موتسارت

Friday, June 30, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
موتسارت
(1756ـ 1791) فولفغانغ أماديوس موتسارت Wolfgang Amadeus Mozart مؤلف موسيقي نمساوي، ولد في سالتسبورغ وتوفي في ڤيينا، وهو ابن المؤلف الموسيقي وعازف الكمان ليوبولد موتسارت Leopold Mozart. أظهر الابن موتسارت منذ الثالثة من عمره ميولاً موسيقية خارقة، وبدأ يعزف بالكلاڤسان[ر. البيانو] Clavecin في سن الرابعة، وأدهش أباه بقدرته الفائقة على فهم واستيعاب علوم موسيقية تفوق إمكانات سنه. ومع بلوغه السادسة من العمر كان في وسع ڤولفغانغ ومن دون أدنى عناء اجتياز اختبارات عزف وقراءة وتأليف أعِدَّت لمؤلفين محترفين. أدرك ليوبولد منذ اللحظة الأولى الموهبة الخارقة الكامنة في أعماق ولده، وفكر في إظهار مواهب طفله وعرضها في الأوساط الموسيقية للعواصم الأوربية.

تنقّل الطفل عام 1762 برفقة والده وأخته ماريانا Marianna عازفة الكلاڤسان الماهرة في جولة تمهيدية بين باڤاريا وهنغاريا والنمسا، وزار بلاط الامبراطور فرانتس الأول مثيراً إعجاب أرستقراطية ڤيينا، الأمر الذي شجع ليوبولد على الانطلاق في جولة أوربية أوسع استغرقت ثلاث سنوات ونصفاً تنقل فيها الطفل موتسارت بين مونيخ وبروكسل وباريس وڤرساي ولندن وجنيڤ، واستقبل في البلاطين الفرنسي والإنكليزي، وتعرّف شخصيات مهمة مثل يوهان كريستيان باخ[ر] J.C.Bach والعلاّمة دينيس دارّينغتون D.Darrington الذي اختبر الطفل المعجزة بمنهجية علمية معترفاً بعبقريته وهو لم يتجاوز الثامنة من العمر. وفي نهاية عام 1766 عاد ليوبولد مع طفليه إلى سالتسبورغ ليقضي فترة هجوع لم تتجاوز تسعة أشهر ليعود إلى الانطلاق في جولة قصيرة إلى ڤيينا مع ابنه الذي أصبح في الثانية عشرة من العمر، وبدأ تأليف أعمال موسيقية جدّية كالأوبرات القصيرة «باستيان وباستيين» Bastian und Bastienne، و«المخادعة الساذجة» La finta simplice ت(1768). ومع اقتراب نهاية عام 1769 انطلق ليوبولد مع ولده في جولة مهمة في إيطاليا استغرقت أكثر من سنة تعرّف فيها موتسارت موسيقيين مهمين مثل سامارتيني Sammartini، والأب مارتيني P. Martini،  والمؤلف الموسيقي البوهيمي ميسليفيتشيك Myslivecek، وقلّده البابا كليمان الرابع عشر Clement XIV وسام المهماز الذهبي.

عاد ليوبولد وولده إلى سالتسبورغ يوم وفاة الأرشيدوق فون شراتنباخ von Schrattenbach الذي عُرِف بطيبته وتسامحه مع ليوبولد وصبره وغضه النظر عن تكرار وطول غيابه عن وظيفته في جوقة الكنيسة. وتم اختيار الكونت فون كولوريدو von Colloredo أرشيدوقاً لمدينة سالتسبورغ في آذار/مارس 1772، وعين موتسارت في وظيفة ثابتة في جوقة الكنيسة. وفي العام نفسه ألف موتسارت سبع سمفونيات (من رقم 15 إلى 21) وأوبرا «لوتشيو سيلاّ» Lucio Silla.

يتفق المؤرخون على تسمية الفترة الواقعة بين عامي 1773-1777 عصر سالتسبورغ. وتذخر هذه المرحلة بمؤلفات مهمة كالرباعيات الوترية[ر] (رقم 8 حتى 13)، وسمفونيات (من 22 حتى 30)، وثلاثة قداسات Mass كنسية، وخمس حواريات[ر] (كونشرتو) Concerto للكمان مع الأوركسترا، وأربع حواريات للبيانو (من 6 حتى 9)، وأوبرات مثل «الملك الراعي» Ré Pastore، و«البستانية المخادعة» La Finta giardiniera.

ومع تنامي إحساس موتسارت بهدره وقته، وضياع موهبته في مدينة صغيرة مثل سالتسبورغ يحكمها أرشيدوق يضيق عليه الخناق، تقدم موتسارت لرئيسه الأرشيدوق بطلب إجازة مديدة، إلا أن طلبه قوبل بالرفض الأمر الذي اضطره إلى تقديم استقالته في آب/أغسطس 1777، والانطلاق في جولة موسيقية برفقة والدته إلى باريس مروراً بمونيخ ومانهايم في ألمانيا.

وصل موتسارت إلى باريس في آذار/مارس 1778، لكنه لم يحقق النجاح المتوقع إذ أبدت الأوساط الموسيقية- التي صفقت للطفل المعجزة كثيراً من اللامبالاة تجاه الموسيقي الشاب. وعلى الرغم من الضائقة المادية ومصاعب الإقامة ألّف موتسارت سمفونيته الباريسية (رقم 31) وسمفونية حوارية (كونسرتانته) لآلات النفخ، وحوارية لثنائي الفلوت Flute والهارب Harp.

وعلى نحو غير متوقع ساءت حالة والدته الصحية وتوفيت فجأة، وخيم الحزن على رحلة باريس، التي غادرها في أيلول/سبتمبر عام 1778 عائداً إلى سالتسبورغ ليعمل عازف أرغن في بلاط الأرشيدوق كولوريدو، إلا أن أنظاره ظلت معلقة خارج سالتسبورغ. ووقعت القطيعة النهائية مع الأرشيدوق المتكبر في أيار/مايو 1781، وصمم موتسارت على متابعة نشاطه الموسيقي في ڤيينا فناناً مستقلاً، وعمل في تدريس أبناء أرستقراطية ڤيينا، وتابع تأليف أعمال بديعة كالسيريناده Serenade لـ 12 آلة نفخ، وسوناتا لآلتي بيانو، والعديد من السوناتات للكمان والبيانو…

تقرّب موتسارت من بلاط ڤيينا مدركاً رغبة الامبراطور يوزف الثاني في رعاية تأليف أوبرات ناطقة باللغة الألمانية وتشجيعها. وابتسم له الحظ حين كلفه الامبراطور تأليف أوبرا «الاختطاف من السراي» التي قدمت بنجاح عام 1782 على الرغم من انتقادات الحساد وتعليقاتهم. وبعد نحو شهرين من تقديم أوبراه تزوج موتسارت كونستانتسا ڤيبر Constanza Weber بعد ممانعة طويلة من والده. ولم تتحسن الحالة المادية للزوجين على الرغم من الشهرة والنجاح اللذين حققهما موتسارت في ڤيينا. ولعل السبب يكمن في عدم التناسب بين السوية المعيشية (شبه الأرستقراطية) للزوجين ودخله المعتدل، إلى جانب شيء من سوء تدبير زوجته الفتية. وتتالت المؤلفات البديعة كالسمفونيتين رقم 35 «هافنر» Haffner ت(1782)، ورقم 36 «لينتس» Linz ت(1783). وفي الفترة بين عامي 1782- 1786 ألف خمس عشرة حوارية للبيانو مع الأوركسترا، وست رباعيات وترية حيّا بها الموسيقي الجليل يوزف هايدن[ر] J.Haydn عُرفت بـ«رباعيات هايدن». وفي عام 1786 أنجز موتسارت أوبرا «زواج فيغارو» Le Nozze di Figaro على نص من صياغة لورينزو دابونتي L.Da Ponte مستوحى من مسرحية الكاتب الفرنسي بومارشيه Beaumarchais. قدمت الأوبرا بنجاح في أيار/مايو 1876 في ڤيينا. وقبل نهاية العام ذاته أنهى موتسارت تأليف سمفونيته الـ 38 «براغ» Prag وحوارية البيانو رقم 25.

فوجئ موتسارت في أيار/مايو 1787 بنبأ وفاة والده، لكنه سرعان ما تجاوز أحزانه مؤلفاً خماسيتين وتريتين، وسيريناده (أصبحت شهيرة) عرفت باسم «موسيقى ليلية صغيرة» Eine kleine Nachtmusik. وفي خريف العام ذاته أنهى أوبراه العظيمة «دون جوفاني» Don Giovanni على نص من صياغة دابونتي وقدمت الأوبرا في براغ بنجاح فائق. وعند عودته إلى فيينا تلقى موتسارت بفرح بالغ نبأ تعيينه موسيقياً في بلاط الامبراطور، ولكن بمرتبة أدنى من منافسه الغيور أنطونيو سالييري A.Salieri ت(1750- 1825). ومع حلول عام 1788 حتى وفاته عاش حياته في بؤس متفاقم وعزلة متزايدة. وعلى الرغم من همومه المادية لم يتباطأ موتسارت في التأليف وتطوير أسلوبه، فأنجز السمفونيات الثلاث الأخيرة في فترة ستة أسابيع. وبحث عن رزقه خارج ڤيينا فانطلق إلى برلين وبراغ ودريسدن ولايبزيغ وبوتسدام مقيماً الأمسيات الموسيقية.

ومن المستغرب أن يعود موتسارت إلى ڤيينا بجيوب فارغة. ففي تلك الفترة العصيبة تلقى طلباً من الامبراطور يوزف الثاني لتأليف أوبرا جديدة «كلهن يفعلن هكذا» Cosi fan tutte على نص من تأليف صديقه دابونتي، وعرضت الأوبرا بنجاح متواضع. وبعد نحو شهر من ذلك توفي الامبراطور، وغادر دابونتي ڤيينا ورحل هايدن إلى لندن، وهكذا دخل موتسارت في عزلة تامة وفاقة مادية مطلقة. وعلى الرغم من هذه الصعوبات استمر في العطاء فألف الخماسية الوترية الخامسة، والحوارية السابعة والعشرين للبيانو.

وفي عامه الأخير قدم موتسارت أوبرا «كليمنزا دي تيتو» Clemenza di Tito، وآخر أوبراته الرائعة «الناي السحري» Die Zauberflute، ومؤلفه الخالد «القداس الجنائزي» Requiem الذي بقي من دون إنهاء. وفي الخامس من كانون الأول/ ديسمبر 1791 توقف عطاؤه الكبير بنهاية حياته القصيرة، ودفن جثمانه في إحدى الحفر الجماعية إلى جانب جثث المتسولين والبؤساء والمنسيين.

أعماله:

تتميز عبقرية موتسارت بالخصوبة والتنوع والعفوية، وبإلهام لا يفتر ولا يثمر إلا بعطاء موسيقي في غاية الجمال والسمو. ألف الأوبرا بعفوية نادرة، وأسهم في تطوير السمفونية والحوارية ضمن حدود قالب السوناتا بأسلوب لا تعوقه القيود النظرية ولا يحرجه التعصب والتشدد الأكاديميان. والتعبير الأكثر مباشرة والأكثر صراحة لعبقرية موتسارت في الدراما تجسد في المسرح الغنائي. فقد أبدع نحو 20 عملاً موسيقياً مسرحياً، خمساً منها بلغ حدّ الإتقان الفائق مثل أوبرات: «دون جوفاني» و«زواج فيغارو» و«كلهنّ يفعلن هكذا» و«الناي السحري» و«الاختطاف من السراي». وعلى الرغم من أنه اعتمد نصوصاً إيطالية في تأليف معظم الأوبرات فإن أوبراته الأخيرة تخلت عن التقيد الحرفي بتقاليد الأوبرا الإيطالية من دون أن تتعارض معها في الصميم.

من أهم ميزات التأليف الموسيقي عند موتسارت رقيّ أسلوبه الشخصي في خصوصية الإيحاء بالرقة والحنان، وفي سموّ تعبيره عن الكآبة واليأس بأساليب تترفع عن الوسائل السطحية والسهلة في مكاشفة هذه المشاعر الخاصة ووصفها. وتتفق غالبية المؤرخين على عد موتسارت سيّد من ألف الأوبرا، حتى إنهم وصفوا أوبرا «دون جوفاني» بأنها «أوبرا الأوبرات».

ألف موتسارت أكثر من خمسين سمفونية، اعتاد الباحثون على اعتماد إحدى وأربعين سمفونية فقط ألفها موتسارت في مختلف مراحل تطوره، إذ ثمة في مرحلة الطفولة والتأسيس سمفونيات تزخر بخواطر وأفكار طريفة، بعضها يتنبأ بروائع ستنجز في المستقبل. وأسلوب هذه المرحلة في غاية الطفولية من شفافية وظرافة وفكاهة بسيطة وندرة العواطف الحزينة. ولا يلاحظ في هذه المرحلة أي تعبير ذكوري أو بطولي أو درامي مأساوي.

في أثناء إقامة موتسارت في سالتسبورغ ألف سمفونيات وفق المعايير الجمالية للمدرسة الإيطالية من ثلاث حركات ذات أفكار وجمل موسيقية بسيطة وقصيرة تتصف بلحنية خلابة مع بعض الميل للإعادة والتكرار. ومع تأليفه للسمفونية الثامنة عشرة عام 1772 تبدأ علائم التخلي عن الاتجاه الإيطالي بالظهور، إذ يتنافى فيه أثر سمفونيات هايدن. وتتميز السمفونية (18) باللحنية النبيلة وبحداثة البنية ومتانتها. وإثر زيارته لمدينة مانهايم واطلاعه على إنجازات مدرستها الموسيقية، بدأ موتسارت بالتأليف لأوركسترا تضم عدداً أكبر من العازفين (السمفونية 31 وما بعدها). وحشد موتسارت في سمفونياته الثلاث الأخيرة (39 و 40 و41) كل أطياف قدراته الفنية ليجمع في مزيج موفّق البراعة الفنية والإشراق والبهجة، جاعلاً من هذه السمفونيات معجزة في البناء السمفوني.

ولموتسارت موقع الصدارة بين مؤلفي موسيقى البيانو، وإن استثنيت محاولات لم يكتب لها الاستمرار (على يد هايدن وأبناء باخ) فالفضل يعود لموتسارت وحده في إرساء قواعد تأليف حوارية البيانو، والارتقاء بها لحد يضمن لها البقاء والخلود. ويعد موتسارت باحثاً كبيراً ورائداً مهماً في ميدان تجديد شكل حوارية البيانو وتطويرها وتحديدها بتأليفه لـ 27 حوارية. وكل إنجاز جديد أتى ليسهم في بنائها، وما كان ليتخلى عن تجربة إلا ليباشر أخرى باحثاً عن شكل جديد سرعان ما ينساه أو يعود إليه في مرحلة لاحقة سعياً إلى المثالية والكمال.

ارتقى موتسارت في تأليفه للسيريناده والديفيرتيمنتو Divertimento من مجرد ظاهرة لحنية تستخدم خلفية موسيقية ترافق ثرثرة الأرستقراطية في حفلات العشاء والاستقبال إلى شكل موسيقي متكامل في أجواء شاعرية بمنحهما كثيراً من طابعه الشخصي محلقاً بهما. واعتنى في تكوين فرقة العازفين معتمداً على آلات النفخ الأكثر ملاءمة للعزف في الهواء الطلق. وسعياً للمزيد من التلوين، أضاف في بعض مؤلفاته آلات الكونترباصون وهورن الصيد والكلارينيت آلتو Alto. وبعد عام 1781 قلّ تأليف السيرينادات عند موتسارت، والقليل الذي ألفه مثل سيرناده رقم 10 كان في غاية الجودة.

لم يترك موتسارت مجالاً في التأليف الموسيقي إلا وتطرق إليه، ومن الصعب سرد كل مؤلفاته واستعراضها. فقد ألف: 16 قداساً، و7خماسيات وترية، و23 رباعية وترية، و7 ثلاثيات، و43 سوناتا للكمان والبيانو، و17 سوناتا للبيانو المنفرد، والعديد من المارشات والرقصات والآريات Aria، جميعها موسيقى عظيمة في تنوعها وغزارتها، خلابة بجمالها وسلاستها، تندمج فيها الأناقة ولطف الظاهر مع بناء متقن يبلغ حد الكمال. وعبقرية موتسارت ما هي إلا ثمرة هبة غامضة ومحيرة وخارقة للطبيعة الأم صُقلت بعناية ومتابعة وتدريب. موتسارت موسيقي أحبه الأطفال والفلاسفة.

واهي سفريان

 
 مراجع للاستزادة:

 ـ تيودور فيني، تاريخ الموسيقى العالمية، ترجمة سمحة الخولي (دار المعرفة، القاهرة 1986).

- PERCY & SCHOLES, The Oxford Companion to Music, (OUP. London 1986).

- N. DUFOURCQ, La musique, (Librairie Larousse, Paris 1965).


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.