سيد درويش

Friday, February 20, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
سيد درويش

(1892-1923م) الشيخ سيد درويش عربي مصري يُعد رائد الموسيقى العربية المعاصرة، ولد في كوم الدكة (ضواحي الإسكندرية) وتوفي في الإسكندرية.

كان والده درويش البحر نجاراً فقيراً توفي عندما كان سيد في السابعة من عمره، فهجر مدرسة الحي التي ألحقه  والده بها قبل وفاته. وارتأت والدته، من أجل أن توفر له مستقبلاً مضموناً، أن تلحقه بكتّاب الشيخ حسن حلاوة ليتعلم قراءة وتجويد القرآن الكريم. وبعد سنوات قليلة، عندما استوفى كل ما يعرفه الشيخ حسن حلاوة، انتسب سيد إلى مدرسة سامي أفندي، ولم يطل به الأمر فهجرها وأخذ يعمل مقرئاً تارةً ومؤذناً تارةً أخرى. وظل ينتقل هنا وهناك حتى شبّ عن الطوق، فاتجه نحو الغناء والموسيقى اللذين غرستهما فيه مدرسة سامي أفندي، وأخذ يغني في المقاهي والملاهي الليلية بعد أن خلع العمة والقفطان، الأمر الذي لم يرق لأسرته. وتظاهر بالإقلاع عن الموسيقى والغناء ليرضي أسرته وأقاربه، دون أن يدري بأن الموسيقى قد استحوذت عليه، وأنه لن يستطيع التخلي عنها. وفي تلك الأثناء، وفي هذا الصراع الدائر بينه وبين أسرته بسبب ميله للموسيقى، صار عامل بناء، وكان يطيب له الغناء أثناء عمله الأمر الذي أسعد العمال الذين كانوا يعملون معه. وتشاء الصدف أن يستمع إليه ذات يوم المسرحي أمين عطا الله الذي أعجب بأدائه، فقرر أن يضمه إلى فرقته. وكاد سيد درويش أن يرفض هذا العرض لولا أن تحركت نوازعه الموسيقية، فهجر ورشة البناء وأصدقاءه العمال على أمل أن يعود إليهم بعد عودة فرقة أمين وسليم عطا الله من بلاد الشام، وكان عمره وقتئذٍ سبعة عشر عاماً (عام 1909). وعلى الرغم من إخفاق هذه الرحلة، فقد زادت ثقافة سيد درويش الموسيقية في أثناء وجوده في مدينتي دمشق وحلب، والتقائه بعدد من الموسيقيين أبرزهم الموسيقي العراقي عثمان الموصلي ـ عندما كان في زيارة فنية إلى سورية، قد أفاده في تلقي الموشحات والضروب قديمها وحديثها، وحفظ التراث المتداول فيهما قبل أن يعود مع الفرقة إلى الإسكندرية.

سافرت الفرقة من جديد إلى بلاد الشام، بعد ثلاثة أعوام على تلك الرحلة. وقد حقق سيد، في هذه المرة، نجاحاً لم يكن يتوقعه، واكتسب إلى جانب النجاح معارف موسيقية جيدة. ومن ثم قفل مع الفرقة عائداً إلى الإسكندرية قبل نشوب الحرب العالمية الأولى. وقد صمم، والنجاح الذي حققه في بلاد الشام يملؤه زهواً، أن يغزو القاهرة. ويقول صبري أبو المجد في كتابه عن زكريا أحمد[ر]، إن الشيخ يونس القاضي، كاتب الأغاني والمسرحيات، هو أول من أخذ سيد درويش إلى القاهرة عام 1914. بينما يقول زكريا أحمد في مذكراته إنه اصطحبه إلى القاهرة في الرابع من كانون الثاني عام 1916. ومهما قيل في هذا الأمر، فإنه من الثابت أن الشيخ سيد غنى، عام 1916، في مسرح محمد عمر لقاء خمسة عشر جنيهاً في الليلة الواحدة، ثم غنى في ملهى «غلوب» في شهر شباط عام 1917. وفي السابع عشر من الشهر نفسه انتقل للغناء في «كازينو البوسفور» ولكنه لم ينجح، فعاد إلى الإسكندرية. وفي تلك الحقبة من حياته، تعرّف بديع خيري الذي كان شاباً فتياً يهوى الموسيقى والغناء ويميل إلى الكتابة المسرحية ونظم الأغاني. ولفتت انتباهه ألحان سيد درويش بما تحمله من حداثة، فقدمه إلى نجيب الريحاني[ر] الذي أراد اختباره قبل أن يسند إليه عملاً كبيراً، وطلب منه أن يلحن له فواصل غنائية استعراضية ليستخدمها بين فصول المسرحيات التي يقدمها، فنجح نجاحاً مذهلاً جعل الريحاني يكلفه تلحين مسرحياته. وكان سلامة حجازي[ر] قد مات والمسرح الغنائي خالٍ من بطل يقوده إلى غمار القرن العشرين. فبرز سيد درويش دون سائر الملحنين  الذين عاصروه ليتبوأ المكانة الرفيعة التي وصل إليها عن جدارة.

لم يقتصر عمل درويش في التلحين لنجيب الريحاني، إذ أقبل عليه أصحاب الفرق المسرحية، وكل واحد منهم يخطب وده، ويرضى بالسعر الذي يفرضه سيد عليه. وبعد سنوات على ذلك، قرر درويش تكوين فرقة مسرحية خاصة به سماها «فرقة دار التمثيل العربي» قدم فيها مسرحية «شهرزاد»، و«البروكة» (عام 1921). وبذّرت الفرقة المال الذي تعب في جمعه، وخسر كل ما يملك، فحل الفرقة وعاد إلى الإسكندرية خالي الوفاض، ليمكث فيها بعض الوقت، وقد استيقظت عنده الرغبة في السفر إلى إيطالية ليدرس فنون المسرح الغنائي، وبنوع خاص الأوبرا[ر]، ولكن القدر لم يمهله إذ توفاه الله في الخامس عشر من شهر أيلول عام 1923 بعد نوبة قلبية حادة داهمته ليلاً.

تزوج سيد درويش أربع مرات، وقد أنجبت له زوجته الأولى ابنه البكر المغني محمد البحر. ولم يترك الشيخ سيد لورثته سوى عوده ومجموعة من الأوراق التي تضم تدوينات بعض الأغاني التي لحنها. إلا أنه أورث الشعب العربي إرثاً فنياً عظيماً مازال يتمتع به كل متذوقي وفناني الموسيقى العربية في الوطن العربي.

القالب الفني

يعود الفضل في تطوير أنواع الغناء العربي، الكلاسيكي منه والخفيف الدارج إلى سيد درويش. فقد دل هذا الموسيقي الأصيل جميع الموسيقيين الذين عاصروه والذين جاؤوا بعده على التطور الحقيقي الذي أراده للأغنية. وكتب في كل أنواع الغناء العربي ماعدا القصيدة. وقد اكتشف، مصادفة، بعد استماعه لإحدى أوبرات الموسيقي الإيطالي فيردي[ر] Verdi الأبعاد الإنسانية للعمل الفني، وقال ما معناه «يجب على الأغنية العربية أن تصل إلى كل الشعوب وتطرب لها أسوة بموسيقى وأغاني الشعوب الأخرى التي استطاعت التسلل إلى قلوب الناس ونفوسهم في الوطن العربي. كذلك اكتشف من الترجمات لنصوص الأوبرا وغيرها أن الحب ليس وحده الجدير بالغناء له. فالموضوعات الأخرى التي تتناول الحياة اليومية من اجتماعية واقتصادية وسياسية، والقضايا الأخرى المصيرية، يجب أن يكون لها دورها في حياة الأغنية». ومن هنا، بدأ يفكر درويش بتطوير الأغنية. فهو يعيش حياة الناس وينتمي إلى الحزب الذي يحمل النضال ضد الاستعمار البريطاني بقيادة سعد زغلول، وضد الأنظمة والقوانين التي تحد من الوصول إلى الحياة الأفضل للشعب. فيجب عليه، والحالة هذه، أن يعبر بفنه عن كل ما يحس به الشعب ويطالب فيه. ومن هنا بالذات، ولدت أعماله الخارقة في الأوبريت الهادفة، والأغاني الخفيفة الدارجة، التي عبرت عن ضمير الشعب العربي ووجدانه. ولم يقف التطور عند سيد درويش في السنوات الخمس الأخيرة من حياته عند القوالب الجامدة المتعارف عليها، بل تخلى عن جلّها، كما فعل في قالب الطقطوقة القديم الذي كان سائداً أيام عبده الحمولي[ر]، إذ تخلص منه إلى القالب الذي جاء به والذي هو صنو الأغنية الخفيفة الدارجة في كل أنحاء العالم من ناحية الصياغة والتوافق بين كلمات الأغنية ولحنها ومضمونها، ومن ناحية المدة الزمنية التي تستغرقها. فقد كرس الأغنية الطقطوقة لخدمة الجماهير. وتتألف طقطوقة سيد درويش من لازمة موسيقية واحدة تسبق المذهب، وتعاد بعد كل غصن من أغصان الطقطوقة الثلاثة. وهو لم يكتف بذلك، إذ خلص هذا النوع من الغناء، من تلحين الأحرف والكلمات، في الانتقال إلى تلحين صدر البيت الزجلي أو عجزه دفعة واحدة.

أما الموشحة، فقد جعلها، وهي خاصة بالمجموعات، أغنية مشتركة بين المجموعة والمغني المنفرد، إذ اكتشف أن عبده الحمولي، ومحمد عثمان خصّا، في الموشحات التي وضعاها، المغني الذي يملك صوتاً جميلاً من بين مجموعة الجوقة بالانفراد بترديد نوع من الآهات فقط. وهكذا، خص الشيخ سيد، المغني المنفرد بغناء بعض أجزاء الموشحة، كما اختصرها ليتخلص من الرتابة اللحنية في خاناتها.

كان المسرح الغنائي، إلى ما قبل سلامة حجازي، وسيد درويش يقدم الأغاني في الاستراحات بين الفصول دون أن تكون لها أية علاقة بالمسرحية. ثم دخلت، في زمن سلامة، إلى المسرحية بالذات دون أن يكون لموضوعها الغنائي علاقة درامية بالنص المسرحي إلا لماماً. وعندما جاء سيد درويش، الذي عاصر سلامة زمناً قصيراً، جعل الأغنية الدرويشية في المسرحية الغنائية من اللبنات الأساسية في العمل الدرامي. أما بالنسبة للدور، فلم يمس قالبه الفني، وإن كان قد أعطاه أبعاده الشاعرية في التعبير.

منح الشيخ سيد درويش، في حياته القصيرة (31 عاماً)، الموسيقى العربية غنىً فنياً كبيراً نهل منه جميع الموسيقيين الذين جاؤوا بعده، وفي مقدمتهم محمد عبد الوهاب[ر]. ويشبه سيد، في ذلك، الموسيقي النمسوي فرانز شوبرت[ر] Schubert - مع الفارق في الأسلوب - الذي عاش واحداً وثلاثين عاماً، واهتم بالأغنية الليد Lied [ر. الأغنية] أكثر من اهتمامه بالسمفونيات التي كتب فيها تسعاً، بينما لحّن أكثر من ألف أغنية.

أعماله

لحن سيد درويش في حياته القصيرة سبعاً وعشرين مسرحية غنائية، من أشهرها: «العشرة الطيبة»، و«البروكة»، و«فلفل»، و«راحت عليك» و«ولو»، و«كله من ده». وتضم هذه المسرحيات سبعاً وأربعين ومئتي أغنية. وله عشرة أدوار من أبرزها: «ضيعت مستقبل حياتي»، و«أنا هويت»، و«الحبيب للهجر مايل»، و«أنا عشقت»، و««عشنا وشفنا» وهو من الأدوار السياسية، و«كادني الهوى». ولحن أيضاً سبعة عشر موشحاً من أشهرها «منيتي عز اصطباري»، و«يا شادي الألحان»، و«صحت وجداً»، و«ويا بهجة الروح»، إضافة إلى ست وستين طقطوقة وأغنية خفيفة من أشهرها «خفيف الروح»، و«يا عزيز عيني»، و«زوروني كل سنة مرة»، و«يا بلح زغلول»، و«العربجية»، و«الحلوة دي قامت تعجن»، و«سالمة يا سلامة» وغيرها الكثير، وجلّها موجود في مسرحياته الغنائية.



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.