![محدثة من النساء محدثة من النساء](https://rasekhoon.net/_files/thumb_images700/article_ar/%D9%85%D8%AD%D8%AF%D8%AB%D8%A9%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%A7%D8%A1.jpg)
من النساء النموذجيات في صدر الإسلام بنت خالد بن سعيد ـ المشهورة بأم خالد ـ التي روت روايات كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ان أمثال تلك المرأة لم يتولين الأمور التموينية في ميادين الحرب فقط حتى يعتبرن بوصفهن ممرضات وخادمات صاحبات عمل سهل .
بل بالإضافة إلى ذلك كان قسم يعتد به من أولئك النساء محدثات وكن قد سمعن أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل سائر الصحابة ويذكرنها للآخرين .(1)
من بين الأحاديث التي ذكرتها في سيرة الله صلى الله عليه وآله وسلم .
( انها سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتعوذ من عذاب القبر ) .
إن مدلوله هو ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يتعوذ من عذاب القبر مكرراً . وأهمية حديث أم خالد هذا في تسجيله أن سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان جارية على التعوذ من عذاب القبر .
أميمة ، شفيقة على المجاهدين (2) :
كانت بنت القيس بن أبي الصلت الغفاري من المحدثات وقد ورت روايات كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان عدد من التابعين تلاميذها ( روى عنها جملة من التابعين ) وهذه المرأة كات شفيقة على المجاهدين .
كانت تتواجد في الحروب وكان لها دور مؤثر في معالجة الجرحى واخلاء الشهداء ( ودائماً تحضر الوقائع وتداوي الجرحى وتدور بين القتلى ) وعلاوة على أنها كانت محدثة ، كانت تفهم الأحاديث جيداً وترويها وكانت ضمن القوة المقاتلة .
هذه هي نفس الكمالات التي يفخر بها سائر الصحابة ، وإلا فماذا فعل سائر الصحابة ؟ لم تكن هناك للصحابة كتب وتحقيقات ، بل روي عن كل منهم عدة أحاديث وأحياناً حديث واحد ، وكان من بينهم مجموعة قليلة جداً نجحت في أن تجمع نوع أحاديث وكلمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وكمثال هناك حوالي اثني عشر ألف صحابي في كتب الرجال والتراجم ـ مثل أسد الغابة والاصابة وغيرها .
وفيها توضيح دقيق لاسمائهم وهوياتهم وتواريخ حياتهم ووفاتهم ومدة صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويلاحظ أحياناً أن بعضهم التقى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة واحدة أو روى عنه رواية واحدة ، كان هؤلاء يفخرون بصحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكنهم لم يكونوا يقارنون بالإمام علي عليه السلام ولم يكن أي منهم مثله وبدرجته في التتلمذ عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
بناء على هذا لو بحثنا مستوى الرجال الصحابة نجد ان بين النساء الصحابيات نساء فاضلات يتمتعن بجميع القيم والكمالات الروحية . ومن الواضح والمبرهن بشكل كامل ان جعل أمير المؤمنين عليه السلام معياراً للوزن عند مقارنة مقام المرأة والرجل ليس صحيحاً ، ولكن إذا جعلنا سلمان وأبا ذر معياراً ، فهناك بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساء من طرازهما .
والفرق الوحيد الموجود هو ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يرسل كل الرجال للجهاد ، أما النساء فكانت تذهب تطوعاً ، ولأن التواجد في الجبهة لم يكن لازماً على المرأة ، لذا كانت تلك النساء تأتي وتطلب الذهاب معهم .
على أي حال كانت هذه المرأة تتولى بالإضافة إلى إخلاء الجرحى ، دفن الشهداء والتواجد في ميادين الحرب تتولى الاعلام وترغيب المقاتلين عن طريق الخطابة والشعر وأمثال ذلك ( وكانت تحت الناس على ذلك ) .
كان الشعر انذاك له تأثير عند العرب . كما نلاحظ اليوم أحياناً ان أثر الشعر مثل أثر البرهان في بعض الاجتماعات الخاصة . فالمحاضر إذا أقام مسائل برهانية له نفس الدرجة من الأثر الذي للشاعر الماهر الذي يلقي قصيدة أو نثراً أدبياً .
روي أن عدداً من نساء غفار دخلن مع هذه المرأة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت الناطقة باسمهن ، قالت :
( انا نريد أن نخرج معك في وجهك هذا فنداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا ) ، فأذن النبي صلى الله عليه آله وسلم وشاركن في معركة خيبر وكانت تقودهن بنت قيس ابن أبي الصلت الغفاري .
روي انها ( تهديهن لما يلزم لذل حتى انتهى الحرب ورجع المسلمون منصورين ) كانت معلمة لهن .
أم كلثوم وهجرة النساء : (3)
نموذج آخر هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي المعيط ، كانت من ضمن المهاجرات وقال المؤرخون بشأنها ( أسلمت وهاجرت وبايعت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ) .
هاجرت في السنة الهجرية السابعة ، ويقال إنها أول مهاجرة هاجرت مشياً على الأقدام من مكة إلى المدينة وكان زوجها زيد بن حارثة الذي استشهد في معركة مؤتة .
عندما هاجرت من مكة جاء عدد من الكفار لإعادتها مرة ثانية فنزلت هذه الآياته :
( فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ) (4) .
حتى وان كانوا من ذويهن ، لأنه :
( لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهن ) (5) .
يتضح من هذه النماذج ، أن الشيء الذي يتعلق بالروح الإنسانية تتساوى فيه المرأة والرجل ، وقد ابلغ الإسلام دعواته لكلا الصنفين بالاستعانة بهذه القاعدة العقلية والقلبية العامة ، وإذا رأينا ان النساء النموذجيات ليست لهن تلك الشهرة ، فهو لأنه لم يجر إعلام في النبوغ الفكري للمرأة .
وإلا فالأمثلة التي ذكرت تدل على أن النساء الشبيهات بأيي ذر لم تكن قليلات . كانت النساء اللواتي بذلن جهداً أيام الدولة الأموية ، وفي حرب صفين والجمل وغيرها لصالح ولاية علي عليه السلام وضد الظلم الأموي ، والنساء المحاربات للظلم اللواتي دخلن إلى بلاط الأمويين وقمن باداتة الحكومة الأموية الظالمة بإلقاء الخطب الحماسية ، كثيرات .
1- الدر المنثور ، ص 67 .
2- الدر المنثور ، ص 67 .
3- الدر المنثور ، ص 62 .
4- سورة الممتحنة ، الآية : 10 .
5- المصدر السابق .