أبو عبید الله شمس الدین محمد بن سلیمان الرودانی المکی. عالم ریاضی وفلکی اشتهر فی القرن الحادی عشر الهجری/السابع عشر المیلادی. ولد ببلدة تارودانت من قرى السوس بالمغرب الأقصى وبها نشأ وترعرع. وعندما بلغ سن النضج اضطر إلى السفر لطلب العلم فی درعة، حیث تتلمذ على کبار علمائها، ثم رحل منها إلى مراکش لتعلم علم الحکمة والهیئة والمنطق، ولکنه تفنن فی علم الفلک التجریبی.
زار أبو عبد الله الرودانی الجزائر وذلک لتدارس بعض النظریات الفلکیة المستعصیة مع علماء الفلک هناک. وبعد انتهائه من المغرب الأوسط دخل مصر والشام والأستانة، ثم استمر برحلته إلى الحجاز لأداء فریضة الحج ولتلقی العلوم الشرعیة على مشایخ الحرم المکی فمکث ردحا من الزمن متنقلا بین مکة المکرمة و المدینة المنورة ، ولذا عرف باسم المکی. وکان للرودانی بمکة المکرمة شأن إذ أنه قلد النظر فی أمر الحرمین فبنى رباطا عند باب إبراهیم، وعرف برباط ابن سلیمان، وبنى مقبرة بالمعلى عرفت بمقبرة ابن سلیمان، ولقد خرج من مکة على أثر فتنة فترکها إلى دمشق حیث قضى فیها آخر أیامه وبها دفن.
کان لأبی عبد الله الرودانی مکانة مرموقة بین معاصریه لمواهبه الجمة ونبوغه الفرید، فقد جمع بین العلوم الریاضیة والشرعیة وکان نتاج ذلک ابتداعه آلة نافعة فی علم التوقیت لم یسبق إلیها، وهی کرة مستدیرة الشکل، منعمة الصقل بالبیاض المموه بدهن الکتان، یحسبها الناظر بیضة من عسجد لإشراقها، مسطرة کلها دوائر ورسوما، وقد رکبت علیها کرة أخرى منقسمة نصفین، فیها تخاریم وتجاویف لدوائر البرج وغیرها، مستدیرة کالتی تحتها، مصقولة مصبوغة بلون أخضر وهی تغنی عن کل آلة فی فن التوقیت والهیئة مع سهولتها، تکون الأشیاء فیها محسوسة، والدوائر المتوهمة مشاهدة. وتصلح لسائر البلاد على اختلاف عروضها وأطوالها.
ولقد کتب أبو عبد الله الرودانی عن آلة التوقیت منظومة فی علم المیقات وشرحها یوضح فیها کیفیة صنعها وطریقة استعمالها. فکان علماء الفلک یأتون إلیه من کل فج لیستشیرونه فی الأمور المتعلقة بالرصد، فقد اعتنى أبو عبد الله الرودانی برصد الکواکب مما دفع به لمزاولة مهنة صنع آلات الرصد ال قائمة على المبادئ المیکانیکیة.
ولقد صنف الرودانی مؤلفا فی صنع الأسطرلاب سماه بهجة الطلاب فی العمل بالأسطرلاب الذی تمیز بأسلوبه السهل، فانتشر بین طلاب العلم فی المعمورة.
وکتاب تحفة أولی الألباب فی العمل بالأسطرلاب الذی بقی طویلا یستعمل لقیاس مواضع الکواکب وتحدید سیرها، وکذلک لمراقبة حالة الجو وشئون الملاحة. وقد جمع فی هذا الکتاب آراء العلماء الأوائل فی حقل علم الفلک، حیث صار من أهم المراجع للباحثین لیس فقط لمن یرید أن یعرف کیف یستخدم الأسطرلاب، ولکن أیضا لمن یرید أن یطلع على طریقة صناعة الأسطرلاب.
کما أتقن الرودانی دراسة علوم اللغة والشریعة وترک فیها من المؤلفات التی تنم على تعمقه فیها ففی علوم العربیة صنف کتاب حاشیة على التسهیل فی النحو ، وکتاب مختصر تلخیص المفتاح فی المعانی وشرحه . کما صنف فی العلوم الشرعیة کتاب جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد فی الجمع بین الکتب الخمسة والموطأ، وکتاب صلة الخلف بموصول السلف، وأوائل الکتب الدینیة .
