الدنيا دار محفوفة بالبلاء والمصائب ، فلا يسلم نزّالها ، ولا بد لكل انسان عاش وجه البسيطه أن يصاب بها ، فمن صبر ظفر، ومن لجّ كفر.
١ ـ قال الحسن بن على عليهماالسلام : مصائب الدنيا اربع منها موت الوالد وهو قاصم الظهر ، وموت الولد وهو صدع الفوآد ... (1)
الفقدان
لا شك ولا ريب أن الولد قطعة من الكبد ، فهو اذ يمشي على الأرض يتحرّك كبد والديه بتحرك قدميه ، وما من أبوين الاّ ويعقدان آمالاً على ولدهما ، متى يجنيا ثمره ، ويرو أثره. فالله الله من ساعة يدنوا اليه هادم اللذات ومفرّق الجماعات ، الملك المقرب عند الملك العلاّم ، فسيترّد الأمانة ، وعندها تشب النيران في قلوب الأهل و الأحبة والاخوان ، فتحرق كبد الأبوين بلهب الفقد والفرقة.١ ـ قال أمير المؤمنين عليه صلوة رب العالمين ، فقد الولد محرّق الكبد. (2)
٢ ـ حدثنا ابو احمد محمد بن جعفر البنداد ، قال : حدثنا أبو العباس الحمادي ، قال : حدثنا محمد بن علي الصايغ ، قال : حدّثنا عمرو بن سهلو بن زنجلة الرازي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الاوزاعي ، عن أبي سلام الاسود ، عن ابي سالم راعي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول خمس ما أثقلهنّ في الميزان : سبحان الله. والحمد لله ولا اله الاّ الله. والله اكبر. والولد الصالح يتوفّى لمسلم فيصبر ويحتسب ... (3)
٣ ـ ( أقول ) كان خمسة من المشركين قد استهزؤا بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأنزل الله تعالى بلاء عليهم في آن واحد ، و نزلت الآيه الكريمه ( انّا كفيناك المستهزئين ). حدثنا احمد بن الحسن القطّان ، قال : حدثنا ابوالقاسم عبد الرحمن بن محمد الحسني ، قال : حدّثنا ابو العباس محمد بن على الخراساني .
قال : حدثنا ابو سعيد سهل بن صالح العياشي ، عن ابيه ، وابراهيم بن عبد الرحمن الأبلي ، قال حدثنا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام ، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي محمد بي علي قال : حدثنى أبي علي بن الحسين ، قال : حدثني أبي الحسين بن على عليهمالسلام جميعا ، أن أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام ، قال : ليهودي من يهود الشام ـ الى أن قال ـ وأما الأسود بن عبد يغوث ... الى آخر في القصّه ...
قال مصنّف الكتاب ـ يعني الخصال ـ ويقال في خبر آخر في الأسود قول آخر ، يقال أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان قد دعا عليه ان يعمي الله بصره ، وأن يثكله ولده ، فلّما كان في ذلك اليوم ـ اي يوم نزول البلاء على النفرات الخمس ـ جاء حتى صار الى كدا ـ وهو جبل في اسفل مكة عن طريق اليمن ـ فأتاه جبرئيل عليهالسلام بورقة خضراء ، فضرب بها وجهه فعمي ، وبقى حتى اشكله الله عزّ وجلّ ولده يوم بدر ، ثم مات ( عليه ما يستحق من العذاب ).
التعزية
لا بد من تعزية من يصاب بمصيبة ، وأي مصيبة أدهي وأشد من فقد الولد فلقلبه الله وعظّم الله تعالى اجره ، وأجزل ثوابه ، وأجمل صبره ، وأخذ بيده يوم لا ينفع مال ولا بنون ، ان شاء الله تعالى وتقدّس.١ ـ عزّى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام من ربّ الأنام رجلا مات له ولد : ورزق ولد فقال عليهالسلام : عظم الله اجرك فيما اباد ، و بارك لك فيما افاد. (4)
الاحتساب
ينبغي بل يجب على كل مسلم فطن أن يعلم أن كل ما عنده هو من عند الله تعالى ، وأنّ الله حق في كل ما ملّكه وسلّطه عليه ما دام في قيد الحياة ، فلا يبخل بمال ولا ولد ولا أهل ولا نفس ، ويعطي ، وان كان الجميع ، في سبيل الله ولا تأخذه في الله شح نفس ، او غلّ يد ، فان العبد وما في يده كان لمولاه.١ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوما : أيها الناس مالرقوب فيكم ؟. قالوا : الرجل يموت ولم يترك ولداً. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : بل الرقوب حق الرقوب رجل مات ولم يقدّم من ولده احداً يحتسبه عند الله تعالى ، وان كانوا كثيرا بعده ... (5)
قانون الوراثة
انّ حكم قانون الوراثة يجري في الآباء والابناء بمعنى أنّه اذا كان في الوالد طبيعة أو عيب يرثه الولد ، ولو كان بعد عدة أظهر ، وقد جرّب هذا المعنى وثبت علميا.لذا كان أئّمتنا عليهمالسلام يخبرون عن أفراد أشياء وأمرون شيعتهم بانتظارها فيهم اولادهم.
وهكذا يكون العكس ، بعنى أنه ينسب لشخص أمر ولا يكون فيه ولكن كان في أبيه او أحد آبائه.
١ ـ محمد بن اسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : اذا قلنا في رجل قولا فلم يكن فيه ، وكان في ولده أو ولد ولده ، فلا تنكروا ذلك فان الله تعالى يفعل ما شاء ، الكافي ج ١ ، باب في انه اذا قيل في الرجل ، ص ٤٥٠ ، الحديث ٢.
٢ ـ الحسين بن علي ، عن معلي بن محمد ، عن الوشاء ، عن احمد بن عائذ ، عن أبي خديجة قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : قد يقوم الرجل بعدل او بجور ، وينسب اليه ، ولم يكن قام به. فيكون ذلك ابنه او ابن ابنه من بعده. فهو هو. الكافي ج ١ ، باب في انه اذا قيل في الرجل ، ص ٤٥٠ ، الحديث ٣.
السلطة الماليّة
ان سلطة الأب على الولد مما لا يتنازع فيه اثنان ، ولمّا كان الأب هو السبب المباشر ظاهرا في كينونه ابنه كان له حق التصرّف في امواله ومع عدم علمه ، لذا جاء في شرايع الإسلام :١ ـ في قطع يد السارق : أن لا يكون والداُ من ولده ، ويقطع يد الولد لو سرق من الوالد.
ارث الوالدين
كما أنّ الوالدين يوثان الابناء ، كذلك الابناء تورث ـ في بعض الأحايين ـ الوالدين والمشرّع الجليل جلّت عظمته لم يهمل حقّا لأحد مهما صغرأ وكبر.١ ـ قال تعالى في محكم كتابه الكريم : يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حضّ الانثيين فان كن نساء فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك ، وان كانت واحدة فلها النصف ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد ، فان لم يكن له ولد وورثه ابواه فلأمّه الثلث ، فان كان له اخوة فلامه السدس من بعد وصية يوصى بها او دين ، آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون ايهّم أقرب لكم نفعا ، فريضة من الله انّ الله كان عليما حكيما (6).
الارث للولد
لا بد للآباء توريث أبنائهم. أما المال فليس بمهم والمهم الادب والحكمة والمعرفة وما اشبه. والخير كل الخير في توريث العلم.١ ـ قال ابو ذرجمهر : ما ورّثت الآباء الابناء خيرا من ثلاثة اشياء : الادب النافع ، والاخوان الصالحون ، والثناء الجميل ... معدن الجواهر ص ٣٦.
٢ ـ من كلمات اميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام : اين من جمع فأكثر ، اعتقب ، واعتقد ونظر ، بزعمه للولد ... في كتاب درر الكلم في حرف الألف ، بألف الاستفهام.
٣ ـ وقال تعالى بالنسبة للمال : للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ... (7).
٤ ـ وقال تعالى : يوصيكم الله في أولاكم للذكر مثل حضّ الانثيين ... (8).
٥ ـ وقال القدير جلّت قدرته : ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ... (9).
ارث الانثى
ان الانسان يورّث والتوريث له افراد متنوعة ، فبعض يورث العلم والأدب ، وبعض يورّث الشرّ في الورثه كما رأيناه بأم اعيننا في زماننا هذا ، فان قبل اعوام مات احدهم و اوصا ابنه الاكبر بأنه يبعد عن العلماء فانهم يتحيّلون عليه وعلى اخوته ويأخذون بعض اموالهم باسم الحقوق الشرعية ، وهو مات ولم يؤدى فلسا واحدا لاولاده هكذا زرع التباغض و التباعد في قلوب اولاده بالنسبة للعلماء ولأهل الدين ولكن ربك بالمرصاد فما مضت الليالي والأيام الاّ وقضى على ولده الاكبر بالسرطان وتشتت الباقون هداهم الله تعالى.اما بالنسبه لتوريث المال فقد حدّد الله تعالى للذكور والاناث كل حسب ما تقتضيه المصلحة العامة والخاصة.
١ ـ قال عزّ من قائل : للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلّ منه او كثر نصيبا مفروضا ... (10)
٢ ـ وقال تبارك وتعالى يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين فان كن نساء فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك وان كانت واحدة فلها النصف ولابويه لكل واحد منها السدس مما ترك ان كان له ولد فان لم يكن له ولد وورثه ابواه فلأمه الثلث فان كان له اخوة فلامّه السدس من بعد وصيّة يوصي بها او دين ، آباؤكم وابناؤكم لا تدرون أيهم اقرب لكم نفعا ، فريضة من الله ، ان الله كان عليماً حكيماً ... (11).
المصادر :
1- معدن الجواهر ، باب ذكر ماء في اربعة ، ص ٤٢.
2- جاء في درر الكلم حرف الفاء ، ص ٢٠٩.
3- الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢١٧ ، الحديث ١.
4- جاء في كتاب درر الكلم ، في حرف العين ص ٢٠٥.
5- تحف العقول ، مواعظ النبي ، ص ٣٣.
6- النساء آيه ١١
7- النساء آيه ٧
8- النساء آية ١١
9- النساء الآية ٣٣
10- النساء آية ٧.
11- النساء آيه ١١