
الانشطار النووی هو عملیة انشطار نواة ذرة عنصر ما إلى قسمین أو أکثر، وبهذه العملیة تتحول مادة معینة إلى مواد أخرى وینتج عن عملیة الإنشطار هذه نیوترونات وفوتونات عالیة الطاقة ودقائق نوویة مثل جسیمات ألفا وأشعة بیتا(بالاخص أشعة غاما). یؤدی انشطار العناصر الثقیلة إلى تولد کمیات ضخمة من الطاقة الحراریة والإشعاعیة.
تستعمل عملیة الانشطار النووی فی إنتاج الطاقة الکهربائیة فی المفاعلات النوویة، کما تستعمل لإنتاج الأسلحة النوویة. ومن الموادالنوویة الانشطاریة الهامة والتی تستخدم کثیراً فی المفاعلات الذریة مادتی الیورانیوم-235 وبلوتونیوم-239، والتی هی عماد الوقود النووی. وفی الوقود النووی یتم ما یسمى بالتفاعل المتسلسل حیث یصطدم نیوتروناً مع نواة ذرة الیورانیوم-235 فتنقسم إلى قسمین؛ ویصاحب هذا الانقسام انطلاق عدد من النیوترونات یقدر ب 2و5 نیوتروناً فی المتوسط. ویمکن لتلک النیوترونات الناتجة أن تصطدم بأنویة أخرى من الیورانیوم-235 وتتفاعل معها وتعمل على انشطارها. بذلک یزید معدل التفاعل زیادة تسلسلیة قد یؤدی إلى الانفجار إذا لم ننجح فی ترویضه والتحکم فیه.
انشطار الیورانیوم-235 عند اصتدامه بنیوترون. ینتج عن الانشطار طاقة قدرها 200 ملیون إلکترون فولت.
وفی المفاعلات النوویة التی تستخدم لإنتاج الطاقة الکهربائیة یُستعمل الیورانیوم-235 أو البلوتونیوم-239 بنسبة 5.3 % فی مخلوط أکسید الیورانیوم لإنتاج الطاقة. ویحتاج مفاعل نووی کبیر یعمل بقدرة 1000 میجاوات إلى نحو 100 طن من أکسید الیورانیوم تکفیه لمدة ثلاثة سنوات. إلا أن الطریقة الاقتصادیة لتشغیل المفاعل النووی تتطلب إیقاف تشغیل المفاعل کل سنة لمدة عدة أسابیع، یجری خلالها استبدال ثلث کمیة الوقود النووی المستهلک بوقود جدید، وکذلک لإجراء أعمال الصیانة والتفتیش عن أی خلل قد یحدث ومعالجة الخلل.
تاریخ اکتشاف الانشطار النووی
کان إنریکو فیرمی أول من قام بتصویب النیوترونات على الیورانیوم عام 1934 ولکنه لم ینجح فی تفسیر النتائج. وقام العالم الکیمیائی الألمانی أوتو هان وزمیلته لیزا مایتنر وزمیلهما شتراسمان بتلک الأبحاث وقاموا بتحلیل المواد الناتجة عن التفاعل. وکانت مفاجأة لم یستطیعوا تفسیرها أولاً، إذ أنهم وجدوا عناصر جدیدة تکونت من خلال التفاعل. وکان أن أعادوا التجربة باستخدام یورانیوم عالی النقاوة، فکانت النتیجة هی ما وجدوه من قبل وتکوّن عنصر الباریوم. و العدد الذری للباریوم نصف العدد الذری للیورانیوم تقریباً. کان ذلک عام 1938 وبعدها بدأت الحرب العالمیة الثانیة واضطرت لیزا مایتنر إلى مغادرة ألمانیا نظراً لاضطهاد النازیة للیهود. وسافرت لیزا إلى السوید حیث کان أحد أقربائها یعمل هناک وهو روبرت فریتش. وقصت علیه نتائج تجربة الیورانیوم.
هذه هی المنضدة التی کان یجری اتو هان علیها أبحاثه مع زملائه لیزا مایتنر وفرسیتس شتراسمان عام 1938، وهی معروضة الآن بالمتحف الألمانی فی میونیخ
وفی مطلع عام 1939 فطن أتوهان وشتراسمان إلى تفسیر التفاعل الذی حدث وأنه انشطار لنواة ذرة الیورانیوم وتکون الباریوم ونشر نتیجة أبحاثه فی المجلة العلمیة. وفی نفس الوقت استطاعت مایتنر بمساعدة فریتش تفسیر تجربة الیورانیوم على أنها انشطار نووی، واستطاع الإثنان إکمال التفسیر بأنه من خلال انقسام نواة الیورانیوم یحدث فقد فی الکتلة بین وزن الیورانیوم ووزن الباریوم والمنتجات الأخرى الناتجة عن الانقسام، وقدّرا تلک الکتلة بأنها نحو 1/5 من کتلة البروتون، أی أن طاقة تقدر بنحو 200 MeV تتحرر من کل انقسام، وهی طاقة بالغة للغایة. وسافر الاثنان بعد ذلک إلى الولایات المتحدة واجتمعا مع أینشتاین وقصّا علیه نتیجة أبحاثهما.
وکانت مجموعة من العلماء تعمل فی فرنسا تحت رئاسة بیار کوری زوج ماری کوری- مکتشفة البولونیوم - واکتشفوا أنه خلال انشطار نواة الیورانیوم ینطلق عدد من النیوترونات قدروه بـ 5.3 فی المتوسط إلا أنهم عدّلوا ذلک العدد إلى 6.2 نیوترونات فی المتوسط لکل انشطار فیما بعد.
ولما عرف أینشتاین وزمیله زیلارد بأمریکا نتائج مایتنر وفریتش بالإضافة إلى نتائج المجموعة الفرنسیة عن النیوترونات المصاحبة للانشطار قام أینشتاین وزیلارد بتوجیه خطابا إلى الرئیس الأمریکی آنذاک روزفیلت یعرفوه بتلک النتائج العلمیة الخطیرة والتحذیر من إمکانیة سعی الألمان لاستغلال تلک المعلومات لصنع قنبلة ذریة یکون لها مفعولاً فظیعاً، خصوصاً وأن الحرب قد بدأت فی أوروبا بهجوم الألمان على بولندا. ووصل خطاب أینشتاین وزیلاد إلى الرئیس الأمریکی فی ینایر 1939.
قامت الحکومة الأمریکیة فی البدء بتشجیع الأبحاث النوویة، وقام إنریکو فیرمی، وکان یعمل فی جامعة شیکاغو آنذاک، ببناء أول کومة ذریة مکونة من الیورانیوم والجرافیت، واختار الجرافیت کمهدئ لسرعة النیوترونات، ونجح فی توصیل الکومة الذریة إلى الحالة الحرجة، وکان ذلک فی دیسمبر عام 1942.
ثم دخلت الولایات المتحدة الحرب وکان هناک خوف کبیر من أن یرکز الألمان بحوثهم لصناعة قنبلة ذریة، فبدأت الولایات المتحدة مشروع مانهاتن عام 1942 بغرض إنتاج السلاح النووی وعینت اوبنهایمر لرئاسة المشروع، وجمع أوبنهایمر العلماء من جمیع أنحاء البلاد للترکیز على ذلک العمل وکان العمل یسیر بتکتم شدید. واتضح أن صناعة القنبلة الذریة یحتاج إلى الیورانیوم-235 عالی النقاوة، کما توصلوا إلى أن عنصر البلوتونیوم-239 وهو من منتجات الکومة الذریة التی بناها فیرمی فی جامعة شیکاغو له نفس خواص الیورانیوم-235، فعزم العاملون فی مشروع مانهاتن على اتباع الطریقتین فی نفس الوقت لضمان التوصل إلى صنع القنبلة. وکان أن قاموا بمشروع لتخصیب الیورانیوم-235 وفصله عن الیورانیوم-238، وقاموا فی نفس الوقت بتولید البلوتونیوم-239 فی مفاعل نووی بنوه لذلک الغرض. وأدت تلک المجهودات إلى إنتاج قنبلتی هیروشیما ونجازاکی اللتان ألقیتا من الجو على الیابان فی 6 أغسطس و 11 اغسطس 1945، واستسلمت على أثرهما الیابان وأنتهت الحرب مع أمریکا.
تفاصیل تفاعل االانشطار النووی
تفاعل الانشطار النووی للیورانیوم-235 بواسطة النیوترون.
یختلف الانشطار النووی عن عملیة التحلل الإشعاعی من ناحیة انه یمکن السیطرة على عملیة الأنشطار النووی خارجیا. تقوم النیوترونات الحرة الناتجة من کل عملیة انشطار وهی فی المتوسط 5و2 نیوترونا، بالتفاعل مع الیورانیوم أو البلوتونیوم وتتسبب فی انشطارها. وهذا بالتالى یؤدی إلى تحریر نیوترونات أخرى. وتستمر هذه السلسلة من التفاعلات التی تسمى تفاعل متسلسل.
یطلق على نظائر عناصر کیمیائیة لها القدرة على تحمل هذه السلسلة الطویلة من الأنشطارات النوویة اسم الوقود النووی. من أکثر أنواع الوقود النووی استعمالا هی الیورانیوم ذو کتلة ذریة رقم 235 (یورانیوم-235) وبلوتونیوم ذو کتلة ذریة رقم 239 (بلوتونیوم-239)، هذین العنصرین ینشطران بصورة بطیئة جدا تحت الظروف الطبیعیة التی تسمى ب الانشطار التلقائی وتاخذ هذة العملیة التلقائیة ما یقارب 550 ملیون سنة عمر النصف للیورانیوم. أما فی المفاعل النووی فتجمع کمیة من الوقود النووی فوق الکتلة الحرجة ویجری التحکم فیها بواسطة قضبان تتخللها من الکادمیوم الماصة للنیوترونات. بذلک یمکن المحافظة على معدل سیر التفاعل لإنتاج الطاقة ومنعه من الانفلات وأحداث الدمار.
نواتج الانشطار
ینتج عن انشطار نواة الیورانیوم نواتین صغیرتین فی أغلب التفاعلات ، کما من الممکن أن ینتج عن الانشطار أکثر من نواتین . وقد تکون "أنصاف" نواة الیورانیوم الناتجة زوجا من نوکلیدات مختلفة . وغالبا ما تنتج نواة لها کتلة ذریة خفیفة نسبیا (نحو 90 ) مصحوبة بنواة ثقیلة ( کتلة ذریة 140) . ولذلک یبین منحنى توزیع الأنویة الناتجة عن الانشطار قمتین (توزیع کتلة الأنویة الناتجة ) .ویبقى مجموع البروتونات والنیوترونات قبل التفاعل وبعده ثابتا. وعل سبیل المثال نذکر هنا حالتین ممکنتان للانشطار النووی للبلوتونیوم-239 بواسطة امتصاصه لأحد النیوترونات :
توزیع الأنویة الناتجة عن الانشطار بحسب کتلهم الذریة A
نواتج الانشطار تکون أنویة ذریة متوسطة الکتلة ، وفی نفس الوقت غنیة بالنیوترونات . وهی لذلک عناصر غیر مستقرة وتصدرفی العادة نیوترونات زائدة عن مقدرتها الاحتفاظ بها خلال عدة ثوان من بعد تکونها ، وتکون لها أهمیة فی ضبط معدل التفاعل الجاری فی مفاعل نووی . وتتحلل بعض تلک الأنویة الناتجة عن الانشطار عن طریق تحلل بیتا إلى عناصر أخرى. و تحلل بیتا لا یغیر من الکتلة الذریة وینتهی تحلل بیتا المتتابع عند نواة مستقرة ، وقد تستغرق تحللات بیتا الأخیرة قرب الوصول إلى العنصر المستقر أعمار النصف طویلة على مدی مئات السنین أو آلاف السنین .
ینتج عن کل عملیة الانشطار قدر هائل من الطاقة یبلغ نحو 200 ملیون إلکترون فولت تظهر فی صورة حرارة وإشعاع ،و یمکن استغلال الحرارة لتولید بخار ماء ، ومن بخار الماء تولید کهرباء وهذا ما یجری فی المفاعل النووی .
المصدر : تحقیق راسخون
/ج