بول سيزان

Friday, February 20, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
بول سيزان

(1839 ـ 1906) ولد المصور الفرنسي بول سيزان Paul Cézanne في إكس ـ آن ـ بروفانس Aix-en- Provence لأب صاحب مصرف ضمِِن لابنه مستقبلاً خالياً من المشاغل المالية وهمومها. التحق سيزان في عام 1852 بكلية بوربون حيث تلقَّى تعليماً كلاسيكياً متديناً وصارماً، والتقى بالكاتب المشهور إميل زولا [ر] Émile Zola والمصور المعروف فريدريك بازيل F.Bazille، ليمضي الأصدقاء الثلاثة أوقاتهم في التجوال والسباحة وتسلق الجبال وقراءة الشعر. يتحدث زولا عن هذه المرحلة قائلاً: «كنا ثلاثة، وكنا نشعر بمدى ثرائنا الذاتي، والوعود التي كنا نتطلع إلى تحقيقها... كنا متماثلين في الشباب والأحلام» ويصرح في مناسبة أخرى بقوله: «لقد بكينا حين قرأنا ألفرد دي موسيه[ر] Alfred de Musset» وهذا ما يؤكد هيمنة الروح الرومانسية على حياة الشباب في ذلك العصر، والتي تجلت عند سيزان وزميليه حباً للشعر والطبيعة والتقلب السريع بين الأمل واليأس والحب النبيل والأحلام الكبيرة بالمستقبل، فالطفولة الرومانسية والنشأة الثرية (البرجوازية) والبعد عن النساء، كونت شخصية سيزان ووسمته بطباع لم تفارقه طوال حياته. كان سيزان حساساً ومنعزلاً وعنيداً لدرجة لا تصدق، حتى إن زولا قال عنه: «إن إقناع سيزان أشبه ما يكون بجعل كنيسة نوتردام Notre-Dame de Paris ترقص».

انكفأ سيزان على نفسه بسبب سفر زولا إلى باريس، وانزوى في عزلته يستبد به القلق على مستقبله، ويساوره الشك في مقدرته على أن يكون رساماً، وتلك كانت حاله طوال مرحلة حياته الأولى التي قضاها متنقلاً بين إكس وباريس. وبحلول عام 1860 انصرف عن دراسة الحقوق ليتفرغ للرسم، وفي عام 1861 غادر سيزان إكس إلى باريس، وراح يتردد إلى الأكاديمية السويسرية استعداداً لدخول امتحان «كلية الفنون»، يحمل معه ضجره ورغبة في العزلة وخوفاً من الناس، وكان من أهم أعماله إبان تلك المرحلة لوحة رسمها لنفسه تعبر عن سوداويته، ولوحة لزولا مزقها تعبيراً عن شعوره بالفشل وانعدام الثقة بإمكاناته وخيبة أمله في المدينة وما فيها.

لا شك في أن طفولة سيزان الحالمة وشعوره باليأس المتشكك، وحبه للعزلة قد دفعته إلى الرومانسية[ر] Romantisme التي اكتشف فيها شقيقة روحه، فلجأ إلى أعمال روادها ولاسيما دولاكروا [ر] Delacroix وإلى فناني البندقية Venise وخصوصاً فيرونيز[ر] Véronèse يستقي من معينهم ويرسم تحت وطأة تأثيرهم لوحات كثيرة، منها لوحة «الأورجي» Orgies (أي طقوس العربدة) معبراً فيها عن عواطفه المكبوتة بحركات شخوصه العنيفة وحفلاتهم الراقصة والصاخبة المعربدة التي تفصح عن مشاعر سيزان الجنسية الدفينة.

لم يقف سيزان عند حدود الحركة المستمرة والمتسقة المستقاة من الإبداعية (الرومانسية) والباروك[ر] Baroque بل انتقل شيئاً فشيئاً باتجاه الانطباعية[ر] متأثراً بمانيه[ر] E.Manet وبالواقعية الجديدة منطلق الفنانين الجدد، ولاسيما بيسارو[ر] C.Pissarro الذي دعاه للخروج معه إلى الطبيعة، وشجعه على الرسم في الهواء الطلق. ولكن سيزان لم يصبح انطباعياً إلا في عام 1873 أي بعد مرور عشر سنوات على معرض المرفوضين. وفي عام 1874 اشترك في معرض الانطباعيين الأول، وعرض لوحات كثيرة منها «أولمبيا الحديثة» (متحف اللوفر) و«منظر في أوفر»، وعندما عرض أعماله في معرض الانطباعيين الثالث لقي من الهجوم ما لم يلقه غيره من المشاركين، قال جورج رينييه G.Régnier معلقاً: «هوجم سيزان أكثر مما هوجم أي فنان آخر، وأسيئت معاملته من الجمهور والصحافة طوال خمسة عشر عاماً، إذ لم توجد تهمة لم يلطخ اسمه بها، ولكن أعماله، مع ذلك، بدأت تلاقي نجاحاً». ما كان من سيزان، حيال ذلك، إلا أن يزداد بعداً عن الناس، فتفاقمت سوداويته وغرابة أطواره، وأغرق في عمله، مطوراً أسلوبه دون ضجيج، وازداد إلحاحاً وعناداً ومواظبة كلما رفضت المعارض الرسمية عرض أعماله.
في يوم الجمعة الموافق 15 تشرين الأول، وفي أثناء عمله في الحقول، داهمته عاصفة ماطرة وباردة، ولكنه ظل يرسم تحت الأمطار ساعات عدة حتى أغمي عليه، فحُمل على عربة وأعيد إلى منزله ليقاوم سكرات الموت سبعة أيام، وفارق الحياة في الثاني والعشرين من تشرين الأول تاركاً للإنسانية ما ينوف على 900 لوحة زيتية و400 لوحة مائية.



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.