عبد الله بن مطيع بن الأسود بن حارثة ، القرشيّ ، العدويّ ، المدنيّ.
ولد عبد الله على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وله أموال ، وبئر فيما بين السّقيا والأبواء ، تعرف ببئر ابن مطيع ، يرد منها الناس. (1)
ولّاه عبد الله بن الزبير إمارة الكوفة سنة (٦٥) للهجرة ، وذلك بعد عزل عبد الله بن يزيد الخطميّ عنها. (2)
وحينما وصل عبد الله بن مطيع إلى الكوفة ، قال لعبد الله بن يزيد : (إن أحببت أن تقيم معي ، أحسنت صحبتك ، وأكرمت مثواك ، وإن لحقت بأمير المؤمنين ، عبد الله بن الزبير ، فبك عليه كرامة ، وعلى من قبله من المسلمين).
ثمّ قال لإبراهيم بن محمّد بن طلحة : (إلحق بأمير المؤمنين).
ثمّ خطب عبد الله بن مطيع في أهل الكوفة فقال : (أما بعد ، فإنّ أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير ، بعثني على مصركم وثغوركم ، وأمر في جباية فيئكم ، وألّا أحمل فضل (3)
فيئكم عنكم إلّا برضاكم ، ووصيّة عمر بن الخطاب الّتي أوصى بها عند وفاته ، وبسيرة عثمان بن عفّان ، الّتي سار بها في المسلمين ، فاتقوا الله ، واستقيموا ، ولا تختلفوا ، وخذوا على أيدي سفهائكم ، وإلا تفعلوا ، فلوموا أنفسكم ولا تلوموني ، فو الله لأوقعنّ بالسقيم العاصي ، ولأقيمن درء الأصعر المرتاب). (4)
فقام إليه السائب بن مالك الأشعري فقال : (أمّا ما أمر فيه ابن الزبير ، ألا تحمل فضل فيئنا عنّا إلّا برضانا ، فإن نشهدك ، بأنّنا لا نرضى أن يحمل فضل فيئنا عنّا ، وألّا يقسّم إلّا فينا ، وألّا يسار فينا إلّا بسيرة عليّ بن أبي طالب ، الّتي سار بها في بلادنا هذه حتّى قتل رحمهالله ، ولا حاجة لنا في سيرة غيره ممن ذكرت). (5)
ثم قام يزيد بن أنس وقال : (صدق السائب بن مالك ، ورأينا في رأيه ، وقولنا مثل قوله). فقال عبد الله بن مطيع : نسير فيكم بكلّ سيرة أحببتموها وهويتموها ، ثمّ نزل.
وكان عبد الله بن مطيع ، هو القائد (الثاني) (6) لجيوش أهل المدينة ، الّذين ثاروا على يزيد بن معاوية بن أبي سفيان (7)
(وذلك بعد مقتل الحسين عليهالسلام حيث أخذ يزيد وعماله يظلمون الناس ، وانشغل بلهوّه وخموره) فأرسل يزيد جيشا كبيرا بقيادة (مسلم بن عقبة المريّ) فوقعت معركة بين الطرفين في مكان يقال له (الحرّة) (8)
قتل فيها من آل أبي طالب ، ومن قريش ، ومن سائر الأنصار الخلق الكثير ، ثمّ استباح جيش يزيد (مدينة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم) ثلاثة أيّام ، ثمّ بايع بعدها أهل المدينة ، على أنهم عبيد ليزيد بن معاوية ، وهرب عبد الله بن مطيع إلى مكّة ، والتحق بعبد الله ابن الزبير (9).
وفي تلك المعركة قال محمّد بن أسلم : (10)
فإن تقتلونا يوم حرّة وأقم / فنحن على الإسلام أوّل من قتل
ونحن تركناكم ببدر أذلة / وأبنّا بأسياف لنا منكم تفل
وقيل : إنّ عبد الله بن عباس ذهب إلى المدينة أيّام «الحرة» فقال : (من استعمل القوم؟) قالوا : (عبد الله بن مطيع على قريش ، وعبد الله بن حنظلة على الأنصار). فقال ابن عباس : (أميران؟ والله هلك القوم). (11)
وعند ما بايع أهل العراق لعبد الله بن الزبير بالخلافة ، وكذلك بايعوه في (دمشق) ، كان عبد الله بن مطيع هو القائم بأمر البيعة لعبد الله بن الزبير في (مكّة) وفي ذلك قال فضاعة الأسديّ (وكان قد بايع لابن الزبير ، إلّا أنّه نكث البيعة فيما بعد): (12)
دعا ابن مطيع للبياع فجئته / إلى بيعة قلبي لها غير آلف
فناولني خشّناك لمّا لمستها / بكفي ليست من أكفّ الخلائف
وكان عبد الله بن مطيع العدويّ ، يطارد الشيعة في الكوفة ، ويخيفهم ويتوعدهم ، وكان المختار بن عبيد الثقفيّ ، يستعد للثورة على بني أميّة في الكوفة ، والمطالبة بثأر الحسين عليهالسلام ، فوجد الفرصة سانحة ، فاتّفق مع أصحابه على أن يقوم بثورته بعد صلاة المغرب ، وأنّ شعارهم : (يا لثارات الحسين). (13)
كان ذلك سنة (٦٦) للهجرة.
ثم جمع عبد الله بن مطيع جيشه ، فدارت معركة بينه وبين جماعة المختار ، ولمّا رأى ابن مطيع ضعف جيشه ، التجأ إلى قصر الإمارة ، وغلق الأبواب ، وتحصّن فيه ، ثمّ حصلت مفاوضات بين ابن مطيع والمختار ، وقيل إنّ المختار أعطى لابن مطيع مائة ألف درهم ، وقال له : (أخرج آمنا ، واذهب حيث شئت). (14)
فهرب عبد الله بن مطيع ليلا من قصر الإمارة ، متنكرا بزي امرأة. ثمّ إنّ المختار أعطى الأمان لجماعة ابن مطيع ، واستولى على قصر الإمارة ، فبايعه الناس سنة (٦٦) للهجرة. (15)
وبعد أن هرب عبد الله بن مطيع ذهب إلى «مكّة» والتحق بعبد الله ابن الزبير ، وبقي معه إلى أن جاء الحجّاج بن يوسف الثقفيّ في خلافة «عبد الملك بن مروان» فحاصر الكعبة ، وضربها بالمنجنيق ، وخرج عبد الله بن مطيع يقاتل أهل الشام ، وهو يقول : (16)
أنا الّذي فررت يوم الحرّة / والشيخ لا يفرّ إلّا مرّة
فاليوم أجزى كرّة بفرّة / لا بأس بالكرّة بعد الفرّة
قتل عبد الله بن مطيع العدويّ في «الكعبة» سنة (٧٣) (17) للهجرة مع عبد الله بن الزبير.
المصادر :
1- ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ١٤٤.
2- نفس المصدر السابق.
3- فضل فيئكم : أي عمّا زاد من الخراج ، بعد تقسيم أعطياتكم عليكم.
4- تاريخ الطبري. ج ٦ / ١٠.
5- نفس المصدر السابق.
6- الثاني : وكان القائد الآخر هو : عبد الله بن حنظلة بن الراهب ، وكان على جيش الأنصار.
7- فطردوا أميرها عثمان بن محمّد بن أبي سفيان ، وطردوا مروان بن الحكم ، وطردوا كذلك الأمويين الموجودين في المدينة.
8- وسميت المعركة : (معركة الحرّة).
9- ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ١٤٧.
10- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٧٠.
11- ابن قتيبة ـ عيون الأخبار. ج ١ / ١.
12- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٨٤. والجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ١ / ٩٤.
13- تاريخ الطبري. ج ٦ / ٣٣.
14- المصدر السابق. ج ٦ / ٣٨.
15- ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ١١٢. وابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ١٤٧. وتاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢٥٩.
16- ابن عبد ربه ـ العقد الفريد. ج ٤ / ٣٨٩.
17- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٤٢. وابن العماد ـ شذرات الذهب. ج ١ / ٣٠٨. وزامباور ـ معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلاميّ. ص ٦٨.