
من المقولات الملفتة للإنتباه، فیما یتعلق بالمواقف من المؤرخین، مقولة القاضی أبو بکر ابن العربی فی اُخریات کتابه (العواصم من القواصم)، بعد ایراده الاحداث التی مرت بها الاُمة الاسلامیة بعد وفاة النبی (صلى الله علیه وآله) والى ما بعد نصف قرن من ذلک التاریخ أو أکثر قلیلا، نراه یوجّه نصیحته الى القرّاء فی کیفیة تناول الأحداث التاریخیة لتلک الحقبة من الزمن، وتحدید الموقف من المؤرخین الذین تناولوا تلک الفترة فیقول:
إنما ذکرت لکم هذا لتحترزوا من الخلق، وخاصة من المفسرین والمؤرخین وأهل الأدب، فإنهم أهل جهالة بحرمات الدین، أو على بدعة مصرّین، فلا تبالوا بما رووا، ولا تقبلوا روایة إلاّ عن أئمة الحدیث، ولا تسمعوا لمؤرخ کلاماً الاّ الطبری، وغیر ذلک هو الموت الأحمر، والداء الأکبر، فإنهم ینشؤون أحادیث استحقار الصحابة والسلف، والاستخفاف بهم، واختراع الاسترسال فی الأقوال والأفعال عنهم، وخروج مقاصدهم عن الدین الى الدنیا، وعن الحق الى الهوى، فإذا قاطعتم أهل الباطل، واقتصرتم على روایة العدول، سلمتم من هذه الحبائل، ولم تطووا کشحاً على هذه الغوائل، ومن أشد شیء على الناس، جاهل عاقل، أو مبتدع محتال، فأما الجاهل فهو ابن قتیبة، فلم یُبق ولم یذر للصحابة رسماً فی کتاب (الإمامة والسیاسة) إن صح عنه جمیع ما فیه، وکالمبرّد فی کتابه الأدبی، وأین عقله من عقل ثعلب الإمام المتقدم فی أمالیه، فإنه ساقها بطریقة أدبیة سالمة من الطعن على أفاضل الاُمة. وأما المبتدع المحتال، فالمسعودی، فإنه بها یأتی متاخمة الإلحاد فیما روى من ذلک، وأما البدعة فلا شک فیه، فإذا صنتم أسماعکم وأبصارکم عن مطالعة الباطل، ولم تسمعوا فی خلیفة ممن ینسب إلیه ما لا یلیق، ویذکر عنه ما لا یجوز نقله، کنتم على منهج السلف سائرین، وعن سبیل الباطل ناکبین(1).
إن أهم ما یلفت الانتباه فی مقولة ابن العربی هذه، هو توجیهه للقارئ إلى عدم الاعتماد على أحد من المؤرخین غیر الطبری، والإعراض عن المفسرین والاُدباء - مع العلم أنه واحد من المفسرین- ومستنده فی ذلک أن غیر الطبری من المؤرخین قد أوردوا الروایات التی تسیء الى الصحابة، ویخص بالذکر منهم ابن قتیبة، متهماً إیاه بالجهل، مع أن ابن قتیبة من کبار العلماء، والمسعودی المؤرخ والذی یصفه بالمحتال المبتدع، وسوف یتبین للقارئ فیما بعد أن ابن العربی یعتمد اعتماداً شبه کلّی على روایات الطبری فی اُطروحاته التاریخیة فی کتابه الآنف الذکر، لکنه یعتمد کلیاً على روایات معینة ینتقیها من هذا التاریخ، لأن الطبری - وإن کان یجامل الرأی العام کثیراً- إلاّ أننا سوف نتبین أنه قد أورد الکثیر من الروایات التی أورد مثلها ابن قتیبة والمسعودی وغیرهما من المؤلفین، لکن ابن العربی تجنبها -کما فعل الکثیرون غیره من القدامى والمعاصرین- لأن تلک الروایات تمس کرامة السلف على حد تعبیرهم، وبذلک یکون ابن العربی من أوائل الذین دعوا الى تمحیص التاریخ الإسلامی وغربلته، ولکن بالاتجاه المحافظ الذی یرتئیه هو.
إن المشکلة التی تثار دائماً حول التاریخ الإسلامی تترکز فی الغالب على النقطة الحساسة فی هذا التاریخ، ألا وهو الجانب السیاسی، والخلاف الذی وقع بین المسلمین فی وقت مبکر، والذی أدى فی النهایة الى الصدام الدموی بینهم فی ذلک العهد الذی اُصطلح على تسمیته بعصر صدر الإسلام، وأن اشتراک الصحابة فی أجزاء من ذلک الصراع هو محور المشکلة، والدعوات ذات الطابع المحافظ لتصحیح التاریخ الإسلامی، إنما تدّعی الحرص على تبرئة الصحابة مما وقع من خلاف سیاسی انسحب أثره على مواقف ذلک السلف، لأن "التاریخ السیاسی للمسلمین، هو أسوأ ما فی تاریخهم کله"(2).
إن الملاحظ على أصحاب هذا الاتجاه، أنهم یرکزون دعوتهم على ضرورة الرجوع الى تاریخ الطبری - دون غیره- حین البحث عن تلک الحقبة التاریخیة، وهذا الذی عمل به معظم المؤرخین الذین جاءوا بعد الطبری کابن الأثیر وابن کثیر وابن خلدون وغیرهم، ثم امتد ذلک الى مؤلفات معظم الکتّاب المعاصرین الذین تناولوا التاریخ الإسلامی بالبحث، حیث صار تاریخ الطبری هو المصدر الرئیس الذی یستقون منه معلوماتهم معترفین بذلک، بعد أن یکیلوا للطبری ما شاء الله لهم من عبارات الثناء والتقدیر باعتباره الإمام الحجة فی هذا الفن.
لقد سبق وأن ذکرنا أن کبار المؤرخین وکتاب السیرة والمغازی کالطبری وابن إسحاق والبلاذری وغیرهم، قد اعتمدوا على ما کتبه من سبقهم من رواة هذه الأخبار، فالمصادر تکاد تکون واحدة، "إن ابن إسحاق قد استخدم النص من کتاب یزید بن رومان والزهری، وقد اعتمدا بدورهما على المغازی لعروة"، فما هو الفرق إذاً بین ما کتبه الطبری عن غیره من المؤرخین. طالما أن المصادر واحدة تقریباً؟
الحقیقة: أن من یراجع المصادر التی اعتمد علیها الطبری، ویقارنها مع المصادر التی اعتمدها غیره من المؤرخین من سابقیه أو معاصریه، سوف یلاحظ أن الطبری قد انفرد بذکر مصدر یکاد یکون المتغلب على الأجزاء التی تناولت أهم وأخطر فترة فی تاریخنا الإسلامی کله، وهو العصر الذی یسمى بعصر صدر الإسلام، وبالتحدید الفترة الممتدة من وفاة النبی (صلى الله علیه وآله) وبدء أحداث السقیفة، وحتى أواخر الخلافة الراشدة، وتحدیداً بانتهاء معرکة الجمل، وهذا المصدر الذی یعتمده الطبری - دون سواه من المؤرخین- هو مجموعة مؤلفات لمؤلف کوفی - وهو الذی وصفه محب الدین الخطیب بالعراقی المعتدل- واسمه سیف بن عمر المتوفى ما بین سنة (170هـ) الى (180هـ)، وهی: الفتوح الکبیر، نقل عنه الطبری حوادث الفتوحات الإسلامیة، والردة، ونقل عنه ما فیه من أخبار الردة ومحاربة أبی بکر للمرتدین وأخبارهم، وکتاب الجمل ومسیر عائشة وعلی، وتناول فیه أخبار مسیر عائشة من مکة الى البصرة وأحداث معرکة الجمل التی وقعت بعد ذلک، فهذه الفترة کما نرى هی أکثر الفترات حراجة فی تاریخ الإسلام.
وینقل الطبری عن سیف بواسطتین، هما: السری عن شعیب، وینهی السلسلة الى بعض شیوخ سیف، مثل طلحة ومحمد وغیرهم، وهذه السلسلة تکاد تستأثر بمعظم الأجزاء التی تناولت تلک الفترة من تاریخ الطبری، حتى لتبدو الروایات الاُخرى التی أوردها الطبری بغیر هذا الطریق باهتة لا تکاد تلفت انتباه القارئ، أما فی الأجزاء الاُخرى التی لا تمت لتلک الحقبة بصلة، فقد ترک الطبری الاستشهاد بهذه السلسلة من الرواة تماماً.
وهذه السلسلة التی یربط حلقاتها سیف بن عمر، أصبحت فیما بعد هی العمود الفقری فی کتابات معظم المؤلفین الذین جاوءا بعد الطبری وحتى العصر الراهن. والسؤال الذی قد یطرأ على ذهن القارئ هو: ما هی مواصفات هذه السلسلة، وبماذا تمتاز عن غیرها، حتى صارت العمدة فی تاریخ الطبری ومن جاء بعده دون غیرها؟
وأجد أن من المناسب أن استعرض باختصار أسماء أهم المؤلفین الذین اعتمدهم الطبری فی روایة هذه الأحداث، مع بیان بعض أحوالهم وأقوال العلماء فیهم، حتى یکون القارئ على بیّنة منهم، ویستطیع الحکم على الروایات التی أوردوها حینما نقوم بعملیة مقارنة بین هذه الروایات ومحاولة تحلیلها ونقدها بهدف استخراج حقائق تاریخنا جهد الامکان، ولا تفوتنا الاشارة الى أن معظم هؤلاء الرواة قد شکلوا السلاسل التی اعتمدها المحدّثون أیضاً، إلاّ أن المحدثین اجتهدوا فی بیان أحوال هؤلاء الرواة فی کتب التراجم التی صنفوها لهذا الغرض، فأصبح بامکان القارئ أن یحکم على الروایات من خلال رواتها بشکل یقرّبه من الحقیقة.
إن معرفة أحوال هؤلاء الرواة والمؤلفین فی التاریخ والسیرة ضروریة جداً، بسبب الترابط الصمیمی بین التاریخ الإسلامی والعقیدة الإسلامیة، فمعرفة أحداث تلک الفترة على وجهها الصحیح من أکبر الضرورات، ولا یتم ذلک إلاّ بمعرفة مصادر تراثنا الإسلامی، بسبب الترابط بین علوم التاریخ وعلوم الحدیث، ولیس کما حاول البعض الفصل بینهما، لأن من علوم الحدیث "معرفة مغازی رسول الله (صلى الله علیه وآله) وسرایاه وبعوثه وکتبه الى ملوک المشرکین، وما یصح من ذلک وما یشذّ، وما أبلى کل واحد من الصحابةفی تلک الحروب بین یدیه وثبت ومن هرب، ومن جبُن عن القتال ومنکرّ، ومن تدیّن بنصرته (صلى الله علیه وآله) ومن نافق، وکیف قسم رسول الله (صلى الله علیه وآله) الغنائم،ومن زاد ومن نقص، وکیف جعل سلب القتیل بین الاثنین والثلاثة،وکیف أقام الحدود فی الغلول، وهذه أنواع من العلوم التی لا یستغنیعنها عالم"(3).
روافد الطبری
تبین لنا مما سبق أن الطبری -کغیره من کبار المؤرخین فی العصر العباسی- الذین اعتمدوا على کتب من سبقهم من المؤلفین الذین تناولوا حوادث عصر صدر الإسلام بشکل متفرق، فألفوا کتباً صغیرة تناول کل منها حادثة معینة أو فترة قصیرة من هذه الحقبة، حتى جاء کبار المؤرخین فجمعوا هذه الحوادث فی أسفار کبیرة أصبحت فیما بعد تشکل مصادر التاریخ الإسلامی، خصوصاً بعد أن فُقدت معظم تلک الاُصول التی نقلوا عنها، وبذلک حفظوا لنا هذا التراث من الضیاع.ولکن هذا التراث قد حوى الغث والسمین، فصار من أهم الضرورات تمحیصه بمقارنة الروایات التی جاءت فیه، بعد بیان أحوال اُولئک المؤلفین ومدى وثاقتهم أو عدمها، لأن ذلک یساعد کثیراً على الإقتراب من الحقیقة. فمن أشهر اُولئک المؤلفین الذین نقل عنهم الطبری:
1 - المدائنی، علی بن محمد بن عبدالله المتوفّى سنة(224 أو 225 هـ): الأخباری صاحب التصانیف الکثیرة، ککتاب مقتل عثمان، کتاب الجمل، کتاب الردة... الخینقل عنه الطبری بلا واسطة، ویقول عنه "کان عالماً بأیام الناس صدوقاً فی ذلک"(4).
وقد أجمع العلماء على وثاقته وصدقه، وروى عنه الزبیر بن بکار وأحمد ابن زهیر والحارث بن أبی اُسامة.
قال أحمد بن أبی خیثمة: کان أبی وابن معین ومصعب الزبیری یجلسون على باب مصعب، فمرّ رجل على حمار فاره وبزة حسنة، فسلّم وخص بسلامه یحیى، فقال له: یا أبا الحسن، الى أین؟ قال: الى دار هذا الکریم الذی یملأ کمّی دنانیر ودراهم: إسحاق الموصلی. فلمّا ولّى قال یحیى: ثقة ثقة ثقة. فسألت أبی: من هذا؟ فقال: هذا المدائنی(5).
2 - زهیر بن حرب، أبو خیثمة النسائی المتوفّى سنة (234 هـ) یروی عنه الطبری بلا واسطة روایات مهمة فی الفتنة وموقعة الجمل، وله تصانیف مهمة منها (کتاب التاریخ)أجمع العلماء أیضاً على وثاقته وسعة علمه، قال معاویة بن صالح، عن یحیى بن معین: ثقة.
وقال أبو عبید الآجری: قلت لأبی داود: أبو خیثمة حجة فی الرجال؟ قال: ما کان أحسن علمه.
وقال النسائی: ثقة مأمون(6).
وقال الحسین بن فهم: ثقة ثبت.
وقال أبو بکر الخطیب: کان ثقة ثبتاً حافظاً متقناً(7).
وقال ابن سعد: ثقة ثبت(8).
وقال عنه الذهبی: الحافظ الکبیر محدّث بغداد، وثقه ابن معین وغیره(9).
روى عنه مسلم أکثر من الف حدیث(10).
3 - أحمد بن زهیر بن حرب المتوفّى سنة (279 هـ):
قال عنه الذهبی: أبو بکر الحافظ النسائی ثم البغدادی، صاحب التاریخ الکبیر، قال الدارقطنی: ثقة مأمون(11).
وقال الخطیب: کان ثقة عالماً متقناً حافظاً بصیراً بأیام الناس، راویة للأدب، أخذ علم الحدیث عن یحیى بن معین وأحمد بن حنبل، وعلم النسب عن مصعب بن عبدالله الزبیری، وأیام الناس عن أبی الحسن المدائنی، والأدب عن محمد بن سلام الجمحی. وله (کتاب التاریخ) الذی أحسن تصنیفه وأکثر فائدته.. ولا أعرف أغزر فوائد من کتاب التاریخ الذی صنفه ابن خیثمة، وکان لا یرویه إلاّ على الوجه، فسمعه الشیوخ الأکابر، کأبی القاسم البغوی ونحوه(12).
4 - عمر بن شبة، أبو زید البصری المتوفّى سنة (262 هـ):
النحوی الأخباری، نزیل بغداد(13).
له من الکتب: کتاب (مقتل عثمان)، کتاب (التاریخ)...الخ(14).
یروی عنه الطبری بلا واسطة روایات مهمة جداً فی الفتنة وحرب الجمل، وهو من الأئمة الثقات الذین أجمع العلماء على الثناء علیهم.
قال عبدالرحمان بن أبی حاتم: کتبت عنه مع أبی، وهو صدوق صاحب عربیة وأدب(15).
وقال الدارقطنی: ثقة.
وقال أبو بکر بن الخطیب: کان ثقة عالماً بالسیر وأیام الناس، وله تصانیف کثیرة(16).
وذکره ابن حبان فی الثقات وقال: مستقیم الحدیث، وکان صاحب أدب وشعر وأخبار ومعرفة بأیام الناس(17).
5 - یعقوب بن ابراهیم بن سعد الزهری، أبو یوسف المدنی المتوفّى سنة (208هـ):
یروی عنه الطبری بدون واسطة، وهو أیضاً من الرواة الذین أجمع العلماء على الثناء علیهم.
قال الدارمی: سألت یحیى بن معین عن یعقوب بن ابراهیم بن سعد، فقال: ثقة(18).
وقال عباس الدوری، عن یحیى بن معین: سمعت المغازی من یعقوب ابن ابراهیم بن سعد(19).
وقال العجلی: ثقة(20).
وقال أبو حاتم: صدوق(21).
وذکره ابن حبان فی الثقات(22).
وقال محمد بن سعد: کان ثقة مأموناً یقدّم على أخیه فی الفضل والورع والحدیث(23).
6 - محمد بن عمر الواقدی الأسلمی (مولاهم)، أبو عبدالله المدنی المتوفّى سنة (207هـ):
یروی عنه الطبری بلا واسطة روایات مهمة فی الفتنة وله من الکتب (کتاب التاریخ، والمغازی، والمبعث)، (کتاب الجمل)، (کتاب الردة)، (والدار)...الخ(24).
وقد تضاربت الأقوال فیه، فبعض العلماء طعنوا علیه، وأثنى علیه آخرون، ویبدو أنه لم یکن مرضیاً فی الحدیث، ولکن فی الأخبار کان یحتج به.
قال البخاری: الواقدی مدینی سکن بغداد، متروک الحدیث، ترکه أحمد وابن نمیر وابن المبارک واسماعیل بن زکریا(25).
وقال فی تاریخه الکبیر: سکتوا عنه(26).
وقال فی تاریخه الصغیر: ترکوه(27).
وقال فی موضع آخر: کذّبه أحمد(28).
وقال معاویة بن صالح، قال لی أحمد بن حنبل: هو کذّاب، وقال فی موضع آخر: لیس بشیء(29).
وقال فی موضع آخر: قلت لیحیى: لمَ لمْ تُعلم علیه حیث کان الکتاب عنک؟ قال: أستحیی من ابنه، وهو لی صدیق. قلت: فماذا نقول فیه؟ قال: کان یقلب حدیث یونس ویجعله عن معمر، لیس بثقة(30).
وقال عباس الدوری، عن یحیى بن معین: لیس بشیء(31).
وقال عبد الوهاب بن الفرات الهذانی: سألت یحیى بن معین عن الواقدی فقال: لیس بثقة(32).
وقال مسلم: متروک الحدیث(33).
وقال النسائی: لیس بثقة.
وفی مقابل ذلک، فقد وثقه عدد من العلماء والمحدّثین لا یقلون عن عشرة أشخاص، کما یقول الذهبی(34).
فقد قال عنه تلمیذه ابن سعد: کان عالماً بالمغازی والسیرة والفتوح، وباختلاف الناس فی الحدیث والأحکام، واجتماعهم على ما اجتمعوا علیه. وقد فسر ذلک فی کتب استخرجها ووضعها وحدّث بها(35).
وقال الخطیب البغدادی: قدم الواقدی بغداد وولی قضاء الجانب الشرقی منها، وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذکره، ولم یخفَ على أحد عرف أخبار الناس أمره، وسارت الرکبان بکتبه فی فنون العلم من المغازی والسیر والطبقات وأخبار النبی (صلى الله علیه وآله) والأحداث التی کانت فی وقته وبعد وفاته (صلى الله علیه وآله)، وکتب الفقه واختلاف الناس فی الحدیث وغیر ذلک، وکان جواداً کریماً مشهوراً بالسخاء.
ثم روى باسناده عن محمد بن سلام قال: محمد بن عمر الواقدی عالم دهره.
وعن ابراهیم الحربی قال: الواقدی أمین الناس على أهل الاسلام.
وعن ابراهیم بن سعید الجوهری، قال: سمعت المأمون یقول: ما قدمت بغداد إلاّ لأکتب کتب الواقدی.
وعن ابراهیم الحربی قال: کان الواقدی أعلم الناس بأمر الاسلام، فأما الجاهلیة فلم یعلم منها شیئاً.
وعن موسرة بن هارون، قال: سمعت مصعباً الزبیری یذکر الواقدی، قال: والله ما رأیت مثله قط. قال: وسمعت مصعباً یقول: حدثنی من سمع عبدالله، یعنی ابن المبارک، یقول: کنت أقدم المدینة فما یفیدنی ولا یدلنی على الشیوخ إلاّ الواقدی.
وعن یقعوب مولى عبدالله، قال: سمعت الدراوردی، وذکر الواقدی فقال: ذاک أمیر المؤمنین فی الحدیث.
وعن یعقوب بن شیبة، قال: حدثنی بعض أصحابنا ثقة، قال: سمعت أبا عامر العقدی یُسأل عن الواقدی، فقال: نحن نُسأل عن الواقدی؟! إنما یُسأل الواقدی عنّا، وهل کان یفیدنا الشیوخ والأحادیث إلاّ الواقدی.
وقال یعقوب: حدثنی مفضل، قال: قال الواقدی: لقد کانت ألواحی تضیع بالمدینة فاُوتى بها من شهرتها بالمدینة، یقال: هذه ألواح ابن واقد.
وعن أحمد بن علی الأبار، قال: سألت مجاهداً یعنی ابن موسى عن الواقدی، فقال: ما کتبت عن أحد أحفظ منه.
وقال ابراهیم بن جابر الفقیه: سمعت الصاغانی، وذکر الواقدی، فقال:
والله لولا أنه عندی ثقة ما حدثت عنه، حدّث عنه أربعة أئمة: أبو بکر بن أبی شیبة، وأبو عبید، وأحسبه ذکر أبا خیثمة ورجلا آخر.
وقال ابراهیم الحربی: سمعت مصعباً الزبیری، وسئل عن الواقدی، فقال: ثقة مأمون، وسئل المسیبی عنه فقال:ثقة مأمون، وسئل معن بن عیسى عنه فقال: اُسأل أنا عن الواقدی؟ یُسأل الواقدی عنی، وسئل عنه أبو یحیى الأزهری فقال: ثقة مأمون...(36).
وقال الذهبی فی ترجمته: الحافظ البحر. لم أسق ترجمته هنا لإتفاقهم على ترک حدیثه، وهو من أوعیة العلم، ولکنه لا یتقن الحدیث، وهو رأس فی المغازی والسیر، ویروی عن کل ضرب.
ولی قضاء بغداد، وکان له رئاسة وجلالة وصورة عظیمة(37).
7 - أبو مخنف، لوط بن یحیى المتوفّى سنة (157 هـ):
الکوفی، صاحب تصانیف وتواریخ.
قال یحیى بن معین: لیس بثقة، وقال أبو حاتم: متروک الحدیث، وقال الدارقطنی: أخباریّ ضعیف(38).
له من الکتب: کتاب الردة،کتاب فتوح الشام، کتاب فتوح العراق، کتاب الجمل، کتاب صفین، کتاب الشورى ومقتل عثمان، کتاب مقتل الحسین (علیه السلام)، حدّث بأخبار من تقدّم من السلف الصالحین، ولا یبعد منه أن یتناولهم.
وهو شیعی محترق، صاحب أخبارهم، وإنما وصفته لأنه لا یستغنى عن ذکر حدیثه، فإنی لا أعلم له من الأحادیث المسندة ما أذکره، وإنّما له من الأخبار المکروه الذی لا أستحب ذکره(39).
قالت العلماء: أبو مخنف بأمر العراق وأخبارها وفتوحها یزید على غیره، والمدائنی بأمر خراسان والهند وفارس، والواقدی بالحجاز والسیرة، وقد اشترکوا فی فتوح الشام(40).
8 - سیف بن عمر التمیمی البرجمى المتوفّى ما بین (170 - 180 هـ):
أحد أصحاب السیر والأحداث، له کتاب (الفتوح) الکبیر، والردة، کتاب الجمل، مسیر عائشة وعلی...(41)
فهو قد استوعب فی کتبه الفترة الزمنیة المهمة والخطیرة فی تاریخ الاسلام.
ویروی عنه الطبری بواسطتین هما: السری عن شعیب.
وقد أجمع العلماء على توهینه والحط منه واتهموه فی صدقه وحتى فی دینه.
قال عباس الدوری، عن یحیى بن معین: ضعیف(42).
وقال أبو أحمد بن عدی: بعض أحادیثه مشهورة وعامتها منکرة لم یتابع علیها، وهو الى الضعف أقرب منه الى الصدق.
وقال أبو جعفر الحضرمی، عن یحیى بن معین: فلس خیر منه(43).
وقال أبو حاتم: متروک الحدیث، یشبه حدیثه حدیث الواقدی(44).
وقال أبو داود: لیس بشیء(45).
وقال النسائی: ضعیف(46).
وقال أبو حاتم ابن حبان: یروی الموضوعات عن الاثبات. قال: وقالوا: إنه کان یضع الحدیث، وکان قد اتّهم بالزندقة(47).
وقال أبو نعیم: متهم فی دینه مرمی بالزندقة ساقط الحدیث، لا شیء(48).
وقال الذهبی: وکان سیف یضع الحدیث.. وقد اتُّهم بالزندقة(49).
فتبین من ذلک أن العلماء قد أجمعوا على اتهام سیف بن عمر بالضعف ووضع الحدیث، بل وبالزندقة أیضاً.
أما الراویتان اللذان یشکلان الواسطة بینه وبین الطبری، فهما کما قلنا:
أ ـ السری بن اسماعیل الهمدانی الکوفی ابن عم الشعبی:
قال أبو واقد عن یحیى بن سعید: استبان لی کذبه فی مجلس.
وقال عمرو بن علی: ما سمعت عبدالرحمان ذکره قط، وکان یحیى بن سعید لا یحدث عنه.
وقال الحسن بن عیسى: سمعت ابن المبارک یقول: لا یکتب عن جریر ابن عبدالحمید حدیث السری بن اسماعیل..
وقال صالح بن أحمد عن أبیه: لیس بالقوی، وهو أحب لی من عیسى الخیاط.
وقال أبو طالب عن أحمد: ترک الناس حدیثه.
وقال الدوری عن ابن معین: لیس بشیء.
وقال عبدالله بن شعیب عن ابن معین: یضعف.
وقال أبو حاتم: ذاهب، دون مجالد.
وقال الجوزجانی: یضعف حدیثه.
وقال الآجری عن أبی داود: ضعیف متروک الحدیث، یجیء عن الشعبی بأوابد.
وقال النسائی: متروک الحدیث، وقال فی موضع آخر: لیس بثقة.
وقال ابن عدی: وأحادیثه التی یرویها لا یتابعه علیها أحد، خاصة عن الشعبی، فإن أحادیثه عنه منکرات، وهو الى الضعف أقرب.
قلت (ابن حجر العسقلانی): وقال فی ترجمة سیف، بعد أن أورد له عن السری حدیثاً: لعل البلاء من السری.
وقال ابراهیم الحربی: کان کاتب الشعبی لمّا کان قاضیاً، وولی للقضاء بعده، وفیه ضعف.
وقال ابن سعد: کان قلیل الحدیث.
وقال البزار: لیس بالقوی.
وقال الساجی: ضعیف جداً.
وقال ابن حبان: کان یقلب الأسانید ویرفع المراسیل، وکان ابن معین شدید الحمل علیه(50).
ب ـ شعیب بن ابراهیم الکوفی:
راویة کتب سیف عنه، فیه جهالة(51).
وقال ابن عدی: وشعیب بن ابراهیم هذا له أحادیث وأخبار، وهو لیس بذلک المعروف، ومقدار ما یروی من الحدیث والأخبار لیست بالکثیرة، وفیه بعض النکرة، لأن فی أخباره وأحادیثه ما فیه تحامل على السلف(52).
یتبین لنا مما سبق أن تاریخ الطبری لا یختلف کثیراً عن المصنفات التاریخیة الاُخرى، فهو ینقل مختلف الروایات عن عدد کبیر من الرواة على اختلاف مشاربهم، ففیهم الأئمة الثقات العدول المأمونون، وفیهم الضعفاء والمتروکون والوضاعون وحتى المتهمون بالزندقة. فلماذا یستأثر تاریخ الطبری بهذه الثقة العالیة ویعتمد علیه جل المؤرخین والباحثین الذین جاوءا بعده؟!
لکن مما یلفت الانتباه، أن الطبری قد روى کثیراً عن السلسلة الأخیرة التی ذکرناها وهی: عن السری عن شعیب عن سیف، وقد تبین لنا أن هذه السلسلة هی من أضعف سلاسل الرواة فی تاریخ الطبری، بل هذا "من أضعف الأسانید على وجه الأرض، لکنه للأسف من أکثر الأسانید التی یأخذ بها المعاصرون ویحتجون بها ویثبتونها فی کتاباتهم"(53).
وعند التفتیش عن السبب نجد بعض العلماء - کابن حجر العسقلانی - یحاول إعطاءنا الجواب على هذا التساؤل، بأن سیف بن عمر لا یمکن أن یکون زندیقاً لأنه یدافع عن الصحابة ویقول فی ترجمته: "ضعیف فی الحدیث، عمدة فی التاریخ"(54).
مع العلم أنه ینقل عن ابن عدی - کما مر بنا - فی ترجمة شعیب بن ابراهیم الکوفی قوله: بأن "فی أخباره وأحادیثه ما فیه تحامل على السلف"أما الحافظ ابن کثیر فیقول - بعد أن ینقل بعض الأحداث المهمة المتعلقة بالفتنة التی وقعت زمن عثمان - "هذا ملخص ما ذکره أبو جعفر رحمه الله، عن أئمة هذا الشأن، سیف وشیوخه"(55).
ومن المؤلفین المعاصرین، الدکتور یوسف العش حیث یقول: ونجد سیف بن عمر ینتحی جانباً عن أبی مخنف والواقدی، فیعرض تسلسلا تاریخیاً لیس فیه تهمة للصحابة، بل تبرئة لهم(56).
وقال الخضری بک: ولکن حاصل التحقیق فی سیف، أن إتهامه بالزندقة لا دلیل علیه، ولم یتهمه أحد ممن عاصره، وإنما اتهمه المتأخرون کابن حبان والحاکم...(57).
أما الدکتور محمد أمحزون فیقول: ولسنا ندری کیف یصح اتهامه (سیف) بذلک.
وروایته فی الفتنة وحدیثه عما جرى بین الصحابة(رض) أبعد ما یکون عن اُسلوب الزنادقة، وکیف یستقیم اتهامه بالزندقة وهو الذی فضح وهتک ستر الزنادقة أمثال ابن سبأ ویمکن القول أن روایة سیف بعیدة کل البعد أن تضعه موضع هذه التهمة، بل هی تستبعد ذلک، إذ أن موقفه فیها موقف رجال السلف فی احترامه للصحابة وتنزیهه لهم عن فعل القبیح، فقد انتحى جانباً عن أبی مخنف والواقدی، فعرض تسلسلا تاریخیاً لیس فیه تهمة للصحابة، بل یظهر منه حرصهم على الاصلاح وجمع الکلمة، وهو الحق الذی تطمئن إلیه النفوس، ویسیر فی اتجاه الروایات الصحیحة عند المحدثین(58).
فالنقطة التی تبدو هی المحور فی درء تهمة الزندقة عن سیف عند اُولئک المؤلفین، وجعل روایاته فی محل الصدارة، هی أن سیف ینحو باتجاه تبرئة الصحابة والدفاع عن مواقفهم. ولا أدری کیف یتفق لراو کذاب یضع الحدیث على رسول الله (صلى الله علیه وآله) أن یکون مدافعاً عن الصحابة!
وکأنّ هؤلاء المؤلفین والباحثین لم یدققوا جیداً فی روایات سیف، ولم یکلفوا أنفسهم عناء البحث فیها، لأنهم لو فعلوا ذلک لاکتشفوا أن سیف بن عمر یتظاهر بالدفاع عن مجموعة من الصحابة، ولکنه بالمقابل یوجه طعنات شدیدة الى مجموعة اُخرى من کبار الصحابة وفیهم المهاجرون الأولون وخیار التابعین، بل ویصف بعضهم وصفاً شنیعاً، وسوف یتمکن القارئ من التحقق من ذلک بعد أن نستعرض روایات سیف، ونقارنها مع روایات المؤلفین والمؤرخین الثقات الذین تقدمت تراجمهم من تاریخ الطبری وغیره من التواریخ، عندما نتکلم عن الفترة العصیبة التی مرّ بها الاسلام - خصوصاً فی الفتنة- لتتبین الحقیقة فیما جرى من أحداث من جهة، ولکی یتحقق القارئ أیضاً من صحة اتهام سیف بالزندقة أم لا، وعن الدوافع الحقیقیة له فی الدفاع عن بعض الصحابة.
وفضلا عن موقف سیف من الصحابة، فإن روایاته فی الطبری تکاد تخالف ما أجمع علیه المؤرخون فیما یتعلق بالسیاق التاریخی والزمنی لبعض الحوادث، خاصة فیما یتعلق بالفتوحات الإسلامیة، وقیام سیف بحشو تاریخنا بخرافات وخزعبلات لا یصدقها عاقل، فضلا عما فیها من طعن على الاسلام، وقد أصبحت روایات سیف من الاُمور التی یستشهد بها المستشرقون المعادون للاسلام على وحشیة المسلمین وسفکهم للدماء.
وروایات سیف فی معظمها أشبه ما تکون بحکایات القصّاص الذین یحاولون جذب المستمعین الیهم عن طریق المبالغات والتهویلات بما یلفقون لهم من حکایات خرافیة، مما یدل على أن سیفاً کان ذا خیال واسع جداً، وإنه کان یحشو الحوادث التاریخیة بحکایات یخترعها من عند نفسه، وسوف اتطرق الى بعض تلک الروایات والحکایات أثناء السرد.
یقول حسن فرحان: "وسیف أکثر مرویاته انفرادات وغرائب یخالف فیها المحدثین والمؤرخین على حد سواء..."(59).
ومن أجل الکشف عن الحقائق التی تعرضت للتشویه فی تاریخنا، فسوف نبدأ بتناول أهم الأحداث التی تعرضت للتزییف، وأولها الفتنة الکبرى فی زمن عثمان بن عفان، وبشکل موضوعی خال من وجهات النظر السابقة، معتمدین على روایات المؤرخین والمحدثین على حد سواء جهد الامکان، بهدف الخروج بنتائج أکثر قرباً من الواقع، ومن ثم نترک الحکم فی ذلک للقارئ الکریم.
المصادر :
1- العواصم من القواصم: 260.
2- کیف نکتب التاریخ. محمّد قطب: 16.
3- الحاکم النیسابوری. کتاب معرفة علوم الحدیث: 238.
4- لسان المیزان 4: 253.
5- میزان الاعتدال 3: 153.
6- تهذیب التهذیب 3: 342.
7- تاریخ بغداد 8: 484.
8- الطبقات الکبرى 7: 253.
9- تذکرة الحفاظ 2: 734.
10- تقریب التهذیب: 157.
11- تذکرة الحفاظ 2: 596.
12- تاریخ بغداد 4: 384.
13- تهذیب الکمال 21: 386.
14- الفهرست: 142.
15- الجرح والتعدیل 6: 624.
16- تاریخ بغداد 11: 208.
17- الثقات 8: 446.
18- تاریخ الدارمی: رقم 855.
19- الجرح والتعدیل: رقم 843.
20- الثقات: 59.
21- الجرح والتعدیل: رقم 843.
22- الثقات لابن حبان 9: 284.
23- الطبقات 7: 343.
24- الفهرست: 128.
25- ضعفاء العقیلی: 197.
26- التاریخ الکبیر رقم 543.
27- التاریخ الصغیر 2: 11.
28- الکامل فی الضعفاء لابن عدی 3: 85.
29- المصدر السابق.
30- الضعفاء للعقیلی:197.
31- تاریخ الدوری 2: 532.
32- الکامل لابن عدی 3:85.
33- الکنى: 64.
34- سیر أعلام النبلاء 9: 454 وما بعدها.
35- الطبقات الکبرى 5: 425.
36- تاریخ بغداد 3: 212.
37- تذکرة الحفاظ 1: 348.
38- سیر اعلام النبلاء 7: 301.
39- الضعفاء لابن عدی 7: 241، میزان الاعتدال 3: 419، لسان المیزان 5: 567.
40- معجم الأدباء لیاقوت الحموی 5: 29.
41- الفهرست: 123.
42- تاریخ الدوری 2: 245.
43- الکامل فی الضعفاء لابن عدی 2: 62.
44- الجرح والتعدیل: 4 رقم 1198.
45- سؤالات الآجری 5: 43.
46- الضعفاء والمتروکین: رقم 283.
47- المجروحین 1: 345.
48- الضعفاء لابی نعیم: 91.
49- میزان الاعتدال 2: 256.
50- تهذیب التهذیب 3: 399.
51- میزان الاعتدال 3: 275.
52- الکامل فی ضعفاء الرجال 5: 6 رقم 5 / 885.
53- بیعة علی بن أبی طالب: حسن بن فرحان المالکی: 131.
54- تقریب التهذیب 1: 344.
55- البدایة والنهایة 7: 247.
56- الدولة الاُمویة: 35.
57- محاضرات فی التاریخ الاسلامی: 53.
58- تحقیق مواقف الصحابة فی الفتنة 1: 235.
59- بیعة علی: 306.