بغداد وقم والتشيع

بغداد وقم مدينتان مستحدثتان بنيتا في العهد الإسلامي ، إذ بنى المنصور ( 136 ه‍ ـ 15ه‍ ) بغداد عام 144 ه‍ بعد أن كانت سوقا للاديرة التي حولها ، ونقل عن الإمام علي (عليه السلام) أنّه قد مر بها لما رجع من وقعة الخوارج كاشفا فيها عن
Tuesday, November 3, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
بغداد وقم والتشيع
 بغداد وقم والتشيع

 






 

بغداد وقم مدينتان مستحدثتان بنيتا في العهد الإسلامي ، إذ بنى المنصور ( 136 ه‍ ـ 15ه‍ ) بغداد عام 144 ه‍ بعد أن كانت سوقا للاديرة التي حولها ، ونقل عن الإمام علي (عليه السلام) أنّه قد مر بها لما رجع من وقعة الخوارج كاشفا فيها عن العين التي نبعت لمريم عليها السلام. (1)
وارتباط بغداد بالتشيع قديم قِدَم وجودها ، ونزول الإمام علي فيها مرجَعهُ من النهروان ، وقد نما فيها التشيع وازدهر عند قيام الدولة العباسية واطمئنان الشيعة في بادئ الأمر ، ثم ترسّخ فيها التشيع عند حلول الإمام الكاظم (عليه السلام) والإمام الجواد (عليه السلام) في الكرخ ، مضافا إلى قربها من النجف وكربلاء حيث فيها الإمام علي والإمام الحسين (عليهما السلام) وسامراء التي شرفت بالعسكريين (عليهما السلام) ، ولوجود النواب الاربعة فيها إلى غير ذلك من السمات والمميزات التي اختصت بها بغداد دون غيرها.
وأما قم ، فقيل : إنّها مصّرت قبل ذلك التاريخ عند فتح الجبل وإصفهان ، إذ كان سعد بن عامر الاشعري مع أبي موسى الاشعري في تلك الغزوة ، فبقي سعد بن عامر في منطقة الجبل ـ والتي كانت من ضمنها مدينة قم الحالية ـ مع أولاده ، وهؤلاء توالدوا مع القادمين والسكان الاصليين ، وقيل : إنّها مُصِّرت في أيّام الحجّاج بن يوسف الثقفي سنة 38ه‍ بعد أن اخفقت ثورة عبدالرحمن بن محمد بن الاشعث بن قيس على الحجّاج ، فرجع عبدالرحمن إلى كابل منهزما ، وكان معه في جيشه خمسة أخوة من أولاد سعد بن عامر الأشعري وقعوا إلى ناحية قم واستوطنوها ، واجتمع إليهم بنو أعمامهم والهاربون من جور بني أُمية.
وكان كبير هؤلاء الأخوة : عبداللّه‏ بن سعد ، وكان لعبداللّه‏ ولد قد تربّى بالكوفة ، فانتقل منها إلى قم وكان إماميا ، وقيل عنه أنّه هو الذي نقل التشيع إلى قم (2)
وهناك أقوال أُخرى في تمصير قم ، لا نرى ضرورة لذكرها.
والأشعريون هم قوم من أهل اليمن من ولد نبت بن أُدد ، سُمِّي بالأشعر لأنّ أُمه ولدته وهو أشعر ، منهم رجال كثيرون ، كالصحابي أبي موسى الأشعري.
وقد ذكر النجاشي في رجاله اسم خمسة وثلاثين رجلاً ـ من ضمنهم ستة عشر من أصحاب الأئمّة : الصادق ، والكاظم ، والرضا ، والجواد ، والهادي ، والعسكري (عليهم السلام) : ـ كلّهم من أهل قّم ، وغالبهم من الأشعريين.
فالقمّيّون كانوا على اتّصال بأئمّة أهل البيت وراوين لآثارهم ، وقد وردت روايات كثيرة عنهم : في مدح قمّ واهلها وأنّها من البلدان التي سبقت إلى قبول الولاية ، وأنّها عشّ آل محمد ومأوى شيعتهم (3) ،
وأنّه إذا عمّت البلدان الفتن فعليكم بقمّ وحواليها فإنّ البلاء مدفوع عنها (4) ،
وأنّ الملائكة لتدفع البلايا عن قم وأهلها (5) ،
وما قصدها جبّار بسوء إلاّ قصمه قاصم الجبّارين (6) ،
وأنّه لولا القمّيّون لضاع الدين (7) ،
وأنّ قمّ بلدنا وبلد شيعتنا (8) ، وغيرها من الروايات.
إن مفاخر أهل قمّ كثيرة منها : أنّهم وَقَفُوا المزارع والعقارات على الأئمّة ، وهم أوّل من بعثوا الخمس إليهم ، وأنّ الأئمّة أكرموا جماعة منهم بالهدايا والأكفان ، كأبي جرير زكريا بن إدريس ، وزكرّيا بن آدم ، وعيسى بن عبداللّه‏ بن سعد وغيرهم ممن يطول بذكرهم الكلام ، وهذا فضل لا يحصل عليه إلاّ المؤمنون المخلصون (9)
وقد كانت قم لتشيّعها الأصيل واستعصائها على الأمويين والعباسيين خير مأوى للطالبيين وغيرهم من المجاهدين.
ولا يخفى عليك بأنّ إحدى سمات الفكر الشيعي هي عدم ارتضائه جور السلطان وذهابه إلى وجوب الخروج عليه أمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر عند تهيّؤ الظروف (10) ،
بخلاف الآخرين الذين يحرّمون الخروج على السلطان الجائر حتّى ولو كان ظالما فاسقا (11) ،
وقد جاء في تاريخ قم أنّهم كانوا لا يسمحون للولاة الظلمة أن يستقرّوا في البلدة ، فكان الولاة يحكمونها من الخارج (12)
وقد ذكرت كتب السير والتواريخ بعض أخلاقيّاتهم ، وأنّهم كانوا يماطلون الحكومة في إعطاء الخراج ، حتى قيل عنهم أنّهم طلبوا من المأمون أن يقلل نسبة الخراج عنهم كما فعل مع أهل الري ، لكنّه ردّ ذلك ، فامتنعوا من إعطائه الأموال ، وهو مما أَدَّى إلى إرسال المأمون جيشه لمواجهتهم فخرّب الجيش السور وقتل الناس وكان من بينهم : يحيى بن عمران وكيل الإمام الجواد هناك (13)
وعلل بعض الكُتّاب تزويج المأمون ابنته من الإمام الجواد (عليه السلام) لاجل الحدّ من ثورة القميّين عليه في مسألة الخراج.
ونقل مؤلّف كتاب « تاريخ قم » عن أحد ولاة قمّ قوله : إنّي وليت عليها لعدة سنوات ولم أر إمرأة فيها (14) ،
وهذا دليل على عفّة نساء الشيعة في قمّ وشدّة غَيْرَة رِجالها ، وهو يشبه ما جاء في كتاب ( آثار البلاد واخبار العباد ) عن المدائن وأن أهلها فلاحون ، شيعة امامية ، ومن عادتهم أنّ نساءهم لا يخرجن نهارا أصلاً (15)
وقريب من هذا الكلام ورد في نساء الشيعة في سجستان (16) والديلم (17)
وقد روى الكليني في الكافي خبرا يؤكّد على أنّ قمّ كانت معروفة ومشهورة بالرفض عند النّاس ، بعكس همدان المعروفة بالتسنن (18)
وقد حكى السبكي في الطبقات عن أبي سعيد الاصطخري ـ قاضي قم ـ أنّه ترك قمّ هاربا إلى همدان على أَثر واقعة حدثت له ، وهي : أنّه مات بها رجل وترك بنتا وعمّا فتحاكموا إليه في الميراث ، فقضى على راي العامة ـ للبنت النصف والباقي للعم ـ فقال أهل قم : لا نرضى بهذا القضاء ، أَعْطِ البنت كلّه ، فقال أبو سعيد : لا يحلّ هذا في الشريعة ، فقالوا : لا نتركك هنا قاضيا ، قال : فكانوا يتسوّرون داري باللّيل ويحوّلون الأَسِرَّة عن أماكنها وأنا لا أشعر ، فإذا أصبحت عجبت من ذلك.
فقال أوليائي : إنّهمُ يُرُونَكَ أنّهم إذا قدروا على هذا قدروا على قتلك ، فخرجت منها هاربا (19)
ومما يمكن أن ننقله في هذا السياق كذلك هو تعليقة الوحيد البهبهاني على صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه‏ [ الصادق ] ، وما قاله لزكريا بن آدم ، إذ قال البهبهاني : إنّ أهل قمّ ما كانوا مبتلين بذبيحة المخالف (20) أصلاً حتّى تتحقق لهم التقية أو عسر رفع اليد عن الأكل ، لأنّ ذبيحتهم كلّها كانت من الشيعة (21) ، وهذا يعني أنّ كلّ أهلها كانوا شيعة.
قال المقدسي في « أحسن التقاسيم » : وأهل قم شيعة غالية (22).
وقال الشريف الإدريسي : والغالب على أهل قم التشيع ، وأهل قاشان الحشوية (23).
وقال ابن الأثير الجزري : وهي بلدة بين إصفهان وساوة كبيرة ، وأكثرها شيعة (24)
وممّا يمكن أن يقال في سبب انتقال مدرسة أهل البيت من الكوفة وبغداد إلى قمّ هو الضغط الشديد الذي كان يلاقيه فقهاء الشيعة وعلماؤهم من الحكّام الأمويّين والعباسيين في العراق وغيرها ، وقد تغيّر الحال زمن البو يهيين ، فصارت بغداد ملتقى العلماء والمحدّثين ، فسافر إليها ابن داود القمّي ، وابن قولويه ، وابنا بابو يه ، والكليني وغيرهم من أعلام المحدّثين.
کان هذا عرض سريع لتاريخ هاتين المدينتين ، قم وبغداد .
المصادر :

1- أمالي الطوسي : 200 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 101 ، عنه وفي بحار الانوار 14 : 310 ، 33 : 843، 99 : 82
2- معجم البلدان 4 : 839 ، اللباب في تهذيب الأنساب 3 : 56 ، وانظر بحار الأنوار 85: 220 ، أعيان الشيعة 1 : 194 ، تاريخ الكوفة للبراقي : 822
3- بحار الأنوار 85 : 214 / الباب 36 / ح 31.
4- بحار الأنوار 85: 214 ، 215 ، 821 ، 822 / الباب 39 / ح 26 ، 31 ، 44 ، 61.
5- مستدرك سفينة البحار /8/ 859/
6- مستدرك سفينة البحار /8/ 859/
7- بحار الأنوار85 : 821 / الباب 36 / ح 43.
8- الكنى والالقاب 3 : 8عليه السلام) ، مستدرك سفينة البحار 8 : 600.
9- المجلسي في بحار الأنوار 75: 220 / الباب 36 عن تاريخ قم. ونقله أيضا الأمين عن تاريخ قم في أعيان الشيعة 10 : 159.
10- وسائل الشيعة 15 : 50 / أبواب جهاد العدو / الباب 13.
11- شرح النووي على صحيح مسلم 2 : 83 ، الإبانة 1 : 31 ، التيسير بشرح الجامع الصغير 1 : 426.
12- نشوار المحاضرة 8: 260.
13- تاريخ الطبري 7 : 183 حوادث سنة 210 ه‍ ، الكامل في التاريخ 6 : 399 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 739وانظر تاريخ الموصل للدكتور جاسم حسين : 736
14- تاريخ قم : 582 باللّغة الفارسية.
15- آثار البلاد وأخبار العباد : 453 ، المقدمة الثالثة في اقاليم الأرض / الاقليم الرابع : المدائن.
16- آثار البلاد وأخبار العباد : 202 ، المقدمة الثالثة في اقاليم الأرض / الاقليم الثالث : سجستان.
17- أحسن التقاسيم 2 : 745
18- الكافي 1 : 521 ـ 522.
19- طبقات الشافعية الكبرى 3 : 233.
20- المقصود من المخالف هنا الناصبي ، للاجماع على جواز أكل ذبيحة المخالف من أهل السنة.
21- حاشية مجمع الفائدة والبرهان : 653.
22- احسن التقاسيم 1 : 726
23- نزهة المشتاق 2 : 676
24- اللباب في تهذيب الانساب 3 : 55.

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.