الحمد لله المعافی الذی قدّر الداء ودبّر الدواء ، وجعل إسمه دواء وذکره شفاء ، والصلاة والسلام علی طبیب النفوس ومربّی الأرواح ومزکّیها ، محمّد المصطفی ، وعلی آله الأطهار ، الهداة المیامین أئمة الحقّ والدین وسادة الخلق أجمعین.
الطبّ من العلوم القدیمة Medicine ، یعنی بدراسة الأمراض ومعالجتها والوقایة منها ، وهو أحد أقدم العلوم فی العالم ، أمّا متی وکیف کان مبدأ علم الطبّ وظهوره ، ففیه اختلاف بین أرباب التأریخ ، ففی سومر وُضع أوّل دستور أخلاقی للطبّ والجراحة ، وفی بابل وضع حمورابی أنظمة خاصّة بممارسة الطبّ . ولقد عرف قدامی الهنود حرکة الدمّ والصلة بین الجرذان والطاعون ، والصلة بین البعوض والملاریا.
وکان للمصریین القدماء اهتمام خاصّ بعلم الشفاء . ومنذ أقدم العصور مارس الصینیون التطبیب بطریقة الوخز الاُبری Acupunciune ، وأسهم الیونان إسهاماً کبیراً فی علم الطبّ ، وبقراط الذی ینسب إلیه الطبّ عنی بالفحص السریری ومهّد الطریق لفهم الجسم البشری ، وإنّ أرسطو درس علم الأحیاء وشرّح الحیوانات . وأنجبت الامبراطوریة الرومانیة جالینوس Galen الذی عُنی بدراسة علم التشریح وعلم الفیسیولوجیا.
وفی ظلّ الحضارة العربیة الإسلامیة وصفت أمراض جدیدة ورکّبت أدویة نباتیة عدیدة ، ولمع نجم الشیخ الرئیس ابن سینا ومحمد بن زکریا الرازی ، وترجمت کتبهما کالقانون والحاوی إلی اللاتینیة ، فکانت مرجعاً لطلاب الطبّ فی أوربا طوال قرون عدیدة ولا زالت ، وفی عصر أوربا برز اسم فیزیلیوس Vesulius الذی یعدّ أبا علم التشریح الحدیث ، واکتشف ولیم هارفی Hurvey الدورة الدمویة ، واکتشف إدورد جنر Jenner لقاحاً ضدّ الجدری ، وفی القرن التاسع عشر وثب الطبّ وثبات عریضة ، وقفزات سریعة ، فاستخدم جوزیف لیستر Lister مضادّات العفونة ، واستخدم ولیم مورتون Morton الأثیر Ether کمخدّر ، فکان بذلک بمثابة ثورة فی الجراحة ، وتعقّب لویس باستور Pasteur وروبرت کوخ Koch الجراثیم وأنشأ علم البکتریا ، ثمّ کان القرن العشرین فخطا طبّ النفس أو الطبّ العقلی Psychiatny خطوات سریعة وواسعة إلی الأمام ، وشاع استخدام المهدّئات وعقاقیر السلفا والمردیات والهرمونات الصنعیة والفیتامینات ، ولا یمرّ یوم إلاّ وتطالعنا الصحف ووسائل الإعلام بأنباء تطوّر جدید فی علم الطبّ.
وإنّ هذا العلم الجلیل لا یزال یواکب المسیرة الحضاریة والتقدّم والازدهار ، حتّی کاد أن یکون نتائجه وحاصله أشبه بالخوارق والکرامات ، ودخل فی عالم الکومبیوتر والتکنولوجیا الجدیدة وعصر الذرّة ، فأوجد ثورة علمیة هائلة.
الطب لغة : علاج الجسم ، والنفس ، والرفق ، والسحر . وفی الاصطلاح : علم باُصول تعرف بها أحوال أبدان البشر من جهة الصحّة وعدمها لتحفظ حاصلة ، وتحصل غیر حاصلة ، وقد یقال بالاختصار : هو علم دفع الداء واجتنابه ، وقال الأقدمون : علم الشفاء ، وهو بلا ریب أوّل علم سعی الإنسان إلی تحصیله علی أثر سعیه وراء الغذاء والکساء والمأوی . علی أنّ هذا السعی لم یکن یتناول فی أوّل الأمر ، إلاّ ما برّح بظاهر الجسم من جرح وکسر وصدع وما أشبه ، لأنّ الأدواء والأوبئة والعلل الباطنة ، لم تکن فی نظر الإنسان لأوّل عهده إلاّ عقوبات یقتصّ بها الخالق من المخلوق ، أو فواعل روح خبیثة ، أو عین شریرة فیلجأ لدفعها إلی الکهانة والرقیة والنذر والقربان ، لأ نّها لا تتأتّی عن سبب محسوس ، فلا یمکن دفعها بعلاج محسوس حالة کون الجرح وما هو من قبیله إن لم یکن ناشئاً عن فعل ید بشریة ، فالفاعل فیه سبب مشهود لا مانع من معالجته بید البشر ولهذا سارت الجراحة شوطاً بعیداً أمام فروع الطبّ ، بل بلغت مبلغاً مذکوراً من الإتقان عند القدماء ، وهم لا یکادون یعرفون شیئاً من علاج الأمراض. (1) . ثمّ قال المصنّف:
ولیس لدینا فی التأریخ ما یرشدنا إلی کیفیة تدرّج الاُمم القدیمة فی مراقی التقدّم بهذا الفنّ ، ولا سیّما ما غمض تأریخها منهنّ کقدماء الصینیین والهنود والفرس ... ثمّ یذکر الطبّ عند البابلیین وإنّهم وصلوا إلیه بالتجارب ، ثمّ ازدهاره عند المصریین وکشفهم العقاقیر والأدویة والحجامات والضمادات والمسهلات والمقیّئات ، ثمّ العبرانیین والیونانیین من عهد هومیروس وعظّموا الأطباء حتّی نسب الطبّ إلیهم حتّی نظموا خیرون القنطوری طبیبهم الأوّل وتلمیذه اسقلیبیوس فی سلک الآلهة ، وشادوا لهما المعابد . واستمرّ الحال حتّی ظهر أبقراط المولود سنة 460 قبل المیلاد فألّف وصنّف فی الطبّ ، حتّی لقّب بأبی الطبّ وذهب مذهب من تقدّمه أنّ العناصر أربعة ، وأنّ الأمزجة أربعة أیضاً دمویة وبلغمیة وصفراویة وسوداویة ، وإنّه یجب علی الطبیب أن یراقب المرض فی سیره منذ ظهوره إلی نهایته ، وإنّ الأمراض تتأتّی عن الغذاء والهواء فینبغی أن نتحرّی أسبابها فی الماء والهواء والمنازل والفصول وألّف فی ذلک کتابه « الماء والهواء والأمکنة» وکتب فی الأمراض الحادّة وألّف کتابه « الفصول» وأودع فیه حکمته القائلة : « الصناعة طویلة والعمر قصیر والوقت ضیّق والتجربة حظر والقضاء عسر» ، وله تآلیف کثیرة ، ثمّ نبغ جالینوس فی الطبّ من الرومانیین المولود سنة 130 بعد المیلاد وهو القائل : « إنّ الإنسان إلی اجتناب ما یضرّه أحوج منه إلی تناول ما ینفعه» ، وألّف کثیراً فی الطبّ والفلسفة وشرح تآلیف أبقراط ، ثمّ بزغ شموس الطبّ من بین المسلمین کمحمد بن زکریا الرازی والفارابی والشیخ الرئیس ابن سینا حتّی قیل : « کان الطبّ معدوماً فأوجده أبقراط ، ومیّتاً فأحیاه جالینوس ، ومتفرّقاً فجمعه الرازی ، وناقصاً فکمّله ابن سینا البخاری» . وبُنیت المستشفیات فی زمن الخلفاء العباسیین قبل أوربا بقرون ، کما تکلّم النبیّ الأکرم محمد وأهل بیته الأطهار فی الطبّ والمعالجات ، والتأریخ یشهد علی ذلک.
تقسیم الطبّ :
لقد فرّع علماء الطبّ علمهم إلی فروع وتقسیمات عدیدة ، إلاّ أ نّه فی علم الطبّ الحدیث تنتظم فروع الطبّ الرئیسة إلی:1 ـ دراسة الجسم البشری.
2 ـ الأمراض وعلاجها.
أمّا الأوّل فیتمّ من طریق علم التشریح Anatomy الذی یعنی بدرس بنیة الجسم الأساسیة ، وعلم الفیسیولوجیا Physiology الذی یعنی بدراسة وظائف الأعضاء ونشاطاتها ، وعلم التشریح Histology الذی یعنی بدراسة أنسجة الجسم.
وأمّا الثانی فتتمّ دراسته من طریق علم الأمراض أو الباتالوجیا Pathology الذی یبحث فی طبیعة الأمراض وأسبابها وتطوّرها ، وأمّا معالجة الأمراض فیلزم أن نلمّ بعلم العقاقیر Pharmacology ، وبراعة فی الجراحة Surgery.
ومن فروع علم الطبّ أیضاً طبّ النفس أو الطبّ العقلی وهو یعنی بمعالجة الاضطرابات العقلیة . وعلم المناعة Immunology وهو یدرس ظواهر المناعة من الأمراض وأسبابها . وعلم البکتیریا Bacteriology وهو یدرس الجراثیم وعلاقتها بالأمراض ، والطبّ الوقائی Preventive Medicine وهو یبحث فی أسالیب الوقایة من الأمراض ، ویحتلّ الیوم مکاناً بارزاً فی الطبّ الحدیث ، وقد عرفه الإنسان منذ عهد بعید عندما عرف ضرورة عزل المصابین بالأمراض المعدیة دفعاً لانتشار هذه الأمراض ، ولکنّه لم ینشأ بمعناه الدقیق إلاّ فی أواخر القرن الثامن عشر عندما استحدث جَنَر Jenner التقیح . ثمّ خطا خطوات واسعة عندما کشف باستور فی أواخر القرن التاسع عشر دور الجراثیم فی الإصابة بمختلف الأمراض ، وفی مطلع الثلاثینیات من القرن العشرین استحدثت عقاقیر السلفا ثمّ المردیات Antibiotics فلعبت دوراً کبیراً فی معالجة الأمراض والوقایة منها ، وفتح استخدام أشعّة أکس والموادّ ذات النشاط الإشعاعی فی تشخیص الأمراض ( کالسلّ والسرطان ) ومعالجتها آفاقاً جدیدة فی حقل الطبّ الوقائی(2)
ومن فروع الطبّ : الطبّ الشرعی ، وهو یعنی بدراسة بعض المشکلات القانونیة والقضائیة فی مثل إثبات البنوّة والجنون ، وتحدید الإصابات ومدی خطورتها ، وتشریح الجثث لتعیین أسباب الوفاة الناشئة عن أعمال العنف علی اختلافها . وقد عرف الطبّ الشرعی فی أوربا منذ القرن السادس للمیلاد ، وفی عام 1532 م أجاز قانون العقوبات الصادر فی عهد الامبراطور شارل الخامس ( شارلمان ) استعانة القضاة بشهادة الأطباء فی حالات القتل والجرح والتسمیم والشنق والإجهاض وغیرها . ونشر أوّل کتاب ضخم فی الطبّ الشرعی الأوربی سنة 1602 للطبیب الإیطالی فورتوناتو فیدیلی Fortunato Fedele ، وفی سنة 1808اُنشئ فی جامعة أدنبرة کرسی خاصّ بتدریس الطبّ الشرعی(3)
وهناک فروع وتشعّبات للطبّ ، منها باعتبار التخصّص فی أعضاء الجسد کطبّ الأسنان(4)وطبّ الأسنان الترقیعی(5)وطبّ العیون والقلب وغیر ذلک ، ومنها طبّ الأطفالوالطبّ البیطری لمعالجة الحیوانات ، والطبّ الجوی ، والطبّ السیکوسوماتی أی الطبّ الجسدی النفسی، والطبّ الشعبی الذی یکون التداوی فیه بالأعشاب والنباتات ، وطبّ النساء یتعلّق بالجهاز التناسلی وما یختصّ بالنساء. (6)
ثمّ یعدّ علم الطبّ من الصناعات أیضاً ، لأ نّه ( عُرّف الطبّ لغةً : بعلاج الجسم والنفس ، واصطلاحاً : یطلق علی معرفة أدواء المرضی ومعالجتهم ، فهو علم لأ نّه دراسة أوّلا ، وفنّ بطریقة ممارسته تبعاً لناموس الارتقاء ، وهو صناعة لأ نّه مورد رزق لمحترفیه )(7)
کما هو فنّ من الفنون ، ویری ابن أبی اُصیبعة : أنّ اختراع هذا الفنّ لا یجوز نسبته إلی بلد خاصّ أو مملکة معیّنة أو قوم مخصوصین ، إذ من الممکن وجوده عند اُمّة قد انقرضت ولم یبقَ من آثارها شیء ، ثمّ ظهر عند قوم آخرین ، ثمّ انحطّ عندهم حتّی نسی ، ثمّ ظهر علی أساس هؤلاء لدی غیرهم ، فنسب إلیهم اختراعه أو اکتشافه.
هذا ... وثمّة رأی آخر یقول : إنّ صناعة الطبّ مبدؤها الوحی والإلهام ، وقد قال الشیخ المفید قدّس الله نفسه الزکیّة:
«الطبّ صحیح والعلم به ثابت ، وطریقه الوحی ، وإنّما أخذه العلماء به عن الأنبیاء ، وذلک أ نّه لا طریق إلی علم حقیقة الداء إلاّ بالسمع ، ولا سبیل إلی معرفة الدواء إلاّ بالتوفیق ...»(8)
والظاهر أنّ تأریخ الطبّ یرجع إلی تأریخ الإنسان ، فولد معه ، فإنّه عانی من الداء ووفّق بإلهام من الله إلی کثیر من الاُمور التی یمکن أن تعتبر دواء ، وربما کان معظمه من إرشادات الأنبیاء (علیهم السلام) ، وبعضه من التجارب أو الصدفة أو الفکر والتأمّل فی الأشیاء وطبائعها ، وما یتلائم مع طبیعة الإنسان وما بینهما التنافر.
وقد ذکرنا مجمل السیر التأریخی لعلم الطبّ المدوّن بالخصوص عند الاُمم السالفة من المصریین والکلدانیین والبابلیین والهنود والصینیین والفرس والیونان والرومان ، وعند العرب قبل الإسلام ، فإنّ الطبّ کان ولا یزال یقطع مراحل طفولته وکان العرب فی علم الطبّ خاصّة أضعف من سائر الاُمم(9)
إلاّ أ نّه بعد الإسلام ، فقد نشط عند المسلمین الحرکة الطبیّة وفاقوا کثیر من الاُمم ، فإنّ الإسلام یعتبر العلم علمان : علم الأدیان وعلم الأبدان ، ویری الطبّ وظیفة شرعیة ، وأحد الواجبات التی لا یمکن التساهل فیها ، وأ نّه من الواجب الکفائی ، فإن لم یتصدّ من به الکفایة والقدرة ، فإنّه یأثم الجمیع.
وقد خلّف لنا النبیّ الأکرم محمد (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته الأئمة الأطهار (علیهم السلام) ثروة عظیمة فی الطبّ والعلاج تتّسم بالشمولیة والعمق والدقّة ، ولا بدّ لنا من دراسة وسیعة وعمیقة لتلک الثروة العلمیة الهائلة واستخراج الکنوز الرائعة والحقائق الناصعة تنفع البشریة جمعاء ، والإسلام دین الله الحنیف هو العامل الأساسی فی تفجیر الطاقات المکمونة فی النفوس ، وتحقیق الطموحات التی تکمن فی الإنسان ، فإنّ الإسلام دین الفطرة التی تتلائم مع العقول الإنسانیة والنفوس البشریة.
فعلم الطبّ بعد ظهور الإسلام کان یعتبر فی کلّ البلاد الإسلامیة شرقها وغربها ، من أرفع العلوم شأناً ، وأسماها مقاماً ، ثمّ کان للمسلمین بحوث قیّمة وعمیقة فی الطبّ ، وقد طوّروا علمه وفنّ الجراحة إلی أعلی الدرجات(10) . وبقیت أوربا تعتمد علی تصانیف المسلمین فی الطبّ والجراحة حتّی الأزمنة المتأخّرة ، فإنّ الرازی اکتشف السبیرتو ( الکحول ) وأسید السولفوریک ، وشرح تشعّبات الأعصاب فی الرأس والرقبة بشکل واضح ، واکتشف الطبّ المفصلی ، وعشرات من الخدمات الطبیة ، کما جاء فی تأریخ الطبّ.
ولقد سبق الرازی فی اکتشاف الحرکة الدمویة هارفی الذی لا یزال الکثیرون یهلّلون ویکبّرون ویهتفون باسمه ، علی أ نّه هو مکتشف الدورة الدمویة ، وقد سبق بها غیره.
بل الحقیقة أنّ الإمام الصادق (علیه السلام) هو أوّل من نبّه إلی حقیقة الدورة الدمویة وشرحها وأوضحها بشکل واف وکامل ، کما أثبته الخلیلی فی کتابه « طبّ الإمام
الصادق (علیه السلام)»(11)
هذا وعدد الأطباء طیلة فترة الحکم الإسلامی کثیر جدّاً لا یمکن حصره ، ولا استطاع مؤلّفو الموسوعات والتراجم حتّی ذکر أسماء أقلّ القلیل منهم ...
ویکفی أن نذکر : أ نّهم قد أحصوا أطباء بغداد وحدها فی زمن المقتدر بالله من الخلفاء العباسیین سنة 309 وامتحنوهم ، فاُجیز منهم 860 طبیباً ، فأعطوهم الإذن فی التطبیب ، سوی من استغنی عن الامتحان لشهرته ، وسوی من کان فی خدمة السلطان.
وکان سیف الدولة إذا جلس علی المائدة حضر معه أربعة وعشرون طبیباً ، وکان فیهم من یأخذ رزقین لأجل تعاطیه علمین . وکان فی خدمة المتوکّل 56 طبیباً.
وکان یخدم فی المستشفی العضدی 24 طبیباً من مختلف الاختصاصات ، وحین بنی المعتضد المستشفی أراد أن یکون فیه جماعة من أفاضل الأطباء وأعیانهم ، فأمر أن یحضر له لائحة بأسماء الأطباء المشهورین حینئذ ببغداد وأعمالها ، فکانوا متوافرین علی المئة فاختار منهم نحو خمسین(12)
ویمکن أن یقال أنّ أوّل مستشفی خصّص لنزول المرضی ومعالجتهم بعد ظهور الإسلام کان مسجد رسول الله فی المدینة المنوّرة منذ عهد الرسول (صلی الله علیه وآله) ، وکان الرسول والصحابة یتفقّدون المرضی النازلین به ، وکان فی المسجد خیمة لرفیدة أو کعیبة بنت سعید تداوی فیها الجرحی(13)
فالإسلام العظیم دین الله القویم الشامل لکلّ ما فیه سعادة الإنسان وتکامله فی إنسانیّته وفوزه برضا الله سبحانه ، وذلک بکلّ دقّة وشمول لجمیع حقول الحیاة وشؤون الإنسان ومختلف أحواله ، سیاسیة کانت ، أو ثقافیة أو فردیة أو اجتماعیة أو غیر ذلک ، ولم یغفل عن الإنسان حتّی فی مأکله ومشربه ومشیه وجلوسه وصوته ، وحتّی تقلیم أظفاره ، وترجیل شعره فی کمّه وکیفه.
ومن هذا المنطلق اعتبر علم الطبّ من أهمّ العلوم ، وأنّ الطبّ مسؤولیة دینیة ووظیفة شرعیة ، وواجباً کفائیاً ، یأثم ویعاقب الکلّ علی ترکه ، ویسقط عنهم بقیام بعضهم به ، کما جاء ذلک فی النصوص الشرعیة من الکتاب والسنّة.
ولیس الطبّ وظیفة شرعیة ، بل ضرورة اجتماعیة وتحتّم إنسانی ورسالة أخلاقیة ومسؤولیة عقلیة ، کما علی کلّ ذلک الشواهد الکثیرة والواضحة.
ثمّ علی الطبیب من یومه الأوّل ، وأیامه الاُولی فی کلیة الطبّ ، أن یتحلّی أوّلا قبل تعلّمه الطبّ بجمیع مواصفات الإنسان المسلم ، الذی یمثّل الإسلام وعیاً وعمقاً وخلقاً وسلوکاً ، ویعیش أهداف الإسلام وتعالیمه وقیمه بکلّ جهات وجوده ومختلف شؤون حیاته.
فعلیه أن یزکّی نفسه ویتحلّی بالأخلاق السامیة والصفات الحمیدة ، ویتجنّب الرذائل ومساوئ الأخلاق وما یتنافی مع الفطرة السلیمة.
هذا ومقصودنا من هذه الرسالة المختصرة أن نشیر إلی أهمّ الصفات الحمیدة والأخلاق الطیّبة التی علی الطبیب الحاذق أن یتحلّی ویتّصف بها ، وذلک من خلال النصوص الإسلامیة ، وفی رحاب الإسلام الحنیف ، وجعلتها فی مقدّمة وفصول ثلاثة وخاتمة ، ومن الله التوفیق والسداد.
المصادر :
1- دائرة المعارف ، البستانی 11 : 203
2- خلاصة مع تصرّف من کتاب موسوعة المورد 6 : 221.
3- المصدر : 103.
4- موسوعة المورد 3 : 177.
5- المصدر 8 : 88 .
6- المصدر 7 : 220.
7- أخلاق الطبیب : 18 ، عن کتاب فلسفة الطبّ للدکتور حسنی سبح.
8- الآداب الطبیة فی الإسلام : 10 ، عن بحار الأنوار 62 : 75.
9- الآداب الطبیة فی الإسلام: 26.
10- الآداب الطبیة فی الإسلام: 48.
11- الآداب الطبیة : 50.
12- المصدر : 63 ، عن عیون الأنباء : 302.
13- المصدر : 70.