المستنيرين، حتى وصفها بعض العلماء، بأنها حققت حلم أفلاطون في وجود ملوك فلاسفة، وأنها صالحة لحكم العالم بأسره. مع كل ذلك واجهتها مشكلة كبيرة، عندما وجدت نفسها ميالة للكاثوليكية، خاصة أنها ملكة على دولة بروتستنتية متعصبة، فراودتها فكرة النزول عن العرش.
كانت كريستينا تصاب بالحميات الخطيرة، فأقسمت بأنها ستتخلى عن كل شيء، وتصبح كاثوليكية، إذا برئت من مرضها. وبعد الشفاء بدأت المفاوضات لإقناع مجلس المندوبين السويدي بالتصديق لابن عمها كارل غوستاف Karl Gustav، أن يكون وريثاً لها، وتم ذلك في حزيران/يونيو 1654م. وسمح لها بالاحتفاظ برواتبها وحقوقها الملكية على حاشيتها، وبعد أن سمَّت نفسها كريستينا ألكساندرا، ودّعت شعبها، وغادرت السويد، متنكرة بزي رجل إلى إيطاليا، التي زينت مدنها، ونظمت المهرجانات والعروض إكراماً لها. ودخلت روما في كانون أول/ديسمبر سنة 1655م بزي تنكري. وفي اليوم التالي توجهت إلى الفاتيكان، حيث استقبلها البابا ألكسندر السابع Alexander VII.
أقامت كريستين في روما، وزارت المتاحف والمكتبات والأكاديميات والآثار. وفجأة قطعت السويد دخلها المخصص لها، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، فرهنت مجوهراتها، وأخذت قرضاً من البابا، الذي أقر لها معاشاً سنوياً. بدأت التجوال في أوربا، فزارت فرنسا سنة 1656م، حيث استقبلها الملك لويس الرابع عشر ووزيره مازاران Mazarin استقبال الملكات، ثم عادت إلى إيطاليا، وزارت باريس ثانية سنة 1657، وفي أثناء وجودها أعدم المركيز مونالديسكي Monaldeschi، بعد اتهامه بالتآمر عليها وكشف خطتها لاعتلاء عرش نابولي Napoli. وزارت السويد 1660م و1667م، واستعادت دخلها. وفي سنة 1668م أرسلت مندوبين إلى وارسو ليعرضوا ترشيحها لعرش بولندا، بعد اعتزال يوهان كازيمير J.Kasimir. ومع أن البابا كلِمنت التاسع Clément IX وافق على ذلك، إلاّ أن مجلس المندوبين البولندي لم يوافق عليها، لأنها رفضت الزواج إذ كانت على علاقة مع الكاردينال أزولينو Azzolino والذي جعلته وريثها، وقد توفي بعدها بشهرين. فعادت إلى إيطاليا سنة 1668م، وكان قصرها كورسيني Corsini، أهم الصالونات في روما، وملتقى الأساقفة والحكام والعلماء، والملحنين والنبلاء والدبلوماسيين وأسست أكاديمية أركاديا Arcadia سنة 1674م، وحولت أحد سجون روما إلى مسرح، وجمعت مخطوطات، عدّت فيما بعد من خيرة ماضمته مكتبة الفاتيكان.
يمكن القول إن كريستينا شغلت أوربا طوال نصف قرن، وخُلِعت عليها ألقاب من نوع: مينيرفا الشمال، والملكة المستنيرة ذات المعرفة الموسوعية، والملكة الجوّالة، حتى إن بعضهم سمى القرن السابع عشر «عصر كريستينا».
ماتت سنة 1689م، وأقيمت لها جنازة ضخمة في كنيسة القديس بطرس في الفاتيكان، ودفنت في مدفن البابوات.
غطاس نعمة
مراجع للاستزادة:
ـ عبد الكافي الصطوف، راغب العلي، طليعة الصياح، دراسات في تاريخ أوربة الحديث (منشورات جامعة دمشق، مطبعة الداودي، دمشق 1997- 1998م).
ـ ول ديورانت: قصة الحضارة، ج 30 و33، ترجمة عبد الحميد يونس، مراجعة علي أدهم (دار الجيل، بيروت، 1992م).
كريستينا
Sunday, July 19, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
آخر أعلام
الأكثر زيارة في الأسبوع
موارد بیشتر برای شما
الشعر في مشهد، العاصمة الدينية لإيران
الانهيار البطيء للنظام السعودي..بن سلمان وحيدا في القمة!
معركة فاصلة على الرئاسات الثلاث في البرلمان العراقي
امريكا تصعد هجماتها الإعلامية ضد وزيرخارجيتها السابق
كاتب بريطاني: ابن زايد يستغل جهل ابن سلمان
مفاجأة... لماذا قرر عمر البشير حل الحكومة؟
الأنواء تعلن حالة الطقس في العراق للأيام المقبلة
اليابان تجرب مصعدا إلى الفضاء!
استخدام تقنية التعرف على الوجه في مطارات الهند
روسيا تستأنف إنتاج أضخم "سفينة طائرة" في العالم
جماعة علماء العراق: حرق القنصلية الايرانية تصرف همجي!!
البرلمان العراقى يعقد جلسة استثنائية لمناقشة الأوضاع بالبصرة اليوم
قمة طهران تخطف صواب الغرب وتذهل ساسته
معلومات لم تسمعها عن "المختار الثقفي"..من أديا دوري الامام الحسين وأخيه قمر بني هاشم؟!
الأمم المتحدة تطالب الصين بالإفراج عن مليون مسلم من الأويغور