توماس ديكر Thomas Dekker مسرحي وشاعر وهجّاء إنكليزي من أصل هولندي، اشتهر بتصويره النابض بالحياة للمجتمع اللندني. ولبراعته في تصوير شخصيات عصره، وضعه بعض نقاد القرن العشرين في مصاف تشارلز ديكنز[ر]. لا تتوفر معلومات كثيرة عن حياته، لكنه ذكر أول مرة كاتباً مسرحياً عام 1598، ولقد عانى فقراً شديداً وسجن عدة مرات بسبب تراكم الديون عليه فكانت الكتابة مصدر رزق بالنسبة له، إذ شارك في كتابة أكثر من أربعين مسرحية مع عدد من الكتاب على مدى ثلاثين عاماً، وكان ذلك بتفويض من هنسلو Henslowe الذي كان يدير مسرح «الروز» The Rose الشهير آنذاك.
تعد مسرحية ديكر «فورتشوناتوس العجوز» Old Fortunatus عام (1600) من أهم مسرحياته المبكرة، وهي تتحدث عن شحاذ يدعى فورتشوناتوس (بمعنى المحظوظ) يلتقي بشخصية رمزية اسمها فورتشن (أي الحظ)، تُخيِّره ما بين الحكمة والقوة والصحة والحياة المديدة، فيختار الأخيرة، وتعطيه كيساً سحرياً يمده بالمال طوال حياته، ويعيش رحلة مغامرات يرويها ديكر بأسلوب طريف مسلٍ لا يخلو من التهريج والدعابة ودقة الملاحظة، إضافة إلى الأغاني التي تُظهر تميزه شاعراً غنائياً. وقد نشر ديكر في العام ذاته ملهاته «إجازة الحذَّاء» The Shoemaker’s Holiday وهي صورة وصفية للحياة الاجتماعية، ولاسيما حياة الطبقة الوسطى في لندن القرن السابع عشر. وتعد هذه المسرحية نموذجاً يمثل أعمال ديكر، إذ استخدم الصبغة الإرشادية للدراما، مع غزارة في الأسلوب النثري والإسهاب في وصف الشخصيات بكل تناقضاتها، إضافة إلى تصويره الدقيق للعادات والسلوكيات والأذواق، مما جعله مرجعاً للمهتمين بدراسة المجتمع اللندني في تلك الحقبة.
تجلت موهبة ديكر الأدبية أيضاً في هجائياته Pamphlets التي نشط في تأليفها بدءاً من عام 1603، وكان من أهمها «العام الرائع» The Wonderfull yeare، تلك التي تصف لندن أثناء الوباء الذي أصابها. ثم كتب هجائيتي «خطايا لندن السبع المميتة» The Seven Deadly Sins of London عام (1606) و«قارع أجراس لندن»The Belman of London عام (1608)، كشف فيهما عالم الرذيلة والإجرام. وكتب كذلك «طيور سفينة نوح الأربعة» The Four Birds of Noah’s Ark وهي من الأعمال الدينية، و«كراسة الساذج» The Guls Horne-booke عام (1609) وفيها وصف لسلوكيات المسارح الإنكليزية.
كتب ديكر أعمالاً كثيرة بالاشتراك مع آخرين، فكتب مع ميدلتن Middleton الجزء الأول من ملهاة «المومس الشريفة» The Honest Whore عام (1604) التي تتحدث عن نشوء طبقة التجار في لندن، واشترك معه أيضاً في ملهاة «الفتاة الصاخبة»The Roaring Girl عام (1611)، وكتب مع جون فورد[ر] John Ford ووليم راولي William Rowley مأساة «ساحرة إدمنتون» The Witch of Edmonton عام (1623)، ومع فيليب ماسنجر Philip Massinger «الشهيدة العذراء» The Virgin Martyr عام (1625)، كما اشترك مع جون وبستر[ر] John Webster في المسرحيتين «نحو الغرب هيا» Westward Ho و«نحو الشمال هيا» Northward Ho. وكتب ديكر وحده الجزء الثاني من «المومس الشريفة» (1630) التي تُعد أحد أهم أعماله.
كان ديكر واحداً من المسرحيين الذين توجوا المسرح الإليزابيثي في أوجه ومهدوا للمسرح في العصر اليعقوبي (عهد الملك جيمس الأول)، وجمع بين الواقعية والرومنسية في الحبكة التي اهتمت بالنزعة العاطفية والسرد ووصف التناقضات الاجتماعية التي دأب على تصويرها من دون تقديم حلول لها. إلا أن ضعف أسلوبه في بناء العمل الدرامي جعله عرضة للهجاء في نقاش جدلي سُمي «حرب الشعراء» the poets’ war أو «حرب المسارح» the war of the theatres. وتأثر في شعره بكل من مارلو[ر] وشكسبير[ر]، وله قصائد في الحب وفي وصف الطبيعة مثل «الدعوة» The Invitation، و«شهر أيار المرح» The Merry Month of May، و«بهجة الريف» The Country Glee.
