أن لليهود فرقاً وطوائف تختلف في عقيدتها وتتباين، وما سنذكره هو العقيدة على ضوء نصوص العهد القديم، وهناك ركائز أساسية يظهر من خلالها معالم العقيدة، تتلخص بالمفردات الثلاث : الله، الأنبياء، اليوم الآخر . فما هي ثقافة اليهود من خلال العهد القديم في هذه الأمور؟
العقيدة في الخالق
ليس للخالق عندهم في الكتاب المقدس اسم واحد بعينه، وإنما ورد له أكثر من اسم، ولكل اسم تفسير مختلف ومغاير للآخر، فإضافة إلى كلمة رب كثيرة الاستخدام عندهم، ورد في العهد القديم ثلاثة أسماء للخالق هي : أودناي، إيلوهيم، يهوه، هذا عدا عن الاسم العام الذي يستخدمونه مع غيرهم من الشعوب إيل .وأما صفات الخالق عندهم، فهذا ما يثير الاستغراب فعلاً، فنصوصهم جعلته بصورة الضعيف، فاللّه حسب نصوصهم :
1 ـ يتعب ويستريح ويندم ويتراجع عن أمور قضى بها . . . واللّه عندهم يسير في الغمام ويسكن فيه، وعندما بُني الهيكل فضل الإقامة فيه، إلى آخر ما هنالك منأنواع الأوصاف التي لا تليق بالذات الإلهية .
فالرب عندهم يسير في الجنة ليتفقد آدم وحواء بعد أن جعلهما فيها، وما أن يسمع آدم وقع قدميه الرب حتى يختبئ لأن سوءته قد ظهرت بسبب تناوله ثمراً من الشجرة التي منع من الأكل منها : "فسمعا صوت الرب الإله وهو متمشٍ في الجنة عند نسيم النهار فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله فيما بين شجر الجنة . فنادى الرب الإله آدم قال له أين أنت؟ قال : إني سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت" (1).
وإنه تعالى ينزل من السماء ويتشاجر مع أنبيائه ويُهزم" فبقي يعقوب وحده، فصارعه رجل إلى طلوع الفجر، ورأى أنه لا يقدر عليه، فلمس حق وركه فانخلع ورك يعقوب من مصارعته له، وقال أصرفني لأنه طلع الفجر، فقال يعقوب لا أصرفك أو تباركني فقال له ما اسمك، قال : يعقوب قال : لا يكون اسمك يعقوب في ما بعد بل إسرائيل لأنك صارعت اللَّه والناس فغلبت "(2).
2 ـ وهو إله يحسد البشر ويحقد عليهم فقد ورد في سفر التكوين 17:2 أنه منع آدم من الأكل من شجرة معرفة الخير والشر .
ولما أكل منها خاف اللّه أن يأكل آدم من شجرة الحياة فيحيا إلى الأبد، فأخرجه من جنة عدن وشدد الحراسة على شجرة الحياة (3).
وحينما رأى الناس متفقين ومتعاونين ويتكلمون لغة واحدة حقد عليهم وبلبل ألسنتهم وشتتهم كما ورد في سفر التكوين 9-1: 11 .
3 ـ وهو إله قاس ظالم، فقد أمر اليهود بإفناء الشعب الفلسطيني كما ورد في سفر التثنية : 3 – 1 : 7 وكذلك في موضع آخر في سفر التثنية 16:20 : "وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستبْقِ منها نسمة ما .
وفي سفر صموئيل الأول 15:2 هكذا يقول رب الجنود إني قد افتقدت ما عمل عماليق قبيلة فلسطينية بإسرائيل حين وقف له في الطريق عند صعوده من مصر، فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ماله، ولا تعف عنهم بل اقتل رجلاً وامرأة طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً جملاً وحمارا"ً .
4 ـ وهو إله يندم، قال حكاية عن موسى : "وقال له ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر أن توقعه بشعبك ماذا يقول عنك الناس إذا سمعوا بفعلتك . . . فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه " (4)
5 ـ حتى أنه يمكن أن يتأله البشر، ورد في سفر الخروج 1:7 : فقال الرب لموسى انظر أنا جعلتك إلهاً لفرعون وورد أيضاً في سفر الخروج 6:4 : وهو هارون يكلم الشعب عنك وهو يكون لك فماً وأنت تكون له إلهاً إن استخدام هذه الكلمة بحق موسى أمر يفضي إلى الشرك ولا يعقل أن يقول اللّه هذا الكلام لموسى عليه السلام .
هذه هي عقيدة اليهود في اللَّه تعالى،تغشاها وثنية واضحة .
عقيدتهم بالأنبياء
إذا كان اليهود قد تطاولوا على الذات الإلهية، وألصقوا بها ما لا يليق بالعزة الإلهية، فمن غير المستغرب أن يتطاولوا على الأنبياء فيصورونهم بصورة المقترفين للذنوب والآثام، وقد تصل هذه الأخطاء إلى حدود الأفعال التي يعفُّ اللسان عن ذكرها، نشير إلى بعضها :1 ـ قصة لوط وابنتيه : ما يذكرونه في الأكذوبة التي يلصقونها بلوط عليه السلام وابنتيه، والتي لا يمكن أن تحصل إلا في مجتمع فاقد للقيم إلى ابعد الحدود .
هذا مع أن ابنتي لوط كانتا من الناجين من قومه لأنهم لم يعصوا، فكيف لهم يا ترى أن تحصل فيهم أفعال شنيعة في المستوى الذي ورد في سفر التكوين، الاصحاح 19- 30- 38 قالوا : "وصعد لوط من صوعر وأقام في الجبل هو وابنتاه معه إذ خاف أن يقيم في صوعر فأقام في المغارة هو وابنتاه فقالت الكبرى للصغرى إن أبانا قد شاخ وليس في الأرض رجل يدخل علينا على الأرض كلها تعالي نسقي أبانا خمراً ونضاجعه ونقيم من أبينا نسلاً .
فسقتا أباهما خمراً تلك الليلة وجاءت الكبرى فضاجعت أباها ولم يعلم بنيامها ولا قيامها فلما كان الغد قالت الكبرى للصغرى هاأنا ذا ضاجعت أمس أبي فلنسقه خمراً الليلة أيضاً وتعالي أنت فضاجعيه لنقيم من أبينا نسلاً .
فسقتا أباهما خمراً تلك الليلة أيضاً وقامت الصغرى فضاجعته ولم يعلم بنيامها ولا قيامها . فحملت ابنتا لوط من أبيهما . وولدت الكبرى ابناً وسمته موآب وهو أبو الموآبيين إلى اليوم .
والصغرى أيضاً ولدت ابناً وسمته بنعميّ وهو أبو بني عمون إلى اليوم" .
2 ـ معصية داوود : وقد نال داود عليه السلام نصيبه من الافتراء وكيف يخطط ليظفر بزوجة أحد جنوده في قصة أوريا الحثي، كما وردت تفاصيل القصة بتفصيل ممل، وكان ختامها وساء ما صنعه داود في عين الرب (5).
3 ـ شرك سليمان : وكذلك اتهام سليمان بالشرك وعبادة آلهة الوثنيين لا لسبب إلا إرضاءً لنسائه، ورد في سفر الملوك الأول ما هذا نصه : "وأحب الملك سليمان نساءً غريبة كثيرة مع ابنة فرعون من الموآبيين والعمونيين والأدوميين والصيدونيين والحثيين ومن الأمم التي قال الرب لبني إسرائيل :
لا تختلطوا بهم وهم لا يختلطوا بكم فإنهم يميلون بقلوبكم إلى اتباع آلهتهم فتعلّق بهن سليمان حباً لهن .
وكان له سبعمائة زوجة وثلاثمائة سُريّة فأزاغت نساؤه قلبه .
وكان في زمن شيخوخة سليمان أن أزواجه مِلن بقلبه إلى اتباع آلهة غريبة فلم يكن قلبه مخلصاً للرب إلهه، كما كان قلب داود أبيه، وتبع سليمان عشتاروت إلاهة الصيدونيين وملكوم رجس بني عموّن .
وضع سليمان الشر في عيني الرب ولم يَتِمّ اقتفاءه للرب مثل داود أبيه .
حينئذٍ بنى مشرفاً لكاموش رجس موآب في الجبل الذي تجاه أورشليم ولمولك رجس بني عمون، وكذلك صنع لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يُقتّرن ويذبحن لآلهتهن .
فغضب الرب على سليمان حيث مال قلبه عن الرب إله إسرائيل الذي تجلى له مرتين وأمره في ذلك أن لا يتبع آلهة أخرى فلم يحفظ ما أمره الرب به" (6).
كيف يقبل اليهود بنبي يشرك باللَّه ويعبد الأوثان .
4 ـ موسى وهارون : ورد أن موسى وهارون خانا اللَّه ولم يثقا بكلامه حيث أمر موسى أن يضرب بعصاه الصخر حتى يخرج الماء لبني إسرائيل التثنية 32- 51 و العدد 11- 10 : 20 ، وورد أيضاً أن هارون هو الذي صنع العجل الذي عبده بنو إسرائيل الخروج 4- 2: 32 .
هذه القصص التي احتواها " العهد القديم" تحمل التهم للأنبياء، لا هدف منها كما يظهر من قراءتها، سوى النيل من النبوة والأنبياء، يضاف إلى ذلك التشجيع على المعصية والرذيلة، والحث على اتباع الشهوات والعمل على اشباعها دون ضوابط ولا قواعد، حتى لو كان في المسألة مخالفة للشرع أو للقيم الأخلاقية في حدها الأدنى .
إن هذا المنهج الذي يتبعونه يقود إلى تحلل أبناء المجتمع الذين يأخذون بهذه النصوص .
عقيدتهم باليوم الآخر
ذكرنا أن اليهود قد انقسموا إلى فرق ومذاهب شتى، وبعض هذه الفرق تؤمن باليوم الآخر والحساب والمعبر عنه بيوم الدينونة، وبعضها لا يؤمن كفرقة الصدوقيين التي تعتبر أن الثواب والعقاب إنما هو في دار الدنيا، والحياة الدنيا هي الأساس ولا شيء وراء ذلك غير التلاشي والعدم .وأما العهد القديم فقد أغفل هذه المسألة ولم يتعرض لها بشكل واضح .
نعم ورد في العهد القديم عدة موارد ذكرت فيها الهاوية سشيول والمراد بها محل الأموات، وهي عبارة عن أعماق في الأرض كما في التثنية 22- 23 فتتقد إلى الهاوية السفلى . . ."، وفي أيوب 16- 17 " تهبط إلى مغاليق الهاوية إذ ترتاح معاً في التراب " ، فالهاوية عبارة عن مكان مظلم ومحل للنسيان يستريح فيها أرواح الأموات وليست هي عبارة عن القيامة بمعنى يوم الحساب الذي يلقى فيه الإنسان جزاء أعماله وبعدها ينتقل إما إلى جنة النعيم أو إلى جهنم النيران .
المصادر :
1- سفر التكوين الاصحاح 3 فقرات :8-9-10.
2- سفر التكوين، الاصحاح 32 ، فقرة 25-29 .
3- التكوين 24-22-3.
4- سفر الخروج، الاصحاح 32 ، الفقرة : 18-10.
5- سفر التكوين الاصحاح 19 فقرة 30 وحتى 38.
6- سفر صموئيل الثاني الاصحاح 11 ، الفقرات : من 1 حتى 18 و26 و27 .