
ولد سماحته فی سنة 1304 هجری شمسی فی عائلة متدیِّنة وملتزمة فی مدینة همدان. وکان والده المرحوم حجة الإسلام والمسلمین الحاج شیخ ابراهیم نوری الهمدانی من العلماء المبجلین فی همدان , ومعاصر مع آیة الله العظمى آخوند ملا علی الهمدانی والذی کان یسکن فی نفس الحجرة معه
الدراسة
بدأ سماحته التعلیم فی السابعة من عمره , الأدبیات الفارسیة , گلستان سعدی , الإنشاء , ولقد درس ترسل النصاب و....إلى معالم الأصول عند والده المکرم . وفی سنة 1321 شمسی دخل مدرسة المرحوم آیة الله العظمى آخوند الهمدانی ودامت دراسته وتعلمه فیها حوالی السنة والنصف . ولکن اشتیاقه وتعطشه إلى التعلیم والاستعداد الفائق الذی کان فی وجود سعادته والذی کان مضرب الأمثال جعله بعد مدة قصیرة من الإقامة فی همدان أن یشد الرحال إلى مدینة قم المقدسة وأن یقیم فی عش أهل بیت العصمة والطهارة (علیهم السلام ) واستطاع بتحمل جمیع مشقات ذلک الزمان أن یحظى بدروس الأساتیذ البارزین للحوزة العلمیة بقم المقدسة
الأساتیذ
وبناءً على ما بینّا انه تعلم الدروس الابتدائیة فی حضرة والده المعظم ثم حضر عند الکبار من الحوزة العلمیة فی همدان بالأخص آیة ا... العظمى آخوند ملا علی الهمدانی والذی نال شرف التلمذة عندهِ .
وبعد دخوله إلى الحوزة العلمیة فی قم نال أکثر الاستفادة من الآیات العظام :داماد , حجت کوهکمره ای , العلامة الطباطبائی , البروجردی والإمام الخمینی (علیهم الرحمة) وهذا القسم الذی نقرأه من لسان آیة ا... العظمى نوری الهمدانی بنفسه :
وهو إن أحد أساتذتنا المهمین هو آیة الله العظمى سید محمد داماد والذی حضرت درس الفقه والأصول عند سعادته حوالی 12 سنة . وقد کنا عدة من التلامیذ معروفین بطلاب داماد. ولقد کان رجلاً دقیقاً ودقة نظره إنصافاً کانت جیدة جداً . وکان یمتاز بتربیة الطلاب والعنایة بهم . واحتفظ بما کتبته من المرحوم . کنت اکتب دروسه ومن ثم أعرضه علیه . فکان یقرئه وکان یکتب أشیاءَ فی الحاشیة والذی حینما انظر إلیها أراها تِذکاراً تعلیمیاً ومهماً.
فی التواضع , فی الإخلاص وبساطة المعیشة قلّ من یحصل مثله ولا أنسى أنه کان یوماً فی الدرس , فی مسألة الوضوء وصل إلى هذا الموضوع بان المتوضئ یجب أن یسکب الماء بنفسه ویتوضأ بنِفسه ولا یعینه احد طبعاً الاستعانة لها مراتب فبعض مراتبها تبطل الوضوء وبعض مراتبها مکروهة وقرأ لنا روایة من «الوسائل» بأن الإمام الرضا (ع) عندما ورد إلى مجلس المأمون وکان یتوضأ بشکل کان احد یسکب الماء فی یده . فقال الإمام الرضا (ع) للمأمون )) لا تشرک بالله یا أمیر المؤمنین )) فعندما قرأ هذه الکلمة بان الإمام الرضا قال للمأمون , أمیر المؤمنین . فکلمة أمیر المؤمنین غیرت أحواله واخذ بالبکاء بحیث انه لم یستطع ذلک الیوم أن یستمر فی الدرس وتأسف کثیراً أن تکون الحالة بهذا الشکل بحیث یقول الإمام الرضا (ع) للمأمون أمیر المؤمنین !
أقول عن إخلاصه بأنه فی ذلک الیوم ببکائه أثر فینا جمیعاً ولم یستطع التدریس ووضع عباءته على رأسه وترک الجلسة .
ومن جملة الذین درست عندهم آیة الله السید العلامة الطباطبائی والذی حضرت عنده فی درس أسفاره مدة خمس سنوات ومن الجدیر بالذکر أن عظمة وعلو مقام آیة الله العلامة الطباطبائی من حیث الأخلاق والکمال والمعلومات وتربیة الطلاب لا یحتاج إلى التوضیح والتبجیل .
وان احد أساتیذنا الکبار هو آیة العظمى سید محمد حجت کوهکمری .
والذی اشترکت مدة طویلة وکان درسه فی قم ممتازاً فی ذلک الزمان .
کان أستاذاً جلیل القدر وکان حسن البیان . وکان صاحب سلاسة فی التدریس . فکان یفصل الدروس إلى فصول . وکان تفصیله للدرس بطریقة یسهل کتابتها . یجب أن تکون طریقته لنا درساً لکی ننظم مطالب الدروس . مثلاً عندما کان یدرسنا البیع الفضولی , فی البیع الفضولی هناک عدة مبانی : مبنا الشیخ الأنصاری , مبنا المرحوم آخوند الخراسانی ـ الذی یستفاد من حاشیة آخوند الخراسانی فی المکاسب ـ مبنا المرحوم سید محمد کاظم الیزدی , مبنا المرحوم شیخ محمد حسین الکمپانی الاصفهانی ومبناه هو وکانت خمسة أو ستة مبانی من أول بیع الفضولی إلى الآخر ففی کل یوم کان ینظم مبحث کلٍ منهم بطریقةِ مبناه وبطریقةٍ بحیث کان الفرد یتعجب من طریقة تفصیله وبیانه . وکان یبین فی کل مسألة بهذه الطریقة ما یقتضیه من البیان من المبنا .أو فی صحة ونفوذ البیع الفضولی أو موضوع الإجازة مثلا وفی النقل وأقسام الکشف و.....کان له تفصیل وتنظیم جمیل جداً .
وقد خطر ببالی الحسنة الأخرى التی تتعلق به وهی انه یوماً أصبح فی حافة الاحتضار فذهبت إلى داره , قرب مدرسة ألحجتیه . کنت فی ساحة البیت وکان هناک أشخاص آخرون . کنا جمیعا فی تألم وحزن . جاء احد وقال : لقد احضروا شیئاً من تربة سید الشهداء , أخلطوه مع قلیلٍ من الماء . لیشربه . فأخذه سماحته وأدناه من شفتیه وقال: ( آخر زادی من الدنیا تربة الحسین علیه السلام ).
فشربه وقال اشهد أن لا اله إلاَّ الله وتوجه القبلة والتحق بجوار ربه .
وکان احد أساتیذی سماحة آیة الله العظمى السید البروجردی , وقد اشترکت فی دروسه من یوم قدومه إلى قم وإلى یوم ارتحاله من الدنیا حوالی 15سنة کان لی الشرف فی حضور جمیع دروسه وقد کتبت المقدار الکثیر من دروس الفقه والأصول لذلک الأستاذ الکبیر (أعلى الله مقامه) وفی أثناء الحضور فی الدرس کنت اکتب بعض المطالب لذلک الدرس وبعد الدرس کنت اعرض ذلک على سماحته وفی بعض الأحیان نظراً لجلالته کان یشوقنی .
وکان سماحة آیة الله البروجردی , من جانب الکرم والسخاء له امتیاز خاص . فکان یوماً من الأیام جالساً فی المجلس ( مجلس استقبال الناس ) , دخلت امرأة وقد رءاها السید . قال للخادم : انظر ماذا ترید هذه الإمرأة . قال الخادم : هذه علویة , وکانت ترید مبلغاً لشراء عباءة وقد أُعطیت خمسین توماناً . فعندما سمع السید اسم العلویة قال: علویة وخمسین تومان ؟ وکأنما قد استقلل الخمسین توماناً للعلویة . وفی الحال الخمسین تومان ما کان بالمبلغ القلیل .قال: أعطوها أربعمائة أو خمسمائة تومان . فی کل الأحوال کان کل من یقصده کان یعطیهم أکثر ما کانوا یتوقعون .
کان احد أساتذتنا الکبار , الإمام الخمینی (رحمه الله) حول الإمام یجب أن أقول أول سبیل للمعرفة مع سیادته . هو فی مطلع ورودی إلى قم سنة ألف وثلاثمائة واثنان وستین هجری قمری کان یدرس الأخلاق وذلک فی یوم الجمعة عصراً . ساعة قبل غروب الشمس فی مدرسة الفیضیة تحت المکتبة . وبعد ذلک کانت تقام صلاة الجماعة بواسطة آیة الله العظمى (الخوانساری) , وکنت اشترک فی درسه الأخلاقی والعرفانی والعلمی وکان هذا الدرس من الدروس ألمقوّمه والکاملة , الآیات والأحادیث الممزوجة مع المفاهیم العلمیة ، الأخلاق الذی مشروح مع المفاهیم البسیطة والمتکاملة والمؤثرة والذی کان یخرج من القلب ویدخل القلب قد أوجد تحولاً عمیقاً فی مستمعه .
کانت القاعة تمتلئ من الحضور, الصفاء والمعنویة العالیة کانت تطغى على الحاضرین وفی نفس الوقت کان سماحته من احد العلماء الکبار والمشاهیر وکان ممتازاً فی حدة النظر وعمق التفکیر فی واقعیة الأمور وسعة البصیرة . ومن الأشیاء التی کانت تُعرِّف فکرته وکان مؤثراً کبیراً فی الناس کتابه (کشف الأسرار)
والذی طبع فی ذلک الوقت وکان فی متناول أیدی الناس ومن الجدیر بالذکر أن هذا الکتاب ما زال من الکتب القیّمة والممتازة .
شخصیته کانت ذات أبعاد مختلفة احدها من جهة البعد الفلسفی ولعله لا اعرف أحداً مثله حتى الوقت الحاضر وإن کان فی ذلک الوقت فی طهران لدینا المرحوم آشتیانی ، وفی النجف العلاّمة الطباطبائی , وکذلک أستاذ الإمام المرحوم آیة الله العظمى السید (سید أبو الحسن القزوینی) والمعروف بالعلامة (رفیعی) والذی زار قم لعدة أشهر وکان یُدرِّس المعقول وکنت ممن یحضر درسه .
حول شخصیة سماحته یمکن الحدیث من جهات مختلفة والذی من نظری الشیء المهم معرفة الزمن . ویوجد فی المتون الدینیة یجب على العالم أن یکون عالماً بأمور زمانه فکان سماحته من جانب معرفة الحوادث ومقتضیات الزمان له امتیاز خاص . وفی وسط العلماء الکبار الذین کانت أفکارهم ومساعیهم تواکب الزمن استطاع أن یوجد تحولاً مشهوداً .
التقدیر من الأساتیذ
مع الإلهام من الآیات القرآنیة والروایات الإسلامیة وبالتأسی بسلفه الصالح بالنسبة إلى التقدیر والتعظیم لأساتذته لم یترک أی سعی لذلک وکان دائماً احد توصیاته إلى تلامذته ومخاطبیه التکریم والتجلیل من أساتذته إلى حدٍّ أنه قال مرَّات عدیدة ((أنا قد دونت جمیع أسماء أساتذتی وأدعو لهم فی صلاة اللیل حیث أن لهذا العمل برکات کثیرة ویوجب زیادة التوفیق للإنسان ))
التدریس
سماحة آیة الله نوری من بدأ دخوله الحوزة العلمیة فی قم ومزامنة مع الدراسة ، شرع فی التدریس فی مواضیع مختلفة فقهیة ، أصولیة , کلامیة ,أخلاقیة و...... وکانت دروسه مزدحمة ومن حضوره الفیاض استفادوا تلامذة کثیرون حتى وصل الأمر أن تدریسه لنهج البلاغة فی المسجد الأعظم فی زمن الطاغوت کان یعد من أحسن محتویات ذلک الزمان , مواضیعه المطروحة کانت من حیث المنطق والاستدلالات قد ضیقت الخناق على نظام الطاغوت بدرجةٍ أنهم لم یجدوا بداً الاّ بتعطیل ذلک الدرس ومع تعطیل ذلک الدرس قد حرموا المئات من فضلاء الحوزة العلمیة ـ والذین هم الآن یعدون من کبار الحوزة وخادمی النظام المقدس للجمهوریة الإسلامیة .
والآن قریب من ثلاثین سنة وهو مشتغل بالتدریس (درس الخارج) وما یقارب من ألف شخص من الفضلاء والعلماء البارزین ینهلون من فیض درسه
التألیفات
من حیث کتابة المطالب العلمیة ( سماحة آیة الله العظمى نوری الهمدانی ) یتقیّد بتقیّد خاص ومن وصایاه المؤکدة لطلابه أنهم یجب أن یکونون أهل قلم وان یکتبوا فی مواضیع مختلفة وعلى هذا الاصل سماحته له کتابات کثیرة وفی مواضیع مختلفة والتی تزید على 50 جلداً . فبعض تلک الکتابات طبعت وبعضها على شُرُف الطباعة وبعضها فی حالة التهیئة للطبع .
فالکتب التی طبعت لحد الآن هی :
1- الخمس
2- مسائل من الاجتهاد والتقلید
3- الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر من نظر الإسلام ـ عربی
4- الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر من نظر الإسلام ـ فارسی
5- الإسلام المجسم ـ شرح لأحوال کبار علماء الإسلام
6- مکان المرأة فی الإسلام
7- الجهاد ـ فارسی
8- الربا
9- علم عصر الفضاء
10- عجائب الخِلقة
11- عالَم الخِلقة
12- الإنسان والعالَم
13- الخوارج من منظار نهج البلاغة
14- حرکة ثوریة فی مصر
15- القصص التاریخیة
16- نحن والمسائل الیومیة
17- بیت المال من منظار نهج البلاغة
18- الاقتصاد الإسلامی
19- منطق معرفة الله
20- الجمهوریة الإسلامیة
21- رسالة توضیح المسائل
22- الاستعداد العسکری والحدودی فی الإسلام
23- ألف مسألة ومسألة فقهیة ـ استفتاءات ج1 و2
24- مناسک الحج ـ عربی
25- مناسک الحج ـ فارسی
26- منتخب المسائل ـ عربی
کل من هذه المؤلفات له مخاطب خاص وتستفید منه طبقات مختلفة
النشاطات السیاسیة والاجتماعیة
سماحته بما أنه کان تلمیذاً للإمام الخمینی (ره) وکان متعلقاً به لدرجة العشق ولذا نجده کان متأثراً بسلوکیات مؤسس الجمهوریة الإسلامیة بالأخص الجهة السیاسیة ولهذا النشاطات العلمیة العمیقة لم یغفل عن النشاطات والاجتماعیة وکان فی الصفوف المتقدمة للثائرین على النظام الشاهنشاهی البائد ولم یخفْ فی هذا الطریق من السجن والإبعاد و... واشترى جمیع هذه الأخطار بروحه ومع التوکل على الله سار فی أداء هذه الرسالة الثوریة بکل استطاعته والذی نسمع الیسیر من لسان جلالته :
أنا من جملة الأشخاص الذین وفقوا لعدة من السنین أن أدرس فی مدرسة آیة الله العظمى الإمام الخمینی وإضافة على المطالب العلمیة , نلت من سجایاه الأخلاقیة . وفی طول هذه السنین بالنظر للمتون والموازین الإسلامیة وجدت أن مسؤولیة طالب العلم لا تقتصر على الدرس والتدریس ولهذا من یوم الذی سماحته بدأ بالتحول والثورة حاولت أن أسیر خلفه قدر المستطاع . وفی ذلک الوقت کانت لی جلسات منظمة مع أصدقائی الذین کانوا یواکبونی بأفکارهم وکنا نتکلم حول الأوضاع الجاریة فی وقتها ولأجل السیر إلى الأمام کنا نتخذ بعض القرارات . أحیاناً کنا نوزع المناشیر ضد النظام والشاه وبالطبع أنا کنت منظم لبعض هذه المتون .
فی النشر والتوزیع أیضاً کان لی مساعد قریب . ولهذا الغرض کنا نرسل البعض إلى مناطق أخرى .
سجن قزل قلعه
بعد ما أُبعد الإمام إلى ترکیا ؛ المناشیر التی کانت تصدر ضد النظام من قم کانت تحمل إمضائی أیضاً ولهذا هجم عدة من جانب الساواک على منزلی وفتشوا کل مکان بدقّة وحتى الکتب کانوا یتصفحونها وأخذوا مجموعة من الکتب ثم اعتقلونی وأخذونی إلى ساواک قم ، والذی کان فی شارع القطار ، وبتُّ لیلة هناک وبعده نُقلت إلى طهران ، سجن قزل قلعه هذا السجن کان احد سجون نظام الشاه والذی کانوا یسجنون فیها ، فی السجن ، لفت نظری أن هناک بعض السادة ؛ ومن الجدیر بالذکر کنا فی زنزانات انفرادیة وفی الیوم ثلاث مرات صباحاً ، ظهراً ومساءً کانوا یفتحون باب الزنزانة وکنا نخرج من أجل تجدید الوضوء فعندما کنت خارج من أجل الوضوء من بعید رأیت أولئک السادة وعلمت أنهم هناک.
فی داخل الزنزانة لم یوجد ضیاء سوى فتحة صغیرة من فوق الباب کان شعاعاً ضعیفاً یدخل الزنزانة وکانت هذه الزنزانات بقدر من الصغر بحیث لو فتحنا ذراعینا لوصل إلى طرفی الزنزانة وأما الأرض فکانت مفروشة بأحجار غیر مستویة بحیث أن المرأ لو أراد أن یضطجع لآلمته بشدة .
حوالی ثلاثة أشهر کنت فیها بلا محاکمة أو ملاقاة ولا یسمح لنا الخروج إلاّ حین الوضوء . بعد المحاکمة کنا نخرج إلى الساحة لمدة عشرة دقائق من أجل التنفیس والتمشی . عندما أخذونی للتحقیق کان أهم کلام لهم ( إنکم مؤیدون للإمام الخمینی وتأیداً له تکتبون المناشیر وتوقعون علیه) وما یقارب من شهرین بعد هذه المحاکمة أُطلق سراحی .
وبعد إطلاق سراحی بعدة شهور أصبحت لی سفرة إلى همدان . فی همدان جاء لزیارتی العلماء وغیر العلماء وکان الفصل صیفاً .فی مدرسة همدان بدأت بالتدریس والذی قوبل بالحفاوة . إضطرب ساواک همدان لما رأى أن الشباب والأهالی أخذوا بالاتصال معی ویحضرون درسی ولهذا بعذر ألقوا القبض علیَّ وأرسلونی إلى طهران فدخلت سجن قزل قلعه مرة أُخرى وبقیت مسجوناً فیها لعدة شهور.
ومن بعد إطلاق سراحی لمدة طویلة کنت ممنوع المنبر وما کان یسمح لی أن أعظ الناس أو أخطب فیهم ذهبت إلى رفسنجان وبعد صعودی المنبر مرتین أو ثلاث , اطلع ساواک کرمان بذلک ومنعنی من الاستمرار .
الیوم التاریخی 19دی56
من ذلک التاریخ رجعت إلى قم واشتغلت بالدرس والبحث والفرص المناسبة والمختلفة کنت أواصل أهدافی حتى جاءت حوادث 19دی 56 وذلک بالتفصیل التالی :
فی جریدة اطلاعات 17دی 56 طبعت مقالة جسورة على الإمام الخمینی , والذی کان سماحته فی ذلک الوقت فی النجف الأشرف . نشر هذه المقالة أثارت غضب السادة أساتیذ وفضلاء حوزة قم وبهذه المناسبة عُقدت جلسة فی منزلی وقد حضر فیها السادة : المشکینی , وحید الخراسانی . وفی تلک الجلسة أُتخذ القرار بعنوان الاعتراض على انتشار مثل هذه المقالة فی الخطوة الأولى أن تعطل الحوزة وسوق قم . وبالفعل تعطلت الحوزة وسوق قم . فضلاء الحوزة والسادة أصحاب السوق کانوا یترددون إلى بیوت المراجع والأساتیذ الکبار والذی کان تقام فیها مجالس الخطابة فی الاعتراض على النظام . یوم 19دی والذی کان فیه قبل الظهر قد ذهب السادة إلى بیت بعض الأساتیذ , قرروا أن یجتمعون بعد الظهر فی منزلی . هذا القرار قد أُعلن فی صلاة الجماعة ومن حدود ساعة بعد الظهر جاؤوا مجموعة ونصبوا عدةً من مکبرات الصوت فی المنزل والزقاق الناس کانوا یأتون شیئاً فشیئاً حتى امتلأ صحن الدار وأعلى الدور(السطوح) والزقاق أصبح مملوءاً بالحضور بحیث أن الازدحام وصل إلى الشارع ، فی الابتداء تکلم صهری السید سید حسین الموسوی التبریزی , وبعده رأیت من واجبی أن أتکلم وأبین بصراحة جنایات وظلم النظام , ولهذا خطبت خطبةً جامعةً وهجومیةً على نظام الشاه .
فی هذه الخطبة کنت أرى من الواجب أن أضع الإصبع على المرکز والمنبع الأساسی لهذه الجنایات ؛ ولهذا جعلت المرکزیة هدفاً لی وفی مقایسة حرکة الإمام المنجیة والتی تنشأ من الإسلام والقرآن وسیرة أهل بیت العصمة مع رد الفعل الذی یصدر من الاستکبار العالمی وعملائه قرأت هذه الأبیات من الشعر :
مه فشاند نور و سگ عو عو کند
هر کسى بر طینت خود مىتند
چون تو خفاشان بسى بینند خواب
کاین جهان ماند یتیم از آفتاب
کى شود دریا زپوز سگ نجس
کى شود خورشید از پف منطمس
در شب مهتاب مه را بر سماک
از سگان و عوعو ایشان چه باک
کارک خود مىگذارد هر کسى
آب نگدارد صفا بهر خسى
اى بریده آن لب و حلق و دهان
که کند تف سوى ماه آسمان
خس ، خسانه مىرود بر روى آب
آب صافى مىرود بىاضطراب
مصطفى مه مىشکافد نیمه شب
ژاژ میخاید ز کینه بو لهب
آن مسیحا مرده زنده مىکند
آن جهود از خشم سبلت مىکند
شحن الحاضرون بالطاقة عند سماعهم هذه الخطبة الجامعة والمنطقیة والمؤثرة ومع هتافات مهیجة خرجوا من المنزل . وقد رأیت من اللازم أن أتحرک مع الناس . خرجت معهم وعندما خرجنا من الزقاق ووصلنا الشارع حتى کانت مقدمة المسیرة وصلت إلى تقاطع الأربع طرق مقابل مرکز الشرطة . فی هذا المکان عمال النظام بدءوا بإطلاق النار على المتظاهرین ومع البنادق والرشاشات هجموا على الناس العزل الذین لم یحملوا معهم أی وسیلة للدفاع عن أنفسهم فکانت النتیجة أن استشهدت مجموعة وجرحت أخرى وسَلِمَتْ أخرى .هذه الحادثة کانت سبباً لقیام وحرکة الشعب فی مدن مختلفة فی إیران . وبمناسبة تعظیم شهداء هذا الیوم ابتدأت النهضة فی تبریز ومدن أخرى حتى شملت جمیع مدن إیران .
وبهذه المناسبة سُمّی زقاقنا (زقاق النهضة) . وعندما تشرف الإمام (رحمه الله) بزیارة قم شرفنا بزیارته لنا , وقیل له إن الثورة الإسلامیة قد بدأت من هذا البیت .
وبعد حادثة الخطابة فی 19دی کنت منتظراً أن یأتی الساواک ویعتقلنی ؛ وبهذه المناسبة کان لدی عمل فی طهران فذهبت من أجله فعند سفری کان الساواک قد دخلوا بیتی لیلاً وقد فتشوا کل مکان . فعندما رجعت وأخبرونی بالحادث جهزت نفسی أکثر وبعد الوداع والتهیئة اتصلت بالساواک وقلت : إذا تریدونی أنا رجعت من طهران وبعد نصف ساعة تقریباً جاءوا وأخذونی إلى مرکز شرطة قم . ومن هناک أبعدونی إلى خلخال .
إبعادی إلى خلخال دام عدة شهور . فی هذه المدة کانوا یقسون علیَّ . کل یوم کان یلزمنی الذهاب إلى مرکز الشرطة وکان علیَّ أن أوقع دفتراً هناک . کانوا یراقبون منزلنا بشدة وحتى التردد العادی کان تحت المراقبة .
کما صعّبوا علینا شراء الحاجات من المحلات وقد أوصوهم بعدم البیع لنا .
ففی صباح یوم من الأیام الذی کنت ذاهباً للتوقیع فی الدفتر ؛ قیل لی لا ترجع إلى المنزل لأنهم کانوا یریدون انتقالی إلى سقز . وکلما أصررت علیهم أن یمهلونی أن اذهب إلى البیت واخبرهم . لم یقبلوا .نقلونی بصحبة عدة من رجال الأمن إلى سقز .
فی سقز کان هناک عدة من السادة المبعدین .
زمن الإبعاد کان یمر علینا بصعوبة .عندما جاءت حکومة شریف إمامی من اجل حصول الوجاهة - مثلا - کان یطلق سراح السجناء السیاسیین . ویرجع المبعدین . ففی هذا الوقت أیضا أطلق سراحی .عندما أطلق سراحی من آخر مکان للتبعید یعنی سقز فی کردستان کان الإمام الخمینی رضوان الله علیه « فی پاریس » نوفل لوشاتو» بعد البقاء فی قم عدة أیام سافرت إلى پاریس , فی نوفل لوشاتو تشرفت بزیارة الإمام رضوان الله علیه وکنت اشترک فی الجلسات التی کان یعقدها الأستاذ الکبیر وصاحب لواء النهضة الإسلامیة وکما کانت لی معه عدة لقاءات خصوصیة.
وعند السفر إلى إیران وأعطانی ورقة مکتوبة بخطه المبارک وفیها أمور حول الحکومة الإسلامیة بعد سقوط النظام لکی اجعله مورد البحث مع السادة الدکتور بهشتی والأستاذ مطهری واکتب التقریر إلى نوفل لوشاتو والذی أجبت أوامره .
السعی من اجل إعلان مرجعیة الإمام الخمینی(رحمه الله)
من جملة الحوادث التی حصلت فی ذلک الوقت , وفاة آیة الله العظمى الحکیم (ره) نحن من جهة الخصوصیات العلمیة والخصائص الواضحة والمعروفة التی کنا نعرفها عند الإمام , قررنا أن نعمل على تعریف هذه الخصوصیات بصورة أحسن وأکمل للذین هم خارج الحوزات العلمیة . ولهذا قررنا أن نصدر منشور لیرجع الناس فیها بعد المرحوم السید الحکیم إلى الإمام .
اثنا عشر من مدرسین الحوزة العلمیة فی قم , والذی کنت أحدهم وقعنا على تأیید مرجعیة الإمام بعد السید الحکیم ووزعنا المنشور . علماء بقیة المدن استقبلوا هذا المنشور استقبالاً حسناً وفی بعض المناطق قرءوا هذا المنشور على المنابر والذی قد أثر ذلک .
بعد نشر هذا المنشور , کنت انتظر أن یأتی علی الساواک ؛ لأنّی کنت أعلم أن صدور مثل هذا المنشور لا یمرُّ من دون عقاب . وکان الأمر کذلک , فی یوم من الأیام ظهراً دخلوا رجال الساواک إلى منزلی , ونحن فی هذه الحوادث عملنا بواجبنا
الأسفار العلمیة - الثقافیة
آیة الله العظمى نوری الهمدانی بالأخذ بالأوامر القرآنیة بناءً على ((سیروا فی الأرض)) کانت له أسفاراً کثیرةً إلى أقصى نقاط العالم وفی هذه الأسفار فی ضمن إجراء المباحث العلمیة ومع الالتقاء مع الأفکار والثقافات المختلفة کان یزید على تجاربه .
یدلی سماحته حول أسفاره خارج إیران ویقول :
کنت فی سنة 58و59 ممثلاً للإمام فی اوروپا وکنت أتردد إلى تلک الدیار .خلال تلک السنتین عندما کنت فی قم کنت منشغلاً بالتدریس ولکن فی العطلة کنت أسافر إلى اروپا مثل : بریطانیا , فرنسا , ألمانیا , ایطالیا ، السوید , بلجیکیا , هولندا , الدانمرک ، سویسرا ، النرویج ، فنلندا , أسبانیا ، الیونان ، وترکیا ، وفی خلال اللقاءات وتشکیل المجالس کنت أشرح للناس الحقائق الإسلامیة وعظمة الثورة الإسلامیة وبتوفیق من الله تعالى کنت أجیب على الأسئلة العلمیة والدینیة , وکانت لی أسفار إلى باکستان وسفرة إلى تایلاند ، بنگلادش , والهند وفی هذه الأسفار إضافة على المعاشرة مع الفرق المختلفة وتبیان العلوم والمبادئ الإسلامیة کنت أؤکّد على مزایا الثورة الإسلامیة وتعریة الاستکبار العالمی .