![الخلافة ام السلطة الخلافة ام السلطة](https://rasekhoon.net/_files/thumb_images700/article_ar/A13417.jpg)
صار السياسي اليوم یبحث عن طرق واسالیب ملتویة للوصول الی السلطة ولايهمه في ذلک اذاما کان متدينا ام شارب خمر اذ ان المقولة السياسية المعروفة لدیهم والتي تقول الغاية تبرر الوسیلة ومهما کانت الوسیلة من السخف والسذاجة واحیانا العهر و الفساد فلا یهم مادام یمکن بها الوصول الی السلطة ...
ونری في ایامنا هذه نماذج کثیرة من هکذا تصرفات تضع المقاییس والمعاییر جانبا وتنتهج ما یشین حتی بابسط قواعد اللعبة السیاسية وتتبع الطرق التي يخجل منها کل من لديه علی الاقل قطرة حیاء باقية علی جبينه .. ولا یهم ما دام السلطة علی مقربة من متناول الایدي ..
ولو رجعنا الی الوراء .. الی عهد ما بعد الرسول الاکرم صلی الله عليه وآله وسلم ، نجد الذين بهرتهم المناصب، وأسالت لعابهم الفتوحات، بما فيها من غنائم وسبايا، وبسط نفوذ، فشمخ كل منهم بأنفه، ونظر في عطفه، وتكبر، وتجبر، لأنه كان يتعامل مع الواقع الجديد بعقليته الجاهلية، التي تعتبر القبيلة، لا الأمة أساساً، والفرد ـ لا الجماعة ـ ميزاناً، ومنطلقاً لمجمل تعامله، وعلاقاته، وكل مواقفه وحركاته.. وصاروا يهتمون بتقوية أمرهم، وتثبيت سلطانهم، فصاروا يجمعون الأنصار بالمال، وبالإغراء بالمناصب ، ثم بالإصهار إلى القبائل، وبغير ذلك من سياسات، ليس الترهيب والقمع في كثير من الأحيان إلا واحداً منها أساس أنه ملك قبلي فردي بالدرجة الأولى.
وإذا كان أبو بكر، وكذلك عمر لا يدري: أخليفة هو أم ملك (1).. فإن معاوية بن أبي سفيان كان نفسه ملكاً بالفعل، وكذلك كان يعتبره الكثيرون. بل إن عمر نفسه قد اعتبر نفسه ملكاً في بعض المناسبات (2).
نعم لقد كان معاوية، والأمويون يعتبرون أنفسهم ـ بل ويعتبوهم كثيرون ـ ملوكاً قيصريين..وأن على الدين والإسلام ـ بنظرهم ـ أن يكون مجرد شعار ن يخدم هذا الملك ويقويه، وإذا وجدوا فيه أنه سيكون مانعاً لهم من الوصول إلى ما يطمحون إليه، ويعملون في سبيل الحصول عليه، فلا بد من تدميره، واستئصاله من جذوره.
فالمستفيدون الحقيقيون من تلك الفتوحات ـ ولاسيما على المدى البعيد ـ هم خصوص هذه الطبقة دون سواها، كانوا يحصلون على النفائس، والأقطاع، والذهب، وصوافي الغنائم.. وهم الذين لا بد أن يختصوا بالحسناوات من النساء، بعنوان سبايا وجواري.. وقد بلغت الثروات في عهد الخلفاء الثلاثة الأول أرقاماً خيالية، كما تدل عليه الكثير من النصوص التاريخية (3). وقد زادت هذه الأرقام وتضاعفت في عهد الحكم الاموي، الذي لم يكن يقف عند حدود، ولا يرجع إلى دين، حتى أن خالداً القسري كان يتقاضى راتباً سنوياً قدره عشرون مليون درهم، بينما كان ما يختلسه كان يتجاوز المئة مليون (4).
بل إننا نجد: أن من يقال عنه: أنه من أزهد الناس، وهو عمر بن الخطاب، بل يقولون: إنه لم يترك صامتاً (5). وكان يرتزق من بيت المال، ويقتر على نفسه كثيراً، كما ذكرته بعض النصوص، وكانت قد أصابته خصاصة، فاستشار الصحابة فأشاروا عليه أن يأكل من بيت المال ما يقوته (6).
ولما حج فبلغت نفقته ستة عشر ديناراً قال: أسرفنا في هذا المال (7).
إن عمر هذا.. قد أصدق زوجته أربعين ألف درهم أو دينار. وقيل مئة ألف (8). كما أنه أعطى صهراً له قدم من مكة عشرة آلاف درهم من صلب ماله (9).
بل يقولون: «إن ابناً لعمر باع ميراثه من عمر بماءة ألف درهم» (10).
ويؤيد ذلك ما يذكره أبو يوسف: من أنه «كان لعمر بن الخطاب أربعة آلاف فرس موسومة في سبيل الله تعالى، فإذا كان في عطاء الرجل خفة، أو كان محتاجاً، أعطاه الفرس، وقال له: إن أعييته، أو ضيَّعته من علف، أو شرب، فأنت ضامن، وإن قاتلت عليه فأُصيب، أو أصبت، فليس عليك شيء» (11).
فإن الظاهر هو: أن هذه الأفراس كانت له، وقد فعل ذلك تقرباً إلى الله، ولا يبعد ذلك، إذا كان إرث واحد ـ من أولاده مئة ألف فقط.
ولقد كان هذا في الوقت الذي كان يعيش فيه البعض أقسى حياة يعيشها إنسان، فلم يكن يملك سوى رقعتين، يستر بإحداهما فرجه، وبالأخرى دبره (12).
ولعله لاجل هذا، ولأجل الحفاظ على الوجه الزهدي للخليفة، نجد الحسن البصري، يحاول الدفاع عن الخليفة الثاني في هذا المجال بالذات، حيث إنه حينما يسأله البعض، إن كان عمر بن الخطاب أوصى بثلث ماله: أربعين ألفاً، يحاول إنكار ذلك، ثم توجيهه بقوله:
لا والله، لمالهُ كان أيسر من أن يكون ثلثه اربعين ألفاً. ولكن أوصى بأربعين ألفاً، فأجازوها» (13).
وعلى كل حال، فإننا نستطيع أن نحشد الكثير الكثير من الشواهد والأدلة على مدى اهتمام الحكام وأعوانهم، وكل من ينتسب إليهم بجمع الأموال، والحصول على الغنائم، بحق أو بغير حق. ويكفي أن نذكر: أن زياداً بعث «الحكم بن عمر الغفاري على خراسان، فأصابوا غنائم كثيرة، فكتب إليه زياد: أما بعد، فإن أمير المؤمنين كتب: أن يصطفي له البيضاء والصفراء، ولا يقسم بين المسلمين ذهباً ولا فضة» فرفض الحكم ذلك، وقسمه بين المسلمين، فوجه إليه معاية من قيده، وحبسه. فمات في قيوده، ودفن فيها. «وقال: إني مخاصم» (14).
هذا وقد بدأ التعذيب في الجزية من زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (15).
بل لقد رأيناهم يضربون الجزية حتى على من أسلم من أهل الذمة، وذلك بحجة: أن الجزية بمنزلة الضريبة على العبد، فلا يسقط إسلام العبد ضريبته. لكن عمر بن عبد العزيز شذّ عن هذه السياسة، وأسقطها عنهم، كما يذكرون (16).
كما أن عمر بن الخطاب قد حاول أخذ الجزية من رجل أسلم، على اعتبار: أنه: إنما أسلم متعوذاً، فقال له ذلك الشخص:
إن في الإسلام لمعاذاً. فقال عمر: صدقت، إن في الإسلام لمعاذاً (17).
وأما مضاعفته الجزية على نصارى تغلب، فهي معروفة ومشهورة (18).
وقال خالد ين الوليد، يخاطب جنوده، ويرغبهم بأرض السواد: «ألا ترون إلى الطعام كرفغ (19) التراب؟. وبالله، لو لم يلزمنا الجهاد في الله، والدعاء إلى الله عز وجل، ولم يكن إلا المعاش لكان الرأي: أن نقارع على هذا الريف، حتى نكون أولى به، ونولي الجوع والإقلال من تولى، ممن اثاقل عما أنتم عليه» (20).
وفي فتح شاهرتا، يعطي بعض عبيد المسلمين أماناً لأهل المدينة، فلا يرضى المسلمون، وينتهي بهم الأمر: إلى أن رفعوا ذلك إلى عمر بن الخطاب، فكتب: «إن العبد المسلم من المسلمين، أمانه أمانهم. قال: ففاتنا ما كنا أشرفنا عليه من غنائمهم..» (21).
وقال أحد الشعراء عند وفاة المهلب:
الا ذهب الغزو المقرب للغنى ومات الندى والجود بعد المهلب
وعدا عن ذلك كله، فإن قبيلة بجيلة تأبى الذهاب إلى العراق، حتى ينفلها الحاكم ربع الخمس من الغنائم (22).
نعم.. إن ذلك كله، لم يكن إلا من أجل ملء جيوبهم، ثم التقوي ـ أحياناً ـ على حرب خصومهم.
ولكن ما ذكره خالد بن الوليد آنفاً ليس هو كل الحقيقة، وذلك لأن ما كان يصل إلى الطبقة المستضعفة من الجند، لم يكن إلا أقل القليل، مما لا يكفي لسد خلتهم، ورفع خصاصتهم، بل كان محدوداً جداً، لا يلبث أن ينتهي ويتلاشى، مع أنهم كانوا هم وقود تلك الحروب، وهم صانعوا النصر والظفر فيها.. وقد يكون الكثيرون منهم ممن قد افتتحت أرضهم بالأمس القريب. ثم هم يحرمون من كثير من الامتيازات، حسبما تقدم بالنسبة لأهل افريقية، الذين قدموا ليشتكوا للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.
ولكن أكثر هؤلاء قد أصبحوا يجدون في هذه الحروب مصدر عيش لهم، يحصلون عن طريقه على المال، مهما كان ضئيلاًوزهيداً، وذلك مما يرضيهم بطبيعة الحال، ويجعلهم ـ لو كان فيهم من له أدنى اطلاع على الإسلام وأحكامه ـ يغمضون العين عن جميع ممارسات الحكام، وأعمالهم الشيطانية واللاإسلامية..
وبعض الانتفاضات وإن كانت قد حصلت في بعض الفترات.. ولكنها لا تلبث أن تنتهي، وسرعان ما تسحق، أمام الضربات الماحقة ن التي يسددها إليها الحكام آنئذٍ.
وعلى كل حال.. فإن الحرب من أجل الغنائم والأموال، كانت هي الصفة المميزة لأكثر تلك الفتوحات، وكأنني أتذكر ـ وإن كنت لم أستطع العثور على ذلك الآن رغم بحثي الجاد ـ إن في بعض المعارك يعلن الفريق الآخر إسلامه، فلا يلتفتون إليهم، ويعتبرونهم كاذبين، وذلك طمعاً في أموالهم ونسائهم.
وقد نجد آثار هذه الظاهرة، حتى في زمن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أيضاً، حيث إن المسلمين لم يكونوا قد بلغوا مرحلة النضج الرسالي بعد، ولا تفاعلوا مع الأسلام وأحكامه على النحو المطلوب. بل كانت لا تزال فيهم بعض النزعات الجاهلية ن والأطماع الدنيوية، فيقول الحارث بن مسلم التميمي: إن النبي (صلى الله عليه وآله) أرسلهم في سرية، قال:
«فلما بلغنا المغار استحثثت فرسي، وسبقت أصحابي، واستقبلنا الحي بالرنين، فقلت لهم: قولوا لا إله إلا الله تحرزوا؟ فقالوها.
فجاء أصحابي، فلاموني، وقالوا: حرمتنا الغنيمة بعد أن بردت في أيدينا. فلما قفلنا ذكروا ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدعاني، فحسَّن ما صنعت، وقال: أما إن الله قد كتب لك من كل إنسان منهم كذا و كذا الخ..» (23).
وقال الزبير للذي سأله عن مسيره لحرب علي ((عليه السلام)): «حدثنا أن هاهنا بيضاء وصفراء ـ يعني دراهم ودنانير، فجئنا لنأخذ منها» (24).
وبعد ذلك كله، فقد قال المعتزلي في مقام إصراره على لزوم دخول علي في الشورى، لأن الأحقاد عليه من قريش والعرب كانت على أشهدها ـ قال ـ: «لا كإسلام كثير من العرب، فبعضهم تقليداً وبعضهم للطمع والكسب، وبعضهم خوفاً من السيف، وبعضهم على طريق الحمية والانتصار، أو لعدواة قوم آخرين من أضداد الإسلام وأعدائه» (25).
وبعد كل ما تقدم.. فطبيعي: أن حياة النعيم والرفاهية لدى الهيئة الحاكمة وأعوانها، وكذلك التمتع بالحسناوات والجواري، من شأنه أن يزرع بذور الخمول، وحب السلامة، والإخلاد للراحة، بحثاً عن الملذات.. ثم يستتبع ذلك: العمل على دفع الآخرين ليخوضوا الغمرات، ويقدموا التضحيات، في سبيل تأمين المزيد من تلك الامتيازات، وفي سبيل حمايتها أيضاً .
المصادر :
1- طبقات ابن سعد ج 3 قسم 1 ص 221 وشرح النهج للمعتزلي ج 2 ص 66 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 ص 383 و 389 وحياة الصحابة ج 3 ص 476 و ج 2 ص 36 و 37 و 256 والتراتيب الإدارية ج 1 ص 13 وعن كنز العمال ج 2 ص 317 ج 3 ص 454 وعن نعيم بن حماد في الفتن والطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ص 306 ط صادر وتاريخ الخلفاء ص 140.
2- الفتوحات الإسلامية لدحلان ج 2 ص 290 وحياة الصحابة ج 2 ص 256 عن كنز العمال ج 2 ص 317. وطبقات ابن سعد ج 3 ص 219 وعن ابن جرير وابن عساكر.
3- مشاكلة الناس لزمانهم ص 12 حتى 18 ومروج الذهب والغدير ج 8 و 9 وجامع بيان العلم ج 2 ص 17 و 16 والبداية والنهاية ج 7 ص 164 وربيع الأبرار ج 1 ص 830 والتراتيب الإدارية ج 2 ص 32 ـ 24 ـ 29 ـ و 395 و 424 و 397 حتى ص 405 و 420 و 424 و 435 والعقد الفريد ج 4 ص 322 ـ 324 وحياة الصحابة ج 2 ص 241 ـ 250. وغير ذلك كثير.
4- السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات ص 32 و 25 و 24 وغير ذلك من صفحات، ترجمة الدكتور حين إبراهيم حسن، ومحمد زكي إبراهيم.وفي البداية والنهاية ج 9 ص 325: أن دخل خالد القسري كان عشرة ملايين دينار سنوياً.
5- جامع بيان العلم ج 2 ص 17.
6- طبقات ابن سعد ج 3 قسم 1 ص 221 و 222 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ص 411 وحياة الصحابة ج 2 ص 301.
7- تاريخ الخلفاء ص 141 وطبقات ابن سعد ط صادر ج 3 ص 308 و 279 ودلائل الصدق ج 3 قسم 1 ص 212 عن تاريخ الخلفاء والصواعق المحرقة.
8- الفتوحات الإسلامية لدحلان ج 2 ص 55 والتراتيب الإدارية ج 2 ص 405 والبحر الزخار ج 4 ص 100 وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج 2 ص 190 وعدة رسائل للشيخ المفيد ص 227.وقيل: عشرة آلاف. أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج 2 ص 190 وعدة رسائل للشيخ المفيد، المسائل السروية ص 227.
9- طبقات ابن سعد ج 3 ص 219 والفتوحات الإسلامية لدحلان ج 2 ص 390 وحياة الصحابة ج 2 ص 256 عن ابن سعد، وعن كنز العمال ج 2 ص 317 وعن ابن جرير وابن عساكر.
10- جامع بيان العلم ج 2 ص 17.
11- الخراج ص 51.
12- المصنف لعبد الرزاق ج 6 ص 367 وراجع ص 268 والبيهقي ج 7 ص 209.
13- جامع بيان العلم ج 2 ص 17.
14- مستدرك الحاكم ج 3 ص 442/443 وتلخيصه للذهبي بهامشه وحياة الصحابة ج 2 ص 80 و 81 عنه وراجع:الاستيعاب ج 1 ص 316 والإصابة ج 1 ص 347.
15- المصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 245 فما بعدها، وراجع: تاريخ جرجان ص 107/108.
16- تاريخ الدولة العربية ص 235 وتاريخ التمدن الإسلامي، المجلد الأول ص 273/274 والمجلد الثاني ص 360 عن ابن الأثير ج 4 ص 261 و 68 و 225 و ج 5 ص 111 و 48 و 24 وابن خلكان ج 2 ص 277 والعراق في العصر الأموي ص 66 عن الأموال لأبي عبيد ص 48 والفتوحات الإسلامية ج 1 ص 249، وفجر الإسلام ص 96 عن ابن الأثير 4/179. وأحكام القرآن للجصاص ج 1 ص 102.
17- المصنف لعبد الرزاق ج 6 ص 94 ولا بأس بمراجعة: السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات ص 26 ـ 56.
18- سنن البيهقي ج 9 ص 216 والمصنف لعبد الرزاق ج 6 ص 50.
19- الرفغ: الأرض الكثيرة التراب، يقال: «جاء بمال كرفغ التراب: أي في كثرته..» أقرب الموارد ج 1 ص 419.
20- العراق في العصر الأموي ص 11 عن الطبري ج 4 ص 9، ولا بأس بمراجعة الكامل لابن الأثير ج 2 ص 488.
21- المصنف ج 5 ص222 و 223 وسنن البيهقي ج 9 ص 94.
22- الكامل في التاريخ ج 2 ص 441.
23- كنز العمال ج 15 ص 330 عن أبي نعيم، والحسن بن سفيان.
24- أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج 2 ص 271.
25- شرح النهج للمعتزلي ج 13 ص 300.