روبرت فلاهرتي

Friday, June 12, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
روبرت فلاهرتي

(1884-1951) روبرت فلاهرتي Robert Flaherty سينمائي أمريكي مبدع، وهو أحد كبار عباقرة السينما في العالم، والأستاذ الأول للاتجاه الرومنسي بالسينما التسجيلية. كان فلاهرتي مستكشف أراض مجهولة، ينشد الوصول إلى رومنسية الإنسان البدائي، وغرابة المشهد الطبيعي المدهش في الأصقاع البكر.

قام فلاهرتي برحلات استكشاف إلى المحيط المتجمد الشمالي والمحيط الهادئ وشمال كندا، ليتابع برصانة الباحث وغنائية الشاعر تفاصيل الحياة اليومية للإنسان وسط بيئته الطبيعية التي لم تتشوه بعد.

أمضى فلاهرتي زمناً طويلاً في ملاحظة ورصد الواقع، ليبلغ مرحلة القدرة على تجسيد روح الملحمة البطولية المتسمة بالرصانة والبساطة في حياة إنسانية اعتيادية متجنباً التردي في المبالغات العاطفية المزيفة، بفضل مهارته وشاعريته وإيمانه العميق بضرورة انبثاق قصة أي فيلم تسجيلي من البيئة التي تدور فيها آلة التصوير.

تعدُّ دراما فلاهرتي دراما الزمن المتجدد، ودراما المواسم والفصول المتغيرة على مدار السنة التي تتصاعد في أثناء الصراع الذي يخوضه البشر من أجل العيش تارة، أو من أجل منح حياتهم الجماعية صيغاً تجعلها قابلة للاحتمال تارة أخرى، أو بعملية المجابهة والدفاع عن انتمائهم للطبيعة، وتمسكهم بتقاليد وعادات القبيلة التي ينتمون إليها. وتمتاز أعماله بفن الإيقاع المتوازن، والربط الموفق بين عناصر الوجود الحية والجامدة وسط الطبيعة برؤية شاعرية واقعية.

وعلى عكس السينمائيين التسجيليين الذين ينظرون إلى الفيلم التسجيلي على أنه أداة في المعركة، ووسيلة تأثير في الجماهير، فإن فلاهرتي لا يضيف شيئاً إلى الوثيقة التي يستخرجها من الواقع بل يرفض أن يفعل. كما أنه لا ينحاز لهذا الطرف أو ذاك أياً ما كان ذلك، كما لو أنه يحضن الأثر الفني في داخله، رغماً عنه، حيث يتنامى الأثر وينضج كاملاً بفعل حرارة المشاعر، ذلك أن فلاهرتي شاعر قبل كل شيء.

ذهب فلاهرتي عام 1910 إلى الشمال الكبير في كندا، حيث أقام علاقة وثيقة مع عائلة الصياد نانوك Nanouk من الأسكيمو، وقرر تصويرها من دون أن يدري الصياد. طوّر فلاهرتي، على الأرض، منهجاً استخدمه علماء الإتنولوجيا والأنتروبولوجيا فيما بعد. عاش فلاهرتي عبر علاقته الأولية بالزمن، مع أبطال فيلمه مدة طويلة قبل أن يصورهم. كان يحدد معهم يومياً المشاهد التي يريد تصويرها، ثم يظهّر المادة في مختبر صنعه في المكان نفسه، ثم يعرض الصور على الأبطال، قبل أن يقرروا معاً برنامج التصوير المقبل. في أثناء خمسة عشر شهراً، أنجز فلاهرتي جميع آليات إنتاج فيلمه وإخراجه. فالاتصال المسبق، والصداقة، والمشاركة وخلق الحالة أو الوضعية، وتجربة الكاميرا التي يشترك فيها البطل والمخرج، كل ذلك حقق نجاحاً كبيراً في صالات السينما. وكانت ابتسامة نانوك قد حظيت بين ليلة وضحاها بشهرة توازي شهرة مشية تشارلي تشابلن. ولكن، إضافة إلى تحول نانوك نجماً، برزت حقيقة أخرى مأسوية، فالأحوال المناخية في الشمال الكندي الكبير، وأحوال الصيد هناك، لم تعد تسمح للبطل نانوك بسد رمقه، فمات جوعاً فيما كانت ابتسامته تملأ الشاشة!

نجح الفيلم «نانوك - رجل الشمال» (1922) نجاحاً عالمياً، مما دفع شركة بارامونت Paramount، إحدى شركات هوليوود الكبرى، إلى التعاقد مع فلاهرتي لإخراج فيلم تسجيلي طويل من الطراز ذاته، واضعين في حسبانهم استغلال عناصر الإثارة التي يقدمها صراع الإنسان البدائي من أجل العيش.

سافر فلاهرتي إلى جزر المحيط الهادئ حيث عاش وسط السكان البدائيين مدة عامين كتب فيها فيلمه الرائع «موانا» Moana عام (1926) وصوّره، حيث استخدم الأسلوب ذاته إذ سجل حياة قبائل (ساموا) التي تسكن جزر ساموا في المحيط الهادئ، ونجح من دون الاستعانة بالتمثيل أو اصطناع الأحداث أن يسجل بوساطة آلة التصوير وحدها الخط الرئيس لحياة تلك القبائل، فجاء فيلمه «موانا» معبراً عن رؤيته السينمائية الخاصة، إنه براءة حب في فردوس أرضي. كان فيلم «موانا» نشيداً يرفع ترتيله للشمس والطبيعة، وللحياة، ولجمال بحار الجنوب المتقطر سحراً. قليلة جداً الأفلام السينمائية التي عرفت كيف تنقل إلى المشاهد مثل هذا الانطباع عن الجمال النقي. وقد أحل فلاهرتي محل شعرية الصور الفوتوغرافية كلياً تقريباً حتى ذلك الحين، قصيدة صور أصلية. إلا أن الفيلم الذي سجل أول مرة في شريط سينمائي يبلغ طوله 1847م (90) دقيقة عندما عرض كاملاً على الجمهور، اختصر فيما بعد إلى 1200م (60 دقيقة). وهذه النسخة الأخيرة هي الوحيدة التي يمكن أن تشاهد اليوم. ولكن على الرغم من النجاح الحماسي الذي استقبل النقاد به الفيلم، لم يأت الفيلم بالإيرادات التي كانت تتوقعها الشركة، وغاص فلاهرتي إثرها في فترة عصيبة، سـافر بعدها إلى إنكلترا حيث أخرج هناك فيلم «رجل أران» (1934) تمجيداً لبلده الأصلي أيرلندا، وصور فيه حياة صيادي سمك القرش وشجاعتهم في مواجهة مصاعب الحياة من أجل الحصول على الرزق.

عاد فلاهرتي إلى أمريكا في أوائل الحرب العالمية الثانية. وفي فترة عامي 1939-1942 أخرج لحساب وزارة الزراعة الأمريكية فيلم «الأرض» الذي صور تآكل التربة بسبب عوامل التعرية المختلفة، إذ تحول وسط الولايات المتحدة الذي كان خصباً إلى صحراء. غير أن الوزارة منعت عرض الفيلم فقد عدَّته شديد الكآبة وله تأثير سيئ في نفس المشاهد!

كان فيلم قصة «لويزيانا» (1948) آخر أفلام فلاهرتي الرائعة، الذي أنتج لحساب شركة «ستاندارد أويل» Standard Oil، والذي يصور الحياة الطبيعية في مناطق لويزيانا، وتدميرها بحثاً عن النفط فيها. ويحكي الفيلم صراعاً قوياً بين صبي، ابن الطبيعة، من قبيلة الكاجون Cajun يسانده أحد عمال حفر آبار النفط، وبين أبراج النفط التي أقيمت إثر تدمير البيئة الطبيعية هناك، وذلك في لغة تعبيرية طبيعية. وقد جعل فلاهرتي من الصبي بطلاً بانتصاره على الرغم من حيائه المعبر الصامت. ويصرح فلاهرتي في هذا الصدد: «أفضل أن يؤدي أفلامي التسجيلية أناس طبيعيون غير محترفين من أن ألجأ إلى عباقرة هوليوود». وقد صور فلاهرتي مئة ألف متر شريطي من الفيلم ليستخرج منها ألفي متر فقط لتساوي عرضه الذي يستغرق خمساً وسبعين دقيقة، وقد كلّف إنتاجه أكثر من ربع مليون دولار وقتئذٍ.



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.