المقدسي

شمس الدين محمد بن أحمد

Monday, May 29, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
شمس الدين محمد بن أحمد المقدسي (335 ـ نحو390هـ/ 947 ـ نحو 1000 م) محمد بن أحمد بن أبي بكر البنّاء المقدسي، ويقال له البشاري؛ شمس الدين أبو عبد الله، جغرافي ورحالة عربي. ويرى كريمر Kramer في المقدسي أكثر الجغرافيين أصالة. ولد في القدس، وهو حفيد من اشتهر ببنائه لميناء عكا في عهد ابن طولون، وتنتمي أسرة أمه إلى قرية على مقربة من حدود خراسان.

تعلم المقدسي القراءة والكتابة وحفظ القرآن، وعرف شيئاً من النحو وعلوم اللغة. رحل إلى العراق وتفقه على مذهب أبي حنيفة، وجالس كثيراً الفقهاء والعلماء، وانكب على دراسة تصانيف العلماء، ولزم دور الكتب، مما ساعده على معرفة مساحات واسعة من العالم الإسلامي.

طاف المقدسي في معظم بلدان العالم الإسلامي، وامتاز بتحقيقاته المستندة إلى المشاهدة، ولم يسبقه شخص في اتساع مجال أسفاره وعمق ملاحظاته وإخضاعه المادة التي جمعها لصياغة منتظمة.

بدأ المقدسي بتأليف كتابه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» عام 375هـ/985م وكان قد بلغ الأربعين من عمره، واستغرق إنجازه نحو ثلاثة أعوام، وكان كتابه هذا آخر ما يمثل الدراسة التقليدية (الكلاسيكية) من كبار الجغرافيين العرب في القرن الرابع الهجري. ووُجد الكتاب في مسودتين تعود إحداهما - وفقاً لألفاظ المؤلف نفسه - إلى عام 375هـ/985 ـ 986م، أما الثانية وهي التي استعملها ياقوت فقد أكملت بعد ثلاثة أعوام من ذلك التاريخ عام 378هـ/988 ـ 989م.

اقتصر كتاب المقدسي «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» على تقديم معرفة واسعة للأقطار الإسلامية، واتبع منهجاً في كتابه؛ إذ بدأ في العموميات عن كل إقليم قام بدراسته ثم انتقل بالوصف إلى المدن والنواحي، وبعدها قدم معلومات تخص الأخلاق والعقائد الدينية.

قسم المقدسي في كتابه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم»، العالم الإسلامي إلى أربعة أقسام، ولكل قسم منها خرائط مستقلة، واستخدم طرقاً لتمثيل الظاهرات الجغرافية حتى يمكن للجميع فهمها؛ فرسم الطرق المعروفة بالحمرة، والرمال الذهبية بالصفرة، والبحار المالحة بالخضرة، والأنهار بالزرقة، والجبال المشهورة بالغبرة.

وقد بدأ المقدسي كتابه بمدخل طويل ومكثف عن الجغرافية الطبيعية معتمداً على من سبقه في تقسيماتهم والتسميات الدارجة التي تبنوها، وعالج في القسم الأول أقاليم عربية مثل: جزيرة العرب والعراق والجزيرة العليا وبلاد الشام ومصر والمغرب، ثم عرّج في القسم الثاني على الأقاليم الفارسية والبلدان الإسلامية الشرقية مثل: بلاد ماوراء النهر وخراسان، والديلم، والقوقاز، وفارس.

اعتمد المقدسي في منهجه بالكتابة على الملاحظة والتدقيق في رحلاته ومشاهداته، يتحرى ما يُنقل إليه ويتفحصه ويدققه، وكان يُعنى بالعادات الغريبة، وكان يعمد أيضاً في حالات كثيرة إلى تغيير اسمه أو إلى التنكر للدخول في الأماكن والطوائف المختلفة.

تميّز كتاب المقدسي «أحسن التقاسيم» من سواه بالوصف الدقيق، ووضوح المعاناة في تأليفه، إضافة إلى إعراضه عما ذكره غيره عن بعض الأقاليم، فهو لايتطرق على سبيل المثال في حديثه عن إقليم المغرب إلى ما ذُكر قبله عنه، وبذلك يعدُّ من مفاخر عمله ودقته وأمانته العلمية. وقد فندّ المقدسي الطرائق التي اتبعها غيره، فابن الفقيه الهمذاني كما يرى وكذلك الجاحظ وابن خرداذبة جاءت الفوائد عندهم قليلة بسبب عدم ذكرهم إلا المدائن العظمى، وتجنبهم ترتيب الكور والأخبار.

وما يراه المقدسي من اختلاف كتابه عن مؤلفات من سبقه يكمن في رحلاته التي قام بها، ومنهجه في الكتابة الذي يبدأ فيه الحديث الإجمالي ثم ينتهي بمعلومات تفصيلية يتناول فيها المناخ والديانة والتجارة والغرائب والمظاهر الجغرافية الأخرى، وفي ذلك قوله عن إقليم الشام: «إقليم الشام جليل الشأن ديار النبيّين ومركز الصالحين، ومعدن البدلاء ومطلب الفضلاء. به القبلة الأولى وموضع الحشر...» ويتابع تعداده لبقية عجائب بلاد الشام الأخرى في فلسطين والقدس مسقط رأسه: «بيت المقدس ليس في مدائن الكْور أكبر منها وقصبات كثيرة أصغر منها كاصطخر وقاين الفَرَما. لاشديدة البرد وليس بها حر وقل ما يقع بها ثلج...» ثم يتابع في وصف مدن فلسطين.

زار المقدسي صقلية ولم تصل رحلاته إلى الأندلس، واعترف أن ما ورد عن الأندلس استقاه من حاجّين لتقاهما في مكة عام 377هـ.

قال المستشرق غلد ميستر Gild Meister عن المقدسي: «امتاز عن سائر علماء البلدان بكثرة ملاحظاته وسعة نظره». وقال فيه سبرنغر Sprenger «لم يتجول سائح في البلاد كما تجول المقدسي، ولم ينته أحد أو يحسن ترتيب ما علم به مثله».

نشر المستشرق «دي خويه» كتاب المقدسي عام 1906 وطبع في ليدن.
 فياض سكيكر

مراجع للاستزادة:

ـ عبد الرحمن حميدة، أعلام الجغرافيين العرب (دار الفكر، دمشق 1980).

ـ أغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوڤسكي، تاريخ الأدب الجغرافي العربي، ترجمة صلاح الدين عثمان هاشم (دار الغرب الإسلامي، بيروت 1987).
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.